تفسير سورة الأنفال

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

قيل: إلا آية: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ ﴾.
لمَّا علّمه العفو والأمر بالمعروف والإعراض عَن الجاهلين وطريقة دفع نزع الشياطين ما يتعلق بها عقَّبة بقصة من جادله جهلا، وأمر لهم بالعرف وعفوه عنهم فقال: بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ﴾: حُكْم ﴿ ٱلأَنْفَالِ ﴾ الغنائم حين اختلاف الشباب والشيوخ في غنائم بدر.
﴿ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ ﴾: حُكْماً ﴿ وَٱلرَّسُولِ ﴾: تبيينا لحكمه.
﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾: في مخالفته.
﴿ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ ﴾: أي: مَا في ﴿ بِيْنِكُمْ ﴾: من الأحوال بالمواساة.
﴿ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾: حَقّاً ﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾: الكاملون في الإيمان ﴿ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ خافت ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً ﴾: لزيادة المؤمن به. *تنبيه: قد عرفنا اخلافهم في حقيقة الإيمان، وهم لاختلافهم فيها اختلفوا في جواز زيادته ونقصانه، فعند من يُدْخل فيها العمل يَجُوْز، وعد بعض الأشاعرة: لا يجوز لأن الواجب اليقين، فإن حصل فينا في التفاوت وإلا فلا إيمان، والأصح جوازهما لا باعتبار العمل بل بزيادة المؤمن به ونقصانه، أو برسوخ اليقين بتظاهر الأدلة وعدمه.
﴿ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾: به يثيقون.
﴿ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ ﴾: يديمونها ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾: في البرِّ ﴿ أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ﴾: بلا شك، ثم رتّب على الأعمال الثلاثة القلبية والبدنية والمالية، ثلاثة فقال: ﴿ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾: في الجنة.
﴿ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾: فيها، وما مرَّ من حكم الأنفال ملتبسين بالحق، وإن كانوا كارهين له.
﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ ﴾: كإخراجك.
﴿ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ ﴾: بالمدينة لأخذ عير قريش أقبلت من الشام وتأييدك على المشركين ببدر ملتبساً ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾: بالحكمة والصواب.
﴿ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾: الخروج، لما أقبلت عير قريش من الشام، خرج صلى الله عليه وسلم لنَهْبهِمْ، وخرج المشركون لتخليصها فأراد عليه الصلاة والسلام القتال، وترك العير ووعد بالظفر، فقيل له: هلَّا ذكرت لنا القتال حين نتأهب ثم تلاقوا ببدر فظفروا.
﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي ﴾: إظهار ﴿ ٱلْحَقِّ ﴾: الجهاد.
﴿ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ ﴾: ظفرهم بإعلامك.
﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾: إلى أسبابه لقلة عَددهم وعُدَدهم ﴿ وَ ﴾: اذكر ﴿ إِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ ﴾: من العِير وعسكر مكَّة ﴿ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ ﴾: العير الخالي عن العسكر.
﴿ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ﴾: يُثبِّتَ ﴿ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ﴾: بأوامره بقتالهم.
﴿ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ﴾: يستأصل.
﴿ ٱلْكَافِرِينَ ﴾: وفعل ما يفعل.
﴿ لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾: ولا تكرار، إذِ الأوَّل للفرق بين الإرادتين، والثاني: لبيان الداَّعي إلى حمله صلى الله عليه وسلم على اختيار ذات الشوكة ونصره.
﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾: هو دعاؤه صلى الله عليه وسلم حين رآهم في ألف وصَحْبه في ثلاثمائة رجالة، فيهم فارسان ﴿ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي ﴾: بأني.
﴿ مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾: متتابعين بعضهم على إثر بعضٍ فأنزل " ألفا " فألفين فألفين كما مر آنفا.
﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ ﴾: أي: الإمداد.
﴿ إِلاَّ بُشْرَىٰ ﴾: بشارة.
﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾: لا الملائكة.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ﴾: غالب ﴿ حَكِيمٌ ﴾: في أفعاله، اذكر.
﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ﴾: الله.
﴿ ٱلنُّعَاسَ ﴾: في البدر كما كان في أحد.
﴿ أَمَنَةً ﴾: لأمنٍ حاصلٍ ﴿ مِّنْهُ ﴾: تعالى.
﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾: من الحدثين.
﴿ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ﴾: وسوسة.
﴿ ٱلشَّيْطَانِ ﴾: بأنكم لو كنتم على الحقِّ ما كنتم عطاشا محدثين، والمشركون على الماء ﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ ﴾: بالوثوق به.
﴿ وَيُثَبِّتَ بِهِ ﴾: بهذا الربط أو المطر ﴿ ٱلأَقْدَامَ ﴾: في المحاربة.
﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ ﴾: بالعونِ ﴿ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾: بالبشارة أو محاربة أعدائهم، والأصحُّ أنهم قاتلوا، إذ ورد: أن جبريل نزل في خمسمائة على الميمنة وفيهم الصِّدِّيقُ وميكائيل في خمسمائة على الميسرة، وفيهم عليٌّ المرتضى وقاتلوا ﴿ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ ﴾: الخوف.
﴿ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ ﴾: وهي المذابح أو الرءوس.
﴿ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾: أصابع وبها كانوا يعرفون قتيل الملائكة.
﴿ ذٰلِكَ ﴾: الضَّربُ ﴿ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ ﴾: خالفوه.
﴿ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾: له الأمر ﴿ ذٰلِكُمْ ﴾: أيها الكفرة.
﴿ فَذُوقُوهُ ﴾: أي: العذاب، يعني معظمه بعده.
﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾: أي لكم.
﴿ عَذَابَ ٱلنَّارِ * يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً ﴾: كثيرين.
﴿ فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ ﴾: خُصِّصت بآية:﴿ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾[النساء: ٨٤].
﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ ﴾: يوم اللقاء.
﴿ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ ﴾: بأن هزم ليري أنه خاف فيتبعه العدو فيكر عليه فيقتله.
﴿ أَوْ مُتَحَيِّزاً ﴾: منضما من فئة.
﴿ إِلَىٰ فِئَةٍ ﴾: من المسلمين يعاونونه، وأصله: متحيوز.
﴿ فَقَدْ بَآءَ ﴾: رجع.
﴿ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾: وحكم الآية مخصوصة ببدر، ولا يضُّركون ما قبلها وما بعدها صريحين في النزول بعد بدر لإمكان نزولها وقبلهما، ثم قال: إن افتخرتم بقتالهم ببدرٍ.
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾: كما مرَّ ﴿ وَمَا رَمَيْتَ ﴾: يا محمد أعينهم ﴿ إِذْ رَمَيْتَ ﴾: أي: أتيت بصورة الرمي، لأن كفّاً من الحصا لا يملأ عيون عسكر كثير من كفِّ بشرٍ ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ ﴾: بإيصاله إليهم ليقهرهم ﴿ وَلِيُبْلِيَ ﴾: لينعم.
﴿ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ ﴾: من الله.
﴿ بَلاۤءً ﴾: نعمة.
﴿ حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ ﴾: لدعائهم.
﴿ عَلِيمٌ ﴾: بضَمائرهم والمحدثون على أن الرمي كان بحنين فقط، والمفسرون على أنه في الوضعين الأمر.
﴿ ذٰلِكُمْ وَ ﴾: والأمر.
﴿ أَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ ﴾: مبطل ﴿ كَيْدِ ﴾: حيلة ﴿ ٱلْكَافِرِينَ * إِن تَسْتَفْتِحُواْ ﴾: أيها المشركون بقولكم: اللهمَّ انصر أعلى الجندين ونحوه.
﴿ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ﴾: هذا تهكمٌ.
﴿ وَإِن تَنتَهُواْ ﴾: عن الشرك ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ ﴾: لقتاله.
﴿ نَعُدْ ﴾: لنصرته ﴿ وَلَن تُغْنِيَ ﴾: تدفع ﴿ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ ﴾: جماعتكم.
﴿ شَيْئاً ﴾: من المضار.
﴿ وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: بالنصر.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾: كلٌّ منهما، أو الرسول فطاعته طاعة الله.
﴿ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾: القرآن إطاعة.
﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴾: إطاعة.
﴿ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ ﴾: ما يدبُّ في الأرض.
﴿ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ﴾: عن الحق.
﴿ ٱلْبُكْمُ ﴾: عنه.
﴿ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾: الحقَّ.
﴿ وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ ﴾: سماع تفهم.
﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ﴾: وقد علم أن لا خير فيهم.
﴿ لَتَوَلَّواْ ﴾: عنه عن القبول، أو هو إسماع قصي بن كلاب الذي طلبوا إحياءه ليشهد على نبوته.
﴿ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾: عادتهم الإعراض.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾: بالطاعة.
﴿ إِذَا دَعَاكُم ﴾: وحد الضمير لما مر.
﴿ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾: بالعلوم، أو الأعمال التي بها حياةُ القلب.
﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾: أي: نيته بفسْح عَزائمه، أو كنايةً عن غاية قربه.
﴿ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾: فيجازيكم.
﴿ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً ﴾: ذنبا، إن أصابتكم.
﴿ لاَّ تُصِيبَنَّ ﴾: أي: وبالها ﴿ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ﴾: كظهور البدع والمداهنة في الأمر بالمعروف كما دلَّ عليه الحديث.
﴿ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾: لمن لا يتقي.
﴿ وَٱذْكُرُوۤاْ ﴾: أيها المهاجرون ﴿ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: مكة قبل الهجرة ﴿ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ﴾: يذهب بكم بسرعة.
﴿ ٱلنَّاسُ ﴾: الكفار بالتعذيب.
﴿ فَآوَاكُمْ ﴾: بالمدينة.
﴿ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ ﴾: على الأعداء ﴿ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ ﴾: الغنائم.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾: نعمتي ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ ﴾: كأبي لبابة.
﴿ وَ ﴾: لا.
﴿ تَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ ﴾: بينكم.
﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: خيانتكم.
﴿ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾: اختبار لكم.
﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾: خير منهما.
﴿ يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ﴾: هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل.
﴿ وَيُكَفِّرْ ﴾: يَسْتُر ﴿ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴾: متفضل بذلك.
﴿ وَ ﴾: اذكر.
﴿ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: في دار الندوة ﴿ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ﴾: من مكة فأمرناك بالهجرة ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ ﴾: برد مكرهم عليهم.
﴿ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ ﴾: أعلمهم بالمكر.
﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ ﴾: عناداً والقائل: نضر بنُ الحارثِ.
﴿ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ ﴾: ما.
﴿ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾: مسطورات أو أكاذيب من القصص.
﴿ وَإِذْ قَالُواْ ﴾: والقائل النضر استهزاءً ﴿ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا ﴾: القرآن.
﴿ هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾: قيَّده به لإمكان إمطارها من نحو الجبال، والأول أقطعُ ﴿ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾: أي: مقيم بمكة، فلا يرد تعذيبهم ببدر، أو المراد عذاب الاستئصال ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾: أي: وفيهم من يستغفر ممن لم يستطع الهجرة من مكة.
﴿ وَمَا لَهُمْ ﴾: أن أي: كيف ﴿ لاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ ﴾: بعد خروجك مع المؤمنين.
﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ ﴾: يَمنعون المؤمنين ﴿ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾: كعام الحديبية.
﴿ وَمَا كَانُوۤاْ أَوْلِيَآءَهُ ﴾: مستحقين ولاتيه.
﴿ إِنْ ﴾: ما.
﴿ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾: الشرك.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: عدم ولا يهتم.
﴿ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً ﴾: صفيراً ﴿ وَتَصْدِيَةً ﴾: تصفيقاً أو ضجا، أي: جعلوها مكانهما ﴿ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ ﴾: ببدرٍ، أو مطلقاً ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾: هو استقراضهم لتجهيز غزوة أحد ﴿ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ﴾: لذهاب المال، وعدم نيل المراد ﴿ ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾: آخِراً.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾: ماتوا على الكفر ﴿ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ ﴾: يفصل.
﴿ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ ﴾: الشَّقيَّ.
﴿ مِنَ ٱلطَّيِّبِ ﴾: السَّعيد.
﴿ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ ﴾: فِرَق الأشقياء.
﴿ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾: لازدحامهم.
﴿ فَيَرْكُمَهُ ﴾: يضمه.
﴿ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ ﴾: الخبيثون.
﴿ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ * قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ ﴾: عن الكُفر والمعاداة.
﴿ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾: من الذنوب.
﴿ وَإِنْ يَعُودُواْ ﴾: إلى الكفر والقتال ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ ﴾: بنصر جُند الله كما في بدر.
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ ﴾: توجد معهم.
﴿ فِتْنَةٌ ﴾: شرك.
﴿ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ ﴾: لا يعبد غيره.
﴿ فَإِنِ ٱنْتَهَوْاْ ﴾: عن الكفر.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾: فيجازيهم وإياكم.
﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾: ولم ينتهوا.
﴿ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ ﴾: ناصركم.
﴿ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ ﴾: هو.
﴿ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ ﴾: أخذتم قَهْراً من الكفار كما في بَدْرٍ ﴿ مِّن شَيْءٍ ﴾: ولو حقيرا ﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ﴾: ذكره تعالى تبرُّكاً.
﴿ وَلِلرَّسُولِ ﴾: يصرف الآن إلى ما كان يصرفه صلى الله عليه وسلم فيه.
﴿ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ ﴾: منه وهم بنو هاشم وبنو المطلب ﴿ وَٱلْيَتَامَىٰ ﴾: الفقراء من المسلمين ﴿ وَٱلْمَسَاكِينِ ﴾: منهم الذين لا يجدون ما يكفيهم.
﴿ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾: المسافر والباقي من الخمس للمحاربين، امتثلوا ذلك.
﴿ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ ﴾: بما.
﴿ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا ﴾: محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والنَّصر ﴿ يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ ﴾: بَدْر، الفارق بين الحق والباطل.
﴿ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ ﴾: المسلمون والكفار ﴿ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: ومنه نصر قليل على الكثير.
﴿ إِذْ أَنتُمْ ﴾: بدل من يوم ﴿ بِالْعُدْوَةِ ﴾: وسط الوادي ﴿ ٱلدُّنْيَا ﴾: القربى من المدينة ﴿ وَهُم ﴾ الكفار.
﴿ بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ ﴾: البعدى منها.
﴿ وَٱلرَّكْبُ ﴾: الجائي من الشام بمكانِ ﴿ أَسْفَلَ مِنكُمْ ﴾: في ساحل البحر ﴿ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ ﴾: أنتم والكفار للقتال بلا عون الله.
﴿ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ ﴾: لقلِّتكم وكثرتهم.
﴿ وَلَـٰكِن ﴾: تلاقيهم بلا ميعاد.
﴿ لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ﴾: في عمله من نصر حزبهِ ﴿ لِّيَهْلِكَ ﴾: ليكفر.
﴿ مَنْ هَلَكَ ﴾: كفر.
﴿ عَن ﴾: وُضَوح ﴿ بَيِّنَةٍ ﴾: وهي نصر المؤمنين مع قتلهم، فلا يبقى له عذر.
﴿ وَيَحْيَىٰ ﴾: يؤمن.
﴿ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾: بصيرة ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ ﴾: بالأقوال.
﴿ عَلِيمٌ ﴾: بالنيات.
﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً ﴾: مع كثرتهم تشجيعاً للمؤمنين والرؤيا تكون من رؤيا النبي أو من رؤيا الشيطان أو مِنْ غَلَبة الأخلاط ومن الأفكر، وهذه المخالفة لا تقدح في أن رؤياه حق إذ معناها أنها معتبرة لا أضغاث أحلام أو المنام محل النوم، أي: عينيك ﴿ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ ﴾: لجبنتم ﴿ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ ﴾: أمر القتال معهم.
﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ ﴾: حزبه من التنازع ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ ﴾: قبل الالتحامِ ﴿ فِيۤ أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً ﴾: حتى حسبتموهم ما بين سبعين إلى مائة، وكانوا ألفا تثبيتاً لكم لئلَّا يستعدوا بعد الالتحام أراهم مثليهم.
﴿ لِيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ﴾: كما مرَّ ﴿ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمْ ﴾: بالقتال.
﴿ فِئَةً ﴾: كفاراً ﴿ فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً ﴾: في الحرب.
﴿ لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ﴾: تظفرون ﴿ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ ﴾: باختلاف الآراء.
﴿ فَتَفْشَلُواْ ﴾: تجبنوا.
﴿ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾: دولتكم أو نصركم ﴿ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ ﴾: بالعناية، وأما المنازعة بالحجة لإظهار الحق، فجائزٌ بل مأمورٌ بشروط منها: قصد إظهار الحقِّ على لسان أيّ الخصمين كان ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً ﴾: فَخْراً وطُغياناً.
﴿ وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ ﴾: ليثنوا على شجاعتهم كأبي جهل وأضرابه إذ خرجوا إلى بدر.
﴿ وَيَصُدُّونَ ﴾: الناس.
﴿ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾: فيجازيهم.
﴿ وَ ﴾: اذكر.
﴿ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ ﴾: في صورة سراقة بن مالك مع عسكر ورواية ﴿ أَعْمَالَهُمْ ﴾ من معاداة الرسول ببدر ﴿ وَقَالَ لاَ غَالِبَ ﴾: حاصلٌ ﴿ لَكُمُ ﴾ من بني كنانة الذين يخافونهم ﴿ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ ﴾: مُجيرٌ ﴿ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ﴾: التقت ﴿ ٱلْفِئَتَانِ ﴾: وكان يده في يد حارث بن هشام.
﴿ نَكَصَ ﴾: رجع.
﴿ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ﴾: هارباً، فقال له الحارث: إلى أين فدفع في صدره ﴿ وَقَالَ ﴾: لهم.
﴿ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ ﴾: من الملائكة.
﴿ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ ﴾: أن يعذبني بهم.
﴿ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾: فانهزم المشركون، اذكر ﴿ إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾: هم قوم أسلموا بمكة وخرجوا مع قريش إلى بدر، فلمَّا رأوا قلة المسلمين ارتدوا قالوا: ﴿ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ ﴾: حتى تعرضوا كثرتنا.
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾ ينصره ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ﴾: غالبٌ ﴿ حَكِيمٌ ﴾: في أفعاله، هذا جواب لهم.
﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ﴾: ببدر لرأيت أمرا هائلا.
﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ ﴾: إذا أقبلوا.
﴿ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾: إذا أدبروا ﴿ وَ ﴾ يقولون.
﴿ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ * ذٰلِكَ ﴾: العذاب.
﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾: من المعاصي ﴿ وَأَنَّ ﴾: بأنَّ ﴿ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ ﴾: ذي ظلم.
﴿ لِّلْعَبِيدِ ﴾: بين في آل عمران، دأبهم ﴿ كَدَأْبِ ﴾: عادة ﴿ آلِ فِرْعَوْنَ وَ ﴾: الكفار.
﴿ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: ودأبهم، أنهم ﴿ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ ﴾: بالعذاب.
﴿ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ ﴾: لا يغلبه أحد.
﴿ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ * ذٰلِكَ ﴾: الأخذ ﴿ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾: إلى حال أسوأ منه كقريش غيروا المجاورة والالتئام مع النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بقصد إهلاكهم.
﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾: ثم أكد بقوله.
﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ ﴾: معه ﴿ وَكُلٌّ ﴾: من الأولين والآخرين ﴿ كَانُواْ ظَالِمِينَ * إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: وأصروا على الكفر ﴿ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾: لا يتوقع الإيمان منهم.
﴿ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ ﴾: أخذت العهد ﴿ مِنْهُمْ ﴾: ألا يُعينوا المشركين.
﴿ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ﴾: كقريظة.
﴿ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ ﴾: عاقبة الغدر.
﴿ فَإِمَّا ﴾ صلة ﴿ تَثْقَفَنَّهُمْ ﴾ إن تَظْفَر بهم ﴿ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ ﴾: فرّق ﴿ بِهِم ﴾: بعقوبتهم.
﴿ مَّنْ خَلْفَهُمْ ﴾: من المحاربين.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾: يتعظون.
﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً ﴾: نقض عهد بإمارة.
﴿ فَٱنْبِذْ ﴾: فاطرح عهدهم.
﴿ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ ﴾ طريق ﴿ سَوَآءٍ ﴾: متوسطٍ بأن تخبرهم بقطع العهد لئلا تنسب إلى الخيانة ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ ﴾: فاتونا كمن أفلت يوم بدر وبالغيبة فاعله أحد و ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ ﴾: مفعولاه.
﴿ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾: لا يفوتونا.
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ ﴾: لقتالهم.
﴿ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ ﴾: ما يتقوى به في الحرب، وفي الحديث" إنها الرمي "﴿ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ ﴾: اسم خيل تربط في سبيل الله ﴿ تُرْهِبُونَ ﴾: تخوفون ﴿ بِهِ ﴾: بما استطعتم ﴿ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾: كفار مكة.
﴿ وَ ﴾: كفاراً ﴿ آخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾: جزاؤه.
﴿ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾: بتضيع العمل ﴿ وَإِن جَنَحُواْ ﴾: مالوا ﴿ لِلسَّلْمِ ﴾: للصلح ﴿ فَٱجْنَحْ ﴾: مِلْ ﴿ لَهَا ﴾: للمسالمة.
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ﴾: فيها ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * وَإِن يُرِيدُوۤاْ ﴾: بالصلح ﴿ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ﴾: محسبك وكافيك.
﴿ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾: مع ضغائنهم ﴿ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ﴾: على تآلفهم.
﴿ مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾: مع ضغائنهم، كما كان بين الأوس والخزرج ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ ﴾: غالب ﴿ حَكِيمٌ ﴾: في أفعاله.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ﴾: بالغ في حثِّ ﴿ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ ﴾: مع الكفار ﴿ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ﴾: شرطٌ في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة.
﴿ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: بمعنى حكم القليل كالكثير، إذ لا تقاوم العشرةُ المائة، وتقاوم المائة الألف وهكذا ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾: جاهلون بالله تعالى يقاتلون للدنيا فلا يثبتون في الشدة.
﴿ ; لآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ ﴾: نسخٌ للأول.
﴿ ٱ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ﴾: بدينا.
﴿ فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ ﴾: بالنصر، لا يقال أنَّ مائة من الكفار قد تغلب مائة بل مائتين منا، لأن الله تعالى شرط فيه الصبر، لا يقال إنَّ مائة من الكفار قد تغلب مائة بل مائتين منا، لأن الله تعالى شرط فيه الصبر وكذا الموافقة بيننا ظاهراً وباطنا على أنه يمكن كونه مخصوصا بالصحابة.
﴿ مَا كَانَ ﴾: ما صحَّ.
﴿ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ ﴾: ولا يقتلهم.
﴿ حَتَّىٰ يُثْخِنَ ﴾: يكثر القتل.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: وبعد ذلك خيره بينه وبين المنِّ، إذ المقصود إذلال الكفر.
﴿ تُرِيدُونَ ﴾: تختارون.
﴿ عَرَضَ ﴾: حطام.
﴿ ٱلدُّنْيَا ﴾: بأخذ فدائهم.
﴿ وَٱللَّهُ يُرِيدُ ﴾: يختار.
﴿ ٱلآخِرَةَ ﴾: أي: ثوابها.
﴿ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ﴾: غالب.
﴿ حَكِيمٌ ﴾: يعلم ما يليق بكل حالٍ ﴿ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ ﴾: في اللَّوح أنه لا يعاقب المخطئ في اجتهاده أو أهل بدر ﴿ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ ﴾: من الفداء ﴿ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ ﴾: ومنه الفدية، أكلاً ﴿ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾: في مخالفته ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾: لما أسلفتم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾: برحمته، أباح لكم الفداء، دلَّ على أن الأنبياء يجتهدون وقد يخطئون ولكن لا يقرون عليه ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ ﴾: كعباس ومن أُسِرَ معه.
﴿ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً ﴾: إيماناً وإخلاصاً.
﴿ يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ ﴾: من الفِدَاء.
﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِن يُرِيدُواْ ﴾: الأسارى ﴿ خِيَانَتَكَ ﴾ بنقض العهد ﴿ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ ﴾: بخروجهم مع المشركين.
﴿ فَأَمْكَنَ ﴾: أمكنك.
﴿ مِنْهُمْ ﴾: يوم بدر، وإن يعودوا نعد.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بخيانتهم.
﴿ حَكِيمٌ ﴾: بتدبيرهم.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ ﴾: أسكنوا المهاجرين مساكنهم.
﴿ وَّنَصَرُوۤاْ ﴾: هم ﴿ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾: في الميراث دون أقاربهم ثم نسخ بالمواريث.
﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾: بالفتح في النسب والنصرة، كما أنه بالكسر في الإمارة ولا يريثونكم ولا يشاركونكم في الغنيمة.
﴿ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ ﴾: نصرتهم على المشركين.
﴿ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ ﴾: فلا تنقضوهُ بنصرتهم.
﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾: فيجازيكم به.
﴿ وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾: في الإرث والنصرةِ ﴿ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ ﴾: أي: المأمور المذكور ﴿ تَكُنْ ﴾: تحصل ﴿ فِتْنَةٌ فِي ٱلأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾: في الدين بقوة الكفر.
﴿ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾: إيماناً.
﴿ حَقّاً ﴾: صدقا.
﴿ لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾: في الجنَّة ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ ﴾: بعد الهجرة الأُوْلى، وهي ما قبل الحديبية.
﴿ وَهَاجَرُواْ ﴾: بعدها، وقبل فتح مكَّة ﴿ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ ﴾: القرابات.
﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ ﴾: في التَّوارُث من الأجانبِ.
﴿ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ ﴾: القرآن، نسخ به حكمُ الآية السَّابقة والاستدلال به على توريث ذوي الأرحام ضعيف لأنه قيَّده بما في القرآن، وليس فيه إلَّا أهل الفرائض والعصبات.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾: ومنه إناطة الإرث بنسبة الإسلام أولا، وبالقرابة ثانيا. [والله أعْلمُ بالصّواب].
سورة الأنفال
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اعتنَتْ سورةُ (الأنفال) ببيانِ أحكامِ الحرب والغنائمِ والأَسْرى؛ ولذا سُمِّيتْ بهذا الاسمِ، وقد نزَلتْ هذه السورةُ في المدينةِ بعد غزوة (بَدْرٍ)؛ لذا تعلَّقتْ أسبابُ نزولها بهذه الغزوة، وقد أبانت السورةُ عن قوانين النَّصر المادية: كتجهيز العَتاد، والمعنوية: كوَحْدة الصَّف، وأوضَحتْ حُكْمَ الفِرار من المعركة، وقتالِ الكفار، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ ربانيَّة، كما أصَّلتْ - بشكل رئيسٍ - لقواعدِ عَلاقة المجتمع المسلم بغيره.

ترتيبها المصحفي
8
نوعها
مدنية
ألفاظها
1243
ترتيب نزولها
88
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
67
العد البصري
76
العد الكوفي
75
العد الشامي
77

تعلَّقتْ سورةُ (الأنفال) بوقائعَ كثيرةٍ؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* ما جاء عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبة؟ قال: التَّوبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: ﴿وَمِنْهُمْ﴾ ﴿وَمِنْهُمْ﴾ حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحشرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

* قوله تعالى: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ وَأَطِيعُواْ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ بدرٍ جئتُ بسيفٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ قد شَفَى صدري مِن المشركين - أو نحوَ هذا -، هَبْ لي هذا السيفَ، فقال: «هذا ليس لي، ولا لك»، فقلتُ: عسى أن يُعطَى هذا مَن لا يُبلِي بلائي، فجاءني الرسولُ، فقال: «إنَّك سألْتَني وليس لي، وإنَّه قد صار لي، وهو لك»، قال: فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ﴾ الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٠٧٩).

وعن عُبَادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا مع النبيِّ ﷺ، فشَهِدتُّ معه بدرًا، فالتقى الناسُ، فهزَمَ اللهُ العدوَّ، فانطلَقتْ طائفةٌ في آثارِهم يَهزِمون ويقتُلون، وأكَبَّتْ طائفةٌ على العسكرِ يَحْوُونه ويَجمَعونه، وأحدَقتْ طائفةٌ برسولِ الله ﷺ؛ لا يُصِيبُ العدوُّ منه غِرَّةً، حتى إذا كان الليلُ وفاءَ الناسُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال الذين جمَعوا الغنائمَ: نحن حوَيْناها وجمَعْناها؛ فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ! وقال الذين خرَجوا في طلبِ العدوِّ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن نفَيْنا عنها العدوَّ وهزَمْناهم! وقال الذين أحدَقوا برسولِ اللهِ ﷺ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن أحدَقْنا برسولِ اللهِ ﷺ، وخِفْنا أن يُصِيبَ العدوُّ منه غِرَّةً، واشتغَلْنا به! فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ﴾ [الأنفال: 1]، فقسَمَها رسولُ اللهِ ﷺ على فُوَاقٍ بين المسلمين، قال: وكان رسولُ اللهِ ﷺ إذا أغارَ في أرضِ العدوِّ نفَّلَ الرُّبُعَ، وإذا أقبَلَ راجعًا وكَلَّ الناسُ نفَّلَ الثُّلُثَ، وكان يَكرَهُ الأنفالَ، ويقولُ: «لِيَرُدَّ قويُّ المؤمنين على ضعيفِهم»». أخرجه أحمد (٢٢٧٦٢).

* قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «حدَّثني عُمَرُ بن الخطَّابِ، قال: لمَّا كان يومُ بَدْرٍ نظَرَ رسولُ اللهِ ﷺ إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُمائةٍ وتسعةَ عشَرَ رجُلًا، فاستقبَلَ نبيُّ اللهِ ﷺ القِبْلةَ، ثم مَدَّ يدَيهِ، فجعَلَ يَهتِفُ برَبِّهِ: اللهمَّ أنجِزْ لي ما وعَدتَّني، اللهمَّ آتِ ما وعَدتَّني، اللهمَّ إن تَهلِكْ هذه العصابةُ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدْ في الأرضِ، فما زالَ يَهتِفُ برَبِّهِ، مادًّا يدَيهِ، مستقبِلَ القِبْلةِ، حتى سقَطَ رداؤُهُ عن مَنكِبَيهِ، فأتاه أبو بكرٍ، فأخَذَ رداءَهُ، فألقاه على مَنكِبَيهِ، ثم التزَمَه مِن ورائِه، وقال: يا نبيَّ اللهِ، كفَاك مُناشَدتُك ربَّك؛ فإنَّه سيُنجِزُ لك ما وعَدَك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، فأمَدَّه اللهُ بالملائكةِ». أخرجه مسلم (١٧٦٣).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]:

عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في يومِ بدرٍ: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]». أخرجه أبو داود (٢٦٤٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} [الأنفال: 33، 34]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: اللهمَّ إن كان هذا هو الحقَّ مِن عندِك، فأمطِرْ علينا حجارةً مِن السماءِ، أو ائتِنا بعذابٍ أليمٍ؛ فنزَلتْ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٦٤٩).

سُمِّيتْ سورةُ (الأنفال) بذلك؛ لأنها بدأت بالحديثِ عن (الأنفال).

كما سُمِّيتْ أيضًا بسورة (بَدْرٍ): لِما صحَّ عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: تلك سورةُ بَدْرٍ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

ووجهُ التسمية بذلك ظاهرٌ؛ لأنها نزَلتْ بعد غزوةِ (بَدْرٍ)، وتحدَّثتْ بشكلٍ رئيس عن هذه الغزوةِ.

* أنَّ من أخَذها عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

* أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيَّةِ السُّوَر الطِّوال:

فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (الأنفال) كما يلي:

* قوانينُ ربَّانية {وَمَا ‌اْلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اْللَّهِۚ}:

1. الأنفالُ وصفاتُ المؤمنين الصادقين (١ -٤).

2. غزوة (بدر) (٥-١٤).

3. حرمةُ الفرار من المعركة، ومِنَّة الله بالنصر والتأييد (١٥-١٩).

4. طاعة الله ورسوله، والنهيُ عن خيانة الأمانة (٢٠-٢٩).

5. نماذجُ من عداوة المشركين للمؤمنين (٣٠-٤٠).

6. توزيعُ غنائمِ (بدر) مع التذكير بما دار في المعركة (٤١-٤٤).

* قوانينُ مادية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اْسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ}:

7. من شروط النصر، وأسباب الهزيمة (٤٥-٤٩).

8. نماذجُ من تعذيب الله للكافرين (٥٠-٥٤).

9. قواعد السلم والحرب والمعاهَدات الدولية (٥٥-٦٣).

10. وَحْدة الصف، والتخفيف في القتال (٦٤-٦٦).

11. العتاب في أُسارى (بدر) (٦٧- ٧١).

12. قواعدُ في علاقة المجتمع الإسلامي بغيره (٧٢-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /131).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو بيانُ أحكامِ (الأنفال)، والأمرُ بتقوى الله وطاعتِه وطاعة رسوله، في ذلك وغيره، وأمرُ المسلمين بإصلاح ذاتِ بينهم، وأن ذلك من مقوِّمات معنى الإيمان الكامل، واشتمَلتْ على تذكيرِ النبي ﷺ بنعمةِ الله عليه إذ أنجاه من مكرِ المشركين به بمكَّةَ، وخلَّصه من عنادِهم. ثمَّ قصَدتْ دعوةَ المشركين للانتهاء عن مناوأةِ الإسلام، وإيذانِهم بالقتال، والتحذيرِ من المنافقين، وضربِ المَثَل بالأُمم الماضية التي عانَدتْ رُسُلَ الله ولم يشكروا نعمةَ الله، كما قصَدتْ بيانَ أحكام العهد بين المسلمين والكفار، وما يَترتَّب على نقضِهم العهدَ، ومتى يحسُنُ السلمُ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (9 /248).