تفسير سورة المائدة

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة المائدة من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

(عقود) عهود.﴿ بَهِيمَةُ ﴾ كل ما كان من الحيوان غير ما يعقل؛ ويقال: البيهمة: ما استبهم عن الجواب، أي استغلق.(صيد) ما كان ممتنعا ولم يكن له مالك وكان حلالا أكله فاذا اجتمعت فيه هذه الخلال فهو صيد.﴿ حُرُمٌ ﴾ واحدهم حرام.
﴿ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ ﴾: ما جعله الله علما لطاعته، واحدها شعيرة: مثل الحرم. يقول: لا تحلوه فتصطادوا فيه. ولا الشهر الحرام فتقاتلوا فيه. ولا الهدي وهو ما أهدي إلى البيت، يقول: لا تستحلوه حتى يبلغ محله أي منحره. وإشعار الهدى: أن يقلد بنعل أو غير ذلك ويجلل ويطعن في شق سنامه الأيمن بحديدة ليعلم أنه هدي. ولا القلائد: كان الرجل يقلد بعيره من لحاء شجر الحرم فيأمن بذلك حيث سلك ﴿ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ ﴾: عامدين البيت. وأما قوله في الدعاء: ﴿ آمِّينَ ﴾ فبتخفيف الميم وتمد وتقصر، وتفسيره اللهم استجب لي. ويقال: آمين اسم من أسماء الله تعالى. ﴿ يَجْرِمَنَّكُمْ ﴾: يكسبنكم، من قولهم فلان جريمة أهله جارمهم: أي كاسبهم. ﴿ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾: محركة النون أي بغضاء قوم. وشنآن مسكنة النون: أي بغض قوم. هذا مذهب البصريين. وقال الكوفيون: شنآن وشنآن: مصدران.
﴿ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ ﴾: التي تخنق فتموت ولا تدرك ذكاتها. ﴿ ٱلْمَوْقُوذَةُ ﴾: المضروبة حتى توقذ أي تشرف على الموت ثم تترك حتى تموت وتؤكل بغير ذكاة. ﴿ ٱلْمُتَرَدِّيَةُ ﴾: التي تردت أي سقطت من جبل أو حائط أو بئر فماتت. ﴿ ٱلنَّطِيحَةُ ﴾: أي المنطوحة حتى ماتت ﴿ ذَكَّيْتُمْ ﴾ أي قطعتم أوداجه وأنهرتم دمه وذكرتم اسم الله عليه إذا ذبحتموه. وأصل الذكاة في اللغة: تمام الشيء. من ذلك ذكاء السن: أي تمام السن أي النهاية في الشباب، والذكاء في الفهم: أن يكون فهما تاما سريع القبول. وذكيت النار إذا أتممت إشعالها. وقوله عز وجل: ﴿ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ أي ما أدركتم ذبحه على التمام. قال أبو عمر: وسألت المبرد عن قوله ﴿ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ فقال: أي ما خلصتم بفعلكم من الموت إلى الحياة، فسأله الهدهد وأنا أسمع عن قولهم فلان ذكي القلب، فقال: مخلص من الآفات والبلاء، وكذلك ذكيت النار إذا أخرجتها من باب الخمود إلى باب الإشعال بالوقود. قال ابن خالويه سألت أبا عمر عن معنى أنهرت، فقال: أسلت، ومنه قول ابن عباس: أنهر الدم بما شئت: بغالية أو بخار أو بمروة، قال: الغالية: القصبة الحادة، والخار: شجر، والمروة: حجر أبيض مفلطح خشن، فكذلك ثعلب عن ابن الأعرابي. (نصب) ونصب ونصب بمعنى واحد، وهو حجر أو صنم يذبحون عنده. ونصب: تعب وإعياء. وقوله تعالى:﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾[ص: ٤١] أي ببلاء وشر. ﴿ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ﴾ أي تستفعلوا، من قسمت أمري ﴿ ٱلأَزْلاَمِ ﴾ القداح التي كانوا يضربون بها على الميسر، واحدها زلم وزلم. ﴿ مَخْمَصَةٍ ﴾ مجاعة. ﴿ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ ﴾ أي متمايل إلى حرام.
﴿ ٱلْجَوَارِحِ ﴾: أي الكواسب يعني الصوائد ﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ أصحاب كلاب. ويقال: رجل مكلب وكلاب أي صاحب صيد بالكلاب.
﴿ حِلٌّ ﴾ أي حلال. وحرم: حرام. وقد قرئت وحرم على قرية، وحرام على قرية، والمعنى واحد. وقوله عز وجل:﴿ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ﴾[البلد: ٢] أي حلال. ويقال: حل: حال ساكن: أي أقسم به بعد خروجك منه.﴿ أُجُورَهُنَّ ﴾ أي مهورهن ﴿ أَخْدَانٍ ﴾ أصدقاء، واحدهم خدن وخدين.
﴿ ٱلْغَائِطِ ﴾: المطمئن من الأرض، وكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا غائطا، فكني عن الحدث بالغائظ (لمستم النساء) ولامستم النساء: كناية عن الجماع ﴿ صَعِيداً طَيِّباً ﴾ أي ترابا نظيفا. والصعيد: وجه الأرض.
﴿ نَقِيباً ﴾ أي ضمينا وأمينا، والنقيب فوق العريف ﴿ عَزَّرْتُمُوهُمْ ﴾ أي عظمتومهم، ويقال: نصرتموهم أو أعنتموهمم.﴿ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ أي وسط الطريق وقصد الطريق.
﴿ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ ﴾ يقلبونه ويغيرونه.﴿ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ ﴾ بمعنى خائن منهم، والهاء للمبالغة، كما قالوا: رجل علامة ونسابة. ويقال: خائنة: مصدر بمعنى خيانة.
﴿ أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ ﴾ هيجناها، ويقال أغرينا بينهم ألصقنا بينهم ذلك، مأخوذ من الغراء، والعداوة: تباعد القلوب والنيات. والبغضاء البغض.
﴿ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ ﴾ أي طرق السلامة.
﴿ فَتْرَةٍ ﴾ أي سكون وانقطاع، وقوله تعالى: ﴿ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ ﴾: على انقطاع من الرسل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد انقطاع الرسل، لأن الرسل كانت إلى وقت رفع عيسى متواترة.
﴿ ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ﴾ أي المطهرة.
﴿ جَبَّارِينَ ﴾: أي أقوياء عظام الأجسام. والجبار: القهار: والجبار: المسلط، كقوله عز وجل﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾[ق: ٤٥] أي بمسلط. والجبار المتكبر كقوله:﴿ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ﴾[مريم: ٣٢].
والجبار: القتال كقوله:﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾[الشعراء: ١٣٠] أي قتالين. والجبار الطويل من النخل.
﴿ يَتِيهُونَ ﴾ أي يحارون ويضلون.
(قربان): ما تقرب به إلى الله جل وعز من ذبح وغيره، وهو فعلان من القربة.
﴿ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ﴾: أي تنصرف بهما إذا قتلتني، وما أحب أن تقتلني، فمتى قتلتني أحببت أن تنصرف بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك فتكون من أصحاب النار.
﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ ﴾ أي شجعته وتابعته. ويقال طوعت: فعلت، من الطوع، يقال: طاع له كذا، أي أتاه طوعا، ولساني لا يطوع بكذا وكذا أي لا ينقاد.
﴿ سَوْءَةَ أَخِيهِ ﴾: فرج أخيه.
﴿ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ﴾ من جناية ذلك، ويقال من أجل ذلك من جراء ذلك، ومن جرا ذلك بالمد والقصر، ويقال من أجل ذلك: من سبب ذلك.
﴿ خِلافٍ ﴾ مخالفة، قال الله عز وجل: ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ ﴾: أي يده اليمنى ورجله اليسرى يخالف بين قطعهما. وقوله عز وجل:﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ ﴾[التوبة: ٨١] أي بعد رسول الله. وكذلك قوله:﴿ وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾[الإسراء: ٧٦]: أي بعدك.﴿ خِزْيٌ ﴾: أي هوان. وخزي: هلاك أيضا.
﴿ ٱلْوَسِيلَةَ ﴾ أي القربة.
﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾: قابلون الكذب، كما يقال: لا تسمع من فلان قوله، أي لا تقبل قوله. وجائز أن يكون ﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ﴾: أي يسمعون منك ليكذبوا عليك ﴿ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ﴾ أي هم عيون لأولئك الغيب. وقوله عز وجل﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ ﴾[التوبة: ٤٧] أي مطيعون. ويقال: سماعون لهم: أي يتجسسون لهم الأخبار.
(سحت): كسب ما لا يحل، ويقال السحت: الرشوة في الحكم.
﴿ قَفَّيْنَا ﴾ أي أتبعنا انظر ٨٧ من البقرة.
﴿ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ ﴾ أي شاهدا، وقيل رقيبا، وقيل مؤتمنا، وقيل قفانا، يقال فلان قفان على فلان إذا كان يتحفظ أموره، فقيل القرآن قفان على الكتب، لأنه شاهد بصحة الصحيح منها وسقم السقيم. والمهيمن في أسماء الله: القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم. وقيل: أصل مهيمن: مؤيمن مفعيل، من أمين، كما قيل: بيطر ومبيطر من البيطار، فقلبت الهمزة هاء لقرب مخرجيهما.﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾ شرعة وشريعة: واحدة: أي سنة وطريقة، ومنها طريق واضح. يقال: الشرعة: ابتداء الطريق، والمنهاج الطريق المستقيم ﴿ وَمِنْهَاجاً ﴾ أي طريقا واضحا.
﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي يلينون لهم، من قولك دابة ذلول أي منقاد سهل ليس هذا من الهوان إنما هو من الرفق.﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾ أي يعازون الكافرين يغالبونهم ويمانعونهم. يقال عزه يعزه عزا إذا غلبه.
﴿ تَنقِمُونَ مِنَّآ ﴾ أي تكرهون منا وتنكرون.(طاغوت): أصنام. والطاغوت من الإنس والجن شياطينهم، يكون واحد وجمعا.
﴿ لَوْلاَ ﴾ ولو ما إذا لم يحتاجا إلى جواب فمعناهما هلا، كقوله عز وجل ﴿ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ ﴾ أي هلا ينهاهم الربانيون و﴿ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ ﴾[الحجر: ٧].
(سحت) كسب ما لا يحل. ويقال: السحت: الرشوة في الحكم.(أحبار) علماء، واحدهم حبر وحبر أيضا.
﴿ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ ﴾ أي يمنعك منهم فلا يقدرون عليك، وعصمة الله عز وجل للعبد من هذا إنما هي منعه من المعصية.
﴿ ٱلصَّابِئُونَ ﴾ انظر ٦٢ من البقرة.
﴿ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ﴾ أي تجاوزوا الحد وترتفعوا عن الحق.
﴿ قِسِّيسِينَ ﴾: رؤساء النصارى، واحدهم قسيس. وقال بعض العلماء: هو فعيل من قسست الشيء وقصصته إذا تتبعته، فالقسيس سمي بذلك لتتبعه كتابه وآثار معانيه.
﴿ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ ﴾ يعني ما لم تعتقدوه يمينا تدينا، ولم توجبوه على أنفسكم، نحو: لا والله، وبلى والله.﴿ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ أي عتق رقبة، يقال حررت المملوك فحر: أي أعتقه فعتق، والرقبة: ترجمة عن الإنسان.
﴿ ٱلأَزْلاَمُ ﴾: القداح التي كانوا يضربون بها على الميسر، واحدها زَلم وزُلم.
﴿ ٱلنَّعَمِ ﴾ هو البقر والإبل والغنم، وهو جمع لا واحد له من لفظه وجمع النعم أنعام.﴿ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً ﴾ أي مثل ذلك.﴿ وَبَالَ أَمْرِهِ ﴾ أي عاقبة أمره في الشر، والوبال: الوخامة وسوء العاقبة، يقال: ماء وبيل. وكلأ وبيل: أي وخم لا يستمرأ أو تضر عاقبته. والوبيل والوخيم ضد المريء.
﴿ بَحِيرَةٍ ﴾ وهي الناقة إذا نتجت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكرا نحروه فأكله الرجال والنساء، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها، أي شقوها، وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها، فإذا ماتت حلت للنساء. و (السائبة) البعير يسيب بنذر يكون على الرجل إن سلبه الله من مرض أو بلغه منزلة أن يفعل ذلك، فلا يحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد. و(الوصيلة) من الغنم: كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا، فإن كان السابع ذكرا ذبح تأكل منه الرجال والنساء، وإن كانت أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبح لمكانها، وكان لحمها حراما على النساء، ولبن الأنثى حرام على النساء، إلا أن يموت منها شيء، فيأكله الرجال والنساء. و (الحامي): الفحل إذا ركب ولد ولده، ويقال إذا أنتج من صلبه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يمنع من كلأ.
﴿ ٱلأَوْلَيَانِ ﴾ واحدهما الأوْلى، والجمع والأوْلَون والأنثى الوُليْا، والجمع الولييات والُولَى.
﴿ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً ﴾ يكلمهم في المهد آية وأعجوبة، ويكلمهم كهلا بالوحي والرسالة. والكهل الذي انتهى شبابه، يقال: اكتهل الرجل إذا انتهى شبابه.﴿ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ ﴾: أي تقدر، ويقال لمن قدر شيئا وأصلحه: قد خلقه، وأما الخلق الذي هو إحداث فلله عز وجل.
﴿ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ ﴾ ألقيت في قلوبهم، وأوحى ربك إلى النحل: ألهمها.
(عيد) كل يوم مجمع، وقيل يوم العيد معناه اليوم الذي يعود فيه الفرح والسرور، والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح أو الحزن.
سورة المائدة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

إنَّ شأنَ هذه السورةِ عظيمٌ كشأنِ أخواتِها السَّبْعِ الطِّوال؛ لِما اشتملت عليه من أحكامٍ كثيرة؛ فقد بُدِئت بالأمرِ بالوفاء بالعقود والالتزام بالمواثيق، واشتملت على ذِكْرِ المُحرَّمات من الأطعمة، وجاءت على ذكرِ عقوبة الحِرابةِ والسرقة، وغيرِها من الأحكام التي تُوضِّحُ المعاملاتِ بين الناس؛ استكمالًا لشرائعِ الله، كما ذكَرتْ قصَّةَ بني إسرائيل وطلَبِهم المائدةَ، وخُتِمتْ بالحوارِ الذي يَجري بين الله وبين عيسى عليه السلام لإقامةِ الحُجَّةِ على بني إسرائيلَ، ولعلَّ ما صحَّ في الحديثِ مِن أنَّ الدابَّةَ لم تستطِعْ تحمُّلَها وقتَ نزولِها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كان لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ وتشريعات.

ترتيبها المصحفي
5
نوعها
مدنية
ألفاظها
2837
ترتيب نزولها
112
العد المدني الأول
122
العد المدني الأخير
122
العد البصري
123
العد الكوفي
120
العد الشامي
122

* قوله تعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما: «أنَّ امرأةً سرَقتْ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، فجاءَ بها الذين سرَقتْهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذه المرأةَ سرَقتْنا، قال قومُها: فنحن نَفدِيها - يعني أهلَها -، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اقطَعُوا يدَها»، فقالوا: نحن نَفدِيها بخَمْسِمائةِ دينارٍ، قال: «اقطَعُوا يدَها»، قال: فقُطِعتْ يدُها اليمنى، فقالت المرأةُ: هل لي مِن توبةٍ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «نَعم، أنتِ اليومَ مِن خطيئتِكِ كيَوْمَ ولَدَتْكِ أمُّكِ»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل في سورةِ المائدةِ: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: 39] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٦٥٧).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلظَّٰلِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «مُرَّ على النبيِّ ﷺ بيهوديٍّ مُحمَّمًا مجلودًا، فدعَاهم ﷺ، فقال: «هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكم؟!»، قالوا: نَعم، فدعَا رجُلًا مِن علمائِهم، فقال: «أنشُدُك باللهِ الذي أنزَلَ التَّوراةَ على موسى؛ أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكم؟!»، قال: لا، ولولا أنَّك نشَدتَّني بهذا لم أُخبِرْك، نجدُه الرَّجْمَ، ولكنَّه كثُرَ في أشرافِنا، فكنَّا إذا أخَذْنا الشريفَ ترَكْناه، وإذا أخَذْنا الضعيفَ أقَمْنا عليه الحدَّ، قلنا: تعالَوْا فَلْنجتمِعْ على شيءٍ نُقِيمُه على الشريفِ والوضيعِ، فجعَلْنا التَّحْميمَ والجَلْدَ مكانَ الرَّجْمِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اللهمَّ إنِّي أوَّلُ مَن أحيا أمرَك إذ أماتوه»، فأمَرَ به فرُجِمَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ‌اْلرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ اْلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي اْلْكُفْرِ﴾ [المائدة: 41]  إلى قولِه: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ﴾ [المائدة: 41]، يقولُ: ائتُوا محمَّدًا ﷺ، فإن أمَرَكم بالتَّحْميمِ والجَلْدِ فخُذُوه، وإن أفتاكم بالرَّجْمِ فاحذَرُوا؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلظَّٰلِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]؛ في الكفَّارِ كلُّها». أخرجه مسلم (١٧٠٠).

* قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ﴾ [المائدة: 93]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «كنتُ ساقيَ القومِ في منزلِ أبي طَلْحةَ، وكان خَمْرُهم يومئذٍ الفَضِيخَ، فأمَرَ رسولُ اللهِ ﷺ مناديًا ينادي: ألَا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمتْ، قال: فقال لي أبو طَلْحةَ: اخرُجْ، فأهرِقْها، فخرَجْتُ فهرَقْتُها، فجَرَتْ في سِكَكِ المدينةِ، فقال بعضُ القومِ: قد قُتِلَ قومٌ وهي في بطونِهم؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ﴾ [المائدة: 93] الآيةَ». أخرجه البخاري (٢٤٦٤).

* قوله تعالى: ﴿لَا تَسْـَٔلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «خطَبَ رسولُ اللهِ ﷺ خُطْبةً ما سَمِعْتُ مِثْلَها قطُّ، قال: «لو تَعلَمون ما أعلَمُ، لَضَحِكْتم قليلًا، ولَبَكَيْتم كثيرًا»، قال: فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ وجوهَهم، لهم خَنِينٌ، فقال رجُلٌ: مَن أبي؟ قال: فلانٌ؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿لَا تَسْـَٔلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]». أخرجه البخاري (٤٦٢١).

* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اْلْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «خرَجَ رجُلٌ مِن بني سَهْمٍ مع تميمٍ الدَّاريِّ وعَدِيِّ بنِ بَدَّاءٍ، فماتَ السَّهْميُّ بأرضٍ ليس بها مسلمٌ، فلمَّا قَدِمَا بتَرِكَتِهِ، فقَدُوا جامًا مِن فِضَّةٍ مُخوَّصًا مِن ذهَبٍ، فأحلَفَهما رسولُ اللهِ ﷺ، ثم وُجِدَ الجامُ بمكَّةَ، فقالوا: ابتَعْناه مِن تميمٍ وعَدِيٍّ، فقام رجُلانِ مِن أوليائِهِ، فحلَفَا لَشَهادتُنا أحَقُّ مِن شَهادتِهما، وإنَّ الجامَ لِصاحبِهم، قال: وفيهم نزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اْلْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106]». أخرجه البخاري (٢٧٨٠).


سُمِّيتْ سورةُ (المائدةِ) بذلك؛ لاشتمالِها على قصَّةِ نزولِ (المائدة) على بني إسرائيلَ، كما أُطلِق عليها اسمُ سورةِ (العُقُودِ)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظِ، ولكثرةِ ما فيها من أحكامٍ ومعاملات بين الناس.

* أنَّها تُعادِلُ - مع أخواتِها السَّبْعِ الطِّوال - التَّوراةَ:

عن واثلةَ بنِ الأسقَعِ اللَّيْثيِّ أبي فُسَيلةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبْعَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبُورِ المِئينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المَثَانيَ، وفُضِّلْتُ بالمُفصَّلِ». أخرجه أحمد (١٦٩٨٢).

* لم تستطِعِ الدابَّةُ تحمُّلَ ثِقَلِها لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ:

فعن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «أُنزِلتْ على رسولِ اللهِ ﷺ سورةُ المائدةِ وهو راكبٌ على راحلتِهِ، فلم تستطِعْ أن تَحمِلَهُ، فنزَلَ عنها». أخرجه أحمد (٦٦٤٣).

* مَن أخَذها مع السَّبْعِ الطِّوالِ عُدَّ حَبْرًا:

عن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

اشتمَلتْ سورةُ (المائدةِ) على عِدَّةِ موضوعاتٍ على هذا الترتيبِ:

العهود والمواثيق مع أمَّة محمَّد عليه السلام (١-٨).

المواثيق والجزاء (٩-١٠).

البلاء وصرفُه عن المسلمين (١١).

ميثاقه مع اليهود والنصارى (١٢-١٦).

فساد عقيدة أهل الكتاب (١٧-١٩).

سُوء أدب اليهود (٢٠-٢٦).

جرائمُ وعقوبات (٢٧-٣٢).

عقوبة الحِرابة (٣٣-٣٤).

التقوى نجاة من النار (٣٥-٣٧).

حد السرقة (٣٨-٤٠).

تلاعُبُ أهل الكتاب بأحكام الله (٤١-٤٥).

رسالة عيسى عليه السلام (٤٦-٤٧).

القرآن (٤٨-٥٠).

المفاصَلة بين المسلمين وأهل الكتاب (٥١-٥٦).

الدِّين بين المستهزئين به والكارهين له (٥٧-٦٣).

سبُّ اليهود للمولى عز وجل (٦٤).

لو أنهم آمنوا (٦٥-٦٦).

عصمة الرسول (٦٧-٦٩).

طبيعة بني إسرائيل (٧٠-٧٧).

لعنة الأنبياء على الكفرة من بني إسرائيل (٧٨-٨١).

مَن يُوادُّ ويُعادي أهل الإيمان (٨٢-٨٦).

النهي عن الغلوِّ في الدِّين (٨٧-٨٨).

اليمين وكفارتها (٨٩).

خمس مُحرَّمات (٩٠-٩٦).

مِن نِعَم الله على عباده (٩٧-١٠٠).

تحريم السؤال عن ما يضر (١٠١-١٠٥).

الإشهاد والقَسَامة (١٠٦-١٠٨).

عيسى بين يَدَيِ الله تعالى في القيامة (١٠٩-١١١).

المائدة (١١٢-١١٥).

التبرؤ من التأليه (١١٦-١١٨).

كلمة الحق والختام (١١٩-١٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /290).

مِن أجلِّ مقاصدِ هذه السُّورة: إيضاحُ المعاملات بين الناس؛ لذا بدأت بالأمرِ بالوفاء بالعقود، فجاءت استكمالًا لشرائعِ الإسلام، ومِن مقاصدها بيانُ الحلال والحرام من المأكولات، وكذا حفظُ شعائرِ الله في الحجِّ والشهر الحرام، والنَّهي عن بعض المُحرَّمات من عوائدِ الجاهليَّة، وتبيين الكثير من الشرائع الأخرى.

وخُتِمتْ بمقصدٍ عظيم؛ وهو التذكيرُ بيومِ القيامة، وشَهادةُ الرُّسل على أُمَمهم، وشَهادة عيسى على النصارى، وتمجيد الله تعالى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (6 /74).