تفسير سورة الحجرات

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله﴾ لَا تتقدموا بقول وَلَا بِفعل حَتَّى إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يَأْمُركُمْ وينهاكم وَيُقَال لَا بقتل وَلَا بذبيحة يَوْم النَّحْر بَين يَدي الله ﴿وَرَسُولِهِ﴾ دون أَمر الله وَأمر رَسُوله وَيُقَال لَا تخالفوا الله وَلَا تخالفوا الرَّسُول وَيُقَال لَا تخالفوا كتاب الله وَلَا تخالفوا سنة رَسُول الله ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي أَن تَفعلُوا وَتَقولُوا دون أَمر الله وَأمر رَسُوله وَأَن تخالفوا كتاب الله وَسنة رَسُوله ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ لمقالتكم (عَلِيمٌ) بأعمالكم نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَلَاثَة نفر من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتلوا رجلَيْنِ من بني سليم فِي صلح رَسُول الله بِغَيْر أَمر الله وَأمر رَسُوله فنهاهم الله عز وَجل وَقَالَ لَا تقدمُوا بَين يَدي الله دون أَمر الله وَأمر رَسُوله إِن الله سميع لمقالة الرجلَيْن عليم بِمَا اقترفا وَكَانَ قَوْلهم لَو كَانَ هَكَذَا لَكَانَ كَذَا فنهاهم الله عَن ذَلِك
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ نزلت فِي ثَابت بن قيس بن شماس يرفع صَوته عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قدم وَفد بني تَمِيم فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي ثَابتا ﴿لاَ تَرفعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوت النَّبِي﴾ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشدوا كلامكم عِنْد كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالْقَوْل﴾ لَا تَدعُوهُ باسمه ﴿كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ كدعاء بَعْضكُم لبَعض باسمه وَلَكِن عظموه ووقروه وشرفوه وَقُولُوا لَهُ يَا نَبِي الله وَيَا رَسُول الله وَيَا أَبَا الْقَاسِم ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ لكيلا تبطل حسناتكم بترككم الْأَدَب وَحُرْمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنْتُم لَا تشعرون لَا تعلمُونَ بحبطها
﴿إِنَّ الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ﴾ نزلت أَيْضا فِي ثَابت بن قيس بن شماس بعد مَا نَهَاهُ الله عَن رفع الصَّوْت ﴿عِندَ رَسُولِ الله﴾ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمدحه بعد ذَلِك بخفض صَوته عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الَّذين يَغُضُّونَ يكفون ويخفضون أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله ﴿أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ﴾ صفى الله وطهر الله قُلُوبهم ﴿للتقوى﴾ من الْمعْصِيَة وَيُقَال أخْلص الله قُلُوبهم للتوحيد ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم فِي الدُّنْيَا ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة
﴿إَنَّ الَّذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم من بني عنبر حى من خُزَاعَة بعث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم سَرِيَّة وَأمر عَلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ فَسَار إِلَيْهِم فَلَمَّا بَلغهُمْ أَنه خرج إِلَيْهِم فروا وَتركُوا عِيَالهمْ وَأَمْوَالهمْ فسبى دراريهم وَجَاء بهم إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءُوا ليفادوا ذَرَارِيهمْ فَدَخَلُوا الْمَدِينَة عِنْد القيلولة فَنَادوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا مُحَمَّد اخْرُج إِلَيْنَا وَكَانَ نَائِما فذمهم الله بذلك فَقَالَ إِن الَّذين يُنَادُونَك يدعونك من وَرَاء الحجرات من خلف حجرات نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾ كلهم ﴿لاَ يَعْقِلُونَ﴾ لَا يفهمون أَمر الله وتوحيده وَلَا حُرْمَة رَسُول الله
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ﴾ بني عنبر
435
﴿صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ﴾ إِلَى الصَّلَاة ﴿لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ﴾ لأعتق ذَرَارِيهمْ ونساءهم كلهم ففدى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصفهم وَأعْتق نصفهم ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ مِنْهُم ﴿رَحِيم﴾ حِين لم يعجلهم بالعقوبة
436
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فى الْوَلِيد بن عقبَة ابْن أَبى معيط بَعثه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني المصطلق ليجيء بِصَدَقَاتِهِمْ فَرجع من الطَّرِيق وَجَاء بِخَبَر قَبِيح وَقَالَ انهم أَرَادوا قَتْلَى فَأَرَادَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَن يغزوهم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن إِن جَاءَكُم فَاسق مُنَافِق الْوَلِيد بن عقبَة بِنَبَأٍ بِخَبَر عَن بني المصطلق ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ قفوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم مَا جَاءَ بِهِ أصدق هُوَ أم كذب ﴿أَن تُصِيبُواْ﴾ لكَي لَا تقتلُوا ﴿قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ﴾ فتصيروا ﴿على مَا فَعَلْتُمْ﴾ بِقَتْلِهِم ﴿نَادِمِينَ﴾
﴿وَاعْلَمُوا﴾ يَا معشر الْمُؤمنِينَ ﴿أَنَّ فِيكُمْ﴾ مَعكُمْ ﴿رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمر﴾ فِيمَا تأمرونه ﴿لَعَنِتُّمْ﴾ لأثمتم ﴿وَلَكِن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان﴾ الْإِقْرَار بِاللَّه وبالرسول ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ حسنه إِلَى قُلُوبكُمْ ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ﴾ بغض إِلَيْكُم ﴿الْكفْر﴾ الْجُحُود بِاللَّه وَالرَّسُول ﴿والفسوق﴾ النِّفَاق ﴿والعصيان﴾ جملَة الْمعاصِي ﴿أُولَئِكَ﴾ أهل هَذِه الصّفة ﴿هُمُ الراشدون﴾ المهتدون
﴿فَضْلاً مِّنَ الله﴾ منّا من الله عَلَيْهِم ﴿وَنِعْمَةً﴾ رَحْمَة ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ بكرامة الْمُؤمنِينَ ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا جعل فِي قُلُوبهم حب الْإِيمَان وبغض الْكفْر والفسوق والعصيان
﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق وَأَصْحَابه وَعبد الله بن رَوَاحَة المخلص وَأَصْحَابه فِي كَلَام كَانَ بَينهمَا فتنازعا واقتتل بَعضهم بَعْضًا فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِالصُّلْحِ فَقَالَ وَإِن طَائِفَتَانِ فرقتان من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا قَاتل بَعضهم بَعْضًا ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا﴾ بِكِتَاب الله ﴿فَإِن بَغَتْ﴾ استطالت وظلمت ﴿إِحْدَاهُمَا﴾ قوم عبد الله بن أبي ابْن سلول ﴿على الْأُخْرَى﴾ على قوم عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ وَلم يرجع إِلَى الصُّلْح بِالْقُرْآنِ ﴿فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي﴾ تستطيل وتظلم ﴿حَتَّى تفيء﴾ ترجع ﴿إِلَى أَمْرِ الله﴾ إِلَى الصُّلْح بِكِتَاب الله (فَإِن فَآءَتْ) رجعت إِلَى الصُّلْح بِكِتَاب الله ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا﴾ اعدلوا بَينهمَا ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ العادلين بِكِتَاب الله العاملين بِهِ
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ فِي الدّين ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ بِكِتَاب الله ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِيمَا أَمركُم من الصُّلْح ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فى ثَابت ابْن قيس بن شماس حَيْثُ ذكر رجلا من الْأَنْصَار بِسوء ذكر أما كَانَت لَهُ يعير بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي ثَابتا لَا يسخر قوم من قوم على قوم ﴿عَسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُم﴾ عِنْد الله أفضل نَصِيبا ﴿وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فى امْرَأتَيْنِ من نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سخرتا بِأم سَلمَة زوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ وَلَا نسَاء من نسَاء ﴿عَسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ﴾ عِنْد الله وَأفضل نَصِيبا ﴿وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ﴾ لَا تعيبوا أَنفسكُم يَعْنِي إخْوَانكُمْ من الْمُؤمنِينَ وَلَا تطعنوا بَعْضكُم بَعْضًا بالغيبة ﴿وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالْأَلْقَابِ﴾ لَا تطعنوا بَعْضكُم بَعْضًا باللقب وَاسم الْجَاهِلِيَّة ﴿بِئْسَ الِاسْم الفسوق﴾ بئس التَّسْمِيَة لأخيك يَا يَهُودِيّ وَيَا نَصْرَانِيّ وَيَا مَجُوسِيّ ﴿بَعْدَ الْإِيمَان﴾ بعد مَا آمن وَترك ذَلِك ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ﴾ من تَسْمِيَة أَخِيه يَا يَهُودِيّ وَيَا نَصْرَانِيّ وَيَا مَجُوسِيّ والتلقب والتنابز بعد الْإِيمَان ﴿فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الضارون لأَنْفُسِهِمْ بالعقوبة نزلت هَذِه الْآيَة
436
فِي أبي بردة بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ إِذْ تنَازعا فِي ذَلِك فَنَهَاهُمَا الله عَن ذَلِك
437
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظَّن﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فى رجلَيْنِ من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغتابا صاحبا لَهما وَهُوَ سلمَان وظنا بأسامة خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظن السوء وتجسسا هَل عِنْده مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسامة أَن أعطهما فنهاهم الله عَن ذَلِك الظَّن والتجسس والغيبة فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن اجتنبوا كثيرا من الظَّن مِمَّا تظنون بأخيكم من مدخله ومخرجه ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّن﴾ ظن السوء وتخفونه ﴿إِثْمٌ﴾ مَعْصِيّة وَهُوَ مَا ظن رجلَانِ بأسامة بن زيد ﴿وَلاَ تَجَسَّسُواْ﴾ وَلَا تبحثوا عَن عيب أخيكم وَلَا تَطْلُبُوا مَا ستر الله عَلَيْهِ وَهُوَ مَا تجسس الرّجلَانِ ﴿وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً﴾ وَهُوَ مَا اغتاب الرّجلَانِ بِهِ سلمَان ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾ حَرَامًا بِغَيْر الضَّرُورَة ﴿فكرهتموه﴾ تحرموا أكل الْميتَة بِغَيْر الضَّرُورَة وَكَذَلِكَ الْغَيْبَة فحرموها ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي أَن تَغْتَابُوا أحدا ﴿إِنَّ الله تَوَّابٌ﴾ متجاوز لمن تَابَ من الْغَيْبَة ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُم﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَابت بن قيس بن شماس حَيْثُ قَالَ لرجل أَنْت ابْن فُلَانَة وَيُقَال نزلت فِي بِلَال مُؤذن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَفر من قُرَيْش سُهَيْل بن عَمْرو والْحَارث بن هِشَام وَأبي سُفْيَان بن حَرْب قَالُوا لِبلَال عَام فتح مَكَّة حَيْثُ سمعُوا أَذَان بِلَال مَا وجد الله وَرَسُوله رَسُولا غير هَذَا الْغُرَاب فَقَالَ الله يأيها النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ ﴿مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ من آدم وحواء ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً﴾ يَعْنِي الأفخاذ ﴿وَقَبَآئِلَ﴾ يعْنى رُءُوس الْقَبَائِل وَيُقَال شعوباً موَالِي وقبائل عربا ﴿لتعارفوا﴾ لكَي تعرفوا إِذا سئلتم مِمَّن أَنْتُم فتقولوا من قُرَيْش من كِنْدَة من تَمِيم من بجيلة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿عَندَ الله﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿أَتْقَاكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا هُوَ بِلَال ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ﴾ بحسبكم ونسبكم ﴿خَبِيرٌ﴾ بأعمالكم وبإكرامكم عِنْد الله
﴿قَالَتِ الْأَعْرَاب آمَنَّا﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني أَسد أَصَابَتْهُم سنة شَدِيدَة فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَام متوافرين بِأَهَالِيِهِمْ وذراريهم وَجَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ ليصيبوا من فَضله فغلوا أسعار الْمَدِينَة وأفسدوا طرقها بالعذرات وَكَانُوا منافقين يَقُولُونَ أطعمنَا وَأَكْرمنَا يَا رَسُول الله فَإنَّا مخلصون مصدقون فِي إيمَاننَا وَكَانُوا منافقين فِي دينهم كاذبين فِي قَوْلهم فَذكر الله مقالتهم فَقَالَ قَالَت الْأَعْرَاب بَنو أَسد آمنا صدقنا فِي إيمَاننَا بِاللَّه وَرَسُوله ﴿قُل﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿لَّمْ تُؤْمِنُواْ﴾ لم تصدقوا فِي إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله ﴿وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ أَي استسلمنا من السَّيْف والسبي ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَان﴾ لم يدْخل حب الْإِيمَان وتصديق الْإِيمَان ﴿فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ فِي السِّرّ كَمَا أطعتموهما فِي الْعَلَانِيَة وتتوبوا من الْكفْر والسر والنفاق ﴿لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ﴾ لَا ينقصكم من ثَوَاب حسناتكم ﴿شَيْئاً إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ مِنْكُم ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
ثمَّ بَين نعت الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم فَقَالَ ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ المصدقون فِي إِيمَانهم ﴿الَّذين آمَنُواْ بِاللَّه﴾ صدقُوا فِي إِيمَانهم بِاللَّه ﴿وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ﴾ لم يشكوا فِي إِيمَانهم ﴿وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله﴾ فِي طَاعَة الله ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصادقون﴾ المصدقون فِي إِيمَانهم وجهادهم
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لبني أَسد ﴿أَتُعَلِّمُونَ الله﴾ أتخبرون الله ﴿بِدِينِكُمْ﴾ الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ أمصدقون بِهِ أم مكذبون ﴿وَالله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض﴾ مَا فِي قُلُوب أهل السَّمَوَات وَمَا فِي قُلُوب أهل الأَرْض ﴿وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ من سر أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ﴾ يَا مُحَمَّد بَنو أَسد ﴿أَنْ أَسْلَمُواْ﴾ وَهُوَ قَوْلهم أطعمنَا وَأَكْرمنَا يَا رَسُول الله فقد أسلمنَا متوافرين ﴿قُل﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُم﴾ بإسلامكم ﴿بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ بل لله الْمِنَّة عَلَيْكُم ﴿أَنْ هَداكُمْ﴾ أَن دعَاكُمْ ﴿لِلإِيمَانِ﴾ لتصديق الْإِيمَان ﴿إِنُ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ بِأَنا
437
مصدقون وَلَكِن أَنْتُم كاذبون لَسْتُم بمصدقين فِي إيمَانكُمْ
438
﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿وَالله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فِي نفاقكم يَا معشر الْمُنَافِقين وبعقوبتكم إِن لم تتوبوا
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ق وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَتسْعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَتسْعُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة الحجرات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحُجُرات) من السُّوَر المدنية، جاءت ببيانِ أحكامٍ وتشريعات كثيرة، على رأسها وجوبُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرِه، كما أمرت السورةُ الكريمة بمجموعةٍ من الأخلاق والمبادئ التي تبني مجتمعًا متماسكًا؛ من تركِ السماع للشائعات، والنهيِ عن التنابُزِ بالألقاب، والتحذيرِ من الغِيبة والنميمة، وتصويرِ فاعلها بأبشَعِ صورة.

ترتيبها المصحفي
49
نوعها
مدنية
ألفاظها
353
ترتيب نزولها
106
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} [الحجرات: 1]:

عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عبدَ اللهِ بن الزُّبَيرِ أخبَرَهم: «أنَّه قَدِمَ رَكْبٌ مِن بني تَمِيمٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدٍ، وقال عُمَرُ: بل أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بكرٍ: ما أرَدتَّ إلى - أو إلَّا - خِلافي، فقال عُمَرُ: ما أرَدتُّ خِلافَك، فتمارَيَا حتى ارتفَعتْ أصواتُهما؛ فنزَلَ في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ} [الحجرات: 1] حتى انقَضتِ الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٨٤٧).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اْلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُۥ بِاْلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]:

عن عبدِ اللهِ بن أبي مُلَيكةَ، قال: «كادَ الخَيِّرانِ أن يَهلِكَا: أبو بكرٍ وعُمَرُ رضي الله عنهما، رفَعَا أصواتَهما عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ عليه رَكْبُ بني تَمِيمٍ، فأشارَ أحدُهما بالأقرَعِ بنِ حابسٍ أخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشارَ الآخَرُ برجُلٍ آخَرَ - قال نافعٌ: لا أحفَظُ اسمَه -، فقال أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدتَّ إلا خِلافي، قال: ما أرَدتُّ خِلافَك، فارتفَعتْ أصواتُهما في ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيةَ، قال ابنُ الزُّبَيرِ: فما كان عُمَرُ يُسمِعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيةِ حتى يستفهِمَه، ولم يذكُرْ ذلك عن أبيه؛ يَعني: أبا بكرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٤٥).

* قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قيل للنبيِّ ﷺ: لو أتَيْتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فانطلَقَ إليه النبيُّ ﷺ، ورَكِبَ حِمارًا، فانطلَقَ المسلمون يمشون معه، وهي أرضٌ سَبِخةٌ، فلمَّا أتاه النبيُّ ﷺ، فقال: إليك عنِّي، واللهِ، لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ منهم: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ ﷺ أطيَبُ رِيحًا منك، فغَضِبَ لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، فشتَمَه، فغَضِبَ لكلِّ واحدٍ منهما أصحابُه، فكان بَيْنَهما ضَرْبٌ بالجَريدِ والأيدي والنِّعالِ، فبلَغَنا أنَّها أُنزِلتْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]». أخرجه البخاري (٢٦٩١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]:

عن أبي جَبِيرةَ بن الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ منَّا يكونُ له الاسمانِ والثلاثةُ، فيُدْعَى ببعضِها، فعسى أن يَكرَهَ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]». سنن الترمذي (٣٢٦٨).

* سورةُ (الحُجُرات):

سُمِّيت سورةُ (الحُجُرات) بذلك؛ لأنَّه جاء فيها لفظُ (الحُجُرات)؛ قال تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ اْلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

1. القيادة للرسول الكريم، والأدب معه (١-٣).

2. بناء المجتمع الأخلاقي، أسسٌ ومحاذيرُ (٤-١٣).

3. الأساس الإيماني، نموذجٌ وإرشاد (١٤-١٧).

4. علمُ الغيب لله وحده (١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسورة القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /341).

مقصودُ سورة (الحُجُرات) الأعظم هو توقيرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلُ ذلك علامةً للإيمان، وكذلك بناءُ مجتمع أخلاقي متماسكٍ؛ من خلال التحذير من شائنِ الأخلاق، والأمرِ بزَيْنِها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /6).