تفسير سورة العصر

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل

تفسير سورة سورة العصر من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ ؛ معناهُ : والدَّهرِ، أقسَمَ اللهُ بالدهرِ في ترَدُّدهِ وتقلُّبهِ لِمَا فيه من الدَّلالة على وحدانيَّة اللهِ، ويجوز أنْ يكون المرادُ به : ورب العصرِ، وقال بعضُهم : المرادُ بالعصرِ العشِي، وفائدةُ ذكرهِ : ما فيه من الدَّلالة على توحيدِ الله من إقبالِ اللَّيل، وإدبار النهار، وذهاب سُلطان الشمسِ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ ﴾ ؛ هذا جوابُ القسَم، والإنسانُ ها هنا جنسٌ أرادَ به جميعَ الناس، ولذلك استثنَى منهم المؤمنِين المطيعين. وَقِيْلَ : المرادُ بالإنسان ها هنا الكافرُ بخُسرهِ نفسَهُ ومالَهُ وأهلَهُ ومنْزلَهُ وخدَمَهُ في الجنَّة، ويرثهُ المؤمن.
ويقال : معنى الْخُسْرِ ها هنا نقصانُ العُمرِ، كلُّ إنسانٍ رأسُ ماله " العمر "، والمؤمنُ وإنْ كان ينقصُ من عُمره الذي هو رأسُ ماله، فإنه يربحُ عليه بالطاعةِ فلا يعدُّ ذلك خُسراناً ؛ لأنه لا يتوصَّلُ إلى الربحِ إلاّ بإخراجِ رأسِ المال من يده، فمعنى الخسران لا يتحقَّقُ إلاّ في الكافرِ.
وفي الحديثِ عن النبيِّ ﷺ أنه قالَ :" مَنِ اسْتَوَى يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ، وَإنْ كَانَ يَوْمُهُ خَيْراً مِنْ أمْسِهِ فَهُوَ مَغْبُوطٌ، وَمَنْ كَانَ يَوْمُهُ شَرّاً مِنْ أمْسِهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ فِي النُّقْصَانِ، وَمَنْ كَانَ فِي النُّقْصَانِ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ مِن الْحَيَاةِ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ﴾ ؛ فهؤلاء همُ الذين يتمسَّكون بما يؤدِّيهم إلى الفوز بالثواب، والنجاةِ من العقاب، فإنَّهم لا يُقصِرون على طاعةِ أنفسهم بل يحثُّون غيرَهم على الطاعةِ لِيُقْتَدَى بهم وليَكُونوا سَبباً في طاعةِ غيرهم. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ ﴾ أي أوصَى بعَضُهم بعضاً باتِّباع القرآنِ، وطاعة اللهِ، ﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ﴾ على الشَّدائد في ذاتِ اللهِ.
وعن أُبَيِّ بن كعبٍ قال : قَرَأتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا تَفْسِيرُهَا ؟ فَقَالَ :" أقْسَمَ رَبُّكَ بآخِرِ النَّهَار ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ ﴾ وَهُوَ أبُو جَهْلٍ ﴿ لَفِى خُسْرٍ ﴾، ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يَعْنِي أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﴿ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ﴾ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب، ﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ ﴾ يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ، ﴿ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ ﴾ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أبي طَالِبٍ " رضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ.
سورة العصر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العصر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الشَّرح)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(العصر)؛ وهو: الدَّهر، وفي هذه السورة إثباتُ الفلاح للمؤمنين الذين اتبَعوا طريق الحق، وتواصَوْا به، وصبَروا عليه، وبيَّنتِ السورة الكريمة منهجَ الحياة، وسبب سعادة الإنسان أو شقاوته، ومما يشار إليه: أن الصحابةَ كانوا يَتواصَون بهذه السورة.

ترتيبها المصحفي
103
نوعها
مكية
ألفاظها
14
ترتيب نزولها
13
العد المدني الأول
3
العد المدني الأخير
3
العد البصري
3
العد الكوفي
3
العد الشامي
3

* سورة (العصر):

سُمِّيت سورة (العصر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(العصر)؛ وهو: الدَّهْر.

منهج الحياة، وسبب سعادة الإنسان أو شقاوته (١-٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /329).

إثباتُ الخسران والضَّلال لكلِّ مَن ابتعد عن منهج الله، والفائزُ مَن آمن بالله، واتبَع هُداه، ودعا الناسَ إلى هذا الطريق القويم.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /528).