ﰡ
سريتَ من حَرَمٍ ليلاً إلى حَرَمٍ | كما سَرَى البدرُ في دَاجٍ من الظُّلَم |
التفسِير: ﴿سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ أي تنزَّه وتقدَّس عما لا يليق بجلاله، اللهُ العليُّ الشأن، الذي انتقل بعبده ونبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في جزءٍ من الليل ﴿مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾ أي من مكة المكرمة إلى بيت المقدس، وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام قال المفسرون: وإنما قال ﴿لَيْلاً﴾ بلفظ التنكير لتقليل مدة الإسراء، وأنه قطع به المسافات الشاسعة البعيدة في جزءٍ من الليل وكانت مسيرة أربعين ليلة، وذلك أبلغ في القدرة والإِعجاز ولهذا كان بدء السورة بلفظ ﴿سُبْحَانَ﴾ الدال على كمال القدرة، وبالغ الحكمة، ونهاية تنزهه تعالى عن صفات المخلوقين، وكان الإِسراء بالروح والجسد، يقظة لا مناماً ﴿الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ أي الذي باركنا ما حوله بأنواع البركات الحسية والمعنوية، بالثمار والأنهار التي خصَّ الله بها بلاد الشام، وبكونه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة الأطهار ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ﴾ أي لنريَ محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ آياتنا العجيبة العظيمة، ونطلعه على ملكوت السماوات والأرض، فقد رأى صلوات الله عليه السماوات العُلى والجنة والنار، وسدرة المنتهى، والملائكة والأنبياء وغير ذلك من العجائب والآيات التي تدل على قدرة الله تعالى ﴿إِنَّهُ هُوَ السميع البصير﴾ أي إنه تعالى هو السميع لأقوال محمد، البصير بأفعاله، فلهذا خصَّه بهذه الكرامات والمعجزات احتفاءً وتكريماً ﴿وَآتَيْنَآ مُوسَى الكتاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي أعطينا موسى التوراة هدايةً لبني إسرائيل يخرجهم بواسطة ذلك الكتاب من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والإِيمان ﴿أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً﴾ أي لا تتخذوا لكم ربا تكلون إليه أموركم سوى الله الذي خلقكم قال المفسرون: لما ذُكر المسجدُ الأقصى وهو قلب الأرض المقدسة التي أسكنها الله بني إسرائيل جاء الحديث عنهم في مكانه المناسب من سياق السورة ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ أي يا ذرية ويا أبناء المؤمنين الذين كانوا مع نوح في السفينة، لقد نجينا آباءكم من الغرق فاشكروا الله على إنعامه ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ أي إن نوحاً كان كثير الشكر يحمد الله على كل حال فاقتدوا به، وفي النداء لهم تلطفٌ وتذكير بنعمة الله ﴿وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب﴾ أي أخبرناهم وأعلمناهم وأوحينا إليهم في التوراة ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ﴾ أي ليحصلنَّ منكم الإفساد في أرض فلسطين وما حولها مرتين قال ابن عباس: أول الفساد قتل زكريا والثاني قتل يحيى عليهما السلام ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ أي تطغون في الأرض المقدسة طغياناً كبيراً بالظلمٍ
كان عملهم مقبولاً عند الله أحسن القبول، مثاباً عليه ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هؤلاء وهؤلاء مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ﴾ أي كل واحدٍ من الفريقين الذين أرادوا الدنيا، والذين أرادوا الآخرة نعطيه من عطائنا الواسع تفضلاً منا وإحساناً، فنعطي المؤمن والكافر والمطيع والعاصي ﴿وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ أي ما كان عطاؤه تعالى محبوساً ممنوعاً عن أحد ﴿انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ﴾ أي أنظر يا محمد كيف فاوتنا بينهم في الأرزاق والأخلاق في هذه الحياة الدنيا فهذا غني وذاك فقير، وهذا شريف وذاك حقير ﴿وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ أي ولتفاوتُهم في الدار الآخرة أعظم من التفاوت في هذا الدار لأن الآخرة دار القرار وفيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي لا تجعل مع الله شريكاً ولا تتخذ غيره إلهاً تعبده ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً﴾ أي فتصير ملوماً عند الله مخذولاً منه لا ناصر لك ولا معين.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - براعة الاستهلال ﴿سُبْحَانَ الذي أسرى﴾ لأنه لما كان أمراً خارقاً للعادة بدأ بلفظ يشير إلى كمال القدرة وتنزه الله عن صفات النقص.
٢ - إضافة التكريم والتشريف ﴿بِعَبْدِهِ﴾.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً﴾ ﴿تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾.
٤ - الطباق بين ﴿أَحْسَنْتُمْ... وأَسَأْتُمْ﴾ وبين ﴿ضَلَّ... واهتدى﴾.
٥ - إيجاز بالحذف ﴿اقرأ كتابك﴾ أي يقال له يوم القيامة إقرأ كتابك ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ أي أمرناهم بطاعة الله فعصوا وفسقوا فيها.
٦ - المجاز العقلي ﴿آيَةَ النهار مُبْصِرَةً﴾ لأن النهار لا يُبصر بل يُبْصر فيه فهو من إسناد الشيء إلى زمانه.
٧ - الاستعارة اللطيفة ﴿طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ استعير الطائر لعمل الإِنسان، ولما كان العرب يتفاءلون ويتشاءمون بالطير سموا نفس الخير والشر بالطائر بطريق الاستعارة.
لطيفَة: الحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس ثم عروجه من بيت المقدس إلى السماوات العلى أنه مجمع أرواح الأنبياء، وموطن تنزل الوحي الإِلهي على الرسل الكرام، ولما كانت هذه الرحلة رحلة تكريم أراد تعالى أن يشرفهم بزيارته. ولهذا صلى بهم إماماً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
تنبيه: وصفه تعالى في هذه السورة بالعبودية ﴿أسرى بِعَبْدِهِ﴾ لأنه أشرف المقامات وأسمى المراتب العلية، كما وصفه في مقام الوحي كذلك ﴿فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى﴾ [النجم: ١٠] وفي مقام الدعوة ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] ولهذا قال القاضي عياض:
ومما زادني شرفاً وتيهاً | وكدتُ بأخمصي أطأ الثريّا |
دخولي تحت قولك يا عبادي | وأن صيَّرت أحمد لي نبياً |
وفي كل شيءٍ له آيةٌ | تدلُّ على أنه واحدُ |
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستعارة المكنية ﴿واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل﴾ شبَّه الذل بطائر له جناح وحذف الطائر ورمز له بشيء من لوازمه وهو الجناح على سبيل الاستعارة المكنية.
٢ - الاستعارة التمثيلية ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط﴾ مثَّل للبخيل بالذي حبست يده عن الإِعطاء وشدت إلى عنقه بحيث لا يقدر على مدها، وشبَّه السرف ببسط الكف بحيث لا تحفظ شيئاً.
٣ - اللف والنشر المرتب ﴿فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً﴾ عاد لفظ ﴿مَلُوماً﴾ إلى البخل ولفظ ﴿مَّحْسُوراً﴾ إلى الإِسراف أي يلومك الناس إن بخلت، وتصبح مقطوعاً إن أسرفت.
٤ - الطباق بين ﴿يَبْسُطُ... وَيَقْدِرُ﴾.
٥ - جناس الاشتقاق ﴿قَرَأْتَ القرآن﴾.
٦ - التوبيخ ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين﴾ ؟
٧ - الفرض والتقدير ﴿لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ﴾.
لطيفَة: نقف هنا أمام مثلٍ من دقائق التعبير القرآني العجيبة ففي هذه السورة قدَّم تعالى رزق الأبناء على رزق الآباء ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾ وفي سورة الأنعام قدَّم رزق الآباء ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] والسرُّ في ذلك أن قتل الأولاد هنا كان خشية وقوع الفقر بسببهم فقدَّم تعالى رزق الأولاد، وفي الأنعام كان قتلهم بسبب فقر الآباء فعلاً فقدم رزق الآباء، فلله در التنزيل ما أروع أسراره}
اللغَة: ﴿رُفَاتاً﴾ الرُّفات: ما تكسِّر وبَلِيَ من كل شيء كالفُتات والحُطام والرُّضاض ﴿يُنْغِضُونَ﴾ قال الفراء: يقال أنغض فلانٌ رأسه إذا حرّكه إلى فوق وأسفل كالمتعجب من الشيء قال الراجز: «أَنْغَض نحوي رأسه وأقنعا» ﴿يَنزَغُ﴾ يفسد ويهيِّج الشر والنزغُ: الإفسادُ والإغراء ﴿لأَحْتَنِكَنَّ﴾ الاحتناك الأخذ بالكليَّةِ والاستئصال يقال: احتنك الجرادُ الزرعَ إذا ذهب به كلَّه ﴿استفزز﴾ اخدعْ واستخفَّ يقال: أفزَّه الخوف واستفزّه إذا أزعجه واستخفَّه ﴿وَأَجْلِبْ﴾ أصل الإِجلاب السوقُ بجلبَةٍ من السائق وهو الصياح، والجَلَب والجَلَبَةُ الأصوات ﴿وَرَجِلِكَ﴾ الرَّجِلُ جمع راجل وهو الذي يمشي على قدميه ﴿يُزْجِي﴾ يسوق ﴿حَاصِباً﴾ الحاصب والحصباء هي الحَصَى الصغار ﴿قَاصِفاً﴾ القاصف ما يقصف الشيء أي يكسره والريح الشديدة التي تكسر بشدة من قصف الشيء يقصفه أي كسره بشدة، ورعد قاصف شديد الصوت ﴿تَبِيعاً﴾ طالباً يقال تابع وتبيع وهو النصير والمطالب.
سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس «أن أهل مكة سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن يُنحِّيَ عنهم الجبال فيزرعوا فقيل له: أن شئتَ أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئتَ
ب - لما ذكر تعالى شجرة الزقوم في القرآن قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمداً يخوّفكم بشجرة الزقوم، ألستم تعلمون أن النار تُحرق الشجر؟ ومحمد يزعم أن النار تُنْبِت الشجر، فهل تدرون ما الزقوم؟ هو التمر والزُّبد، يا جارية ابغينا تمراً وزُبداً، فجاءته به فقال: تزقّموا من هذا الذي يخوّفم به محمد فأنزل الله تعالى ﴿والشجرة الملعونة فِي القرآن وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾.
التفسِير: ﴿وقالوا أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً﴾ استفهام تعجب وإنكار أي قال المشركون المكذبون بالبعث أئذا أصبحنا عظاماً نخرة، وذرات متفتتة كالتراب ﴿أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ أي هل سنُبعث ونُخْلق خلقاً جديداً بعد أن نبلى ونفنى؟ ﴿قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً﴾ أي قل لهم يا محمد لو كنتم حجارةً أو حديداً لقدر الله على بعثكم وإحيائكم فضلاً عن أن تكونوا عظاماً ورفاتاً فإن الله لا يعجزه شيء، فالحجارة والحديد أبعد عن الحياة وهي أصلب الأشياء ولو كانت أجسامكم منها لأعادها الله فكيف لا يقدر على إعادتكم إذا كنتم عظاماً ورفاتاً؟ ﴿أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ أي أو كونوا خلقاً آخر أوغل في البعد عن الحياة من الحجارة والحديد مما يصعب في نفوسكم تصوُّرُ الحياة فيه فسيبعثكم الله قال مجاهد: المعنى كونوا ما شئتم فستعادون ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا﴾ ؟ أي من الذي يردنا إلى الحياة بعد فنائنا ﴿قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي قل لهم يعيدكم القادر العظيم الذي خلقكم وأنشأكم من العدم أول مرة ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ متى هُوَ﴾ ؟ أي يحركون رءوسهم متعجبين مستهزئين ويقولون استنكاراً واستبعاداً متى يكون البعث والإعادة؟ ﴿قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾ أي لعله يكون قريباً فإن كلَّ ما هو آتٍ قريب ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي سيكون بعثكم يوم الحشر الأكبر يوم يدعوكم الرب جل وعلا للاجتماع في المحشر فتجيبون لأمره، وتظنون لهوْل ما ترون أنكم ما أقمتم في الدنيا إلا زمناً قليلا ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي قل لعبادي المؤمنين يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلمة الطيبة ويختاروا من الكلام ألطفه وأحسنه وينطقوا دائماً بالحسنى ﴿إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ أي إن الشيطان يُفسد ويُهيج بين الناس الشرَّ ويُشعل نار الفتنة بالكلمة الخشنة يُفلت بها اللسان ﴿إِنَّ الشيطان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ أي ظاهر العداوة للإِنسان من قديم الزمان يتلمس سقَطَات لسانه ليُحدْث العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ أي ربكم أيها الناس أعلم بدخائل نفوسكم إن يشأ يرحمكم بالتوفيق للإِيمان، وإن يشأ يعذبكم بالإِماتة على الكفر والعصيان ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ أي وما جعلناك يا محمد حفيظاً على أعمال الكفار كفيلاً عنهم لتقسرهم على الإِيمان إنما أرسلناك نذيراً فمن أطاعك دخل الجنة، ومن عصاك دخل النار ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات والأرض﴾ إنتقالٌ من الخصوص إلى العموم أي ربك
خذوا بنصيبٍ من سرورٍ ولذةٍ | فكلٌ وإن طال المدى يتصرَّم |
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً﴾ وتكرير الهمزة في ﴿أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لتأكيد النكير وكذلك تأكيده بإنَّ واللام للإِشارة إلى قوة الإِنكار.
٣ - الطباق بين ﴿يَرْحَمْكُمْ... يُعَذِّبْكُمْ﴾ وبين لفظ ﴿البر... البحر﴾.
٤ - الإيجاز بالحذف ﴿وَلاَ تَحْوِيلاً﴾ أي ولا تحويل الضر عنكم حُذف لدلالة ما سبق.
٥ - المقابلة اللطيفة بين الجملتين ﴿يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾، ﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾.
٦ - الإِسناد المجازي ﴿وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات﴾ المنع محالٌ في حقه تعالى لأن الله لا يمنعه عن إرادته شيء فالمنع مجاز عن الترك أي ما كان سبب ترك إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين.
٧ - المجاز العقلي ﴿الناقة مُبْصِرَةً﴾ لما كانت الناقة سبباً في إبصار الحق والهدى نسب إليها الإِبصار ففيه مجاز عقلي علاقته السببية.
٨ - الاستعارة التمثيلية ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ مُثِّلَتْ حال الشيطان في تسلطه على من يغويه بالفارس الذي يصيح بجنده للهجوم على الأعداء لاستئصالهم.
٩ - التذييل ﴿إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ لأنه كالتعليل لما سبق من تسيير السفن وتسخيرها في البحر.
تنبيه: الغالب في لفظ ﴿الرؤيا﴾ أن تكون منامية وإذا كانت بالعين يقال ﴿رؤية﴾ بالتاء، وقوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ جاءت على غير الغالب لأن المراد بها الرؤية البصرية التي رآها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الإِسراء والمعراج وقد تقدم قول ابن عباس: «هي رؤيا عين أُريها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليلة أُسري به» ولو كانت رؤيا منام لما كانت فتنةً للناس ولما ارتد بعضهم عن الإسلام.
اللغَة: ﴿بِإِمَامِهِمْ﴾ الإِمام في اللغة: كل من يأتم به غيره سواء كان على هدى أو ضلال ويطلق الإِمام على كتاب الأعمال لأن الإِنسان يكون تابعاً لكتاب أعماله يقوده إلى الجنة أو النار ﴿فَتِيلاً﴾ الفتيل: القشرة التي في شق النواة ويضرب مثلاً للشيء الحقير التافه ومثله القطمير والنقير ﴿تَرْكَنُ﴾ تميل ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ الاستفزاز: الإِزعاج بسبب من الأسباب للحمل على الخروج من الوطن وغيره ﴿تَحْوِيلاً﴾ تغييراً وتبديلاً ﴿لِدُلُوكِ﴾ الدلوك: الغروب يقال دلكت الشمس أي غابت قال أبو عبيد وابن قتيبة: الدلوك الغروب وأنشد لذي الرمة:
مصابيحُ ليستْ باللواتي تقودها... نجومٌ ولا بالآفلات الدَّوَالكِ
وقال الأزهري: أصل الدلوك الميل يقال: مالت الشمس للزوال، ومالت للغروب ﴿غَسَقِ﴾ غسَقُ الليل: سواده وظلمته يقال: غسق الليل إذا اشتدت ظلمته ﴿فَتَهَجَّدْ﴾ التهجد: صلاة الليل بعد الاستيقاظ من النوم، والهجودُ: النوم، قال الشاعر:
أَلاَ طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود... فباتَتْ بعَلاَّتِ النَّوَال تَجُود
﴿زَهَقَ﴾ زال وبطل ﴿نَأَى﴾ تباعد والنأي: البُعد ﴿ظَهِيراً﴾ مُعيناً ونَصيراً.
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل! فقالوا: سلوه عن الروح فأنزل الله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي... ﴾ الآية.
التفسِير: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيءَادَمَ﴾ أي لقد شرفنا ذرية آدم على جميع المخلوقات بالعقل، والعلم، والنطق، وتسخير جميع ما في الكون لهم ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البر والبحر﴾ أي وحملناهم على
«يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر....» الحديث، قال المفسرون: في الآية الكريمة إشارة إلى الصلوات المفروضة، فدلوكُ الشمس زوالُها وهو إشارة إلى الظهر والعصر، وغَسَقُ الليل ظلمتُه وهو إشارة إلى المغرب والعشاء، وقرآن الفجر صلاة الفجر، فالآية رمزٌ إلى الصلوات الخمس ﴿وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ أي وقم من الليل بعد النوم متهجداً بالقرآن فضيلةً وتطوعاً لك ﴿عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾ أي لعلَّ ربك يا محمد يقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام «الشفاعة العظمى» قال المفسرون: ﴿عسى﴾ في كلام الله للتحقيق لأنه وعد كريم وهو لا يتخلف ولهذا قال ابن عباس: عسى من الله واجبة أي تفيد القطع ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ أي قل يا رب أدخلني قبري مُدْخل صدق أي إدخالاً حسناً ﴿وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ أي أخرجني من قبري عند البعث إخراجاً حسناً هذا قول ابن عباس، وقال الحسن والضحاك: المراد دخوله المدينة المنورة، وخروجه من مكة المكرمة وذلك حين أخرجه المشركون بعد أن تآمروا على قتله صلوات الله وسلامه عليه ﴿واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً﴾ أي اجعل لي من عندك قوةً ومَنَعة تنصرني بها على أعدائك وتُعزُّ بها دينك، وقد استجاب الله دعاءه فنصره على الأعداء، وأعلا دينه على سائر الأديان ﴿وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل﴾ أي سطع نور الحق وضياؤه وهو الإسلام، وزهق الباطل وأنصاره وهو الكفر وعبادةُ الأصنام، فلا شرك ولا وثنية بعد إشراق نور الإِيمان ﴿إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً﴾ أي إن الباطل لا بقاء له ولا ثبوت لأنه يضمحل ويتلاشى، وإن كانت له صولةٌ وجولة فسرعان ما تزول كشعلة الهشيم ترتفع عالياً ثم تخبو سريعاً، روي «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما دخل مكة عام الفتح كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول: ﴿جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً﴾ فما بقي
﴿إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً﴾ [المعارج: ١٩ - ٢١] ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ﴾ أي كل واحدٍ يعمل على نهجه وطريقته في الهدى والضلال، فإن كانت نفس الإِنسان مشرقةً صافية صدرت عنه أفعال كريمة فاضلة، وإن كانت نفسه فاجرةً كافرة صدرت عنه أفعال سيئةٌ شرّيرة ﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً﴾ أي ربكم أعلم بمن اهتدى إلى طريق الصواب وبمن ضلَّ عنه وسيجزي كل عاملٍ بعمله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ أي يسألك يا محمد الكفار عن الروح ما هي؟ وما حقيقتها؟ فقل لهم إنها من الأسرار الخفية التي لا يعلمها إلا ربُّ البرية ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي وما أوتيتم أيها الناس من العلم إلا شيئاً قليلاً لأن علمكم قليل بالنظر إلى علم الله ﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ أي لو أردنا لمحونا هذا القرآن الذي هو مِنَّةُ الرحمن من صدرك يا محمد فإن ذلك في قدرتنا ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾ أي لا تجد من يتوكل علينا باسترداده، وردّه إليك بعد ذهابه ﴿إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أي لكنْ رحمةً من ربك تركناه محفوظاً في صدرك وصدر أصحابك ﴿إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً﴾ أي فضل الله عليك عظيم حيث أنزل عليك القرآن، وأعطاك المقام المحمود، وجعلك خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين، والمقصود بالآية الامتنان على الرسول بالقرآن والتحذير له عن التفريط فيه، والخطاب له عليه السلام والمراد أمته ﴿قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ أي لو اتفق واجتمع أرباب الفصاحة والبيان من الإنس والجان وأرادوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن لما أطاقوا ذلك ولو تعاونوا وتساعدوا على ذلك جميعاً فإن هذا أمر لا يستطاع وليس بمقدور أحد ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي بيَّنا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم بالحقَّ بالآياتِ والعِبَر، والترغيب والترهيب ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي ومع البراهين القائمة والحجج الواضحة أبى أكثر الناس إلا جحوداً للحق وتكذيباً لله ورسوله.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستعارة ﴿كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ الإِمام الذي يتقدم الناس في الصلاة وقد استعير هنا لكتاب الأعمال لأنه يرافق الإِنسان ويتقدمه يوم القيامة.
٣ - الطباق ﴿ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات﴾.
٤ - المجاز المرسل ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾ أطلق الجزء على الكل أي قراءة الفجر والمراد بها الصلاة لأن القراءة جزء منها فالعلاقة الجزئية.
٥ - الإِظهار في مقام الإِضمار لمزيد الاهتمام والعناية ﴿إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً﴾ بعد قوله ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾.
٦ - التفصيل بعد الإِجمال ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ | وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى﴾ بعد ذكر كتاب الأعمال. |
٨ - إسناد الخير إلى الله والشر لغيره ﴿أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان | . وَإِذَا مَسَّهُ الشر﴾ لتعليم الأدب مع الله تعالى. |
اللغَة: ﴿كِسَفاً﴾ قِطَعاً جمع كِسْفَة كدمنة ودِمَن يقال: كسْفتُ الثوبَ أكسِفُه كِسَفاً إذا قطعته قطعاً قال الفراء: سمعت أعرابياً يقول للبزَّاز أعطني كِسْفةً يريد قطعة ﴿قَبِيلاً﴾ معاينةً ﴿ترقى﴾ تصعد ﴿خَبَتْ﴾ خبت النار: سكنَ لهبها، وخمدتْ: سكن جمرها، وهَمَدت: طفئت جملة ﴿قَتُوراً﴾ بخيلاً ﴿مَثْبُوراً﴾ الثبور: الهلاك يقال: ثَبَر اللهُ العدوَّ أهلكه ﴿لَفِيفاً﴾ اللفيف: الجمع من القوم من أخلاطٍ شتى قال الجوهري: اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتّى يقال: جاء القوم بلَفِّهم ولفيفهم ﴿مُكْثٍ﴾ المُكْث: التطاول في المدة يقال مكَثَ إذا أَطال الإِقامة ﴿تُخَافِتْ﴾ خافت في الكلام أَسَرَّه بحيث لا يكاد يسمع أحد ﴿الأَذْقَانِ﴾ جمع ذّقَن وهو مجتمع اللَّحْيَين قال الشاعر:
فخرّوا لأذقانِ الوجوه تنوشُهم | سباعٌ من الطير العوادي وتنتف |
الآية.
التفسِير: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً﴾ لما تبيّن إعجاز القرآن ولزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعلَّلون باقتراح الآيات والخوارق والمعنى قال المشركون لن نصدِّقك يا محمد حتى تشقّق لنا من أرض مكة عيناً غزيرة ﴿أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ﴾ أي يكون لك بستانٌ فيه أنواع النخيل والأعناب ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً﴾ أي تجعل الأنهار تتفجّر فيها وتسير وسطها بقوةٍ وغزارة ﴿أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً﴾ هذا هو الاقتراح الثالث أي تجعل السماء تتساقط علينا قِطَعاً كما كنتَ تخوّفنا وتزعم أن الله سيعذبنا إن لم نؤمن بك قال المفسرون: أشاروا إلى قوله تعالى: ﴿إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء﴾ [سبأ: ٩] ﴿أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً﴾ أي تُحضر لنا اللهَ وملائكته مقابلةً وعياناً فنراهم ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ﴾ أي يكون لك قصرٌ مشيَّد عظيم من ذهبٍ لا من حجر أو طين ﴿أَوْ ترقى فِي السمآء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ﴾ هذا هو الاقتراح السادس والأخير، وكلُّها تدل على سفهٍ وجهلٍ كبير، بسنة الله في خلقه وبحكمته وجلاله أي أو تصعد يا محمد إلى السماء بِسُلَّم ولن نصدّقك لمجرد صعودك حتى تعود ومعك كتاب من الله تعالى منشور أنك عبده ورسولُه نقرؤه بأنفسنا ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ أي قل لهم يا محمد تعجباً من فرط كفرهم وعنادهم: سبحانَ الله هل أنا إله حتى تطلبوا مني أمثال هذه المقترحات؟ ما أنا إلا رسولٌ من البشر بعثني الله إِليكم فلم هذا الجحود والعناد؟! ﴿وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً﴾ ؟ أي إن السبب الذي منع المشركين من الإِيمان بعد وضوح المعجزات هو استبعاد أن يبعث الله رسولاً إلى الخلق من البشر، فلماذا يكون بشراً ولا يكون ملكاً؟ وقد ردَّ تعالى عليهم بقوله ﴿قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ﴾ أي قل لهم يا محمد: لو كان أهل الأرض ملائكة يمشون على أقدامهم كما يمشي الناس ساكنين في الأرض مستقرين فيها ﴿لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً﴾ أي لنزلنا عليهم رسولاً من الملائكة ولكنَّ أهل الأرض بشرٌ
«قيل يا رسول الله: كيف يُحشر الناسُ على وجوههم؟ قال: الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» ﴿مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾ أي مستقرهم ومقامهم في جهنم كلما سكن لهبها وخمدت نارها زدناهم ناراً ملتهبة ووهجاً وجمراً ﴿ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ أي ذلك العذاب جزاء كفرهم بآيات الله وتكذيبهم بالبعث والنشور وقولهم أئذا أصبحنا عظاماً نخرة، وذرات متفتتة سنُخلق ونبعث مرة ثانية؟ وقد ردَّ تعالى عليهم بقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ أي أولم ير هؤلاء المشركون أن الله العظيم الجليل الذي خلق هذا الكون الهائل بسماواته وأرضه قادرٌ على إعادة جسد الإِنسان بعد فنائه؟ فإن القادر على الإحياء قادر على الإِعادة بطريق الأحرى قال في البحر: نبَّههم تعالى على عظيم قدرته وباهر حكمته بقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ﴾ وهو استفهام إِنكارٍ وتوبيخ على استبعادهم الإِعادة، واحتجاجٌ عليهم بأنهم قد رأوا قدرة الله على خلق هذه الأجرام العظيمة التي بعضُ ما تحويه البشرُ، فكيف يقرون بخلق هذا المخلوق العظيم ثم ينكرون إعادته ﴿وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ أي جعل لهؤلاء المشركين موعداً محدَّداً لموتهم وبعثهم، لا شك ولا ريب في مجيئه ﴿فأبى الظالمون إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي أبى هؤلاء الكافرون الظالمون - مع وضوح الحق وسطوعه - إلا جحوداً وتمادياً في الكفر والضلال ﴿قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المعاندين المكابرين، المقترحين للخوارق والمعجزات: لو كنتم تملكون خزائن رزق الله ونِعَمه التي أفاضها على العباد ﴿إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق﴾ أي إذاً لبخلتم به وامتنعتم عن الإِنفاق خوفاً من نفادها ﴿وَكَانَ الإنسان قَتُوراً﴾ أي وكان الإِنسان شحيحاً مبالغاً في البخل قال ابن عباس ﴿قَتُوراً﴾ أي بخيلاً منوعاً وقال الزمخشري: ولقد بلغ هذا الوصف بالشُّحّ الغاية التي لا يبلغها الوهم. ثم ذكر تعالى أن كثرة
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣] ﴿فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ﴾ أي فاسألْ يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون فإنهم يعلمونها مما لديهم في التوراة قال الرازي: وليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره الرسول فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً﴾ أي إني لأظنك يا موسى قد سُحرت فتخبَّط عقلُك ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ﴾ أي قال له موسى توبيخاً وتبكيتاً: لقد تيقَّنت يا فرعون أن هذه الآيات التسع ما أنزلها إلا رب السماوات والأرض شاهدة على صدقي، تبصِّرُ الناس بقدرة الله وعظمته ولكنك مكابرٌ معاند ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾ أي وإني لأعتقدك يا فرعون هالكاً خاسراً ﴿فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأرض﴾ أي أراد فرعون أن يخرج موسى وقومه من أرض مصر ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً﴾ أي فأغرقنا فرعون وجنده أجمعين في البحر ﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض﴾ أي وقلنا لبني إسرائيل من بعد إغراق فرعون وجنده اسكنوا أرض مصر ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً﴾ أي فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم من قبوركم إلى المحشر مختلطين فيكم المؤمن والكافر، والبرُّ والفاجر، ثم نفصل بينكم ونميّز السعداء من الأشقياء، ثم عاد إلى تعظيم حال القرآن وجلالة قدره فقال ﴿وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ﴾ أي وأنزلنا هذا القرآن متلبساً بالحقِّ، لا يعتريه شك أو ريب، فيه الحكم والمواعظ والأمثال التي اشتمل عليها القرآن وهكذا أُنزل من عند الله ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ أي وما أرسلناك يا محمد إلا مبشراً بالجنة لمن أطاع، ومنذراً بالنار لمن عصى ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ﴾ أي وقرآناً نزّلناه مفرقاً منجماً لتقرأه على الناس على تُؤدةٍ ومهل، ليكون حفظه أسهل، والوقوف على دقائقه أيسر ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾ أي نزّلناه شيئاً بعد شيء على حسب الأحوال والمصالح ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تؤمنوا﴾ خطاب للمشركين الذين اقترحوا المعجزات على وجه التهديد والوعيد أي آمنوا بهذا القرآن أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم به لا يزيده كمالاً، وتكذيبكم له لا يورثه نقصاً ﴿إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً﴾ أي العلماء الذين قرءوا الكتب السالفة من صالحي أهل الكتاب إذا سمعوا القرآن تأثروا فخرّوا ساجدين للهِ رب العالمين، والجملة تعليل لما تقدم والمعنى: إن لم تؤمنوا به أنتم فقد آمن به من هو خير منكم وأعلم ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾ أي يقولون تنزّه الله عن إخلاف وعده إنه كان وعده كائناً لا محالة ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾ أي ويخرُّون لناحية الأذقان ساجدين على وجوههم باكين عند
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً﴾ ؟.
٢ - الالتفات من الغيبة إلى التكلم ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ اهتماماً بأمر الحشر.
٣ - الطباق بين ﴿وَمَن يَهْدِ... وَمَن يُضْلِلْ﴾ وبين ﴿مُبَشِّراً... وَنَذِيراً﴾ وبين ﴿تَجْهَرْ... وتُخَافِتْ﴾.
٤ - الجناس الناقص بين ﴿مَسْحُوراً﴾ و ﴿مَثْبُوراً﴾ لتغير بعض الحروف.
٥ - المقابلة اللطيفة ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾ مقابل قولة فرعون ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً﴾.
٦ - السجع الرصين الذي يزيد في جمال الأسلوب مثل ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً... مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ ومثل ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً... وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾.
سورة الإسراء
سورةُ (الإسراء) أو سورةُ (سُبْحانَ) من السُّوَر المكية، وقد تضمَّنتْ مِحْورَينِ رئيسَينِ:
الأول: الحديث عن معجزةِ (الإسراء والمِعراج)، وما دلَّ ذلك عليه من عظيمِ قدرة الله تعالى، وتصرُّفِه في الكون كيف شاء، وما تَبِع ذلك من مُحاجَجة المشركين في إنكارِهم البعثَ، والجزاء، وغير ذلك.
أما المحور الثاني: فقد دلَّ عليه الاسمُ الآخَر للسورة؛ وهو (سُبْحانَ)، فجاءت السورةُ لتنزيهِ الله عزَّ وجلَّ عن كلِّ نقصٍ وعيبٍ؛ فهو صاحبُ القَدْر والملكوت، المستحِقُّ للعبادة، وقد أُثِر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الإسراء) قبل أن ينامَ على فراشه.
ترتيبها المصحفي
17نوعها
مكيةألفاظها
1563ترتيب نزولها
50العد المدني الأول
110العد المدني الأخير
110العد البصري
110العد الكوفي
111العد الشامي
110* قوله تعالى: {أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ اْلْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]:
عن عبدِ اللهِ بن عُتْبةَ بن مسعودٍ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في نَفَرٍ مِن العرَبِ كانوا يعبُدون نَفَرًا مِن الجِنِّ، فأسلَمَ الجِنِّيُّونَ، والإنسُ الذين كانوا يعبُدونهم لا يشعُرون؛ فنزَلتْ: {أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ اْلْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]». أخرجه مسلم (٣٠٣٠).
* قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِاْلْأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا اْلْأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ اْلنَّاقَةَ مُبْصِرَةٗ} [الإسراء: 59]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «سألَ أهلُ مكَّةَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَجعَلَ لهم الصَّفَا ذهَبًا، وأن يُنحِّيَ الجبالَ عنهم فيَزْدَرِعُوا، فقيل له: إن شِئْتَ أن تستأنيَ بهم، وإن شِئْتَ أن تؤتيَهم الذي سألوا، فإن كفَروا أُهلِكوا كما أهلَكْتُ مَن قَبْلهم، قال: لا، بل أستأني بهم؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل هذه الآيةَ: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِاْلْأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا اْلْأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ اْلنَّاقَةَ مُبْصِرَةٗ} [الإسراء: 59]». أخرجه النسائي(١١٢٩٠)، وأحمد (٢٣٣٣).
* قوله تعالى: {وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلرُّوحِۖ قُلِ اْلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ اْلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلٗا} [الإسراء: 85]:
عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا أنا أمشي مع النبيِّ ﷺ في بعضِ حَرْثِ المدينةِ وهو يَتوكَّأُ على عَسِيبٍ معه، فمرَرْنا على نَفَرٍ مِن اليهودِ، فقال بعضُهم لبعضٍ: سَلُوه عن الرُّوحِ، فقال بعضُهم: لا تَسألوه؛ أن يَجِيءَ فيه بشيءٍ تَكرَهونه، فقال بعضُهم: لَنَسألَنَّهُ، فقامَ إليه رجُلٌ منهم، فقال: يا أبا القاسمِ، ما الرُّوحُ؟ فسكَتَ عنه النبيُّ ﷺ، فعَلِمْتُ أنَّه يُوحَى إليه، فقال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]». قال الأعمَشُ: «هكذا في قراءتِنا». أخرجه البخاري (٧٤٦٢). قوله: «هكذا في قراءتِنا»: يَقصِدُ قولَه: (أُوتُوا).
* قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَاْبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} [الإسراء: 110]:
عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «أُنزِلتْ ورسولُ اللهِ ﷺ مُتَوَارٍ بمكَّةَ، فكان إذا رفَعَ صوتَه سَمِعَ المشركون، فسَبُّوا القرآنَ ومَن أنزَلَه ومَن جاءَ به، فقال اللهُ تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} حتى يَسمَعَ المشركون، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابِك فلا تُسمِعُهم، {وَاْبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا}: أسمِعْهم ولا تَجهَرْ؛ حتى يأخذوا عنك القرآنَ». أخرجه البخاري (٧٤٩٠).
لسورة (الإسراء) اسمانِ آخران غيرُ هذا؛ هما:
* سورةُ (بني إسرائيل):
وقد ثبَت ذلك في حديث عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ على فراشِه حتى يَقرأَ (بني إسرائيلَ)، و(الزُّمَرَ)». أخرجه الترمذي (٢٩٢٠).
وجهُ تسميتِها بذلك: أنها اشتملت على ذِكْرِ أحوال بني إسرائيل؛ كما أسلفنا في موضوعات السورة.
* سورة (سُبْحانَ):
ودلَّ على ذلك افتتاحُ السورة بهذا اللفظ.
صحَّ في فضلها ما يلي:
* كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها قبل أن ينامَ على فراشه:
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ على فراشِه حتى يَقرأَ (بني إسرائيلَ)، و(الزُّمَرَ)». أخرجه الترمذي (٢٩٢٠).
والمقصودُ بـ(بني إسرائيل): سورةُ (الإسراء).
* أنَّها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبدِ الرَّحْمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بني إسرائيلَ)، و(الكهفِ)، و(مَرْيمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلَادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).
قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلادي»: يعني: مِن قديم ما أخذتُ من القرآن؛ وذلك أن هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).
اشتمَلتِ السُّورةُ على عدَّة موضوعات؛ جاءت كما يلي:
1. قصةُ الإسراء (١).
2. إكرام سيِّدنا موسى عليه السلام (٢-٣).
3. أحوال بني إسرائيلَ في التاريخ (٣-٨).
4. أهداف القرآن الكريم (٩-١١).
5. التذكير بنِعَم الله، ودلائلِ قدرته (١٢-١٧).
6. من أراد الدنيا، ومن أراد الآخرة (١٨-٢٢).
7. توجيهاتٌ ربانية في المعاملات والأخلاق (٢٣- ٣٩).
8. إبطالُ دعوى الشريك لله تعالى (٤٠- ٤٤).
9. السر في كفرِ المشركين وعنادِهم (٤٥- ٤٨).
10. إنكار المشركين للبعث، والرد عليهم (٤٩- ٥٥).
11. مناقشة المشركين في عقائدهم الفاسدة (٥٦- ٦٠).
12. الحسد أصلُ الداء (٦١- ٦٥).
13. من نِعَم الله تعالى على الإنسان (٦٦- ٧٠).
14. من مشاهدِ يوم القيامة (٧١- ٧٢).
15. محاولةُ المشركين فتنةَ النبي صلى الله عليه و سلم (٧٣-٧٧).
16. أوامرُ وإرشاداتٌ للنبي عليه السلام (٧٨- ٨٥).
17. إعجاز القرآن الكريم (٨٦-٨٩).
18. اقتراحُ مشركي مكة الآياتِ الحسيةَ (٩٠-٩٣).
19. بعض شُبهات المشركين، والردُّ عليها (٩٤-١٠٠).
20. آيات موسى، وصفة القرآن الكريم (١٠١-١٠٩).
21. الدعاء بأسماء الله الحسنى (١١٠-١١١).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /212).
بيَّنتْ هذه السورةُ معجزةً عظيمة؛ وهي معجزةُ (الإسراء والمعراج)، فجاءت تدعو إلى الإقبالِ على الله وحده، وخَلْعِ كل ما سِواه؛ لأنه وحده المالكُ لتفاصيل الأمور، وتفضيلِ بعض الخَلْق على بعض.
وذلك هو العملُ بالتقوى؛ التي أدناها: خَلْعُ الأنداد واعتقادُ التَّوحيد، وأعلاها: الإحسانُ.
كما أنها قامت على تنزيهِ الله عزَّ وجلَّ عن كل عيبٍ ونقص.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /230).