تفسير سورة الفيل

لطائف الإشارات

تفسير سورة سورة الفيل من كتاب لطائف الإشارات
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ
قوله جل ذكره :﴿ بسم الله الرحمان الرحيم ﴾.
" بسم الله " : اسم غني من أطاعه أغناه، ومن خالفه أضله وأعماه.
اسم عزيز من وافقه رقاه إلى الرتبة العليا، ومن خالفه ألقاه في المحنة الكبرى.

قوله جل ذكره :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ﴾.
أَلَمْ يَنْتِه إليكَ فيما أنزل عليك عِلْمُ ما فَعلَ ربُّكَ بأصحاب الفيل ؟.
وفي قصة أصحاب الفيل دلالة على تخصيص اللَّهِ البيتَ العتيقَ بالحِفْظِ والكِلاءة. وذلك أنَّ أَبرهة - مَلِكَ اليمن - كان نصرانياً، وبنى بيعةً لهم بصنعاء. وأراد هَدْمَ الكعبة ليصرفَ الحجَّ إلى بيعتهم.
وقيل : نزل جماعةٌ من العرب ببلاد النجاشي، وأوقدوا ناراً لحاجةٍ لهم، ثم تغافلوا عنها ولم يُطْفِئوها، فهبَّت الريحُ وحَمَلَتْ النارَ إلى الكنيسة وأحرقتها، فَقَصَد أبرهةُ الكعبةَ لِيَهْدِمها بجيشه.
فلمّا قَرُبَ من مكة أصاب مائتي جَمَلٍ لعبد المطلب، فلمَّا أُخْبِرَ بذلك ركب إليهم، فَعَرفَةُ رجلان، فقالا له : ارجعْ. . فإنْ المَلِكَ غضبان.
فقال : واللاتِ والعُزَّى لا أَرْجِعُ إلاَّ بإبلي.
فقيل : لأبرهة : هذا سَيِّدُ قريش ببابِك ؛ فأَذِنَ له، وسأله عن حاجته ؛ فأجاب أبرهة : إنها لك غداً، إذا تقدَّمْتُ إلى البيت.
فعاد عبد المطلب إلى قريش، وأخبرهم بما حدث، ثم قام وأخذ بحلْقِه باب الكعبة، وهو يقول :
لا هُمَّ إِنَّ العَبْدَ يم *** نعُ رَحْلَه فامنعُ حَلاَلِكَ
لا يَغْلِبَنَّ صليبُهمْ *** ومِحَالُهم عَدْواً مِحالَكْ
إِنْ يدخلوا البلدَ الحرا *** مَ فأمرٌ ما بدالك
فأرسل اللَّهُ عليهم طيراً أخضرَ من جهة البحر طِوالَ الأعناق، في مناقر كل طائرٍ حَجَرٌ وفي مخلبه حجران.
قيل : الحجَرةُ منها فوق العدس دون الحمص.
وقيل : فوق الحمص دون الفستق، مكتوب على كل واحدة اسم صاحبها.
وقيل : مُخَطَّطةٌ بالسَّواد. فأُمْطِرَتْ عليهم، وماتوا كُلُّهم.
وقيل : كان الفيلُ ثمانيةً ؛ وقيل : كان فيلاً واحداً.
وقيل في رواية : إنه كان قبل مولده صلى الله عليه وسلم بأَربعين سنة.
وقيل : بثلاثة وعشرين سنة. وفي رواية " وُلِدْتُ عامَ الفيل ".
قوله جل ذكره :﴿ أَلَمْ يَجْعَلَ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ﴾.
أي : مَكرَهم في إبطال.
﴿ أَبَابِيلَ ﴾ : مجمعةً ومتفرِّقةً.
قيل بالفارسية : سنكل أو كل، أي طينٌ طُبخَ بالنار كالآجُر.
﴿ كَعَصْفٍ ﴾ : كأطرافِ الزرع قبل أن يدرك. " مأكول " أي ثَمرَهُ مأكول.
ويقال : إذا كان عبد المطلب - وهو كافرٌ - أخلص في التجائه إلى الله في استدفاع البلاء عن البيت - فاللَّهُ لم يُخَيِّبْ رجاءَهُ - وسَمِعَ دُعاءَهُ. . . فالمؤمِنُ المخلصُ إذا دعا ربَّه لا يردُّهُ خائباً.
ويقال : إنما أُجيب، لأنَّه لم يسألْ لِنَفْسِه، وإِنما لأجْلِ البيت. . . وما كان لله لا يضيع.
سورة الفيل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفيل) من السُّوَر المكية، وفيها تذكيرُ قُرَيش بقدرة الله عز وجل؛ إذ حمَى بيته ممن يَكِيد له، وانفرَد بحمايته دُونَ الأصنام العاجزة عن ذلك، وفيها تثبيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفعَ كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه.

ترتيبها المصحفي
105
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
19
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفيل):

سُمِّيت سورة (الفيل) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ قصة (الفيل) فيها، ولم يَرِدْ في غيرها.

قدرة الله في تعذيبِ مَن انتهَك حُرْمةَ بيته (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /353).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «قد تضمَّنتِ التذكيرَ بأن الكعبة حرَمُ الله، وأن اللهَ حماه ممن أرادوا به سوءًا، أو أظهَرَ غضبَه عليهم فعذَّبهم؛ لأنهم ظلموا بطمعِهم في هدمِ مسجد إبراهيم وهو عندهم في كتابهم، وذلك ما سماه الله كيدًا، وليكونَ ما حَلَّ بهم تذكرةً لقريش بأن فاعل ذلك هو ربُّ ذلك البيت، وأنْ لا حظَّ فيه للأصنام التي نصَبوها حوله.
وتنبيهَ قُرَيش أو تذكيرهم بما ظهر من كرامة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الله؛ إذ أهلَك أصحابَ الفيل في عام ولادته.
ومِن وراء ذلك تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بأن اللهَ يدفع عنه كيدَ المشركين؛ فإن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفع كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه، ويُشعِر بهذا قولُه: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٖ} [الفيل: 2].
ومن وراء ذلك كلِّه التذكير بأن اللهَ غالبٌ على أمره، وألا تغُرَّ المشركين قوَّتُهم ووفرةُ عددهم، ولا يُوهِنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تألُّبُ قبائلهم عليه؛ فقد أهلك اللهُ من هو أشدُّ منهم قوةً، وأكثَرُ جمعًا». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /543-544).