تفسير سورة الفيل

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني

تفسير سورة سورة الفيل من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني.
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ الْفِيلِ
مكية، وآيها خمس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) هم أبرهة الأشرم والي [اليمن] من قبل النجاشي ملك الحيشة وليس بأصحمة الذي صلى عليه رسول اللَّه - ﷺ -. وقصته: أنه قتل أرياطاً من أمراء النجاشي، فغضب عليه فتدارك أبرهة ذلك بأن بنى له كنيسة بصنعاء اليمن لم ير مثلها، وأراد أن يصرف حج العرب إليها، وأرسل يخبر بذلك النجاشي، فأعجبه ذلك ورضي عنه، فشق ذلك على العرب، فاحتال رجل من كندة فدخلها ليلاً وأحدث فيها، فأخبروا بذلك أبرهة، فاشتدّ غضبه، وعزم على تخريب الكعبة الشريفة زادها اللَّه شرفاً. واصطحب فيلة ليهد البيت بها، فلما توجه عارضه ذو نفر من قومه من بني قحطان فلم......
440
يقدر عليه فأسره، فلما بلغ أرض خثعم قاتله نفيل بن حبيب الخثعمي فأسره أيضاً ولم يقتله ليدله على الطريق، ولما بلغ المغَمَّس وهو موضع بقرب مكة. فأرسل حناطة الحميري ليخبرهم بأنَّ الملك لم يأت لحربهم، وإنما قصده تخريب البيت، ويأتيه بأشرف البلد، فجاء عبد المطلب فخرج معه إلى أبرهة، فلما رآه أكرمه، وكان عبد المطلب وسيماً حسن المنظر، فقام له أبرهة، وأجلسه على سريره، وسأله عن حاجته، فقال: إن جيشك قد أغار على سرح مكة، وأخذوا لي إبلاً، وكانوا أخذوا له مائتي بعير، فقال لترجمانه: قل له: إني جئت في تخريب بيت هو شرفك وشرف آبائك، فلم تذكره وتطلب الإبل، فقال عبد المطلب: أنا رجل مضياف، ولا أقدر على قيام الضيافة إلا بالإبل، والبيت له صاحب أنت وذاك، فردَّ إبله
441
وذهب، فلما أصبحوا هيئوا الفيلة، وكان أكبرها اسمه محمود، فقدّموه فبرك، فضربوه ضرباً شديداً لم يتحرك، فوجهوه نحو اليمن فهرول، ثم نحو الشام فهرول، ثم نحو مكة فبرك. هذا؛ وعبد المطلب آخذ بحلقة الكعبة وهو يقول:
لا همَّ إن المرءَ يمنع رَحْله فامنع رحالك لا يَغْلِبَنَّ صليبَهم ومِحالهم غدوا مِحالك
إن تتركهم وكعبتَنا فأمرٌ ما بدا لك جروا جموعَ بلادِهم والفيلَ كيْ يسبُوا عِياَلك
عمَدوا حِماَك بَكيْدم جهلاً وما رقبوا حلالك.
فلم يتمَّ كلامَه إلا والطير أقبلت.
(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) في تضييع.
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) جماعات متفرقة. كسراويل لا واحد له. وقيل: جمع أبالة وهي الجماعة. وقيل: إبَّول كعِجَّول وقيل: إبِّيل كقنديل. كانت في جُثَّة الخطاطيف.
(تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) معرّب من سبك وكل. وقيل: من السجل وهو الدلو الكبير. وقيل: من الإسجال وهو الإرسال. وقيل: من السجلّ، فإنه كان مكتوبًا على كل حجارة اسم من قتل بها.
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥) كورق زرع أكله الدود، أو كروث الدواب. وإنما عدل إلى المنزل؛ على نمط آداب القرآن. قيل: كان كل طير يحمل أحجاراً ثلاثة يرمي بكل واحدة إنساناً، لا يردّه شيء من الحديد ففرّ أبو كيسوم وزيره حتى بلغ النجاشي فأخبره، فلما أتمّ حديثه كان فوق رأسه طير فرماه بحجر فقتله، وأما أبرهة فتساقطت أعضاؤه، وتصدّع صدره وقلبه، وجمع عبد المطلب وأهل الحرم أموالهم. وما نقل عن عائشة رضى اللَّه عنها أنها قالت: " رأيت قائد الفيل وسايسه مُقْعَدَين "، ظاهر القرآن يخالفه، واتفق الثقات أن رسول اللَّه - ﷺ - ولد في ذلك العام بعد وقعة الفيل.
ذلك يُمْنُ مقدمه للَّه دره، من صارم قبل ما سُلَّ يقطع.
* * *
تمت وللَّه الحمد والمنة، والصَّلاة على كاشف الغمة.
* * *
سورة الفيل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفيل) من السُّوَر المكية، وفيها تذكيرُ قُرَيش بقدرة الله عز وجل؛ إذ حمَى بيته ممن يَكِيد له، وانفرَد بحمايته دُونَ الأصنام العاجزة عن ذلك، وفيها تثبيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفعَ كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه.

ترتيبها المصحفي
105
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
19
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفيل):

سُمِّيت سورة (الفيل) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ قصة (الفيل) فيها، ولم يَرِدْ في غيرها.

قدرة الله في تعذيبِ مَن انتهَك حُرْمةَ بيته (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /353).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «قد تضمَّنتِ التذكيرَ بأن الكعبة حرَمُ الله، وأن اللهَ حماه ممن أرادوا به سوءًا، أو أظهَرَ غضبَه عليهم فعذَّبهم؛ لأنهم ظلموا بطمعِهم في هدمِ مسجد إبراهيم وهو عندهم في كتابهم، وذلك ما سماه الله كيدًا، وليكونَ ما حَلَّ بهم تذكرةً لقريش بأن فاعل ذلك هو ربُّ ذلك البيت، وأنْ لا حظَّ فيه للأصنام التي نصَبوها حوله.
وتنبيهَ قُرَيش أو تذكيرهم بما ظهر من كرامة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الله؛ إذ أهلَك أصحابَ الفيل في عام ولادته.
ومِن وراء ذلك تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بأن اللهَ يدفع عنه كيدَ المشركين؛ فإن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفع كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه، ويُشعِر بهذا قولُه: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٖ} [الفيل: 2].
ومن وراء ذلك كلِّه التذكير بأن اللهَ غالبٌ على أمره، وألا تغُرَّ المشركين قوَّتُهم ووفرةُ عددهم، ولا يُوهِنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تألُّبُ قبائلهم عليه؛ فقد أهلك اللهُ من هو أشدُّ منهم قوةً، وأكثَرُ جمعًا». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /543-544).