تفسير سورة العلق

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني

تفسير سورة سورة العلق من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني.
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ (اقْرَأْ)
مكية، وهي تسع عشرة آية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ... (١) الجار في محل النصب على الحال أي: اقرأ حال كونك مفتتحاً قراءتك باسم اللَّه. (الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ... (٢) أي: خلق كل شيء، ثم خصّ الإنسان، لأنه أشرف البرية والمقصود بالإنزال، أو المراد: خلق الإنسان: أوثر فيه الإبهام والتفسير. وفيه إشارة إلى أنه مخلوق للقراءة والدراية (مِنْ عَلَقٍ) جمع باعتبار الأفراد.
(اقْرَأْ... (٣) تكرير للأول، وهو محزة، لأنه أول أمر ورد بالقراءة، ولإنكاره القراءة بقوله: " ما أنا بقارئ " وقيل: الأول لنفسه، والثاني للتبليغ، أو الأول خارج الصلاة، والثاني فيها. (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) على الإطلاق، إذ كرم غيره تكلّف في جزئي لغرض (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) دليل على أكرميته؛ لأنَّ كل عطية دون العلم والمعرفة كنقطة من المحيط. (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا). ورمز في ضمن ذلك إلى فضل الكتابة؛ لأنها
آلة التعليم، وضابطة الحكم، وفى المثل: " العلم صيد والكتابة قيد ". (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥) ما لا يمكنه علمه إلا بالتعليم. (كَلَّا... (٦) ردع للإنسان الذي قابل هذه النعم بالكفر والطغيان. (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى) ليتجاوز عن حدّه. (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) لأن رأي نفسه غنياً أي: علم؛ ولذلك جاز أن يكون الفاعل والمفعول ضميرين لشيء واحد، وذلك من بعض خصائص فعل القلب.
(إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) خطاب لذلك الإنسان الطاغي التفاتاً؛ لكونه أبلغ تحذيراً.
و (الرُّجْعَى) مصدر كالبشرى.
(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) روى الترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، أنَّ أبا جهل قال: هَل يُعَفِّرُ مُحَمَّد وَجْهَهُ بَينَ أَظهرِكمْ؟ قالوا: نعم. قال: والذي يحلف به، لَئِنْ رَأَيته لَأَطَأَنَّ عَلَى عنقه. فمرّ به وهو يصلي عند المقام، فتوجه إليه، والمشركون ينظرون إليه. فما رأوه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويبقي بيدية. فقيل له: ما بدا لك؟ فقال: رأَيت بيْني وبينَهَ خَندَقًا مِنْ نَارٍ وَهَولًا وَأَجْنِحَةً. فقال رسول اللَّه - ﷺ -: لَوْ دَنَا منِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضوًا ".
(أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) " أرأيت " تكرير للأول، والشرط مفعول ثان حذف منه الجواب؛ لدلالة قوله: (أَلَمْ يَعْلَمْ) عليه، وحذف المفعول الأول؛ لظهوره.
(أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) مقابل للأول لتقابل الشرطين والمعنى: أخبرني يا من له أدنى تمييز عن حال من ينهى عبداً يصلي، إن كان ذلك الناهي على طريق الرشاد، " أَوْ أَمَرَ بِالتقْوَى " في أمره بعبادة الأوثان أخبرني إن كان مكذباً معرضاً.
(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) ويشاهد. وسوق الكلام على طريقة المنصف والتهكم؛ لأنَّ الناهي عن الصلاة ليس على الهدى قطعاً، وكذا كونه مكذباً مجزوم به.
(كَلَّا... (١٥) ردع للناهي. (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ) لنأخذن بناصيته ولنجرنه إلى النار. والسفع: القبض على الشيء وجره بعنف. قال عمرو بن معدي كرب:
(نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) بدل من الأول، وحسنه الوصف، وكان أوفى بالمقصود؛
لدلالته على عدة السفع. وإسناد الكذب والخطأ إلى الناصية مجاز حكمي، وتخصيصها؛ لأنها أشرف الأعضاء.
(فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن أبا جهل لما لم يقدر أن يقرب رسول اللَّه - ﷺ - توعده بالكلام، فأغلظ له رسول اللَّه - ﷺ - فقال: تهددني يا محمد وأنا أكثر أهل الوادي نادياً. أراد عشيرته فسماهم باسم مجلسهم ومجتمعهم.
(سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) عن قريب ليجروه إلى النار. حمع زابن، أو زباني، أو زبنية كعفرية. قال الأخفش: العرب لا تكاد تعرف هذا، بل تجعله من الجمع الذي لا واحد له مثل: أبابيل. وأصل الزبن: الدفع. (كَلَّا... (١٩) ردع للناهي أيضاً. (لَا تُطِعْهُ) الخطاب لرسول اللَّه - ﷺ - أي: دم على عصيانه. (وَاسْجُدْ) ودُم على الصلاة ولا تبال بالناهي.
416
(وَاقْتَرِبْ) بها؛ فإنَّها المعراج إليه، أو بالسجود؛ لما روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - قال: " أَقْرَبُ مَا يَكُون الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجدٌ ".
* * *
تمت سورة العلق، والحمد لمن خلق، والصلاة على من في مضمار السعادة سبق، وآله وصحبه ما الليل وسق.
* * *
417
سورة العلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العَلَق) من السُّوَر المكية، وهي أولُ سورةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت بأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة؛ ليُعلِّمَه اللهُ عز وجل هذا الكتابَ، وقد جاءت على ذِكْرِ عظمة الله، وتذكيرِ الإنسان بخَلْقِ الله له من عدمٍ، وخُتمت بتأييد الله للنبي صلى الله عليه وسلم، ونصرِه له، وكفايتِه أعداءَه.

ترتيبها المصحفي
96
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
1
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨ أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: هل يُعفِّرُ مُحمَّدٌ وجهَه بَيْنَ أظهُرِكم؟ قال: فقيل: نَعم، فقال: واللَّاتِ والعُزَّى، لَئِنْ رأَيْتُه يَفعَلُ ذلك، لَأَطأنَّ على رقَبتِه، أو لَأُعفِّرَنَّ وجهَه في التُّرابِ، قال: فأتى رسولَ اللهِ ﷺ وهو يُصلِّي، زعَمَ لِيطأَ على رقَبتِه، قال: فما فَجِئَهم منه إلا وهو يَنكِصُ على عَقِبَيهِ، ويَتَّقي بيدَيهِ، قال: فقيل له: ما لكَ؟ فقال: إنَّ بَيْني وبَيْنَه لَخَنْدقًا مِن نارٍ، وهَوْلًا، وأجنحةً، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لو دنَا منِّي، لَاختطَفَتْهُ الملائكةُ عضوًا عضوًا»، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل - لا ندري في حديثِ أبي هُرَيرةَ، أو شيءٌ بلَغَه -: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨}؛ يَعني: أبا جهلٍ، {أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]». زاد عُبَيدُ اللهِ في حديثِه قال: «وأمَرَه بما أمَرَه به». وزادَ ابنُ عبدِ الأعلى: «{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ}؛ يَعني: قومَهُ». أخرجه مسلم (٢٧٩٧).

* سورة (العَلَق):

سُمِّيت سورة (العَلَق) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (العَلَق) في أولها؛ قال تعالى: {اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ اْلْإِنسَٰنَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1-2].

* وكذلك تُسمَّى بسورة {اْقْرَأْ}، و{اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ}؛ للسبب نفسه.

1. الخَلْقُ والتعليم مُوجِب للشكر (١-٥).

2. انحرافُ صِنْفٍ من البشر عن الشكر (٦-٨).

3. صورة من صُوَر طغيان البشر (٩-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /253).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «تلقينُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الكلامَ القرآني وتلاوتَه؛ إذ كان لا يَعرِف التلاوةَ من قبل.
والإيماء إلى أنَّ عِلْمَه بذلك مُيسَّر؛ لأن اللهَ الذي ألهم البشرَ العلمَ بالكتابة قادرٌ على تعليم من يشاءُ ابتداءً.
وإيماء إلى أن أمَّتَه ستَصِير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم.
وتوجيهه إلى النظر في خلقِ الله الموجودات، وخاصةً خَلْقَه الإنسانَ خَلْقًا عجيبًا مستخرَجًا من علَقةٍ، فذلك مبدأ النظر.
وتهديد مَن كذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتعرَّضَ ليصُدَّه عن الصلاة والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن اللهَ عالمٌ بأمرِ مَن يناوُونه، وأنه قامِعُهم، وناصرُ رسولِه.
وتثبيت الرسول على ما جاءه من الحقِّ، والصلاة، والتقرب إلى الله.
وألا يعبأ بقوةِ أعدائه؛ لأن قوَّةَ الله تقهرهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /434).

قَوْمٌ إذا سَمِعُوا الصَّرِيخَ رَأَيتَهُمْ مَا بَيْنَ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أوْ سَافِع