تفسير سورة الحجرات

تفسير ابن أبي حاتم

تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب تفسير ابن أبي حاتم المعروف بـتفسير ابن أبي حاتم.
لمؤلفه ابن أبي حاتم الرازي . المتوفي سنة 327 هـ

سُورَةُ الْحجرات
٤٩
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٨٦٠٤ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: لَا تَقُولُوا خِلافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ «١».
١٨٦٠٥ - عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أن نَاسًا كَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ أُنْزِلَ فِي كَذَا وكذا الوضع كذا كذا فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ «٢».
١٨٦٠٦ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلامِهِ «٣».
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
١٨٦٠٧ - حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْبَاهِلِيُّ حدثنا المعتمر بن سليمان:
سَمِعْتُ دَاوُدَ الطُّفَاوِيَّ يُحَدِّثَ عَنْ أَبيِ مُسْلِمِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: اجْتَمَعَ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالُوا، بِنَا إِلَى هَذَا الرجل فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به وإن يك مَلِكًا نَعِشْ بِجَنَاحِهِ قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالُوا فَجَاءُوا إِلَى حُجْرَتِهِ، فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ وَهُوَ فِي حُجْرَتِهِ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لَقَدْ صَدَّقَ اللَّهُ قَوْلَكَ يَا زَيْدُ لَقَدْ صَدَّقَ اللَّهُ قَوْلَكَ يَا زَيْدُ» «٤».
(١) الدر ٧/ ٥٤٦.
(٢) الدر ٧/ ٥٤٦.
(٣) الدر ٧/ ٥٤٦.
(٤) ابن كثير ٧/ ٢٤٩ والدر ٧/ ٥٥٢.
قوله تعالى :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم ﴾ آية ٤- ٥
حدثنا أبي حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا المعتمر بن سليمان : سمعت داود الطفاوي يحدث عن أبي مسلم البجلي، عن زيد بن أرقم قال : اجتمع أناس من العرب فقالوا، بنا إلى هذا الرجل فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به وإن يك ملكا نعش بجناحه قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قالوا فجاءوا إلى حجرته، فجعلوا ينادونه وهو في حجرته يا محمد يا محمد فأنزل الله :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾ قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لقد صدق الله قولك يا زيد لقد صدق الله قولك يا زيد ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ.
١٨٦٠٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ الْحَارِثَ بْنَ ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّ يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَانِي إِلَى الْإِسْلامِ فَدَخَلْتُ فِيهِ وَأَقْرَرْتُ بِهِ، وَدَعَانِي إِلَى الزَّكَاةِ فَأَقْرَرْتُ بِهَا وَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَأَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلامِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِي جَمَعْتُ زَكَاتَهُ وَيُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ رَسُولًا لِإِبَّانِ كَذَا وَكَذَا لِيَأْتِيَكَ مَا جَمَعْتُ مِنَ الزَّكَاةِ.
فَلَمَّا جَمَعَ الْحَارِثُ الزَّكَاةَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لَهُ وَبَلَغَ الْإِبَّانَ الَّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِ، احْتَبَسَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ فَلَمْ يَأْتِهِ فَظَنَّ الْحَارِثُ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ فِيهِ سُخْطَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسَولِهِ، فَدَعَا بِسَرَوَاتِ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ وَقَّتَ لِي وَقْتًا يُرْسِلُ إِلَيَّ رَسُولَهُ لِيَقْبِضَ مَا كَانَ عِنْدِي مِنَ الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخُلْفُ وَلا أَرَى حَبَسَ رَسُولَهُ إِلا مِنْ سُخْطَةٍ كَانَتْ، فَانْطَلِقُوا فَنَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ إلى الْحَارِثِ لِيَقْبَضَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِمَّا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ، فَلِمَا أَنْ سَارَ الْوَلِيدُ حَتَّى بَلَغَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَرَقَّ أَيْ خَافَ فَرَجَعَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْحَارِثَ مَنَعَنِي الزَّكَاةَ وَأَرَادَ قَتْلِي، فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَعْثَ إِلَى الْحَارِثِ وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا اسْتَقْبَلَ الْبَعْثَ، وَفُصِلَ عَنِ الْمَدِينَةِ، لَقِيَهُمُ الْحَارِثُ فَقَالُوا:
هَذَا الْحَارِثُ فَلَمَّا غَشِيَهُمْ قَالَ لَهُمْ: إِلى مَنْ بُعِثْتُمْ؟ قَالُوا إِلَيْكَ قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ بَعَثَ إِلَيْكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ فَزَعَمَ أَنَّكَ مَنَعْتَهُ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَهُ قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ بَتَّةَ، وَلا أَتَانِي فَلَمَّا دَخَلَ الْحَارِثُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنَعْتَ الزَّكَاةَ وَأَرَدْتَ قَتْلَ رَسُولِي؟» قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُهُ وَلا أَتَانِي وَمَا أَقْبَلْتُ إِلا حِينَ احْتُبِسَ عَلَيَّ رَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ سُخْطَةٌ قَالَ: فَنَزَلَتِ الْحُجُرَاتُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ إِلَى قوله حكيم «١».
(١) ابن كثير ٧/ ٣٥٠- ٣٥١ والدر ٧/ ٥٥٥.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ
١٨٦٠٩ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَانَ بَيْنَهُمَا قِتَالٌ بِالسَّيْفِ وَالنِّعَالِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَإِنْ طَائِفَتَانِ الْآيَةَ «١».
١٨٦١٠ - عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عِمْرَانُ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أَمُّ زَيْدٍ، وَأَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَزُورَ أَهْلَهَا فَحَبَسَهَا زَوْجُهَا، وَجَعَلَهَا فِي عِلْيَةٍ لَهُ لا يدخل عليه أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ بَعَثَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَجَاءَ قَوْمُهَا فَأَنَزَلُوهَا لَيَنْطَلِقَوْا بِهَا، وَكَانَ الرَّجُلُ قَدْ خَرَجَ فَاسْتَعَانَ أَهْلُ الرَّجُلِ، فَجَاءَ بَنُو عَمِّهِ لَيَحُولُوا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ أَهْلِهَا فَتَدَافَعُوا وَاجْتَلَدُوا بِالنِّعَالِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصْلَحَ بينهم وفاؤوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ «٢».
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
١٨٦١١ - حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو أَنّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ لُؤْلُؤٍ بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ بِمَا أَقْسَطُوا فِي الدُّنْيَا» «٣».
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ
١٨٦١٢ - عَنْ مُقَاتِلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ اسْتَهْزَءُوا مِنْ بِلالٍ وَسَلْمَانَ وَعَمَّارٍ وَخَبَّابٍ وَصُهَيْبٍ وَابْنِ فُهَيْرَةَ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ «٤».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
١٨٦١٣ - عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ قَالَ: أَنْ يَقُولَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ: يَا يَهُودِيُّ يَا نَصْرَانِيُّ يَا مَجُوسِيُّ وَيَقُولُ: لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَا فَاسِقُ «٥».
(١) الدر ٧/ ٥٦٠- ٥٦١.
(٢) الدر ٧/ ٥٦٠- ٥٦١.
(٣) قال ابن كثير: هذا إسناد جيد قوي رجاله على شرط الصحيح.
(٤) الدر ٧/ ٥٦٣- ٥٦٧.
(٥) الدر ٧/ ٥٦٣- ٥٦٧.
قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ﴾ آية ١١
عن مقاتل رضي الله عنه في قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ﴾ قال : نزلت في قوم من بني تميم استهزءوا من بلال وسلمان وعمار وخباب وصهيب وابن فهيرة وسالم مولى أبي حذيفة.
قوله تعالى :﴿ ولا تنابزوا بالألقاب ﴾
عن ابن مسعود ﴿ ولا تنابزوا بالألقاب ﴾ قال : أن يقول إذا كان الرجل يهوديا فأسلم : يا يهودي يا نصراني يا مجوسي ويقول : للرجل المسلم يا فاسق.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ
١٨٦١٤ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ قَالَ: نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَ أَنْ يَظُنَّ بِالْمُؤْمِنِ سُوءًا «١».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَجَسَّسُوا
١٨٦١٥ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَجَسَّسُوا قَالَ: نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَ أَنْ يَتَبِعَ عَوْرَاتِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ «٢».
١٨٦١٦ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدٍ قَالَ: أَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَجُلٍ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا فُلانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرَ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذُ بِهِ «٣».
سَمَّاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي رِوَايَتِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: التَّجَسُّسُ: الْبَحْثُ عَنِ الشَّيْءِ وَالتَّحَسُّسُ: الِاسْتِمَاعُ إِلَى حَدِيثِ الْقَوْمِ وَهُمْ لَهُ كارهون او يتسمع إلى أبوابهم وَالتَّدَابُرُ: الصَّرْمُ «٤».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُم بَعْضًا
١٨٦١٧ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُم بَعْضًا الْآيَةَ قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ أَنْ يُغْتَابَ الْمُؤْمِنُ بِشَيْءٍ كَمَا حَرَّمَ الْمَيْتَةَ «٥».
١٨٦١٨ - حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، ثنا أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا مَا رَأَيْتَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ؟... قَالَ: ثُمَّ انْطُلِقَ بِي إِلَى خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَثِيرٍ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ مُوَكَّلٌ بِهِمْ رِجَالٌ، يَعْمَدُونَ إِلَى عَرْضِ جَنْبِ أَحَدِهِمْ فَيَحَذُونَ مِنْهُ الْحَذْوَةَ مِنْ مِثْلِ النَّعْلِ، ثُمَّ يَضَعُونَهُ في فِي أَحَدِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ: «كُلْ كَمَا أَكَلْتُ» وَهُوَ يَجِدُ مِنْ أَكْلِهِ الْمَوْتَ، يَا مُحَمَّدُ- لَوْ يَجِدُ الْمَوْتَ وَهُوَ يُكْرَهُ عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يا جبرائيل مَنْ هَؤُلاءِ: قَالَ: هَؤُلاءِ الْهَمَّازُونَ اللَّمَّازُونَ أَصْحَابُ النَّمِيمَةِ فَيُقَالُ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَهُوَ يُكْرَهُ عَلَى أَكْلِ لحمه «٦».
(١) الدر ٧/ ٥٦٣- ٥٦٧.
(٢) الدر ٧/ ٥٦٣- ٥٦٧.
(٣) ابن كثير ٧/ ٣٥٨. [.....]
(٤) ابن كثير ٧/ ٣٥٨.
(٥) الدر ٧/ ٥٦٧.
(٦) ابن كثير ٧/ ٣٦١ والدر ٧/ ٥٧٠.
١٨٦١٩ - عَنْ مُقَاتِلٍ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ كَانَ يَخْدِمُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ إِلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ إِدَامًا فَمَنَعَ فقالوا له: إنه لبخيل رَخِيمٌ فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ «١».
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
١٨٦٢٠ - عَنِ ابْنِ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ رَقَى بِلالٌ فَأَذَّنَ عَلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هَذَا الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ يُؤَذِّنُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ يَسْخَطِ اللَّهُ هَذَا يُغَيَّرْهُ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى الآية «٢».
قوله تعالى: وجعلناكم شعوبًا وقبائل
١٨٦٢١ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الشُّعُوبُ الْجُمَاعُ، وَالْقَبَائِلُ الْأَفْخَاذُ الَّتِي يَتَعَارَفُونَ بِهَا «٣».
١٨٦٢٢ - حَدَّثَنَا الرَبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بِنُ زَكَرِيَّا الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عن عبيد اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، فَمَا وَجَدَ لَهَا مَنَاخًا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ فَخَرَجَ بِهَا إِلَى بَطْنِ الْمَسِيلِ فَأُنِيخَتْ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَهُمْ عَلَى رَاحِلَةٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهَلٌ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ حَمِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وتعظيمها بِآبَائِهَا فَالنَّاسُ رَجُلانِ: رَجُلٌ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَي اللَّهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ» «٤».
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا
١٨٦٢٣ - عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ جَاءَ نَاسٌ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا قَدْ أَسْلَمْنَا وَلَنْ نُقَاتِلَكَ كَمَا قَاتَلَكَ بَنُو فُلانٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: يَمُنُّونَ عليك أن أسلموا «٥».
(١) الدر ٧/ ٥٧٠.
(٢) الدر ٧/ ٥٧٨- ٥٧٩.
(٣) الدر ٧/ ٥٧٨- ٥٧٩.
(٤) ابن كثير ٧/ ٣٦٦- والدر ٧/ ٥٧٨.
(٥) الدر ٧/ ٥٨٥.
قوله تعالى :﴿ يمنون عليك أن أسلموا ﴾
عن الحسن قال : لما فتحت مكة جاء ناس فقالوا يا رسول الله : إنا قد أسلمنا ولن نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأنزل الله :﴿ يمنون عليك أن أسلموا ﴾.
سورة الحجرات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحُجُرات) من السُّوَر المدنية، جاءت ببيانِ أحكامٍ وتشريعات كثيرة، على رأسها وجوبُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرِه، كما أمرت السورةُ الكريمة بمجموعةٍ من الأخلاق والمبادئ التي تبني مجتمعًا متماسكًا؛ من تركِ السماع للشائعات، والنهيِ عن التنابُزِ بالألقاب، والتحذيرِ من الغِيبة والنميمة، وتصويرِ فاعلها بأبشَعِ صورة.

ترتيبها المصحفي
49
نوعها
مدنية
ألفاظها
353
ترتيب نزولها
106
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} [الحجرات: 1]:

عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عبدَ اللهِ بن الزُّبَيرِ أخبَرَهم: «أنَّه قَدِمَ رَكْبٌ مِن بني تَمِيمٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدٍ، وقال عُمَرُ: بل أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بكرٍ: ما أرَدتَّ إلى - أو إلَّا - خِلافي، فقال عُمَرُ: ما أرَدتُّ خِلافَك، فتمارَيَا حتى ارتفَعتْ أصواتُهما؛ فنزَلَ في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ} [الحجرات: 1] حتى انقَضتِ الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٨٤٧).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اْلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُۥ بِاْلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]:

عن عبدِ اللهِ بن أبي مُلَيكةَ، قال: «كادَ الخَيِّرانِ أن يَهلِكَا: أبو بكرٍ وعُمَرُ رضي الله عنهما، رفَعَا أصواتَهما عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ عليه رَكْبُ بني تَمِيمٍ، فأشارَ أحدُهما بالأقرَعِ بنِ حابسٍ أخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشارَ الآخَرُ برجُلٍ آخَرَ - قال نافعٌ: لا أحفَظُ اسمَه -، فقال أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدتَّ إلا خِلافي، قال: ما أرَدتُّ خِلافَك، فارتفَعتْ أصواتُهما في ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيةَ، قال ابنُ الزُّبَيرِ: فما كان عُمَرُ يُسمِعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيةِ حتى يستفهِمَه، ولم يذكُرْ ذلك عن أبيه؛ يَعني: أبا بكرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٤٥).

* قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قيل للنبيِّ ﷺ: لو أتَيْتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فانطلَقَ إليه النبيُّ ﷺ، ورَكِبَ حِمارًا، فانطلَقَ المسلمون يمشون معه، وهي أرضٌ سَبِخةٌ، فلمَّا أتاه النبيُّ ﷺ، فقال: إليك عنِّي، واللهِ، لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ منهم: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ ﷺ أطيَبُ رِيحًا منك، فغَضِبَ لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، فشتَمَه، فغَضِبَ لكلِّ واحدٍ منهما أصحابُه، فكان بَيْنَهما ضَرْبٌ بالجَريدِ والأيدي والنِّعالِ، فبلَغَنا أنَّها أُنزِلتْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]». أخرجه البخاري (٢٦٩١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]:

عن أبي جَبِيرةَ بن الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ منَّا يكونُ له الاسمانِ والثلاثةُ، فيُدْعَى ببعضِها، فعسى أن يَكرَهَ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]». سنن الترمذي (٣٢٦٨).

* سورةُ (الحُجُرات):

سُمِّيت سورةُ (الحُجُرات) بذلك؛ لأنَّه جاء فيها لفظُ (الحُجُرات)؛ قال تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ اْلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

1. القيادة للرسول الكريم، والأدب معه (١-٣).

2. بناء المجتمع الأخلاقي، أسسٌ ومحاذيرُ (٤-١٣).

3. الأساس الإيماني، نموذجٌ وإرشاد (١٤-١٧).

4. علمُ الغيب لله وحده (١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسورة القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /341).

مقصودُ سورة (الحُجُرات) الأعظم هو توقيرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلُ ذلك علامةً للإيمان، وكذلك بناءُ مجتمع أخلاقي متماسكٍ؛ من خلال التحذير من شائنِ الأخلاق، والأمرِ بزَيْنِها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /6).