تفسير سورة الإخلاص

تفسير السمعاني

تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني.
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الإخلاص، وهي مدنية، وقيل : إنها مكية.
يزيد بن كيسان، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله :" احشدوا أقرأ عليكم ثلث القرآن، فخرج رسول الله، فقرأ عليهم :( قل هو الله أحد )، ثم دخل بيته قال : فقال القوم : قال لنا رسول الله : احشدوا أقرأ عليكم ثلث القرآن، فقرأ :( قل هو الله أحد ) ثم دخل، ما هذا إلا شيء١ ؟ قال : فسمعها فخرج إلينا فقال : إن هذه السورة تعدل ثلث القرآن ". رواه مسلم في كتابه عن محمد بن حاتم ويعقوب الدورقي، عن يحيى بن سعيد، عن ( يزيد )٢ بن كيسان. . الحديث٣.
وروى إسماعيل بن أبي ( زياد )٤ عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال : دخلت اليهود على نبي الله فقالوا : يا محمد، صف لنا ربك، وانسبه لنا، فقد وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد رسول الله حتى خر مغشيا عليه، فقال :" كيف تسألونني عن صفة ربي ونسبه، ولو سألتموني أن أصف لكم الشمس لم أقدر عليه "، فهبط جبريل - عليه السلام - فقال : يا محمد، قل لهم :﴿ الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ﴾ أي : ليس بوالد ولا بمولود، وليس له شبيه من خلقه ". قال رضي الله عنه : أخبرنا بهذا الحديث الشيخ العفيف أبو علي بن بندار بهمدان بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد. . الحديث. وفي بعض ( الأخبار )٥ : أن سورة ﴿ قل يا أيها الكافرون ﴾وسورة ﴿ قل هو الله ﴾ أحدهما المقشقشتان، أي : تبرئان من الشرك والنفاق، ويقال : قشقش المريض من علته إذا برأ، وسميت السورة سورة الإخلاص ؛ لأنه ليس فيها إلا وصف الرب عن اسمه، وليس فيها أمر ولا نهي، ولا وعد ولا وعيد. وذكر أبو عيسى الترمذي في كتابه برواية أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، أن المشركين قالوا : يا رسول الله، انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى :﴿ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ﴾ ؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث، ﴿ ولم يكن له كفوا أحد ﴾ قال : لم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء.
١ - كذا و في صحيح مسلم : فقال بعضنا لبعض : إني أررى هذا خبر جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله..
٢ -في ((ك)) : زيد، و هو تحريف..
٣ - رواه مسلم ( ٦ /١٦٧ -١٣٨ رقم ٨١٢) و الترمذى ( ٥ /١٥٥ رقم ٢٩٠٠)، و أحمد ( ٢/٤٢٩) و البيهقي في الشعب ( ٥/ ٤٧٨ -٤٧٩ رقم ٢٣٠٦)..
٤ - في ((ك)) : دثار، و هو تحريف، و سبأتي على الصواب بعد قلبل..
٥ - في ((ك)) : الأحاديث..

قَوْله تَعَالَى: ﴿قل هُوَ الله أحد﴾ أَي: قل هُوَ الله الْوَاحِد، أحد بِمَعْنى الْوَاحِد، وَقد فرق بَين الْأَحَد وَالْوَاحد.
وَقيل: إِن الْأَحَد أبلغ من الْوَاحِد، يُقَال: فلَان لَا يقاومه أحد نفيا للْكُلّ، وَيُقَال: لَا يقاومه وَاحِد، وَيجوز أَن يقاومه اثْنَان، وَأَيْضًا فَإِن الْوَاحِد يكون الَّذِي يَلِيهِ الثَّانِي وَالثَّالِث فِي الْعدَد، والأحد لَا يكون بِمَعْنى هَذَا الْحَال، وَأكْثر الْمُفَسّرين أَنه بِمَعْنى الْوَاحِد.
وَقَوله: ﴿هُوَ﴾ الِابْتِدَاء فِيهِ اسْم مُضْمر، كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن الَّذِي سَأَلْتُمُونِي عَنهُ هُوَ الله الْوَاحِد، فَيكون قَوْله: ﴿الله أحد﴾ تبيينا وكشفا لاسم الْمُضمر فِي قَوْله: ﴿هُوَ﴾.
وَقَوله: ﴿الله الصَّمد﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه الَّذِي يصمد إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج، وَالْآخر: أَنه هُوَ الَّذِي انْتهى فِي السؤدد وَبلغ كَمَاله.
قَالَ الشَّاعِر:
303
﴿وَلم يكن لَهُ كفوا أحد (٤) ﴾.
وَقَالَ آخر:
(أَلا بكر الناعي بِخَير لي بني أَسد بعمر وَابْن مَسْعُود وبالسيد الصَّمد)
(علوته بحسام ثمَّ قلت لَهُ خُذْهَا حذيف فَأَنت السَّيِّد الصَّمد)
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَنه الَّذِي لَيْسَ لَهُ جَوف أَي لَا يَأْكُل، وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن تَفْسِيره قَوْله: ﴿لم يلد وَلم يُولد﴾ وَقيل: إِنَّه الْبَاقِي الَّذِي لَا يفنى، وَقيل: إِنَّه الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول.
304
وَقَوله: ﴿لم يلد وَلم يُولد﴾ أَي: لَيْسَ لَهُ وَالِد وَلَا ولد.
وَقيل: إِنَّه نفي لقَوْل الْيَهُود وَالنَّصَارَى: عُزَيْر بن الله، والمسيح ابْن الله، وَنفي لقَوْل الْمُشْركين: إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله.
فَهَذَا كُله فِي قَوْله: ﴿لم يلد﴾.
وَقَوله: ﴿وَلم يُولد﴾ فِيهِ نفي لقَوْل النَّصَارَى: إِن مَرْيَم - عَلَيْهَا السَّلَام - ولدت إِلَهًا، وَهُوَ الْمَسِيح.
وَقَوله: ﴿وَلم يكن لَهُ كفوا أحد﴾ أَي لم يكن أحد نظيرا لَهُ وَلَا شَبِيها، فَهُوَ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَمَا ذكرنَا، وَمعنى أحد فِي آخر السُّورَة غير معنى أحد فِي أول السُّورَة.
304

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

﴿قل أعوذ بِرَبّ الفلق (١) من شَرّ مَا خلق (٢) وَمن شَرّ غَاسِق إِذا وَقب (٣) ﴾.
تَفْسِير سُورَة الفلق
وَهِي مَكِّيَّة
305
سورة الإخلاص
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الإخلاص) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الناس)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل ثُلُثَ القرآن، ومحورها إثباتُ وَحْدانية الله عز وجل، والإخلاصُ في عبادته، والتوجُّهُ إليه وَحْده، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرؤها في مواضعَ كثيرة.

ترتيبها المصحفي
112
نوعها
مكية
ألفاظها
15
ترتيب نزولها
22
العد المدني الأول
4
العد المدني الأخير
4
العد البصري
4
العد الكوفي
4
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} [الإخلاص: 1-4]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: «أنَّ المشركين قالوا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: انسُبْ لنا رَبَّك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ}؛ فالصَّمَدُ: الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}؛ لأنَّه ليس شيءٌ يُولَدُ إلا سيموتُ، ولا شيءَ يموتُ إلا سيُورَثُ، وإنَّ اللهَ عز وجل لا يموتُ ولا يُورَثُ، {وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ}، قال: لم يكُنْ له شبيهٌ ولا عِدْلٌ، وليس كمِثْلِه شيءٌ». أخرجه الترمذي (٣٣٦٤).

* سورة (الإخلاص):

سُمِّيت سورة (الإخلاص) بهذا الاسم؛ لحديثها عن إخلاص العبادة لله عز وجل، وتوحيده.

* سورة {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ورد في كثير من الأحاديث؛ من ذلك:

ما جاء عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

* سورة (الإخلاص) تَعدِل ثُلُثَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

وعن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

قال ابنُ تيميَّةَ في تحديدِ وجهِ عَدِّ سورة (الإخلاص) ثُلُثَ القرآن: «لأنَّ القرآنَ ثلاثةُ أثلاثٍ: ثُلُثٌ: توحيد، وثلث: قَصَص، وثلث: أمرٌ ونهيٌ. وثُلُثُ التوحيد أفضَلُ من غيره». "مجموع الفتاوى" (9/306).

كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الإخلاص) في غير موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (1150).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ ﷺ عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* في ركعتَيِ الطواف خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

 وَحْدانية الله، والإخلاص في عبادته (١-٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /452).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «إثباتُ وَحْدانية الله تعالى.
وأنه لا يُقصَد في الحوائج غيرُه.

وتنزيهُه عن سمات المُحدَثات.
وإبطال أن يكونَ له ابنٌ.
وإبطال أن يكونَ المولودُ إلهًا؛ مثل: عيسى عليه السلام». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /612).