تفسير سورة الحجرات

معاني القرآن

تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله جل وعز :﴿ يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ ﴾.
اتفق عليها القراء، ولو قرأ قارئ :( لا تَقْدَموا ) لكان صواباً ؛ يقال : قَدَمت في كذا وكذا، وتقدَّمت.
وقوله عز وجل :﴿ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ ﴾.
وفي قراءة عبد الله «بأصواتكم »، ومثله في الكلام : تكلم كلاما حسنا، وتكلم بكلام حسن.
وقوله :﴿ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ﴾ :
يقول : لا تقولوا : يا محمد، ولكن قولوا : يا نبي الله يا رسول الله، يا أبا القاسم.
وقوله :﴿ أَن تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ ﴾.
معناه : لا تحبطُ وفيه الجزم والرفع إذا وضعت ( لا ) مكان ( أن )، وقد فُسر في غير موضع، وهي في قراءة عبد الله : فتحبطَ أعمالكم، وهو دليل على جواز الجزم فيه.
وقوله :﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ﴾.
أخلصها للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده، ويسقط خبثه.
وقوله :﴿ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ ﴾.
وجه الكلام أن تضم الحاء والجيم، وبعض العرب يقول : الْحُجَرات والرُّكَبات وكل جمع كأن يقال في ثلاثةٍ إلى عشرةٍ : غرف، وحجر، فإذا جمعته بالتاء نصبت ثانية، فالرفع [ ١٨٠/ب ] أجودُ من ذلك.
وقوله :﴿ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾.
أتاه وفد بني تميم في الظهيرة، وَهو راقد صلى الله عليه وسلم، فجعلوا ينادون : يا محمد، اخرج إلينا، فاستيقظ فخرج، فنزل :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ ﴾ إلى آخر الآية، وَأذِن بعد ذلك لهم ؛ فقام شاعرهم، وشاعر المسلمين، وخطيب منهم، وخطيب المسلمين، فعلت أصواتهم بالتفاخر، فأنزل الله جل وَعز فيه :﴿ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾.
وقوله :﴿ يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتثَبَّتُوا ﴾.
قراءة أصحاب عبد الله، ورأيتها في مصحف عبد الله بالثاء، وَقراءة الناس :( فَتَبَيَّنُوا ) وَمعناهما متقارب ؛ لأن قوله :( فَتَبَيَّنُوا ) أمهلوا حتى تعرفوا، وَهذا معنى تثبتوا. وَإنما كان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بعث عاملاً على بني المصطلق ليأخذ صدقاتهم، فلما توجه إليهم تلقوه ليعظموه، فظن أنهم يريدون قتاله، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسلم فقال : إِنهم قاتلوني، وَمنعوني أداء ما عليهم فبينما هم كذلك وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم وسلم قدم عليه وَفد بني المصطلق فقالوا : أردنا تعظيم رسول رسول الله، وَأداء الحق إِليه، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وَلم يصدقهم ؛ فأنزل الله :«يأَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتثَبَّتُوا » إلى آخر الآية، وَالآية التي بعدها.
وقوله :﴿ وَإِن طَائفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ ﴾.
ولم يقل : اقتتلتا، وَهي في قراءة عبد الله : فخذوا بينهم. مكان فأصلحوا بينهم، وَفي قراءته : حتى يَفِيئُوا إلى أمر الله فإن فاءوا فخذوا بينهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وَقوله ﴿ فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي ﴾ التي لا تقبل الصلح، فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بينهم.
وقوله :﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾.
ولم يقل : بين إخوتكم، وَلا إخوانكم، وَلو قيل ذلك كان صوابا.
وَنزلت في رهط عبد الله بن أبي، وَرهط عبد الله بن رواحة الأنصاري، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم على حِمار فوقف على عبد الله بن أبي في مجلس قومه، فراث حمار رسول الله، فوضع عبد الله يده على أنفه وَقال : إليك حمارك فقد آذاني، فقال له ابن روَاحة : أَلِحِمارِ رسول الله تقول هذا ؟ فوالله لهو أطيب عِرضا منك وَمن أبيك، فغضب قوم هذا، وَقوم هذا، حتى اقتتلوا بالأيدي وَالنعال، فنزلت هذه الآية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وَقوله ﴿ فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي ﴾ التي لا تقبل الصلح، فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بينهم.
وقوله :﴿ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ ﴾.
نزلت في أن ثابت بن قيس الأنصاري كان ثقيل السمع، فكان يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم وسلم ليسمع حديثه، فجاء بعد ما قضى ركعة من الفجر، وَقد أخذ الناس أماكنهم من رسول الله فجعل يتخطى وَيقول : تفسحوا حتى انتهي إلى رجل دون النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : تفسح، فقال له الرجل : قد أصبت مكانا فاقعد، فلما أسفر قال : من الرجل ؟ قال : فلان بن فلان، قال : أنت ابن هَنَةٍ لأُِمٍّ له، قد كان يعير بها ؛ فشق على الرجل، فأنزل الله عز وجل :﴿ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ ﴾ وهي في قراءة عبد الله فيما أعلم : عَسَوا أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء عسَين أن يكنَّ خيراً منهن.
ونزل أيضاً في هذه القصة :[ ١٨١/ا ] ﴿ يأَيُّها الناسُ إِنا خَلَقْناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً ﴾. والشعوب أكبر من القبائل، وَالقبائل أكبر من الأفخاذ ﴿ لِتَعَارَفُواْ ﴾ : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ ﴾ مكسورة لم يقع عليها التعارف، وهي قراءة عبد الله : لتعارفوا بينكم، وخيركم عند الله أتقاكم ؛ فقال ثابت : والله لا أفاخر رجلاً في حسبه أبداً.
وقوله :﴿ وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ ﴾.
لا يَعب بعضكم بعضاً، ولا تنابزوا بالألقاب : كان الرجل يقول للرجل من اليهود وقد أسلم : يا يهودي ! فنُهوا عن ذلك ؛ وَقال فيه :﴿ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمانِ ﴾ ومن فتح : أن أكرمكم فكأنه قال : لتعارفوا أن الكريم المتقِي، ولو كان كذلك لكانت : لتعرفوا أن أكرمكم، وجاز لتعارفوا ليعرِّف بعضكم بعضا أن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وقوله :﴿ وَلاَ تَجَسَّسُواْ ﴾.
القُراء مجتمعون على الجيم ؛ نزلت خاصة في سلمان، وكانوا نالوا منه.
وقوله :﴿ فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾.
قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أكان أحدكم آكلاً لحم أخيه بعد موته ؟ قالوا : لا ! قال : فإن الغيبة أكل لحمه، وهو أن تقول ما فيه، وإذا قلت ما ليس فيه فهو البَهْت ليست بغيبة فكرهتموه أي فقد كرهتموه، فلا تفعلوه.
ومن قرأ : فكُرِّهتموه يقول : قد بُغِّض إليكم والمعنى والله أعلم واحد، وهو بمنزلة قولك : مات الرجل وأُميت.
ونزل أيضاً في هذه القصة :[ ١٨١/ا ] ﴿ يأَيُّها الناسُ إِنا خَلَقْناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً ﴾. والشعوب أكبر من القبائل، وَالقبائل أكبر من الأفخاذ ﴿ لِتَعَارَفُواْ ﴾ : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ ﴾ مكسورة لم يقع عليها التعارف، وهي قراءة عبد الله : لتعارفوا بينكم، وخيركم عند الله أتقاكم ؛ فقال ثابت : والله لا أفاخر رجلاً في حسبه أبداً.
وقوله :﴿ قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنا ﴾.
فهذه نزلت في أعاريب بني أسد ؛ قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بعيالاتهم طمعا في الصدقة، فجعلوا يروحون ويغدون، ويقولون : أعطنا فإنا أتيناك بالعيال والأثقال، وجاءتك العرب على ظهور رواحلها.
فأنزل الله جل وعز ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾ ؛ ( وأن ) في موضع نصب لأنها في قراءة عبد الله : يمنون عليك إِسلامهم، ولو جعلتَ : يَمُنُّونَ عَلَيْك لأنْ أَسْلَمُوا، فإِذَا ألقيت اللام كان نصباً مخالفا للنصب الأول.
وقوله :﴿ أَنْ هَدَاكُمْ ﴾، وفي قراءة عبد الله : إذ هداكم.
فـ ( أن ) في موضع نصب لا بوقع الفعل، ولكن بسقوط الصفة.
وقوله :﴿ لاَ يَلِتْكُمْ ﴾.
لا ينقصكم، ولا يظلمكم من أعمالكم شيئاً، وهي من لات يليتُ، والقراء مجمعون عليها، وقد قرأ بعضهم : لا يَأْلِتْكم، ولست أشتهيها ؛ لأنها بغير ألف كتبت في المصاحف، وليس هذا بموضع يجوز فيه سقوط الهمز ؛ ألا ترى قوله :( يأتون )، و ( يأمرون )، و ( يأكلون ) لم تلق الألف في شيء منه لأنها ساكنة، وإنما تلقى الهمزة إذا سكن ما قبلها، فإذا سكنت هي تعني الهمزة ثبتت فلم تسقط، وإنما اجترأ على قراءتها «يألتكم » أنه وجد ﴿ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ في موضع، فأخذ ذا من ذلك ؛ فالقرآن يأتي باللغتين المختلفتين ؛ ألا ترى قوله :﴿ تُمْلَى عَلَيْهِ ﴾. وهو في موضع آخر :﴿ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِل ﴾. ولم تحمل إحداهما على الأخرى فتتفقا ولات يليت، وألَت يألِتُ لغتان [ قال حدثنا محمد بن الجهم بن إبراهيم السمري قال حدثنا الفراء ].
فأنزل الله جل وعز ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾ ؛ ( وأن ) في موضع نصب لأنها في قراءة عبد الله : يمنون عليك إِسلامهم، ولو جعلتَ : يَمُنُّونَ عَلَيْك لأنْ أَسْلَمُوا، فإِذَا ألقيت اللام كان نصباً مخالفا للنصب الأول.
وقوله :﴿ أَنْ هَدَاكُمْ ﴾، وفي قراءة عبد الله : إذ هداكم.
فـ ( أن ) في موضع نصب لا بوقع الفعل، ولكن بسقوط الصفة.
سورة الحجرات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحُجُرات) من السُّوَر المدنية، جاءت ببيانِ أحكامٍ وتشريعات كثيرة، على رأسها وجوبُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرِه، كما أمرت السورةُ الكريمة بمجموعةٍ من الأخلاق والمبادئ التي تبني مجتمعًا متماسكًا؛ من تركِ السماع للشائعات، والنهيِ عن التنابُزِ بالألقاب، والتحذيرِ من الغِيبة والنميمة، وتصويرِ فاعلها بأبشَعِ صورة.

ترتيبها المصحفي
49
نوعها
مدنية
ألفاظها
353
ترتيب نزولها
106
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} [الحجرات: 1]:

عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عبدَ اللهِ بن الزُّبَيرِ أخبَرَهم: «أنَّه قَدِمَ رَكْبٌ مِن بني تَمِيمٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدٍ، وقال عُمَرُ: بل أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بكرٍ: ما أرَدتَّ إلى - أو إلَّا - خِلافي، فقال عُمَرُ: ما أرَدتُّ خِلافَك، فتمارَيَا حتى ارتفَعتْ أصواتُهما؛ فنزَلَ في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ} [الحجرات: 1] حتى انقَضتِ الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٨٤٧).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اْلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُۥ بِاْلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]:

عن عبدِ اللهِ بن أبي مُلَيكةَ، قال: «كادَ الخَيِّرانِ أن يَهلِكَا: أبو بكرٍ وعُمَرُ رضي الله عنهما، رفَعَا أصواتَهما عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ عليه رَكْبُ بني تَمِيمٍ، فأشارَ أحدُهما بالأقرَعِ بنِ حابسٍ أخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشارَ الآخَرُ برجُلٍ آخَرَ - قال نافعٌ: لا أحفَظُ اسمَه -، فقال أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدتَّ إلا خِلافي، قال: ما أرَدتُّ خِلافَك، فارتفَعتْ أصواتُهما في ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيةَ، قال ابنُ الزُّبَيرِ: فما كان عُمَرُ يُسمِعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيةِ حتى يستفهِمَه، ولم يذكُرْ ذلك عن أبيه؛ يَعني: أبا بكرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٤٥).

* قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قيل للنبيِّ ﷺ: لو أتَيْتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فانطلَقَ إليه النبيُّ ﷺ، ورَكِبَ حِمارًا، فانطلَقَ المسلمون يمشون معه، وهي أرضٌ سَبِخةٌ، فلمَّا أتاه النبيُّ ﷺ، فقال: إليك عنِّي، واللهِ، لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ منهم: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ ﷺ أطيَبُ رِيحًا منك، فغَضِبَ لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، فشتَمَه، فغَضِبَ لكلِّ واحدٍ منهما أصحابُه، فكان بَيْنَهما ضَرْبٌ بالجَريدِ والأيدي والنِّعالِ، فبلَغَنا أنَّها أُنزِلتْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]». أخرجه البخاري (٢٦٩١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]:

عن أبي جَبِيرةَ بن الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ منَّا يكونُ له الاسمانِ والثلاثةُ، فيُدْعَى ببعضِها، فعسى أن يَكرَهَ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]». سنن الترمذي (٣٢٦٨).

* سورةُ (الحُجُرات):

سُمِّيت سورةُ (الحُجُرات) بذلك؛ لأنَّه جاء فيها لفظُ (الحُجُرات)؛ قال تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ اْلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

1. القيادة للرسول الكريم، والأدب معه (١-٣).

2. بناء المجتمع الأخلاقي، أسسٌ ومحاذيرُ (٤-١٣).

3. الأساس الإيماني، نموذجٌ وإرشاد (١٤-١٧).

4. علمُ الغيب لله وحده (١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسورة القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /341).

مقصودُ سورة (الحُجُرات) الأعظم هو توقيرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلُ ذلك علامةً للإيمان، وكذلك بناءُ مجتمع أخلاقي متماسكٍ؛ من خلال التحذير من شائنِ الأخلاق، والأمرِ بزَيْنِها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /6).