تفسير سورة الحجرات

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب مجاز القرآن المعروف بـمجاز القرآن.
لمؤلفه أبو عبيدة معمر بن المثنى . المتوفي سنة 209 هـ

«سورة الحجرات» (٤٩)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» (١) تقول العرب: فلان يقدّم بين يدى الإمام وبين يدى أبيه يعجّل بالأمر والنهى دونه..
«أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى» (٣) من المحنة امتحنه اصطفاه..
«إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» (٤) واحدتها حجرة قال:
أما كان عبّاد كفيّا لدارهم بلى ولأبيات بها الحجرات
«١» «٢» [٨٥١] يقول بلى ولبنى هاشم والذين نادوه ﷺ من بنى تميم وفى قراءة عبد الله بن مسعود: «وأكثرهم بنو تميم لا يعقلون»..
«حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ» (٩) ترجع..
«لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ» (١١) جزم لأنه نهى.
(١). - ٨٥١: هذا البيت منسوب إلى الفرزدق فى الكامل ص ٣٩، ٢٦٨ كما هو مذكور فى حاشية أصل من الأصول ولكنى لم أجده فى ديوانه وهو فى الطبري ٢٦/ ٦٩، يعنى بنى هاشم من قوله «ولأبيات بها الحجرات» انظر الكامل ص ٢٦٨.
(٢). - ٩ «السيد الحميرى» الذي ورد اسمه فى الفروق: أخباره فى الأغانى ٧/ ٣ وهجوه سوار ابن عبد الله العثبرى ٧/ ١٩ ومات سوار سنة ٢٤٥ وانظره فى النجوم الزاهرة ٢/ ٣٢١.
«وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ» (١١) أي لا تعيبوا أنفسكم، و «يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ» (٩/ ٥٩) يعيبك «بِالْأَلْقابِ» (١١) والأنباز واحد..
«وَلا تَجَسَّسُوا» (١٢) وتجسّسوا سواء والتجسّس التبحث يقال رجل جاسوس وقال رؤبة:
لا تمكن الخنّاعة الناموسا وتحصب اللعّابة الجاسوسا
«١» [٨٥٢] حصب الغواة العومج المنسوسا الجاسوس والناموس واحد العومج: الحيّة والمنسوس المسيل وإنما سميت عومجا لأنها تعمج أي تجىء على غير قصد ويقال: تعمج السيل قال العجّاج:
تدافع السّيل إذا تعمّجا
«٢» [٨٥٣].
«وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ» (١٣) يقال: من أي شعب أنت؟ فيقول من مضر من ربيعة، والقبائل دون ذلك قال ابن أحمر:
من شعب همدان أو سعد العشيرة أو خولان أو مذحج هاجوا له طربا
«٣» [٨٥٤] وقال الكميت بن زيد الأسدىّ:
جمعت نزارا وهى شتّى شعوبها كما جمعت كفّ إليها الأباخسا
«٤» [٨٥٥]
(١). - ٨٥٢: فى ديوانه ص ٧٠- ٧١.
(٢). - ٨٥٣: فى ديوانه ص ٤٨ واللسان (عمج).
(٣). - ٨٥٤: فى الطبري ٢٦/ ٨٠.
(٤). - ٨٥٥: فى اللسان (بخس).
«لِتَعارَفُوا» (١٣) من الآية الأولى ثم ابتدأت «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» (١٣) ولو عملت لقلت أن أكرمكم عند الله.
«لا يألتكم من أعمالكم شيئا» (١٤) أي لا ينقصكم «١» لا يحبس وهو من ألت يألت وقوم يقولون: لات يليت وقال رؤبة:
وليلة ذات ندى سريت... ولم يلتنى عن سراها ليت
«٢» [٨٥٦] وبعضهم يقول: ألاتنى حقى وألاتنى عن وجهى وعن حاجتى أي صرفنى عنها قال الحطيئة:
أبلغ سراة بنى كعب مغلغلة... جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا
«٣» [٨٥٧].
«ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا» (١٥) لم يشكّوا.
(١). - ٣- ٦ «ينقصكم... صرفنى»، رواه ابن حجر عن أبى عبيدة (فتح الباري ٨/ ٤٥٢). [.....]
(٢). - ٨٥٦: لم أجده فى ديوان رؤبة وهو فى الطبري ٢٦/ ٨٢ والمقتضب لابن جنى ص ٧ والقرطبي ١٦/ ٣٤٩ وفتح الباري ٨/ ٤٥٢.
(٣). - ٨٥٧: من قصيدة فى ديوانه ص ٥٦ ومختارات شعراء العرب ص ١٢٨.
سورة الحجرات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحُجُرات) من السُّوَر المدنية، جاءت ببيانِ أحكامٍ وتشريعات كثيرة، على رأسها وجوبُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرِه، كما أمرت السورةُ الكريمة بمجموعةٍ من الأخلاق والمبادئ التي تبني مجتمعًا متماسكًا؛ من تركِ السماع للشائعات، والنهيِ عن التنابُزِ بالألقاب، والتحذيرِ من الغِيبة والنميمة، وتصويرِ فاعلها بأبشَعِ صورة.

ترتيبها المصحفي
49
نوعها
مدنية
ألفاظها
353
ترتيب نزولها
106
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} [الحجرات: 1]:

عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عبدَ اللهِ بن الزُّبَيرِ أخبَرَهم: «أنَّه قَدِمَ رَكْبٌ مِن بني تَمِيمٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدٍ، وقال عُمَرُ: بل أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بكرٍ: ما أرَدتَّ إلى - أو إلَّا - خِلافي، فقال عُمَرُ: ما أرَدتُّ خِلافَك، فتمارَيَا حتى ارتفَعتْ أصواتُهما؛ فنزَلَ في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ} [الحجرات: 1] حتى انقَضتِ الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٨٤٧).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اْلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُۥ بِاْلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]:

عن عبدِ اللهِ بن أبي مُلَيكةَ، قال: «كادَ الخَيِّرانِ أن يَهلِكَا: أبو بكرٍ وعُمَرُ رضي الله عنهما، رفَعَا أصواتَهما عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ عليه رَكْبُ بني تَمِيمٍ، فأشارَ أحدُهما بالأقرَعِ بنِ حابسٍ أخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشارَ الآخَرُ برجُلٍ آخَرَ - قال نافعٌ: لا أحفَظُ اسمَه -، فقال أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدتَّ إلا خِلافي، قال: ما أرَدتُّ خِلافَك، فارتفَعتْ أصواتُهما في ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيةَ، قال ابنُ الزُّبَيرِ: فما كان عُمَرُ يُسمِعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيةِ حتى يستفهِمَه، ولم يذكُرْ ذلك عن أبيه؛ يَعني: أبا بكرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٤٥).

* قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قيل للنبيِّ ﷺ: لو أتَيْتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فانطلَقَ إليه النبيُّ ﷺ، ورَكِبَ حِمارًا، فانطلَقَ المسلمون يمشون معه، وهي أرضٌ سَبِخةٌ، فلمَّا أتاه النبيُّ ﷺ، فقال: إليك عنِّي، واللهِ، لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ منهم: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ ﷺ أطيَبُ رِيحًا منك، فغَضِبَ لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، فشتَمَه، فغَضِبَ لكلِّ واحدٍ منهما أصحابُه، فكان بَيْنَهما ضَرْبٌ بالجَريدِ والأيدي والنِّعالِ، فبلَغَنا أنَّها أُنزِلتْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]». أخرجه البخاري (٢٦٩١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]:

عن أبي جَبِيرةَ بن الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ منَّا يكونُ له الاسمانِ والثلاثةُ، فيُدْعَى ببعضِها، فعسى أن يَكرَهَ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]». سنن الترمذي (٣٢٦٨).

* سورةُ (الحُجُرات):

سُمِّيت سورةُ (الحُجُرات) بذلك؛ لأنَّه جاء فيها لفظُ (الحُجُرات)؛ قال تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ اْلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

1. القيادة للرسول الكريم، والأدب معه (١-٣).

2. بناء المجتمع الأخلاقي، أسسٌ ومحاذيرُ (٤-١٣).

3. الأساس الإيماني، نموذجٌ وإرشاد (١٤-١٧).

4. علمُ الغيب لله وحده (١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسورة القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /341).

مقصودُ سورة (الحُجُرات) الأعظم هو توقيرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلُ ذلك علامةً للإيمان، وكذلك بناءُ مجتمع أخلاقي متماسكٍ؛ من خلال التحذير من شائنِ الأخلاق، والأمرِ بزَيْنِها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /6).