تفسير سورة الفيل

النهر الماد من البحر المحيط

تفسير سورة سورة الفيل من كتاب النهر الماد من البحر المحيط
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ ﴾ هذه السورة مكية ولما ذكر فيما قبلها عذاب الكفار في الآخرة أخبر هنا بعذاب ناس منهم في الدنيا والظاهر أن الخطاب للرسول عليه السلام بذكر نعمته عليه إذ كان صرف ذلك العدد العظيم عام مولده عليه أفضل الصلاة والسلام وإرهاصاً بنبوته إذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول من خوارق العادات والمعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء عليهم السلام ومعنى ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ ألم تعلم قدرة على وجود علمه بذلك إذ هو أمر منقول نقل التواتر فكأنه قيل قد علمت فعل الله ربك بهؤلاء الذين قصدوا حرمه ضلل كيدهم وأهلكهم بأضعف جنوده وهي الطير التي ليست من عادتها أن تقتل وقصة الفيل ذكرها أهل السير مطولة وأصحاب الفيل أبرهة بن الصباح الحبشي ومن كان معه من جنوده والظاهر أنه قيل واحد وكان العسكر ستين ألفاً لم يرجع منهم أحد إلا أميرهم في شرذمة قليلة فلما أخبروا بما رأوا أهلكوا وكان الفيل يوجهونه نحو مكة لما كان قريباً منها فيبرك ويوجه نحو الشام واليمن فيسرع، وتر معلقة والجملة التي فيها الإِستفهام في موضع نصب بتر وكيف معمولة حفعل وفي خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ فَعَلَ رَبُّكَ ﴾ تشريف له عليه السلام وإشادة من ذكره كأنه قال ربك معبودك هو الذي فعل ذلك لا أصنام قريش أساف ونائلة وغيرهما في تضليل في تضييع وإبطال يقال ضلل كيده إذا جعله ضالاً ضائعاً وتضييع كيدهم هو بأن أحرق الله تعالى البيت الذي بنوه قاصدين أن يرجع حج العرب إليه وبأن أهلكهم لما قصدوا هدم بيت الله تعالى الكعبة بأن أرسل عليهم طيراً جاءت من جهة البحر ليست نجدية ولا تهامية ولا حجازية سوداء وقيل خضراء على قدر الخطاف والطير إسم جمع يذكر ويؤنث وقيل الضمير عائد على ربك.﴿ بِحِجَارَةٍ ﴾ كان كل طائر في منقاره حجر وفي رجليه حجران كل حجر فوق حبة العدس ودون حبة الحمص مكتوب في كل حجر إسم مرميه ينزل على رأسه ويخرج من دبره ومرض أبرهة فتقطع أنملة أنملة وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه وانفلت أبو مكسوز وزيره وطائر يتبعه حتى وصل إلى النجاشي وأخبره بما جرى للقوم فرماه الطائر بحجره فمات بين يدي الملك.﴿ أَبَابِيلَ ﴾ أي جماعات وقال الفراء لا واحد له من لفظه وذكر الرقاشي أنه سمع في واحده ابالة وحكى الفراء ابالة بالتخفيف.﴿ سِجِّيلٍ ﴾ تقدم شرحه في هود والعصف في الرحمٰن شبهوا بالعصف الذي أكل أي وقع فيه الاكال والتبن الذي أكلته الدواب وراثته قال ابن إسحٰق لما رد الله الحبشة عن الكعبة عظمت العرب قريشاً وقالوا أهل الله قاتل عنهم وكفاهم مؤمنة عددهم فكان ذلك من الله تعالى نعمة عليهم وقيل هو إجابة لدعاء الخليل عليه السلام.
سورة الفيل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفيل) من السُّوَر المكية، وفيها تذكيرُ قُرَيش بقدرة الله عز وجل؛ إذ حمَى بيته ممن يَكِيد له، وانفرَد بحمايته دُونَ الأصنام العاجزة عن ذلك، وفيها تثبيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفعَ كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه.

ترتيبها المصحفي
105
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
19
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفيل):

سُمِّيت سورة (الفيل) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ قصة (الفيل) فيها، ولم يَرِدْ في غيرها.

قدرة الله في تعذيبِ مَن انتهَك حُرْمةَ بيته (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /353).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «قد تضمَّنتِ التذكيرَ بأن الكعبة حرَمُ الله، وأن اللهَ حماه ممن أرادوا به سوءًا، أو أظهَرَ غضبَه عليهم فعذَّبهم؛ لأنهم ظلموا بطمعِهم في هدمِ مسجد إبراهيم وهو عندهم في كتابهم، وذلك ما سماه الله كيدًا، وليكونَ ما حَلَّ بهم تذكرةً لقريش بأن فاعل ذلك هو ربُّ ذلك البيت، وأنْ لا حظَّ فيه للأصنام التي نصَبوها حوله.
وتنبيهَ قُرَيش أو تذكيرهم بما ظهر من كرامة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الله؛ إذ أهلَك أصحابَ الفيل في عام ولادته.
ومِن وراء ذلك تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بأن اللهَ يدفع عنه كيدَ المشركين؛ فإن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفع كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه، ويُشعِر بهذا قولُه: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٖ} [الفيل: 2].
ومن وراء ذلك كلِّه التذكير بأن اللهَ غالبٌ على أمره، وألا تغُرَّ المشركين قوَّتُهم ووفرةُ عددهم، ولا يُوهِنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تألُّبُ قبائلهم عليه؛ فقد أهلك اللهُ من هو أشدُّ منهم قوةً، وأكثَرُ جمعًا». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /543-544).