تفسير سورة الحجرات

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٤٤٦- قال معمر عن الحسن في قول الله-عز وجل- :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾، نزلت في قوم ذبحوا قبل أن ينحر النبي - صلى الله عليه وسلم- أو قبل أن يصلي النبي-صلى الله عليه وسلم- فأمرهم النبي- صلى الله عليه وسلم – أن يعيدوا١. ( ت : ٢٣/١٨٢. وكذا في س : ١٥/١٤٩ )
١ انظر جامع البيان: ٢٦/١١٧. وأحكام القرآن لابن العربي: ٤/١٧١٢..
٤٤٧- لما دخل وفد بني تميم المسجد، نادوا النبي- صلى الله عليه وسلم- فخرج إليهم، فقالوا : يا محمد جئنا نفاخرك، ونزل فيهم القرآن :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ﴾. وكان فيهم الزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وجماعة سماهم ابن إسحاق. ( الاستيعاب : ١/١٠٣ )
٤٤٨- لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن-فيما علمت- أن قوله-عز وجل- :﴿ إن جاءكم فاسق بنبإ ﴾، نزلت في الوليد بن عقبة، وذلك أنه بعثه رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلى بني المصطلق مصدقا، فأخبر عنهم أنهم ارتدوا وأبوا من أداء الصدقة، وذلك أنهم خرجوا إليه فهابهم، ولم يعرف ما عندهم، فانصرف عنهم وأخبر بما ذكرنا، فبعث إليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-خالد بن الوليد، وأمره أن يتثبت فيهم، فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام، ونزلت :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبنوا ﴾-الآية، وروي عن مجاهد وقتادة مثل ما ذكرنا١. ( المصدر السابق : ٤/١٥٥٤. وانظر الدرر : ٢٣٠ )
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن المفسر بمصر، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا يحيى ابن معين قال : حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن هلال الوزان، عن ابن أبي ليلى٢ في قوله-عز وجل- :﴿ إن جاءكم فاسق بنبإ ﴾الآية، قال : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
١ انظر جامع البيان: ٢٣/١٢٣-١٢٥..
٢ هو محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، العلامة الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها أبو عبد الرحمان الأنصاري الكوفي، أخذ عن الشعبي. ونافع العمري، وعطاء بن أبي رباح، وحدث عنه شعبة، وسفيان بن عيينة، والثوري وآخرون. مات سنة ١٤٨ هـ انظر طبقات ابن سعد: ٦/٣٥٨. وأعلام النبلاء: ٦/٣١٠-٣١٦..
٤٤٩- أمر الله عز وجل- بقتال الفئة الباغية بقوله :﴿ فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ﴾، وفي قوله :﴿ فقاتلوا ﴾، دليل على أن الباغي إذا انهزم عن القتال، أو ضعف عنه بما لحقه من الآفات المانعة للقتال، حرم دمه، لأنه غير مقاتل، ولم نؤمر بقتاله إلا إذا قاتل، لأن الله تعالى قال :﴿ فقاتلوا ﴾، ولم يقل : فاقتلوا، والمقاتلة إنما تكون لمن قاتل- والله أعلم- لأنها تقوم من اثنين. وعلى هذا كان حكم علي- رضي الله عنه- فيمن بغى عليه، وتلك كانت سيرته فيهم رضي الله عنه- وعلى ذلك جمهور العلماء. ( ت : ٢١/٢٨٣ )
٤٥٠- الفيء : الرجوع والمراجعة، قال الله عز وجلك ﴿ فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ﴾، وقال في الذين يولون١ من نسائهم :﴿ فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم ﴾٢، أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من وطء أزواجهم، وحنثوا أنفسهم في أيمانهم. ( س : ٢٦/١٥٨ )
١ من الإيلاء: وهو أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته. انظر القوانين الفقهية: ٢٠٨..
٢ سورة البقرة: ٢٢٤..
٤٥١- قرئت :﴿ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ﴾، و﴿ بين إخوتكم ﴾ و﴿ بين إخوانكم ﴾. وقد روي عن الحسن البصري أنه قرأ بهذه الثلاثة، قرأ : بين أخويكم، وإخوتكم، وإخوانكم، قال أبو حاتم : والمعنى واحد، ألا ترى إلى قوله :﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾، وقوله :﴿ أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم ﴾١ إلا أن العامة أولعت بأن تقول : إخوتي في النسب، وإخواني في الصداقة، وممن قرأ :﴿ فأصلحوا إخوانكم ﴾، ثابت البناني، وعاصم الجحدري. وروي ذلك عن زيد بن ثابت وابن مسعود ويعقوب :﴿ إخوتكم ﴾، وقراءة العامة :﴿ أخويكم ﴾ على اثنين في اللفظ٢. ( ت : ٢٠/٢٤٤. وانظر س : ٢/١٦٧ )
١ سورة النور: ٥٩..
٢ قال ابن جرير: وبالتثنية قرأ قراء الأمصار، وذكر عن ابن سيرين أنه قرأ: ﴿بين إخوانكم﴾ بالنون على مذهب الجمع، وذلك من جهة العربية صحيح، غير أنه خلاف لما عليه قراء الأمصار، فلا أحب القراءة بها. جامع البيان: ٢٦/١٣٠..
٤٥٢- قال جماعة من المفسرين في هذه الآية : هو قول الرجل لأخيه : يا كافر، يا فاسق، وممن قال بذلك : عكرمة، والحسن. وقتادة، وهو معنى قول مجاهد : لأنه قال : هو الرجل يدعى بالكفر وهو مسلم١. ( س : ٢٧/٣٠١ )
١ انظر جامع البيان: ٢٦/١٣٣..
٤٥٣- روى ابن نجيح، عن مجاهد في قوله :﴿ ولا تجسسوا ﴾، قالوا : خذوا ما ظهر، ودعوا ما ستر الله. ( ت : ١٨/٢٢. وكذا في : ٢٦/١٥١ )
٤٥٤- مالك، عن الوليد بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حويطب١ المخزومي أخبره أن رجلا سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما الغيبة ؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- :( أن تذكر من المرء ما كره أن يسمع ) فقال رجل : يا رسول الله وإن كان حقا ؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : قلت باطلا، فذلك البهتان )٢. ( ت : ٢٣/١٩ )
٤٥٥- هذا حديث يخرج في التفسير المسند في قول الله- عز وجل- :﴿ ولا يغتب بعضكم بعضا ﴾، فبين رسول الله- صلى الله عليه وسلم-الغيبة وكيف هي، وهو المبين عن الله- عز وجل- - صلى الله عليه وسلم. ( ت : ٢٣/٢١. انظر س : ٢٧/٣٢٧ )
١ قال ابن عبد البر: إنما هو المطلب ابن عبد الله بن حنطب، كذلك قال ابن وهب، وابن القاسم، وابن بكير، ومطرف، وابن نافع، والقعنبي- عن مالك في هذا الحديث: حنطب لا حويطب، وهو الصواب-إن شاء الله. التمهيد: ٢٣/١٩. وقال عنه ابن حجر في التهذيب: ١٠/١٧٨-١٧٩. روى عن عمرو، وأبي موسى الأشعري وزيد بن ثابت، وأبي هريرة... وعنه أبناه عبد العزيز والحكم، ومولاه عمرو بن أبي عمرو، وعاصم الأحول، والأوزاعي وعدة..
٢ الموطأ، كتاب الكلام والغيبة والتقى، باب ما جاء في الغيبة: ٦٥٤..
٤٥٦- أخبرنا عبد الوهاب، حدثنا قاسم، قال : حدثنا أحمد بن زهير، قال : حدثنا منصور ابن أبي مزاحم، قال : حدثنا أبو بكر ابن عياش، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى :﴿ وجعلناكم شعوبا وقبائل ﴾، قال : الشعوب : البطون الجماع، والقبائل : الأفخاذ. ( الأنباه على قبائل الرواة : ١٣ )
٤٥٧- في قول الله تعالى :﴿ شعوبا وقبائل لتعارفوا ﴾، دليل واضح على تعلم الأنساب. ( المصدر السابق : ١٤ )
سورة الحجرات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحُجُرات) من السُّوَر المدنية، جاءت ببيانِ أحكامٍ وتشريعات كثيرة، على رأسها وجوبُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرِه، كما أمرت السورةُ الكريمة بمجموعةٍ من الأخلاق والمبادئ التي تبني مجتمعًا متماسكًا؛ من تركِ السماع للشائعات، والنهيِ عن التنابُزِ بالألقاب، والتحذيرِ من الغِيبة والنميمة، وتصويرِ فاعلها بأبشَعِ صورة.

ترتيبها المصحفي
49
نوعها
مدنية
ألفاظها
353
ترتيب نزولها
106
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} [الحجرات: 1]:

عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عبدَ اللهِ بن الزُّبَيرِ أخبَرَهم: «أنَّه قَدِمَ رَكْبٌ مِن بني تَمِيمٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدٍ، وقال عُمَرُ: بل أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بكرٍ: ما أرَدتَّ إلى - أو إلَّا - خِلافي، فقال عُمَرُ: ما أرَدتُّ خِلافَك، فتمارَيَا حتى ارتفَعتْ أصواتُهما؛ فنزَلَ في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ} [الحجرات: 1] حتى انقَضتِ الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٨٤٧).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اْلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُۥ بِاْلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]:

عن عبدِ اللهِ بن أبي مُلَيكةَ، قال: «كادَ الخَيِّرانِ أن يَهلِكَا: أبو بكرٍ وعُمَرُ رضي الله عنهما، رفَعَا أصواتَهما عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ عليه رَكْبُ بني تَمِيمٍ، فأشارَ أحدُهما بالأقرَعِ بنِ حابسٍ أخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشارَ الآخَرُ برجُلٍ آخَرَ - قال نافعٌ: لا أحفَظُ اسمَه -، فقال أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدتَّ إلا خِلافي، قال: ما أرَدتُّ خِلافَك، فارتفَعتْ أصواتُهما في ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيةَ، قال ابنُ الزُّبَيرِ: فما كان عُمَرُ يُسمِعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيةِ حتى يستفهِمَه، ولم يذكُرْ ذلك عن أبيه؛ يَعني: أبا بكرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٤٥).

* قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قيل للنبيِّ ﷺ: لو أتَيْتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فانطلَقَ إليه النبيُّ ﷺ، ورَكِبَ حِمارًا، فانطلَقَ المسلمون يمشون معه، وهي أرضٌ سَبِخةٌ، فلمَّا أتاه النبيُّ ﷺ، فقال: إليك عنِّي، واللهِ، لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ منهم: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ ﷺ أطيَبُ رِيحًا منك، فغَضِبَ لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، فشتَمَه، فغَضِبَ لكلِّ واحدٍ منهما أصحابُه، فكان بَيْنَهما ضَرْبٌ بالجَريدِ والأيدي والنِّعالِ، فبلَغَنا أنَّها أُنزِلتْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]». أخرجه البخاري (٢٦٩١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]:

عن أبي جَبِيرةَ بن الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ منَّا يكونُ له الاسمانِ والثلاثةُ، فيُدْعَى ببعضِها، فعسى أن يَكرَهَ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]». سنن الترمذي (٣٢٦٨).

* سورةُ (الحُجُرات):

سُمِّيت سورةُ (الحُجُرات) بذلك؛ لأنَّه جاء فيها لفظُ (الحُجُرات)؛ قال تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ اْلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

1. القيادة للرسول الكريم، والأدب معه (١-٣).

2. بناء المجتمع الأخلاقي، أسسٌ ومحاذيرُ (٤-١٣).

3. الأساس الإيماني، نموذجٌ وإرشاد (١٤-١٧).

4. علمُ الغيب لله وحده (١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسورة القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /341).

مقصودُ سورة (الحُجُرات) الأعظم هو توقيرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلُ ذلك علامةً للإيمان، وكذلك بناءُ مجتمع أخلاقي متماسكٍ؛ من خلال التحذير من شائنِ الأخلاق، والأمرِ بزَيْنِها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /6).