تفسير سورة الحجرات

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا﴾ مِنْ قَدَّمَ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ أَيْ لَا تُقَدِّمُوا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْل ﴿بَيْن يَدَيِ اللَّه وَرَسُوله﴾ الْمُبَلِّغ عَنْهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنهمَا ﴿وَاتَّقُوا اللَّه إنَّ اللَّه سَمِيع﴾ لِقَوْلِكُمْ ﴿عَلِيم﴾ بِفِعْلِكُمْ نَزَلَتْ فِي مُجَادَلَة أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْمِير الْأَقْرَع بْن حَابِس أَوْ الْقَعْقَاع بْن مَعْبَد وَنَزَلَ فِيمَنْ رَفَعَ صَوْته عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
﴿يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتكُمْ﴾ إذَا نَطَقْتُمْ ﴿فَوْق صَوْت النَّبِيّ﴾ إذَا نَطَقَ ﴿وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ إذَا نَاجَيْتُمُوهُ ﴿كَجَهْرِ بعضكم لبعض﴾ بل دون ذلك إجلالاله ﴿أَنْ تَحْبَط أَعْمَالكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ أَيْ خَشْيَة ذَلِكَ بِالرَّفْعِ وَالْجَهْر الْمَذْكُورَيْنِ وَنَزَلَ فِيمَنْ كَانَ يَخْفِض صَوْته عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَبِي بَكْر وَعُمَر وَغَيْرهمَا رَضِيَ الله عنهم
﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتهمْ عِنْد رَسُول اللَّه أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ﴾ اخْتَبَرَ ﴿اللَّه قُلُوبهمْ لِلتَّقْوَى﴾ أَيْ لِتَظْهَر مِنْهُمْ ﴿لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر عَظِيم﴾ الجنة ونزل في قوم جاؤوا وَقْت الظَّهِيرَة وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِله فَنَادَوْهُ
﴿إنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَك مِنْ وَرَاء الْحُجُرَات﴾ حُجُرَات نِسَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْع حُجْرَة وَهِيَ مَا يُحْجَر عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْض بِحَائِطٍ وَنَحْوه وَكَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ نَادَى خَلْف حُجْرَة لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ فِي أَيّ حُجْرَة مُنَادَاة الْأَعْرَاب بِغِلْظَةٍ وَجَفَاء ﴿أَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ فِيمَا فَعَلُوهُ مَحَلّك الرَّفِيع وَمَا يُنَاسِبهُ مِنْ التعظيم
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا﴾ أَنَّهُمْ فِي مَحَلّ رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَقِيلَ فَاعِل لِفِعْلٍ مُقَدَّر أَيْ ثَبَتَ ﴿حَتَّى تَخْرُج إلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم﴾ لِمَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَنَزَلَ فِي الْوَلِيد بْن عُقْبَة وَقَدْ بَعَثَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَنِي الْمُصْطَلِق مُصَدِّقًا فَخَافَهُمْ لِتِرَةٍ كَانَتْ بَيْنه وَبَيْنهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَرَجَعَ وَقَالَ إنَّهُمْ مَنَعُوا الصَّدَقَة وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَهَمَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَزْوِهِمْ فجاؤوا مُنْكِرِينَ مَا قَالَهُ عَنْهُمْ
﴿يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِق بِنَبَإٍ﴾ خَبَر ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ صِدْقه مِنْ كَذِبه وَفِي قِرَاءَة فَتَثَبَّتُوا مِنْ الثَّبَات ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا﴾ مَفْعُول لَهُ أَيْ خَشْيَة ذَلِكَ ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ حَال مِنْ الْفَاعِل أَيْ جَاهِلِينَ ﴿فَتُصْبِحُوا﴾ تَصِيرُوا ﴿عَلَى مَا فَعَلْتُمْ﴾ مِنْ الْخَطَأ بِالْقَوْمِ ﴿نَادِمِينَ﴾ وَأَرْسَلَ ﷺ إلَيْهِمْ بَعْد عَوْدهمْ إلَى بِلَادهمْ خَالِدًا فَلَمْ يَرَ فِيهِمْ إلَّا الطَّاعَة وَالْخَيْر فَأَخْبَرَ النَّبِيّ بذلك
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُول اللَّه﴾ فَلَا تَقُولُوا الْبَاطِل فَإِنَّ اللَّه يُخْبِرهُ بِالْحَالِ ﴿لَوْ يُطِيعكُمْ فِي كَثِير مِنَ الْأَمْر﴾ الَّذِي تُخْبِرُونَ بِهِ عَلَى خِلَاف الْوَاقِع فَيُرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ ﴿لَعَنِتُّمْ﴾ لَأَثِمْتُمْ دُونه إثْم التَّسَبُّب إلَى الْمُرَتَّب ﴿وَلَكِنَّ اللَّه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان وَزَيَّنَهُ﴾ حَسَّنَهُ ﴿فِي قُلُوبكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْر وَالْفُسُوق وَالْعِصْيَان﴾ اسْتِدْرَاك مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى دُون اللَّفْظ لِأَنَّ مَنْ حُبِّبَ إلَيْهِ الْإِيمَان إلَخْ غَايَرَتْ صِفَته صِفَة مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْره ﴿أُولَئِكَ هُمْ﴾ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْخِطَاب ﴿الرَّاشِدُونَ﴾ الثَّابِتُونَ عَلَى دِينهمْ
﴿فَضْلًا مِنَ اللَّه﴾ مَصْدَر مَنْصُوب بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر أَيْ أَفْضَل ﴿وَنِعْمَة﴾ مِنْهُ ﴿وَاَللَّه عَلِيم﴾ بِهِمْ ﴿حَكِيم﴾ فِي إنْعَامه عَلَيْهِمْ
﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الْآيَة نَزَلَتْ فِي قَضِيَّة هِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم ركب حمارا ومر على بن أبي فبال الحمار فسد بن أبي أنفه فقال بن رَوَاحَة وَاَللَّه لَبَوْل حِمَاره أَطْيَب رِيحًا مِنْ مِسْكك فَكَانَ بَيْن قَوْمَيْهِمَا ضَرْب بِالْأَيْدِي وَالنِّعَال وَالسَّعَف ﴿اقْتَتَلُوا﴾ جُمِعَ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ كُلّ طَائِفَة جَمَاعَة وَقُرِئَ اقْتَتَلَتَا ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا﴾ ثُنِّيَ نَظَرًا إلَى اللَّفْظ ﴿فَإِنْ بَغَتْ﴾ تَعَدَّتْ ﴿إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيء﴾ تَرْجِع ﴿إلَى أَمْر اللَّه﴾ الْحَقّ ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا بِالْعَدْلِ﴾ بِالْإِنْصَافِ ﴿وَأَقْسِطُوا﴾ اعْدِلُوا ﴿إن الله يحب المقسطين﴾
١ -
﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة﴾ فِي الدِّين ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْن أخويكم﴾ إذا تنازعا وقرئ إخوتكم بالفوقانية {واتقوا الله لعلكم ترحمون
686
١ -
687
﴿يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَر﴾ الْآيَة نَزَلَتْ فِي وَفْد تَمِيم حِين سَخِرُوا مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ كَعَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ وَالسُّخْرِيَّة الِازْدِرَاء وَالِاحْتِقَار ﴿قَوْم﴾ أَيْ رِجَال مِنْكُمْ ﴿مِنْ قَوْم عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ عِنْد اللَّه ﴿وَلَا نِسَاء﴾ مِنْكُمْ ﴿مِنْ نِسَاء عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسكُمْ﴾ لَا تَعِيبُوا فَتُعَابُوا أَيْ لَا يَعِبْ بَعْضكُمْ بَعْضًا ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ لَا يَدْعُو بَعْضكُمْ بَعْضًا بِلَقَبٍ يَكْرَههُ وَمِنْهُ يَا فَاسِق يَا كَافِر ﴿بِئْسَ الِاسْم﴾ أَيْ الْمَذْكُور مِنْ السُّخْرِيَّة وَاللَّمْز وَالتَّنَابُز ﴿الْفُسُوق بَعْد الْإِيمَان﴾ بَدَل مِنْ الِاسْم أَنَّهُ فِسْق لِتَكَرُّرِهِ عَادَة ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾ مِنْ ذلك ﴿فأولئك هم الظالمون﴾
١ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنّ إنَّ بَعْض الظَّنّ إثْم﴾ أَيْ مُؤْثِم وَهُوَ كَثِير كَظَنِّ السَّوْء بِأَهْلِ الْخَيْر مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ كَثِير بِخِلَافِهِ بِالْفُسَّاقِ مِنْهُمْ فَلَا إثْم فِيهِ فِي نَحْو مَا يَظْهَر مِنْهُمْ ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ حذف منه إحدى التاءين ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ وَمَعَايِبهمْ بِالْبَحْثِ عَنْهَا ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضكُمْ بَعْضًا﴾ لَا يَذْكُرهُ بِشَيْءٍ يَكْرَههُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ﴿أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ يَأْكُل لَحْم أَخِيهِ مَيْتًا﴾
بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَيْ لَا يَحْسُن بِهِ ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ أَيْ فَاغْتِيَابه فِي حَيَاته كَأَكْلِ لَحْمه بَعْد مَمَاته وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْكُمْ الثَّانِي فَكَرِهْتُمُوهُ فَاكْرَهُوا الْأَوَّل ﴿وَاتَّقُوا اللَّه﴾ أَيْ عِقَابه فِي الِاغْتِيَاب بِأَنْ تَتُوبُوا مِنْهُ ﴿إنَّ اللَّه تَوَّاب﴾ قَابِل تَوْبَة التَّائِبِينَ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ
١ -
﴿يأيها النَّاس إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى﴾ آدَم وَحَوَّاء ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا﴾ جَمْع شَعْب بِفَتْحِ الشِّين هُوَ أَعْلَى طَبَقَات النَّسَب ﴿وَقَبَائِل﴾ هِيَ دُون الشُّعُوب وَبَعْدهَا الْعَمَائِر ثُمَّ الْبُطُون ثُمَّ الْأَفْخَاذ ثُمَّ الْفَصَائِل آخِرهَا مِثَاله خُزَيْمَة شَعْب كِنَانَة قَبِيلَة قُرَيْش عِمَارَة بِكَسْرِ الْعَيْن قُصَيّ بَطْن هَاشِم فَخْذ الْعَبَّاس فَصِيلَة ﴿لِتَعَارَفُوا﴾ حُذِفَ مِنْهُ إحْدَى التَّاءَيْنِ لِيَعْرِف بَعْضكُمْ بَعْضًا لَا لِتُفَاخِرُوا بِعُلُوِّ النَّسَب وَإِنَّمَا الْفَخْر بِالتَّقْوَى ﴿إنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّه عَلِيم﴾ بِكُمْ ﴿خبير﴾ ببواطنكم
687
١ -
688
﴿قَالَتِ الْأَعْرَاب﴾ نَفَر مِنْ بَنِي أَسَد ﴿آمَنَّا﴾ صَدَّقْنَا بِقُلُوبِنَا ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ انْقَدْنَا ظَاهِرًا ﴿وَلَمَّا﴾ أَيْ لَمْ ﴿يَدْخُل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ﴾ إلَى الْآن لَكِنَّهُ يَتَوَقَّع مِنْكُمْ ﴿وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله﴾ بِالْإِيمَانِ وغيره ﴿لا يالتكم﴾ بِالْهَمْزِ وَتَرْكه وَبِإِبْدَالِهِ أَلِفًا لَا يُنْقِصكُمْ ﴿مِنْ أَعْمَالكُمْ﴾ أَيْ مِنْ ثَوَابهَا ﴿شَيْئًا إنَّ اللَّه غَفُور﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ
١ -
﴿إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ الصَّادِقُونَ فِي إيمَانهمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْد ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله ثم لَمْ يَرْتَابُوا﴾ لَمْ يَشُكُّوا فِي الْإِيمَان ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه﴾ فَجِهَادهمْ يَظْهَر بِصِدْقِ إيمَانهمْ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ فِي إيمَانهمْ لَا مَنْ قَالُوا آمَنَّا وَلَمْ يُوجَد مِنْهُمْ غير الإسلام
١ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿أَتُعَلِّمُونَ اللَّه بِدِينِكُمْ﴾ مُضَعَّف عَلِمَ بِمَعْنَى شَعَرَ أَيْ أَتُشْعِرُونَهُ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ في قولكم آمنا ﴿والله يَعْلَم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض والله بكل شيء عليم﴾
١ -
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْك أَنْ أَسْلَمُوا﴾ مِنْ غَيْر قِتَال بِخِلَافِ غَيْرهمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْد قِتَاله مِنْهُمْ ﴿قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامكُمْ﴾ مَنْصُوب بِنَزْعِ الْخَافِض الْبَاء وَيُقَدَّر قَبْل أَنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ﴿بَلِ اللَّه يَمُنّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي قَوْلكُمْ آمَنَّا
١ -
﴿إنَّ اللَّه يَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ أَيْ مَا غَابَ فِيهِمَا ﴿وَاَللَّه بَصِير بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ بِالْيَاءِ وَالتَّاء لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ = ٥٠ سورة ق
سورة الحجرات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحُجُرات) من السُّوَر المدنية، جاءت ببيانِ أحكامٍ وتشريعات كثيرة، على رأسها وجوبُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرِه، كما أمرت السورةُ الكريمة بمجموعةٍ من الأخلاق والمبادئ التي تبني مجتمعًا متماسكًا؛ من تركِ السماع للشائعات، والنهيِ عن التنابُزِ بالألقاب، والتحذيرِ من الغِيبة والنميمة، وتصويرِ فاعلها بأبشَعِ صورة.

ترتيبها المصحفي
49
نوعها
مدنية
ألفاظها
353
ترتيب نزولها
106
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} [الحجرات: 1]:

عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عبدَ اللهِ بن الزُّبَيرِ أخبَرَهم: «أنَّه قَدِمَ رَكْبٌ مِن بني تَمِيمٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدٍ، وقال عُمَرُ: بل أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بكرٍ: ما أرَدتَّ إلى - أو إلَّا - خِلافي، فقال عُمَرُ: ما أرَدتُّ خِلافَك، فتمارَيَا حتى ارتفَعتْ أصواتُهما؛ فنزَلَ في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ} [الحجرات: 1] حتى انقَضتِ الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٨٤٧).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اْلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُۥ بِاْلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]:

عن عبدِ اللهِ بن أبي مُلَيكةَ، قال: «كادَ الخَيِّرانِ أن يَهلِكَا: أبو بكرٍ وعُمَرُ رضي الله عنهما، رفَعَا أصواتَهما عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ عليه رَكْبُ بني تَمِيمٍ، فأشارَ أحدُهما بالأقرَعِ بنِ حابسٍ أخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشارَ الآخَرُ برجُلٍ آخَرَ - قال نافعٌ: لا أحفَظُ اسمَه -، فقال أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدتَّ إلا خِلافي، قال: ما أرَدتُّ خِلافَك، فارتفَعتْ أصواتُهما في ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيةَ، قال ابنُ الزُّبَيرِ: فما كان عُمَرُ يُسمِعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيةِ حتى يستفهِمَه، ولم يذكُرْ ذلك عن أبيه؛ يَعني: أبا بكرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٤٥).

* قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قيل للنبيِّ ﷺ: لو أتَيْتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فانطلَقَ إليه النبيُّ ﷺ، ورَكِبَ حِمارًا، فانطلَقَ المسلمون يمشون معه، وهي أرضٌ سَبِخةٌ، فلمَّا أتاه النبيُّ ﷺ، فقال: إليك عنِّي، واللهِ، لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ منهم: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ ﷺ أطيَبُ رِيحًا منك، فغَضِبَ لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، فشتَمَه، فغَضِبَ لكلِّ واحدٍ منهما أصحابُه، فكان بَيْنَهما ضَرْبٌ بالجَريدِ والأيدي والنِّعالِ، فبلَغَنا أنَّها أُنزِلتْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]». أخرجه البخاري (٢٦٩١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]:

عن أبي جَبِيرةَ بن الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ منَّا يكونُ له الاسمانِ والثلاثةُ، فيُدْعَى ببعضِها، فعسى أن يَكرَهَ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]». سنن الترمذي (٣٢٦٨).

* سورةُ (الحُجُرات):

سُمِّيت سورةُ (الحُجُرات) بذلك؛ لأنَّه جاء فيها لفظُ (الحُجُرات)؛ قال تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ اْلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

1. القيادة للرسول الكريم، والأدب معه (١-٣).

2. بناء المجتمع الأخلاقي، أسسٌ ومحاذيرُ (٤-١٣).

3. الأساس الإيماني، نموذجٌ وإرشاد (١٤-١٧).

4. علمُ الغيب لله وحده (١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسورة القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /341).

مقصودُ سورة (الحُجُرات) الأعظم هو توقيرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلُ ذلك علامةً للإيمان، وكذلك بناءُ مجتمع أخلاقي متماسكٍ؛ من خلال التحذير من شائنِ الأخلاق، والأمرِ بزَيْنِها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /6).