تفسير سورة الأنفال

معاني القرآن

تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

الواحد من " الأَنفال " : النَفَلُ ".
﴿ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ﴾ ( ١ ) فأضاف ﴿ ذاتَ ﴾ إلى " البَيْنِ " وجعله ﴿ ذاتَ ﴾ لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث وبعضه يذكر نحو " الدار " و " الحائط " أنّثت " الدار " وذكّر " الحائط ".
وقال ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ﴾ ( ٥ ) فهذه الكاف يجوز أن تكون على قوله ﴿ أُوْلئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾ ( ٤ ) ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ﴾. وقال بعض أهل العلم ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾
وقال ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾ ( ٧ ) فقوله ﴿ أَنَّهَا ﴾ بدل من قوله ﴿ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ ﴾ وقال ﴿ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ﴾ فأنث لأنه يعني " الطائفة ".
وقال ﴿ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ ﴾ ( ١٢ ) معناها : " إِضْرِبُوا الأَعْناقِ " كما تقول : " رأيتُ نَفْسَ زَيْدٍ " تريد " زيداً ".
﴿ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ ( ١٢ ) واحد " البَنانِ " : " البَنَانَةُ ".
وقال ﴿ ذالِكُمْ فَذُوقُوهُ [ ١٢٤ ء ] وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ ( ١٤ ) كأنه جعل " ذلكم " خبراً لمبتدأ أَوْ مبتدأ أضمر خبره حتى كأنه قال : " ذلِكُمْ الأَمْرُ " أوْ " الأَمْرُ ذلك م ". ثم قال ﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴾ أيْ : الأَمْرُ ذلكم وهذا، فلذلك انفتحت " أَنَّ ". ومثل ذلك قوله ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ ( ١٨ ) وأمّا قول الشاعر :[ من البسيط وهو الشاهد العشرون بعد المئتين ] :
ذاكَ وإِنِّي على جاري لَذُو حَدَبٍ أَحنو عَلَيْهِ كما يُحْنى على الجارِ
فإِنما كسر " إِنَّ " لدُخول اللام. قال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الحادي والعشرون بعد المئتين ] :
وَأَعْلَمُ عِلْماً ليسَ بالظنِّ أَنَّه إِذا ذَلَّ مَوْلَى المَرْءِ فَهْوَ ذَليل
وإِنَّ لِسانَ المَرْءِ ما لَمْ تَكُنْ لَهُ * حَصاةٌ على عَوْراتِهِ لَدَلِيلُ
فكسر الثانية لأن اللام بعدها. ومن العرب من يفتحها لأنه لا يدري* أن بعدها لاما وقد سمع مثل ذلك من العرب في قوله ﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ( ٩ ) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ( ١٠ ) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ ( ١١ ) ﴾ ففتح وهو غير ذاكر للام وهذا غلط قبيح.
وقال ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ ( ١٧ ) تقول العرب : " و اللهِ ما ضَرَبْتُ غَيْرَهُ " وإِنما ضربت أخاه كما تقول " ضَرَبَهُ الأَميرُ " والأميرُ لم يَلِ ضَرْبَهُ. ومثلُ هذا في كلام العرب كثير.
وقال ﴿ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ [ ١٢٤ ب ] الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً ﴾ ( ٢٥ ) فليس قوله - و الله أعلم - ﴿ تُصِيبَنَّ ﴾ بجواب ولكنه نَهْيٌ بعدَ أمر، ولو كان جوابا ما دخلت النون.
وقال ﴿ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ ﴾ ( ٣٢ ) فنصب ﴿ الحقَّ ﴾ لأن ﴿ هُوَ ﴾ - و الله أعلم - جعلت ها هنا صلة في الكلام زائدة توكيدا كزيادة ﴿ ما ﴾. ولا تزاد إلا في كل فعل لا يستغنى عن خبر، وليست ﴿ هُوَ ﴾ بصفة ل﴿ هذا ﴾ لأنك لو قلت : " رأيتُ هذا هُوَ " لم يكن كلاما ولا تكون هذه المضمرة من صفة الظاهرة ولكنها تكون من صفة المضمرة في نحو قوله ﴿ ولكن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ ﴾ و﴿ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ﴾ لأنك تقول " وَجَدْتُهُ هُوَ " و " أتاني هُو " فتكون صفة، وقد تكون في هذا المعنى أيضاً غير صفة ولكنها تكون زائدة كما كان في الأول. وقد تجري في جميع هذا مجرى الاسم فيرفع ما بعده أن كان ما قبله ظاهرا أو مضمرا في لغة لبني تميم في قوله ﴿ إِنْ كانَ هذا هَوَ الحَقُّ ﴾ [ و ] ﴿ ولكنْ كانُوا هُمْ الظّالِمونَ ﴾ و﴿ تَجِدُوهُ عندَ اللهِ هوَ خَيْرٌ وأَعْظَمُ أَجْرا ﴾ كما تقول " كانُوا آباؤُهم الظالَمُون " وإنما جعلوا هذا المضمر نحو قولهم " هُوَ " و " هُما " و " أَنْتَ " زائدا في هذا المكان ولم يجعل في مواضع الصفة لأنه فصل أراد أن يبين به انه ليس بصفة [ ١٢٥ ء ] ما بعده لما قبله ولم يحتج إلى هذا في الموضع الذي لا يكون له خبر.
وقال ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ﴾ ( ٣٤ ) ف﴿ أَنْ ﴾ ها هنا زائدة - و الله أعلم - وقد عملت وقد جاء في الشعر، قال :[ من البسيط وهو الشاهد السابع والأربعون بعد المئة ] :
لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفانٌ لا ذُنُوبَ لَها إِلَيَّ لامَتْ ذَوُو أَحْسابِها عُمَرا
وقوله ﴿ ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا مكان مفعولا ﴾ ( ٤٢ ) وأمر الله كله مفعول ولكن أراد أن يقص الاحتجاج عليهم وقطع العذر قبل إهلاكهم.
وقال ﴿ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ﴾ ( ٣٥ ) نصب على خبر " كانَ ".
وقال ﴿ لِيَمَيِّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ ( ٣٧ ) جعله من " مَيَّزَ " مثقلة وخففها بعضهم فقال ﴿ ليَمِيزَ ﴾ من " مازَ " " يَمِيزُ " وبها نقرأ.
وقال ﴿ إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ﴾ ( ٤٢ ) وقال بعضهم ﴿ بالعُدْوَةِ ﴾ وبها نقرأ وهما لغتان. وقال بعض العرب الفصحاء :[ " العُدْيَةِ " ] فقلب الواو ياء كما تقلب الياء واوا في نحو " شَرْوَى " و " بَلْوى " لأن ذلك يفعل بها فيما هو نحو من ذا نحو " عَصِيّ " و " أرض مَسُنِيَّةٌ " وفي قولهم " قِنْيَة " لأنها من " قَنَوْتُ ".
وقال ﴿ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾ ( ٤٢ ) فجعل " الأَسْفَلَ " ظرفا ولو شئت قلت ﴿ أَسْفَلُ منكم ﴾ [ ١٢٥ ب ] إذا جعلته ﴿ الرَكْب ﴾ ولم تجعله ظرفا.
وقال ﴿ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾ ( ٤٢ ) فالزم الإدغام إذ صار في موضع يلزمه الفتح فصار مثل باب التضعيف. فإذا كان في موضع لا يلزمه الفتح لم يدغم نحو ﴿ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ إلا أن تشاء أن تخفي وتكون في زنة متحرك لأنها لا تلزمه لأنك تقول ﴿ تُحْيِي ﴾ فتسكن في الرفع وتحذف في الجزم، فكل هذا يمنعه الإدغام. وقال بعضهم ﴿ مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ ولم يدغم إذا كان لا يدغمه في سائر ذلك. وهذا أقبح الوجهين لأنّ " حَيِيَ " مثل " خَشِيَ " لما صارت مثل غير التضعيف أجرى الياء الآخرة مثل ياء " خَشِيَ ". وتقول للجميع " قد حَيُوا " كما تقول " قَدْ خَشُوا " ولا تدغم لأن ياء " خَشُوا " تعتل ها هنا. وقال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المئتين ] :
وَحَيٍّ حَسِبْناهُمْ فَوارِسَ كَهْمَسٍ حَيُوا بَعْدَما ماتُوا من الدَهْرِ أَعْصُرا
وقد ثَقَّل بعضُهم وتركها على ما كانت عليه وذلك قبيح. قال الشاعر :[ من مجزوء الكامل وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المئتين ] :
عَيُّوا بأَمْرِهِمُ كَما عَيَّتْ بِبَيْضَتِها الحَمامَة
جَعَلَتْ لَهُ عُودَيْنِ مِنْ نَشَمٍ وآخَرَ من ثُمَامَهْ
وقال ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ ( ٥٠ ) [ ١٢٦ ء ] فأضمر الخبر والله اعلم. وقال الشاعر :[ من الخفيف وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المئة ] :
إِنْ يَكُنْ طِبَّكِ الدَّلالُ فَلَوْفِي سالِفِ الدَّهْرِ والسنينَ الخَوالي
يريد بقوله " فَلَوِفي سالِفِ الدَهْرِ " [ إن ] يقول : " فلو كان في سالف الدهر لكان كذا وكذا " فحذف هذا الكلام كلّه.
وقال ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ﴾ ( ٦١ ) فأنث " السَّلْمَ " وهو " الصُلْح " وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر.
وقال ﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ﴾ ( ٦٢ ) لأنَّ " حسبَك " اسم.
وقال ﴿ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ ( ٧٢ ) وهو في الولاءِ. وأَمّا في السلطان ف " الوِلايَة " ولا أعلم كسر الواو في الأخرى إلا لغة.
وقال ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ ﴾ ( ٧٥ ) فجعل الخبر بالفاء كما تقول : " الذي يَأْتِيني فَلَه دِرْهَمان " فتلحق الفاء لما صارت في معنى المجازاة.
سورة الأنفال
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اعتنَتْ سورةُ (الأنفال) ببيانِ أحكامِ الحرب والغنائمِ والأَسْرى؛ ولذا سُمِّيتْ بهذا الاسمِ، وقد نزَلتْ هذه السورةُ في المدينةِ بعد غزوة (بَدْرٍ)؛ لذا تعلَّقتْ أسبابُ نزولها بهذه الغزوة، وقد أبانت السورةُ عن قوانين النَّصر المادية: كتجهيز العَتاد، والمعنوية: كوَحْدة الصَّف، وأوضَحتْ حُكْمَ الفِرار من المعركة، وقتالِ الكفار، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ ربانيَّة، كما أصَّلتْ - بشكل رئيسٍ - لقواعدِ عَلاقة المجتمع المسلم بغيره.

ترتيبها المصحفي
8
نوعها
مدنية
ألفاظها
1243
ترتيب نزولها
88
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
67
العد البصري
76
العد الكوفي
75
العد الشامي
77

تعلَّقتْ سورةُ (الأنفال) بوقائعَ كثيرةٍ؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* ما جاء عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبة؟ قال: التَّوبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: ﴿وَمِنْهُمْ﴾ ﴿وَمِنْهُمْ﴾ حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحشرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

* قوله تعالى: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ وَأَطِيعُواْ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ بدرٍ جئتُ بسيفٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ قد شَفَى صدري مِن المشركين - أو نحوَ هذا -، هَبْ لي هذا السيفَ، فقال: «هذا ليس لي، ولا لك»، فقلتُ: عسى أن يُعطَى هذا مَن لا يُبلِي بلائي، فجاءني الرسولُ، فقال: «إنَّك سألْتَني وليس لي، وإنَّه قد صار لي، وهو لك»، قال: فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ﴾ الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٠٧٩).

وعن عُبَادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا مع النبيِّ ﷺ، فشَهِدتُّ معه بدرًا، فالتقى الناسُ، فهزَمَ اللهُ العدوَّ، فانطلَقتْ طائفةٌ في آثارِهم يَهزِمون ويقتُلون، وأكَبَّتْ طائفةٌ على العسكرِ يَحْوُونه ويَجمَعونه، وأحدَقتْ طائفةٌ برسولِ الله ﷺ؛ لا يُصِيبُ العدوُّ منه غِرَّةً، حتى إذا كان الليلُ وفاءَ الناسُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال الذين جمَعوا الغنائمَ: نحن حوَيْناها وجمَعْناها؛ فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ! وقال الذين خرَجوا في طلبِ العدوِّ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن نفَيْنا عنها العدوَّ وهزَمْناهم! وقال الذين أحدَقوا برسولِ اللهِ ﷺ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن أحدَقْنا برسولِ اللهِ ﷺ، وخِفْنا أن يُصِيبَ العدوُّ منه غِرَّةً، واشتغَلْنا به! فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ﴾ [الأنفال: 1]، فقسَمَها رسولُ اللهِ ﷺ على فُوَاقٍ بين المسلمين، قال: وكان رسولُ اللهِ ﷺ إذا أغارَ في أرضِ العدوِّ نفَّلَ الرُّبُعَ، وإذا أقبَلَ راجعًا وكَلَّ الناسُ نفَّلَ الثُّلُثَ، وكان يَكرَهُ الأنفالَ، ويقولُ: «لِيَرُدَّ قويُّ المؤمنين على ضعيفِهم»». أخرجه أحمد (٢٢٧٦٢).

* قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «حدَّثني عُمَرُ بن الخطَّابِ، قال: لمَّا كان يومُ بَدْرٍ نظَرَ رسولُ اللهِ ﷺ إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُمائةٍ وتسعةَ عشَرَ رجُلًا، فاستقبَلَ نبيُّ اللهِ ﷺ القِبْلةَ، ثم مَدَّ يدَيهِ، فجعَلَ يَهتِفُ برَبِّهِ: اللهمَّ أنجِزْ لي ما وعَدتَّني، اللهمَّ آتِ ما وعَدتَّني، اللهمَّ إن تَهلِكْ هذه العصابةُ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدْ في الأرضِ، فما زالَ يَهتِفُ برَبِّهِ، مادًّا يدَيهِ، مستقبِلَ القِبْلةِ، حتى سقَطَ رداؤُهُ عن مَنكِبَيهِ، فأتاه أبو بكرٍ، فأخَذَ رداءَهُ، فألقاه على مَنكِبَيهِ، ثم التزَمَه مِن ورائِه، وقال: يا نبيَّ اللهِ، كفَاك مُناشَدتُك ربَّك؛ فإنَّه سيُنجِزُ لك ما وعَدَك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، فأمَدَّه اللهُ بالملائكةِ». أخرجه مسلم (١٧٦٣).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]:

عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في يومِ بدرٍ: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]». أخرجه أبو داود (٢٦٤٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} [الأنفال: 33، 34]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: اللهمَّ إن كان هذا هو الحقَّ مِن عندِك، فأمطِرْ علينا حجارةً مِن السماءِ، أو ائتِنا بعذابٍ أليمٍ؛ فنزَلتْ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٦٤٩).

سُمِّيتْ سورةُ (الأنفال) بذلك؛ لأنها بدأت بالحديثِ عن (الأنفال).

كما سُمِّيتْ أيضًا بسورة (بَدْرٍ): لِما صحَّ عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: تلك سورةُ بَدْرٍ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

ووجهُ التسمية بذلك ظاهرٌ؛ لأنها نزَلتْ بعد غزوةِ (بَدْرٍ)، وتحدَّثتْ بشكلٍ رئيس عن هذه الغزوةِ.

* أنَّ من أخَذها عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

* أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيَّةِ السُّوَر الطِّوال:

فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (الأنفال) كما يلي:

* قوانينُ ربَّانية {وَمَا ‌اْلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اْللَّهِۚ}:

1. الأنفالُ وصفاتُ المؤمنين الصادقين (١ -٤).

2. غزوة (بدر) (٥-١٤).

3. حرمةُ الفرار من المعركة، ومِنَّة الله بالنصر والتأييد (١٥-١٩).

4. طاعة الله ورسوله، والنهيُ عن خيانة الأمانة (٢٠-٢٩).

5. نماذجُ من عداوة المشركين للمؤمنين (٣٠-٤٠).

6. توزيعُ غنائمِ (بدر) مع التذكير بما دار في المعركة (٤١-٤٤).

* قوانينُ مادية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اْسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ}:

7. من شروط النصر، وأسباب الهزيمة (٤٥-٤٩).

8. نماذجُ من تعذيب الله للكافرين (٥٠-٥٤).

9. قواعد السلم والحرب والمعاهَدات الدولية (٥٥-٦٣).

10. وَحْدة الصف، والتخفيف في القتال (٦٤-٦٦).

11. العتاب في أُسارى (بدر) (٦٧- ٧١).

12. قواعدُ في علاقة المجتمع الإسلامي بغيره (٧٢-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /131).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو بيانُ أحكامِ (الأنفال)، والأمرُ بتقوى الله وطاعتِه وطاعة رسوله، في ذلك وغيره، وأمرُ المسلمين بإصلاح ذاتِ بينهم، وأن ذلك من مقوِّمات معنى الإيمان الكامل، واشتمَلتْ على تذكيرِ النبي ﷺ بنعمةِ الله عليه إذ أنجاه من مكرِ المشركين به بمكَّةَ، وخلَّصه من عنادِهم. ثمَّ قصَدتْ دعوةَ المشركين للانتهاء عن مناوأةِ الإسلام، وإيذانِهم بالقتال، والتحذيرِ من المنافقين، وضربِ المَثَل بالأُمم الماضية التي عانَدتْ رُسُلَ الله ولم يشكروا نعمةَ الله، كما قصَدتْ بيانَ أحكام العهد بين المسلمين والكفار، وما يَترتَّب على نقضِهم العهدَ، ومتى يحسُنُ السلمُ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (9 /248).