تفسير سورة الحجرات

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الحجرات وهي مدنية كلها.

قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدي الله وَرَسُوله﴾ الْآيَة، تَفْسِير مُجَاهِد: تفتاتوا على رَسُول الله بِشَيْء حَتَّى يَقْضِيه اللَّه على لِسَانه.
قَالَ محمدٌ: يُقَال فلَان يقدم بَين يَدي الإِمَام وَبَين يَدي أَبِيه؛ أَي: يعجل بِالْأَمر وَالنَّهْي.
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ﴾ الْآيَة، تَفْسِير الْحسن: أَن نَاسا من الْمُنَافِقين كَانُوا يأْتونَ النَّبِي فيرفعون أَصْوَاتهم فَوق صَوته، يُرِيدُونَ بذلك أَذَاه وَالِاسْتِخْفَاف بِهِ، فنسبهم إِلَى مَا أعْطوا من الْإِيمَان فِي الظَّاهِر، فَقَالَ: ﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ يَقُول: لَا تَقولُوا: يَا مُحَمَّد، وَقُولُوا: يَا رَسُول الله، وَيَا نَبِي اللَّه ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: فَيكون ذَلِك سَببا لِأَن تحبط أَعمالكُم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُول الله﴾ فيعظمونه بذلك؛ فَلَا يرفعونها عِنْده ﴿أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم﴾ أخْلص الله قُلُوبهم ﴿للتقوى﴾.
تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة ٤ إِلَى آيَة ٥.
قَوْله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاء الحجرات﴾ الْآيَة، تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بلغنَا أَن نَاسا من بَني العَنْبر، وَكَانَ رَسُول الله وَأَصْحَابه قد أَصَابُوا من ذَرَارِيهمْ فَأَقْبَلُوا ليقادوهم، فقدموا الْمَدِينَة ظُهْرًا فَإِذا هم بذراريهم عِنْد بَاب الْمَسْجِد، فَبكى إِلَيْهِم ذَرَارِيهمْ فنهضوا فَدَخَلُوا الْمَسْجِد، وعجلوا أَن يخرج إِلَيْهِم النَّبِي، فَجعلُوا يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّد، اخْرُج إِلَيْنَا.
قَالَ اللَّه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُم﴾ تَفْسِير الْحسن: وَلَو أَنهم صَبَرُوا حَتَّى تخرج إِلَيْهِم؛ فعظموك ووقروك، لَكَانَ لَهُم خيرا.
تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة ٦ إِلَى آيَة ٨.
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ﴾ الْآيَة، تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بلغنَا أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بعث الْوَلِيد بْن عقبَة إِلَى بني المصطلق وهم حيٌّ من خُزَاعَة؛ ليَأْخُذ مِنْهُم صَدَقَاتهمْ، فَفَرِحُوا بذلك وركبوا يَلْتمسونه، فَبَلغهُ أَنهم قد
261
ركبُوا يتلقونه، وَكَانَ بَينهم وَبَين الْوَلِيد ضِغْنٌ فِي الْجَاهِلِيَّة، فخاف الْوَلِيد أَن يَكُونُوا إِنَّمَا ركبُوا إِلَيْهِ ليقتلوه، فَرجع إِلَى رَسُول الله وَلم يلقهم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن بني المصطلق منعُوا صَدَقاتهم، وَكَفرُوا بعد إسْلَامهمْ قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِلَيْنَا (ل ٣٣٣) إِنَّمَا رده غَضَبه غضِبْته علينا؛ فَإنَّا نَعُوذ بِاللَّه من غَضَبه وَغَضب رَسُوله. فَأنْزل اللَّه [عذرهمْ] فِي هَذِه الْآيَة.
262
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ﴾ مُقيما بَيْنكُم؛ فَلَا تضلون مَا قبلتم مِنْهُ ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كثير من الْأَمر لعنتم﴾ أَي: فِي دينكُمْ، العنتُ: الْحَرج والضيق ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ﴾ بِمَا وَعدكُم عَلَيْهِ من الثَّوَاب ﴿وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق﴾ الفسوق والعصيان واحدٌ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الراشدون﴾ الَّذين حبب إِلَيْهِم الْإِيمَان
﴿فضلا من الله ونعمة﴾ أَي: بِفضل من اللَّه وَنعمته فعل ذَلِك بهم ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بخلقه ﴿حَكِيم﴾ فِي أمره.
تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة ٩ إِلَى آيَة ١٠.
﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا﴾ تَفْسِير الْكَلْبِيّ: بلغنَا
262
" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أقبل على حمارٍ حَتَّى وقف فِي مجْلِس من مجَالِس الْأَنْصَار؛ فكره بعض الْقَوْم موقفه، وَهُوَ عبد الله بْن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق، فَقَالَ لَهُ: خل لنا سَبِيل الرّيح من نَتن هَذَا الْحمار، أُفٍّ ﴿وَأمْسك بِأَنْفِهِ، فَمضى رَسُول الله وَغَضب لَهُ بعض الْقَوْم، وَهُوَ عبد الله بْن رَوَاحَة فَقَالَ: ألرسول اللَّه قلت هَذَا القَوْل؟﴾ فواللَّه لَحِمَارهُ أطيبُ ريحًا مِنْك! فاستبًّا ثمَّ اقتتلا واقتتلت عشائرهما، فَبلغ ذَلِك رَسُول الله، فَأقبل يصلح بَينهمَا؛ فكأنهم كَرهُوا ذَلِك، فَنزلت هَذِه الْآيَة: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا﴾.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ يُرِيد جَمَاعَتهمْ، وَقَوله: ﴿بَينهمَا﴾ يُرِيد الطَّائِفَتَيْنِ.
تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة ١١ إِلَى آيَة ١٢.
263
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ من قوم﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: لَا يهزأ قوم بِقوم وَرِجَال من رجال ﴿عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفسكُم﴾ أَي: لَا يطعن بعضُكُم على بعض ﴿وَلَا تنابزوا بِالْأَلْقَابِ﴾ تَفْسِير الْحسن: يَقُول الرّجُل للرجل - قد كَانَ يهوديًّا
263
أَو نصرانيًّا؛ فَأسلم -: يَا يَهُودِيّ، يَا نَصْرَانِيّ، أَي: يَدعُونَهُ باسمه الأول، ينْهَى اللَّه الْمُؤمنِينَ عَن ذَلِك وَقَالَ: ﴿بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بعد الْإِيمَان﴾ بئس الِاسْم: الْيَهُودِيَّة والنصرانية بعد الْإِسْلَام.
قَالَ محمدٌ: الألقاب والإنباز وَاحِد، الْمَعْنى: لَا تتداعَوْا بهَا، وَهُوَ تَفْسِير الْحسن.
264
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ تَفْسِير الْحسن: إِذا ظَنَنْت بأخيك الْمُسلم ظنًّا حسنا؛ فَأَنت مأجورٌ، وَإِذا ظَنَنْت بِهِ ظنًّا سَيِّئًا؛ فَأَنت آثم ﴿وَلَا تجسسوا﴾ لَا يتَّبع الرجل عَوْرة أَخِيه الْمُسلم. يَحْيَى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَّلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي الْخُدُورِ: يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِقَلْبِهِ، أَلا لَا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ وَلا تُعِيبُوهُمْ وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ؛ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي بَيْتِهِ ". قَوْله: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فكرهتموه﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لقوم اغتابوا رجليْن: أيحبُّ أحدكُم أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا بَعْدَمَا يَمُوت؟! فَقَالُوا: لَا وَالله يَا رَسُول الله، مَا نستطيع أَكْله وَلَا نحبه. فَقَالَ رَسُول الله: فاكرهوا الْغَيْبَة ". يَحْيَى: عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
264
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا فِيهِ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهته ".
تَفْسِير سُورَة الحجرات من الْآيَة ١٣ إِلَى آيَة ١٨.
265
﴿وجعلناكم شعوبا وقبائل﴾ تَفْسِير بَعضهم: الشعوب: الْأَجْنَاس،
265
والقبائل: قبائل الْعَرَب.
قَالَ محمدٌ: وَاحِد الشعوب: شَعب - بِفَتْح الْعين - والشَّعْب بالكسْر: الطَّرِيق؛ يَعْنِي: فِي الْجَبَل.
﴿لتعارفوا﴾ ثمَّ انْقَطع الْكَلَام، ثمَّ قَالَ: ﴿إِن أكْرمكُم عِنْد الله﴾ يَعْنِي: فِي الْمنزلَة ﴿أَتْقَاكُم﴾ (فِي الدُّنْيَا).
266
﴿قَالَت الْأَعْرَاب آمنا﴾ يَعْنِي: الْمُنَافِقين (ل ٣٣٤) من ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسلمنَا﴾ تَفْسِير قَتَادَة: وَلَكِن قُولُوا: السَّيْف ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تطيعوا الله وَرَسُوله﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿لَا يَلِتْكُمْ﴾ لَا ينقصكم ﴿مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا﴾.
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا﴾ يشكوا ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ بِمَا أعْطوا من الْإِيمَان مُخْلصة بِهِ قُلُوبهم، لَيْسَ كَمَا صنع المُنَافِقُونَ.
﴿قل أتعلمون الله بدينكم﴾ يَعْنِي: الْمُنَافِقين أَي: إنّ دينكُمْ الَّذِي تضمرون هُوَ الشّرك.
﴿يمنون عَلَيْك أَن أَسْلمُوا﴾ تَفْسِير الْحسن: هَؤُلَاءِ مُؤمنُونَ وَلَيْسوا بمنافقين، وَلَكنهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لرَسُول الله: أسْلَمْنا قبل أَن يسلم بَنو فلَان، وقاتلنا مَعَك قبل أَن يُقَاتل بَنو فلَان؛ فَأنْزل اللَّه ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَي: إِن كُنْتُم صَادِقين عُرِفْتُم بِالصّدقِ، إِن المنَّة لله وَلِرَسُولِهِ عَلَيْكُم.
﴿إِن الله يعلم غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ سر السَّمَاوَات وَالأَرْضِ ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
267
تَفْسِير سُورَة ق وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير الْآيَات من ١ وَحَتَّى ١١ من سُورَة ق.
268
سورة الحجرات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحُجُرات) من السُّوَر المدنية، جاءت ببيانِ أحكامٍ وتشريعات كثيرة، على رأسها وجوبُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرِه، كما أمرت السورةُ الكريمة بمجموعةٍ من الأخلاق والمبادئ التي تبني مجتمعًا متماسكًا؛ من تركِ السماع للشائعات، والنهيِ عن التنابُزِ بالألقاب، والتحذيرِ من الغِيبة والنميمة، وتصويرِ فاعلها بأبشَعِ صورة.

ترتيبها المصحفي
49
نوعها
مدنية
ألفاظها
353
ترتيب نزولها
106
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} [الحجرات: 1]:

عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عبدَ اللهِ بن الزُّبَيرِ أخبَرَهم: «أنَّه قَدِمَ رَكْبٌ مِن بني تَمِيمٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدٍ، وقال عُمَرُ: بل أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بكرٍ: ما أرَدتَّ إلى - أو إلَّا - خِلافي، فقال عُمَرُ: ما أرَدتُّ خِلافَك، فتمارَيَا حتى ارتفَعتْ أصواتُهما؛ فنزَلَ في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ} [الحجرات: 1] حتى انقَضتِ الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٨٤٧).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اْلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُۥ بِاْلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]:

عن عبدِ اللهِ بن أبي مُلَيكةَ، قال: «كادَ الخَيِّرانِ أن يَهلِكَا: أبو بكرٍ وعُمَرُ رضي الله عنهما، رفَعَا أصواتَهما عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ عليه رَكْبُ بني تَمِيمٍ، فأشارَ أحدُهما بالأقرَعِ بنِ حابسٍ أخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشارَ الآخَرُ برجُلٍ آخَرَ - قال نافعٌ: لا أحفَظُ اسمَه -، فقال أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدتَّ إلا خِلافي، قال: ما أرَدتُّ خِلافَك، فارتفَعتْ أصواتُهما في ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيةَ، قال ابنُ الزُّبَيرِ: فما كان عُمَرُ يُسمِعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيةِ حتى يستفهِمَه، ولم يذكُرْ ذلك عن أبيه؛ يَعني: أبا بكرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٤٥).

* قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قيل للنبيِّ ﷺ: لو أتَيْتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فانطلَقَ إليه النبيُّ ﷺ، ورَكِبَ حِمارًا، فانطلَقَ المسلمون يمشون معه، وهي أرضٌ سَبِخةٌ، فلمَّا أتاه النبيُّ ﷺ، فقال: إليك عنِّي، واللهِ، لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ منهم: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ ﷺ أطيَبُ رِيحًا منك، فغَضِبَ لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، فشتَمَه، فغَضِبَ لكلِّ واحدٍ منهما أصحابُه، فكان بَيْنَهما ضَرْبٌ بالجَريدِ والأيدي والنِّعالِ، فبلَغَنا أنَّها أُنزِلتْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]». أخرجه البخاري (٢٦٩١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]:

عن أبي جَبِيرةَ بن الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ منَّا يكونُ له الاسمانِ والثلاثةُ، فيُدْعَى ببعضِها، فعسى أن يَكرَهَ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]». سنن الترمذي (٣٢٦٨).

* سورةُ (الحُجُرات):

سُمِّيت سورةُ (الحُجُرات) بذلك؛ لأنَّه جاء فيها لفظُ (الحُجُرات)؛ قال تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ اْلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

1. القيادة للرسول الكريم، والأدب معه (١-٣).

2. بناء المجتمع الأخلاقي، أسسٌ ومحاذيرُ (٤-١٣).

3. الأساس الإيماني، نموذجٌ وإرشاد (١٤-١٧).

4. علمُ الغيب لله وحده (١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسورة القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /341).

مقصودُ سورة (الحُجُرات) الأعظم هو توقيرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلُ ذلك علامةً للإيمان، وكذلك بناءُ مجتمع أخلاقي متماسكٍ؛ من خلال التحذير من شائنِ الأخلاق، والأمرِ بزَيْنِها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /6).