تفسير سورة المائدة

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة المائدة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ أَتموا الْعُقُود الَّتِي بَيْنكُم وَبَين الله أَو بَين النَّاس وَيُقَال أَتموا الْفَرَائِض الَّتِي فرضت عَلَيْكُم مَعَ الْقبُول يَوْم الْمِيثَاق وَفِي هَذَا الْكتاب ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَام﴾ رخصت عَلَيْكُم صيد الْبَريَّة مثل بقر الْوَحْش وحمر الْوَحْش والظباء ﴿إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ إِلَّا مَا حرم عَلَيْكُم فِي هَذِه السُّورَة ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْد﴾ غير مستحلي الصَّيْد ﴿وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ أَو فِي الْحرم ﴿إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ يَقُول يحل وَيحرم مَا يُرِيد فِي الْحل وَالْحرم
﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله﴾ لَا تستحلوا ترك الْمَنَاسِك كلهَا ﴿وَلاَ الشَّهْر الْحَرَام﴾ يَقُول وَلَا الْغَارة فِي الشَّهْر الْحَرَام ﴿وَلاَ الْهَدْي﴾ يَقُول وَلَا أَخذ الْهَدْي الَّذِي يهدى إِلَى الْبَيْت ﴿وَلاَ القلائد﴾ يَقُول وَلَا أَخذ القلائد الَّتِي تقلد بمجيء الشَّهْر الْحَرَام ﴿وَلَا آمِّينَ الْبَيْت الْحَرَام﴾ يَقُول وَلَا الْغَارة على المتوجهين إِلَى بَيت الله الْحَرَام وهم حجاج الْيَمَامَة قوم بكر بن وَائِل الْمُشرك وتجار شُرَيْح بن ضبيعة الْمُشرك ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً﴾ يطْلبُونَ رزقا ﴿مِّن رَّبِّهِمْ﴾ بِالتِّجَارَة ﴿وَرِضْوَاناً﴾ من رَبهم بِالْحَجِّ وَيُقَال يَبْتَغُونَ يطْلبُونَ فضلا رزقا بِالتِّجَارَة ورضواناً من رَبهم مقدم ومؤخر ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ﴾ خَرجْتُمْ من الْحرم بعد أَيَّام التَّشْرِيق ﴿فاصطادوا﴾ صيد الْبَريَّة إِن شِئْتُم ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ وَلَا يحملنكم ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ بغض أهل مَكَّة ﴿أَن صَدُّوكُمْ﴾ بِأَن صرفوكم ﴿عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ عَام الْحُدَيْبِيَة ﴿أَن تَعْتَدُواْ﴾ تظلموا على حجاج قوم بكر بن وَائِل ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبر﴾ على الطَّاعَة ﴿وَالتَّقوى﴾ ترك الْمعاصِي ﴿وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الْإِثْم﴾ على الْمعْصِيَة ﴿والعدوان﴾ الاعتداء وَالظُّلم على حجاج بكر بن وَائِل ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِيمَا أَمركُم ونهاكم ﴿إِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب﴾ إِذا عاقب لمن ترك مَا أَمر بِهِ
ثمَّ بيَّن مَا حرم عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْميتَة﴾ يَقُول حرمت عَلَيْكُم أكل الْميتَة الَّتِي أَمر بذبحها ﴿وَالدَّم﴾ الدَّم المسفوح ﴿وَلَحْمُ الْخِنْزِير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾ يَقُول وَمَا ذبح بِغَيْر اسْم الله مُتَعَمدا ﴿والمنخنقة﴾ وَهِي الَّتِي اختنقت بالحبل حَتَّى تَمُوت ﴿والموقوذة﴾ وَهِي الَّتِي تضرب بالخشب حَتَّى تَمُوت ﴿والمتردية﴾ وَهِي الَّتِي تتردى من جبل أَو من بِئْر فتموت ﴿والنطيحة﴾ وَهِي الَّتِي نطحت صاحبتها فتموت ﴿وَمَآ أَكَلَ السَّبع﴾ وَهِي فريسته ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ إِلَّا مَا أدركتم وَفِيه الرّوح فذبحتم ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النصب﴾ الصَّنَم ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالأزلام﴾ وَهِي القداح الَّتِي كَانُوا يقتسمون بهَا السِّهَام النَّاقِصَة وَيُقَال حرم عَلَيْكُم الِاشْتِغَال بالأزلام وَهِي القداح الَّتِي كَانَت مَكْتُوبَة على جَانب أَمرنِي رَبِّي وعَلى جَانب آخر نهاني رَبِّي يعْملُونَ بهَا فِي أُمُورهم فنهاهم الله عَن ذَلِك ﴿ذَلِكُم﴾ الَّذِي ذكرت لكم من الْمعاصِي وَالْحرَام ﴿فِسْقٌ﴾ اسْتِعْمَاله فسق واستحلاله كفر ﴿الْيَوْم﴾ يَوْم الْحَج الْأَكْبَر حجَّة الْوَدَاع ﴿يَئِسَ الَّذين كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿مِن دِينِكُمْ﴾ من رُجُوع دينكُمْ إِلَى دينهم بعد مَا تركْتُم دينهم وَشَرَائِع دينهم ﴿فَلاَ تَخْشَوْهُمْ﴾ فِي اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومخالفتهم ﴿واخشون﴾ فِي ترك اتِّبَاع مُحَمَّد وَدينه وموافقتهم ﴿الْيَوْم﴾ يَوْم الْحَج ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ بيّنت لكم شرائع دينكُمْ من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ منتي أَن لَا يجْتَمع مَعكُمْ بعد هَذَا الْيَوْم مُشْرك بِعَرَفَات وَمنى وَالطّواف وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ﴾ اخْتَرْت لكم ﴿الْإِسْلَام دِيناً فَمَنِ اضْطر﴾ أجهد إِلَى أكل الْميتَة عِنْد الضَّرُورَة ﴿فِي مَخْمَصَةٍ﴾ فِي مجاعَة ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ﴾ غير متعمد للمعصية وَيُقَال غير متعمد للْأَكْل بِغَيْر ضَرُورَة ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ﴾ إِن أكل شبعاً ﴿رَّحِيمٌ﴾ حِين رخص عَلَيْهِ أكل الْميتَة من الضَّرُورَة قوتاً وَيكرهُ شبعاً
﴿يَسْأَلُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد يَعْنِي بذلك زيد بن مهلهل الطَّائِي وعدي بن حَاتِم وَكَانَا صيادين ﴿مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ﴾ من الصَّيْد ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَات﴾ المذبوحات من الْحَلَال ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِح﴾ من الكواسب ﴿مُكَلِّبِينَ﴾ معلمين وَإِن قَرَأت بخفض اللَّام فهم أَصْحَاب الْكلاب ﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ تؤدبونهن إِذا أكلن الصَّيْد حَتَّى لَا يأكلن ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله﴾ كَمَا أدبكم الله ﴿فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ لكم الْكلاب المعلمة ﴿واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ﴾ على ذبح الصَّيْد وَيُقَال على إرْسَال الْكَلْب عَلَيْهِ ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي أكل الْميتَة ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب﴾
88
الْحساب شَدِيد الْعقَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع
89
﴿الْيَوْم﴾ يَوْم الْحَج ﴿أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَات﴾ المذبوحات من الْحَلَال ﴿وَطَعَامُ الَّذين﴾ ذَبَائِح الَّذين ﴿أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب ﴿حِلٌّ لَّكُمْ﴾ مَا كَانَ حَلَال لكم حَلَالا لَهُم ﴿وَطَعَامُكُمْ﴾ ذبائحكم ﴿حِلٌّ لَّهُمْ﴾ حَلَال لَهُم تَأْكُل الْيَهُود وتأكل النَّصَارَى ذَبِيحَة الْمُسلمين ﴿وَالْمُحصنَات﴾ تَزْوِيج الْحَرَائِر العفائف ﴿مِنَ الْمُؤْمِنَات﴾ حل لكم حَلَال لكم ﴿وَالْمُحصنَات مِنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب مِن قَبْلِكُمْ﴾ يَقُول تَزْوِيج الْحَرَائِر العفائف من أهل الْكتاب حَلَال لكم ﴿إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ بينتم لَهُنَّ ﴿أُجُورَهُنَّ﴾ مهورهن فَوق مهر بغي ﴿مُحْصِنِينَ﴾ كونُوا مَعَهُنَّ متزوجين ﴿غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ غير معلنين بِالزِّنَا ﴿وَلاَ متخذي أَخْدَانٍ﴾ يَقُول وَلَا يكون لَهَا خَلِيل يَزْنِي بهَا فِي السِّرّ ثمَّ نزلت فِي نسَاء أهل مَكَّة افتخرن على نسَاء الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَان﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنَ الخاسرين﴾ من المغبونين بذهاب الْجنَّة وَدخُول النَّار
﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة﴾ وَأَنْتُم على غير وضوء فعلمكم كَيفَ تَصْنَعُونَ فَقَالَ ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾ كَيفَ شِئْتُم ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ فَوق الْخُفَّيْنِ ﴿إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ وَإِن قَرَأت بِنصب اللَّام يرجع إِلَى الْغسْل ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا﴾ بِالْمَاءِ أَي فَاغْسِلُوا بِالْمَاءِ ﴿وَإِن كُنتُم مرضى﴾ من الجدري أَو الْجراحَة نزلت فِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ﴿أَوْ على سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الْغَائِط﴾ أَو تغوطتم أَو بلتم ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ﴾ جامعتم ﴿النسآء فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً﴾ فَلم تقدروا على المَاء ﴿فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً﴾ فتعمدوا إِلَى تُرَاب نظيف ﴿فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ بالضربة الأولى ﴿وَأَيْدِيكُمْ﴾ بالضربة الثَّانِيَة ﴿مِّنْهُ﴾ من التُّرَاب ﴿مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ من ضيق ﴿وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾ بِالتَّيَمُّمِ من الْأَحْدَاث والجنابة ﴿وَلِيُتِمَّ﴾ ولكي يتم ﴿نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ بِالتَّيَمُّمِ والرخصة ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا نعْمَته ورخصته
﴿واذْكُرُوا نِعْمَةَ الله﴾ احْفَظُوا منَّة الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بِالْإِيمَان ﴿وَمِيثَاقَهُ﴾ عَهده ﴿الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ﴾ أَمركُم بِهِ يَوْم الْمِيثَاق ﴿إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا﴾ قَوْلك يَا رَبنَا ﴿وَأَطَعْنَا﴾ أَمرك ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِيمَا أَمركُم ونهاكم ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور﴾ بِمَا فِي الْقُلُوب من الْوَفَاء والنقض
﴿يَا أَيُّهَآ الَّذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ﴾ قوالين ﴿لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ﴾ بِالْعَدْلِ ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ لَا يحملنكم ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ بعض شُرَيْح بن شُرَحْبِيل ﴿على أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾ بَين حجاج قوم بكر بن وَائِل ﴿اعدلوا﴾ بَينهم ﴿هُوَ أَقْرَبُ للتقوى﴾ الْعدْل أقرب لِلْمُتقين إِلَى التَّقْوَى ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي الْعدْل والجور ﴿إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْعدْل والجور
﴿وَعَدَ الله الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم فِي الدُّنْيَا ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ يَعْنِي ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة
﴿وَالَّذين كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه ﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيم﴾ أهل النَّار
﴿يَا أَيُّهَآ الَّذين آمَنُواْ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه ﴿اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُمْ﴾ احْفَظُوا منّة الله عَلَيْكُم بِدفع بَأْس الْعَدو عَنْكُم
89
﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ﴾ أَرَادَ قوم يَعْنِي بني قُرَيْظَة ﴿أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ بِالْقَتْلِ ﴿فَكَفَّ﴾ فَمنع ﴿أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ﴾ بِالْقَتْلِ ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِيمَا أَمركُم ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ على الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله
90
﴿وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَآئِيلَ﴾ قَرَار بني إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا يعبدوا إِلَّا الله وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا ﴿وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيباً﴾ رَسُولا وَيُقَال ملكا لكل سبط ملك ﴿وَقَالَ الله﴾ لهَؤُلَاء الْمُلُوك ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ معينكم ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاة﴾ أتممتم الصَّلَاة الَّتِي فرضت عَلَيْكُم ﴿وَآتَيْتُمُ الزَّكَاة﴾ أعطيتم زَكَاة أَمْوَالكُم ﴿وَآمَنتُمْ﴾ أقررتم وصدقتم ﴿بِرُسُلِي﴾ الَّذين يجيئون إِلَيْكُم ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ أعنتموهم ونصرتموهم بِالسَّيْفِ على الْأَعْدَاء ﴿وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً﴾ صَادِقا من قُلُوبكُمْ ﴿لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ لأمحصن عَلَيْكُم ذنوبكم دون الْكَبَائِر ﴿وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ تطرد من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار المَاء وَاللَّبن وَالْخمر وَالْعَسَل ﴿فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِك﴾ بعد أَخذ الْمِيثَاق وَالْإِقْرَار بِهِ ﴿مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل﴾ فقد ترك قصد طَرِيق الْهدى
وَكَفرُوا إِلَّا خَمْسَة مِنْهُم فَبين عُقُوبَة الَّذين كفرُوا فَقَالَ ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم﴾ يَقُول بنقضهم يَعْنِي الْمُلُوك ﴿مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ﴾ عذبناهم بالجزية ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ يابسة بِلَا نور ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه﴾ يغيرون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَبَيَان الرَّجْم بعد بَيَانه فِي التَّوْرَاة ﴿وَنَسُواْ حَظَّا﴾ تركُوا بَعْضًا ﴿مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ﴾ أمروا بِهِ فِي التَّوْرَاة من اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِظْهَار صفته ونعته ثمَّ ذكر خيانتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ﴿وَلاَ تَزَالُ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿تَطَّلِعُ على خَآئِنَةٍ﴾ تعلم خَائِنَة ومعصية ﴿مِّنْهُمْ﴾ يَعْنِي من بني قُرَيْظَة ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ﴾ عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ وَلَا تعاقبهم ﴿وَاصْفَحْ﴾ اترك ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ إِلَى النَّاس
﴿وَمِنَ الَّذين قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى﴾ يَعْنِي نَصَارَى نَجْرَان ﴿أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ﴾ فِي الْإِنْجِيل بِاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَيَان صفته وَأَن لَا يعبدوا إِلَّا الله وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا ﴿فَنَسُواْ حَظّاً﴾ فتركوا بَعْضًا ﴿مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ﴾ أمروا بِهِ ﴿فَأَغْرَيْنَا﴾ ألقينا ﴿بَيْنَهُمُ﴾ بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَيُقَال بَين نَصَارَى أهل نَجْرَان النسطورية والمار يعقوبية والمرقوسية والملكانية ﴿الْعَدَاوَة﴾ بِالْقَتْلِ والهلاك ﴿والبغضآء﴾ فِي الْقلب ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ الله﴾ يُخْبِرهُمْ الله ﴿بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ من الْمُخَالفَة والخيانة والكتمان والعداوة والبغضاء
﴿يَا أَهْلَ الْكتاب قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكتاب﴾ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَالرَّجم وَغير ذَلِك ﴿وَيَعْفُو عَن كثير﴾ بترك كثيرا فَلَا يبين لكم ﴿قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ الله نُورٌ﴾ رَسُول يَعْنِي مُحَمَّدًا ﴿وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ بالحلال وَالْحرَام
﴿يَهْدِي بِهِ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ﴾ توحيده ﴿سُبُلَ السَّلَام﴾ دين الْإِسْلَام وَالسَّلَام هُوَ الله ﴿وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾ من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان ﴿بِإِذْنِهِ﴾ بأَمْره وَيُقَال بتوفيقه وكرامته ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾
90
يثبتهم على ذَلِك الدّين بعد الْإِجَابَة
91
﴿لَّقَدْ كفر الَّذين قآلوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم﴾ وَهِي مقَالَة الْمَار يعقوبية ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد لِلنَّصَارَى ﴿فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله﴾ يقدر أَن يمْنَع من عَذَاب الله ﴿شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ﴾ أَن يعذب ﴿الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْض جَمِيعاً﴾ جَمِيع من عَبدهَا ﴿وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الْخلق والعجائب ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾ كَمَا يَشَاء بأب أَو بِغَيْر أَب ﴿وَالله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من خلق الْخلق وَالثَّوَاب لأوليائه وَالْعِقَاب لأعدائه ﴿قَدِيرٌ﴾
﴿وَقَالَتِ الْيَهُود﴾ يَعْنِي يهود أهل الْمَدِينَة ﴿وَالنَّصَارَى﴾ نَصَارَى أهل نَجْرَان ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله﴾ أَبنَاء أَنْبيَاء الله ﴿وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ على دينه وَيُقَال نَحن على دين الله كأبنائه وأحبائه وَيُقَال قَالُوا نَحن على الله كأبنائه وَنحن على دينه ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد للْيَهُود ﴿فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ بعبادتكم الْعجل أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِن كُنْتُم عَلَيْهِ كأبنائه هَل رَأَيْتُمْ أَبَا يعذب ابْنه بالنَّار ﴿بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ﴾ خلق عبيد ﴿مِمَّنْ﴾ كمن ﴿خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ لمن تَابَ من الْيَهُودِيَّة والنصرانية ﴿وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ من مَاتَ على الْيَهُودِيَّة والنصرانية ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ﴾ خَزَائِن ﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الْخلق والعجائب ﴿وَإِلَيْهِ الْمصير﴾ الْمرجع مصير من آمن وَمن لم يُؤمن
﴿يَا أَهْلَ الْكتاب﴾ يَا أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿قد جَاءَكُم رَسُولنَا﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ مَا أمرْتُم بِهِ وَمَا نهيتم عَنهُ ﴿على فَتْرَةٍ مَّنَ الرُّسُل﴾ على انْقِطَاع من الرُّسُل ﴿أَن تَقُولُواْ﴾ لكَي لَا تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة ﴿مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ﴾ بِالْجنَّةِ ﴿وَلاَ نَذِيرٍ﴾ من النَّار ﴿فَقَدْ جَاءَكُمْ﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿بَشِيرٌ﴾ بِالْجنَّةِ ﴿وَنَذِيرٌ﴾ من النَّار ﴿وَالله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من إرْسَال الرُّسُل وَالثَّوَاب لمن أجَاب الرُّسُل وَالْعِقَاب لمن لم يجب الرُّسُل ﴿قدير﴾
﴿وَإِذ قَالَ﴾ وَقد قَالَ ﴿مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نِعْمَةَ الله﴾ منَّة الله ﴿عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ﴾ مِنْكُم ﴿أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً﴾ بعد ماكنتم مماليك يرعون ﴿وَآتَاكُمْ﴾ أَعْطَاكُم ﴿مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالمين﴾ عالمي زمانكم فِي التيه من الْمَنّ والسلوى
﴿يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة﴾ وَهِي دمشق وفلسطين وَبَعض الْأُرْدُن المطهرة ﴿الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ وهب الله لكم وَجعلهَا مِيرَاثا لأبيكم إِبْرَاهِيم ﴿وَلاَ تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ﴾ لَا ترجعوا إِلَى خلفكم ﴿فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ فترجعوا مغبونين بالعقوبة بِأخذ الله الْمَنّ والسلوى مِنْكُم
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ﴾ قتالين ﴿وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا﴾ أَرض الجبارين ﴿حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾ فِيهَا
﴿قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذين يَخَافُونَ﴾ اثْنَي عشر رجلا خَافُوا من الجبارين ﴿أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا﴾ بِيَقِين الخطوات وهما يُوشَع بن نون وكالب بن يوحنا ﴿ادخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ﴾ عَلَيْهِم ﴿وَعَلَى الله فتوكلوا﴾
91
بالنصرة ﴿إِن كُنتُم﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾ وَيُقَال وَقَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ مُوسَى خَافُوا من مُوسَى وهما من الجبارين أنعم الله عَلَيْهِمَا بِالتَّوْحِيدِ الْآيَة
92
﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ﴾ أَرض الجبارين ﴿أَبَداً مَّا داموا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك﴾ سيدك هرون ﴿فَقَاتلا﴾ فَإِن رَبكُمَا يعينكما كَمَا أعانكما على فِرْعَوْن وَقَومه ﴿إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ﴾ منتظرون
﴿قَالَ رَبِّ﴾ قَالَ مُوسَى يَا رب ﴿إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي﴾ يَقُول لَا أقدر إِلَّا على نَفسِي وَأخي هَارُون ﴿فافرق بَيْنَنَا﴾ فَاقْض بَيْننَا ﴿وَبَيْنَ الْقَوْم الْفَاسِقين﴾ العاصين
﴿قَالَ﴾ الله يَا مُوسَى ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ الدُّخُول فِيهَا بعد مَا سميتهم فاسقين ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْض﴾ يتحيرون فِي أَرض التيه وَهِي سبع فراسخ لَا يقدرُونَ أَن يخرجُوا وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا ﴿فَلاَ تَأْسَ﴾ فَلَا تحزن ﴿عَلَى الْقَوْم الْفَاسِقين﴾
﴿واتل عَلَيْهِمْ﴾ اقْرَأ عَلَيْهِم يَا مُحَمَّد ﴿نَبَأَ﴾ خبر ﴿ابْني آدَمَ بِالْحَقِّ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا﴾ من هابيل ﴿وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر﴾ من قابيل ﴿قَالَ﴾ قابيل لهابيل ﴿لأَقْتُلَنَّكَ﴾ يَا هابيل ﴿قَالَ﴾ لم قَالَ لِأَن الله تقبل قربانك وَلم يتَقَبَّل قرباني قَالَ هابيل ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ من الصَّادِقين بالْقَوْل وَالْفِعْل الزاكية الْقُلُوب وَلم تكن زاكي الْقلب
﴿لَئِن بَسَطتَ﴾ مددت ﴿إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي﴾ ظلما ﴿مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ﴾ بماد ﴿يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ﴾ ظلما ﴿إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالمين﴾ بقتلك ظلما
﴿إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي﴾ أَن تُؤْخَذ بذنبي ﴿وَإِثْمِكَ﴾ ذَنْبك الَّذِي لقبل دمي ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار﴾ فَتَصِير من أهل النَّار ﴿وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمين﴾ النَّار جَزَاء الْمُعْتَدِينَ بالظلم
﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ﴾ فتابعت لَهُ نَفسه ﴿قَتْلَ أَخِيهِ﴾ على قتل أَخِيه ﴿فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين﴾ فَصَارَ من المغبونين بالعقوبة
﴿فَبَعَثَ الله غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْض﴾ يثير التُّرَاب من الأَرْض ليواري غراباً مَيتا ﴿لِيُرِيَهُ﴾ ليرى قابيل ﴿كَيفَ يواري﴾ يُغطي ﴿سوأة أَخِيه﴾ عَورَة أَخِيه فِي التُّرَاب ﴿قَالَ يَا ويلتى أَعَجَزْتُ﴾ أضعفت عَن الْحِيلَة ﴿أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَاب﴾ فِي الْحِيلَة ﴿فأواري﴾ فأغطى ﴿سوأة أَخِي﴾ عَورَة أخي بِالتُّرَابِ ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين﴾ فَصَارَ نَادِما على مَا لم يوار عَورَة أَخِيه وَلم يكن نَادِما على قَتله
﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِك﴾ من أجل قتل قابيل هابيل ظلما ﴿كَتَبْنَا على بني إِسْرَائِيلَ﴾ أَوجَبْنَا على بني إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة ﴿أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ قتل نفسا مُتَعَمدا ﴿أَوْ فَسَادٍ﴾ شرك ﴿فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاس جَمِيعاً﴾ يَقُول وَجَبت عَلَيْهِ النَّار بقتل نفس وَاحِدَة ظلما كَمَا لَو قتل النَّاس جَمِيعًا ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا﴾ كف عَن قَتلهَا ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾ يَقُول وَجَبت لَهُ الْجنَّة بِعَفْو نفس وَاحِدَة كَمَا لَو عَفا النَّاس جَمِيعًا ﴿وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ﴾ يَعْنِي إِلَى بني إِسْرَائِيل ﴿رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ﴾ من بني إِسْرَائِيل ﴿بَعْدَ ذَلِك﴾ بعد الرُّسُل
92
﴿فِي الأَرْض لَمُسْرِفُونَ﴾ لمشركون
93
ثمَّ نزلت فِي قوم هِلَال ابْن عُوَيْمِر لأَنهم قتلوا قوما من بني كنَانَة أَرَادوا الْهِجْرَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليسلموا فَقَتَلُوهُمْ وَأخذُوا مَا كَانَ مَعَهم من السَّلب فبيَّن الله عقوبتهم يَعْنِي قوم هِلَال وَكَانُوا مُشْرِكين فَقَالَ ﴿إِنَّمَا جَزَآءُ﴾ مُكَافَأَة ﴿الَّذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ يكفرون بِاللَّه وَرَسُوله ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْض فَسَاداً﴾ يعْملُونَ فِي الأَرْض بِالْمَعَاصِي وهوالقتل وَأخذ المَال ظلما ﴿أَن يقتلُوا﴾ يَقُول جَزَاء من قتل وَلم يَأْخُذ المَال الْقَتْل ﴿أَوْ يصلبوا﴾ يَقُول جَزَاء من قتل وَأخذ المَال ظلما الصلب ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ﴾ الْيَد الْيُمْنَى وَالرجل الْيُسْرَى يَقُول جَزَاء من أَخذ المَال وَلم يقتل قطع الْيَد وَالرجل ﴿أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْض﴾ أَو يحبسوا فِي السجْن حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهمْ وَتظهر تَوْبَتهمْ يَقُول جَزَاء من يخوف النَّاس على الطَّرِيق وَلم يَأْخُذ المَال وَلم يقتل السجْن ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿لَهُمْ خِزْيٌ﴾ عَذَاب ﴿فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ شَدِيد أَشد مِمَّا يكون فِي الدُّنْيَا لمن لم يتب
ثمَّ بَين عَفوه لمن تَابَ فَقَالَ ﴿إِلاَّ الَّذين تَابُواْ﴾ من الْكفْر والشرك ﴿مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ﴾ بِالْأَخْذِ ﴿فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ
﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿اتَّقوا الله﴾ فِيمَا أَمركُم ﴿وابتغوا إِلَيهِ الْوَسِيلَة﴾ الدرجَة الرفيعة وَيُقَال اطْلُبُوا إِلَيْهِ الْقرب فِي الدَّرَجَات بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة ﴿وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ﴾ فِي طَاعَته ﴿لَعَلَّكُمْ تفلحون﴾ لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب وتأمنوا
﴿إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْض﴾ من الْأَمْوَال ﴿جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ ضعفه مَعَه ﴿لِيَفْتَدُواْ بِهِ﴾ ليفادوا بِهِ أنفسهم ﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ﴾ الْفِدَاء ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع
﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّار﴾ بتحويل حَال إِلَى حَال ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾ من النَّار ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ دَائِم لَا يَنْقَطِع
﴿وَالسَّارِق﴾ من الرِّجَال يَعْنِي طعمة ﴿والسارقة﴾ من النِّسَاء ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ أيمانهما ﴿جَزَآءً بِمَا كَسَبَا﴾ عُقُوبَة بِمَا سرقا ﴿نَكَالاً مِّنَ الله﴾ شَيْئا من الله لَهُم ﴿وَالله عَزِيزٌ﴾ بالنقمة من السَّارِق ﴿حَكِيمٌ﴾ حكم عَلَيْهِم بِالْقطعِ
﴿فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ﴾ سَرقته وقطعه ﴿وَأَصْلَحَ﴾ فِيمَا بَينه وَبَين ربه بِالتَّوْبَةِ ﴿فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ﴾ يتَجَاوَز عَنهُ ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن ﴿أَنَّ الله لَهُ مُلْكُ﴾ خَزَائِن ﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَالله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الغفران وَغَيره ﴿قدير﴾
﴿يَا أَيهَا الرَّسُول﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لاَ يَحْزُنكَ الَّذين يُسَارِعُونَ﴾ يبادرون ﴿فِي الْكفْر﴾ فِي الْولَايَة مَعَ الْكفَّار فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿مِنَ الَّذين قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بألسنتهم قَالُوا صدقنا ﴿وَلَمْ تُؤْمِن﴾ لم تصدق ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ قُلُوب الْمُنَافِقين يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿وَمِنَ الَّذين هِادُواْ﴾ يهود بني قُرَيْظَة كَعْب وَأَصْحَابه ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ﴾
93
قَول الزُّور ﴿لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ لأهل خَيْبَر ﴿لَمْ يَأْتُوكَ﴾ يَعْنِي أهل خَيْبَر فِيمَا حدث فيهم وَلَكِن سَأَلَ عَنْهُم بَنو قُرَيْظَة ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلم﴾ يغيرون صفة مُحَمَّد ونعته وَالرَّجم على الْمُحصن والمحصنة إِذا زَنَيَا ﴿مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ من بعد بَيَانه فِي التَّوْرَاة ﴿يَقُولُونَ﴾ يَعْنِي الرؤساء للسفلة وَيُقَال المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا﴾ إِن أَمركُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجلدِ ﴿فَخُذُوهُ﴾ فاقبلوا مِنْهُ وَاعْمَلُوا بِهِ ﴿وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ﴾ إِن لم يَأْمُركُمْ بِالْجلدِ مُحَمَّد وأمركم بِالرَّجمِ ﴿فاحذروا﴾ يَعْنِي إِن لم يكن يوافقكم على مَا تطلبون ويأمركم بِغَيْرِهِ فاحذروا وَلَا تقبلُوا مِنْهُ قَالَ الله عز وَجل ﴿وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ﴾ يَعْنِي كفره وشركه وَيُقَال فضيحته وَيُقَال اختباره ﴿فَلَن تَمْلِكَ لَهُ من الله﴾ من عَذَاب الله ﴿شَيْئا أُولَئِكَ﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ ﴿الَّذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ من الْمَكْر والخيانة والإصرار على الْكفْر ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ عَذَاب بِالْقَتْلِ والإجلاء ﴿وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم﴾ أعظم مِمَّا يكون لَهُم فِي الدُّنْيَا
94
﴿سَمَّاعُونَ﴾ قوالون ﴿لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ للرشوة وَالْحرَام بتغيير حكم الله ﴿فَإِن جاؤوك﴾ يَا مُحَمَّد يَعْنِي بني قُرَيْظَة والنظير وَيُقَال أهل خَيْبَر ﴿فاحكم بَيْنَهُمْ﴾ بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير بِالرَّجمِ وَيُقَال بَين أهل خَيْبَر ﴿أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ أَنْت بِالْخِيَارِ ﴿وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ وَلَا تحكم بَينهم ﴿فَلَن يَضُرُّوكَ﴾ لن ينقصوك ﴿شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُمْ﴾ بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَيُقَال بَيت أهل خَيْبَر ﴿بِالْقِسْطِ﴾ بِالرَّجمِ ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ العادلين بِكِتَاب الله العاملين بالزجم
﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ﴾ على وَجه التَّعَجُّب فِي الرَّجْم ﴿وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاة فِيهَا﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿حُكْمُ الله﴾ يَعْنِي الرَّجْم ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِك﴾ من بعد الْبَيَان فِي التَّوْرَاة وَالْقُرْآن ﴿وَمَآ أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ بِالتَّوْرَاةِ
﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاة﴾ على مُوسَى ﴿فِيهَا﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿هُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَنُورٌ﴾ بَيَان الرَّجْم ﴿يَحْكُمُ بِهَا﴾ بِالتَّوْرَاةِ ﴿النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلَمُواْ﴾ الَّذين كَانُوا مُسلمين من لدن مُوسَى إِلَى عِيسَى وَبَينهمَا ألف نَبِي بَين الَّذين أَسْلمُوا ﴿لِلَّذِينَ هَادُواْ﴾ الْآبَاء الَّذين هادوا ﴿والربانيون﴾ يَقُول وَكَانَ يحكم بهَا الربانيون وَالْعُلَمَاء وَأَصْحَاب الصوامع دون الْأَنْبِيَاء ﴿والأحبار﴾ سَائِر الْعلمَاء ﴿بِمَا استحفظوا مِن كِتَابِ الله﴾ بِمَا عمِلُوا ودعوا من كتاب الله ﴿وَكَانُواْ عَلَيْهِ﴾ على الرَّجْم شُهَدَآءَ ﴿فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاس﴾ فِي إِظْهَار صفة مُحَمَّد ونعته وَالرَّجم ﴿واخشون﴾ فِي كتمانها ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي﴾ بكتمان صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَآيَة الرَّجْم ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عرضا يَسِيرا من المأكلة ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله﴾ يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي التَّوْرَاة من صفة مُحَمَّد ونعته وَآيَة الرَّجْم ﴿فَأُولَئِك هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب
﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ﴾ فَرضنَا على بني إِسْرَائِيل ﴿فِيهَآ﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿أَنَّ النَّفس بِالنَّفسِ﴾ عمدا وَفَاء ﴿وَالْعين بِالْعينِ﴾ عمدا وَفَاء ﴿وَالْأنف بالأنف﴾ عمدا وَفَاء ﴿وَالْأُذن بالأذن﴾ عمدا وَفَاء ﴿وَالسّن بِالسِّنِّ﴾ عمدا وَفَاء ﴿والجروح قِصَاصٌ﴾ حُكُومَة عدل ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ﴾ بالجراحة على الْجَارِح ﴿فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ﴾ للجريح وَيُقَال للجارح ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بمآ أنزل الله﴾ يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن وَلم يعْمل ﴿فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الضارون لأَنْفُسِهِمْ فِي الْعقُوبَة
﴿وَقَفَّيْنَا﴾ أتبعنا وأردفنا ﴿على آثَارِهِم بِعَيسَى ابْن مَرْيَمَ مُصَدِّقاً﴾ مُوَافقا ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿الْإِنْجِيل فِيهِ﴾ فِي الْإِنْجِيل ﴿هُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَنُورٌ﴾ بَيَان الرَّجْم ﴿وَمُصَدِّقاً﴾ مُوَافقا ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَالرَّجم ﴿وَهُدًى﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَمَوْعِظَةً﴾ نهيا ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيل﴾ ولكي يبين أهل الْإِنْجِيل ﴿بِمَآ أَنزَلَ الله فِيهِ﴾ بِمَا بيَّن الله فِي الْإِنْجِيل من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته وَالرَّجم ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله﴾ يَقُول وَمن لم يبين مَا بيَّن الله فِي الْإِنْجِيل ﴿فَأُولَئِك هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ هم العاصون الْكَافِرُونَ
﴿وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكتاب﴾ جِبْرِيل بِالْكتاب يَعْنِي الْقُرْآن ﴿بِالْحَقِّ﴾ لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل ﴿مُصَدِّقاً﴾ مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ لما قبله ﴿مِنَ الْكتاب﴾ يَعْنِي الْكتب ﴿وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ شَهِيدا على الْكتب كلهَا وَيُقَال على الرَّجْم وَيُقَال أَمينا على الْكتب ﴿فاحكم بَيْنَهُم﴾ بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَأهل خَيْبَر ﴿بِمَآ أَنزَلَ الله﴾ بِمَا بيَّن الله لَك فِي الْقُرْآن ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ﴾ فِي الْجلد وَترك الرَّجْم ﴿عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحق﴾ بعد مَا جَاءَك من الْبَيَان ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً﴾ لكل نَبِي مِنْكُم بيَّنا لَهُ شرعة ﴿وَمِنْهَاجاً﴾ فَرَائض وسنناً ﴿وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ لجمعكم على شَرِيعَة وَاحِدَة ﴿وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ﴾ ليختبركم ﴿فِي مَآ آتَاكُم﴾ أَعْطَاكُم من الْكتاب وَالسّنَن والفرائض فَيَقُول أَنا فرضته عَلَيْكُم وَلَا يدْخل فِي قُلُوبكُمْ شَيْء من التَّوَهُّم ﴿فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ﴾ فسابقوا يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأُمَم فِي السّنَن والفرائض والصالحات وَيُقَال بَادرُوا بالطاعات يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ جَمِيع الْأُمَم ﴿فَيُنَبِّئُكُم﴾ فيخبركم ﴿بِمَا كُنتُمْ فِيهِ﴾ فِي الدّين والشرائع ﴿تختلفون﴾ تخالفون
﴿وَأَنِ احكم﴾ واحكم ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بَين بني قُرَيْظَة وَالنضير وَأهل خَيْبَر ﴿بِمَآ أَنزَلَ الله﴾ بِمَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ﴾ بِالْجلدِ وَترك الرَّجْم ﴿واحذرهم﴾ وَلَا تَأْمَنهُمْ ﴿أَن يَفْتِنُوكَ﴾ لكَي لَا يصرفوك ﴿عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ الله إِلَيْكَ﴾ فِي الْقُرْآن من الرَّجْم ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عَن الرَّجْم وَعَما حكمت بَينهم من الْقصاص ﴿فَاعْلَم أَنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُصِيبَهُم﴾ أَن يعذبهم ﴿بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ بِكُل ذنوبهم ﴿وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاس﴾ من أهل الْكتاب ﴿لَفَاسِقُونَ﴾ لناقضون كافرون
﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ﴾ أفحكمهم فِي الْجَاهِلِيَّة يطْلبُونَ عنْدك فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً﴾ قَضَاء ﴿لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ يصدقون بِالْقُرْآنِ
﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ﴾ فِي العون والنصرة ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ يَقُول بَعضهم على دين بعض فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَولي بعض ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ﴾ فِي العون والنصرة ﴿مِّنكُمْ﴾ يَا معشر الْمُؤمنِينَ ﴿فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ فِي الْولَايَة وَلَيْسَ فِي أَمَانَة الله وَحفظه ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يرشد إِلَى دينه وحجته ﴿الْقَوْم الظَّالِمين﴾ الْيَهُود وَالنَّصَارَى
﴿فَتَرَى﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه
95
﴿يُسَارِعُونَ فِيهِمْ﴾ يبادرون فيهم فِي ولايتهم ﴿يَقُولُونَ﴾ يَقُول بَعضهم لبَعض ﴿نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ﴾ شدَّة فَلذَلِك نتخذهم أَوْلِيَاء ﴿فَعَسَى الله﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْح﴾ فتح مَكَّة والنصرة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ﴿أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ أَو عَذَاب على بني قُرَيْظَة وَالنضير بِالْقَتْلِ والإجلاء من عِنْده ﴿فَيُصْبِحُواْ﴾ فيصيروا يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿على مَآ أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ من ولَايَة الْيَهُود ﴿نَادِمِينَ﴾ بعد مَا افتضحوا
96
﴿وَيَقُولُ الَّذين آمَنُواْ﴾ المخلصون لِلْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿أَهَؤُلَاءِ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿الَّذين أَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ شدَّة أَيْمَانهم إِذا حلف الرجل بِاللَّه فقد جهد يَمِينه ﴿إِنَّهُمْ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿لَمَعَكُمْ﴾ مَعَ المخلصين على دينكُمْ فِي السِّرّ ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ بِطَلَب حسناتهم فِي الدُّنْيَا ﴿فَأَصْبحُوا خاسرين﴾ فصاروا مغبونين بالعقوبة
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ أَسد وغَطَفَان وأناس من كِنْدَة ومرار ﴿مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ﴾ بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي﴾ يَجِيء ﴿الله بِقَوْمٍ﴾ يَعْنِي أهل الْيمن ﴿يُحِبُّهُمْ﴾ الله ﴿وَيُحِبُّونَهُ﴾ أَي يحبونَ الله ﴿أَذِلَّةٍ﴾ رحيمة مشفقة ﴿عَلَى الْمُؤمنِينَ﴾ مَعَ الْمُؤمنِينَ ﴿أَعِزَّةٍ﴾ أشدة ﴿عَلَى الْكَافرين يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله﴾ أَي عاطفين فِي طَاعَة الله ﴿وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم﴾ ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت من الْحبّ وَالْأَمر وَغير ذَلِك ﴿فَضْلُ الله﴾ من الله تَعَالَى ﴿يُؤْتِيهِ﴾ يُعْطِيهِ ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَالله وَاسِعٌ﴾ جواد بعطيته ﴿عَلِيمٌ﴾ لمن يُعْطي
ثمَّ نزلت فِي عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه أَسد وَأسيد أَو ثَعْلَبَة بن قيس وَغَيرهم بعد مَا جفاهم الْيَهُود فَقَالَ ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله﴾ حافظكم وناصركم ومؤنسكم الله ﴿وَرَسُولُهُ وَالَّذين آمَنُواْ﴾ أَبُو بكر وَأَصْحَابه ﴿الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة﴾ الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة﴾ يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم ﴿وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ يصلونَ الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذين آمَنُواْ﴾ أَبَا بكر وَأَصْحَابه فِي العون والنصرة ﴿فَإِنَّ حِزْبَ الله﴾ جند الله ﴿هُمُ الغالبون﴾ على أعدائهم يَعْنِي مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذين اتَّخذُوا دِينَكُمْ هُزُواً﴾ سخرية ﴿وَلَعِباً﴾ ضحكة وباطلاً ﴿مِّنَ الَّذين أُوتُواْ﴾ أعْطوا ﴿الْكتاب مِن قَبْلِكُمْ﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿وَالْكفَّار﴾ وَسَائِر الْكفَّار ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ فِي العون والنصرة ﴿وَاتَّقوا الله﴾ واخشوا الله فِي ولايتهم ﴿إِن كُنتُم﴾ إِذا كُنْتُم ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾
﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة﴾ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَة ﴿اتَّخَذُوهَا هُزُواً﴾ سخرية ﴿وَلَعِباً﴾ ضحكة وباطلاً ﴿ذَلِك﴾ الِاسْتِهْزَاء ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ أَمر الله وَلَا يعلمُونَ تَوْحِيد الله وَلَا دين الله نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل من الْيَهُود كَانَ يسخر بِأَذَان بِلَال فأحرقه الله بالنَّار
﴿قل﴾ يَا مُحَمَّد للْيَهُود ﴿يَا أهل الْكتاب هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ﴾ تطعنون علينا وتعيبوننا ﴿إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّه﴾ إِلَّا لقبل إيمَاننَا بِاللَّه وَحده لَا شريك لَهُ ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ﴾ وَبِمَا أنزل من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن من جملَة الْكتب وَالرسل ﴿وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ﴾ كلكُمْ ﴿فَاسِقُونَ﴾ كافرون
ثمَّ نزلت فِي مقالتهم وَمَا نعلم أهل دين من الْأَدْيَان أقل حظاً من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ الله ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد للْيَهُود ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ﴾ أخْبركُم ﴿بِشَرٍّ مِّن ذَلِك﴾ مِمَّا قُلْتُمْ لمُحَمد وَأَصْحَابه ﴿مَثُوبَةً عِندَ الله﴾
96
من لَهُ عُقُوبَة عِنْد الله ﴿مَن لَّعَنَهُ الله﴾ عذبه الله بالجزية ﴿وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ سخط عَلَيْهِ ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة﴾ فِي زمن دَاوُد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿والخنازير﴾ فِي زمن عِيسَى بعد أكلهم من الْمَائِدَة ﴿وَعَبَدَ الطاغوت﴾ الْكُهَّان وَالشَّيَاطِين وَإِن قَرَأت وَعبد الطاغوت بِضَم الْبَاء يَقُول وجعلهم عباد الشَّيْطَان والأصنام والكهان ﴿أُولَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً﴾ صنيعاً فِي الدُّنْيَا ومنزلاً فِي الْآخِرَة ﴿وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السَّبِيل﴾ عَن قصد طَرِيق الْهدى
97
﴿وَإِذا جاؤوكم﴾ يَعْنِي سفلَة الْيَهُود وَيُقَال المُنَافِقُونَ ﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ بك وبصفتك ونعتك إِنَّه فِي كتَابنَا ﴿وَقَدْ دَّخَلُواْ بالْكفْر﴾ بِكفْر السِّرّ ﴿وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ﴾ بِكفْر السِّرّ ﴿وَالله أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ﴾ من الْكفْر
﴿وَترى كَثِيراً مِّنْهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد يَعْنِي من الْيَهُود ﴿يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم﴾ يبادرون فِي الْمعْصِيَة والشرك ﴿والعدوان﴾ الظُّلم والاعتداء على النَّاس ﴿وَأَكْلِهِمُ السُّحت﴾ الرِّشْوَة الْحَرَام وَفِي تَغْيِير الحكم ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ من الْمعْصِيَة والاعتداء
﴿لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ﴾ هلا ينهاهم ﴿الربانيون﴾ أَصْحَاب الصوامع ﴿والأحبار﴾ الْعلمَاء ﴿عَن قَوْلِهِمُ الْإِثْم﴾ الشّرك ﴿وَأَكْلِهِمُ السُّحت﴾ الرِّشْوَة وَالْحرَام ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ فِي تَركهم ذَلِك
﴿وَقَالَتِ الْيَهُود﴾ يَعْنِي فنحَاص بن عازوراء الْيَهُودِيّ ﴿يَدُ الله مَغْلُولَةٌ﴾ محبوسة عَن الْبسط ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أَمْسَكت أَيْديهم عَن الْخَيْر وَالنَّفقَة فِي الْخَيْر ﴿وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ﴾ عذبُوا بالجزية بِمَا قَالُوا ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ مفتوحتان على الْبر والفاجر ﴿يُنفِقُ﴾ يُعْطي ﴿كَيْفَ يَشَآءُ﴾ إِن شَاءَ وسع وَإِن شَاءَ قتر ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم﴾ وَالله ليزيدن كثيرا مِنْهُم كفارهم ﴿مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ بِمَا أنزل إِلَيْك ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿طغيانا﴾ تماديا ﴿وَكفرا﴾ ثباتا على الْكفْر ﴿وَأَلْقَيْنَا﴾ أشلينا وأغرينا ﴿بَيْنَهُمُ﴾ بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿الْعَدَاوَة﴾ فِي الْقَتْل والهلاك ﴿والبغضآء﴾ فِي الْقلب ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ﴾ كلما اجْتَمعُوا على قتل مُحَمَّد تمرداً ﴿أَطْفَأَهَا الله﴾ فرق الله جمعهم وَخَالف كلمتهم ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْض فَسَاداً﴾ يَمْشُونَ فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ بتعويق النَّاس عَن مُحَمَّد والدعوة إِلَى غير الله ﴿وَالله لاَ يُحِبُّ المفسدين﴾ الْيَهُود وَدينهمْ
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكتاب﴾ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَاتَّقوا﴾ تَابُوا من الْيَهُودِيَّة والنصرانية ﴿لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ ذنوبهم فِي الْيَهُودِيَّة والنصرانية ﴿وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعيم﴾ فِي الْآخِرَة
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل﴾ أقرُّوا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وبيّنوا ذَلِك يَعْنِي صفة مُحَمَّد ونعته ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ وبيّنوا مَا بيَّن لَهُم رَبهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَيُقَال أقرُّوا بجملة الْكتب وَالرسل من رَبهم ﴿لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ﴾ بالمطر ﴿وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ بالنبات وَالثِّمَار ﴿مِّنْهُمْ﴾ من أهل الْكتاب ﴿أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ﴾ جمَاعَة عادلة مُسْتَقِيمَة يَعْنِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وبحيرا الراهب وَأَصْحَابه وَالنَّجَاشِي وَأَصْحَابه وسلمان الْفَارِسِي وَأَصْحَابه ﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ بئس مَا يصنعون من كتمان صفة مُحَمَّد ونعته مِنْهُم كَعْب بن الْأَشْرَف وَكَعب بن أَسد وَمَالك بن الصَّيف وَسَعِيد بن عَمْرو وَأَبُو يَاسر وجدي بن أَخطب
﴿يَا أَيهَا الرَّسُول﴾ يَعْنِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾
97
من سبّ آلِهَتهم وعيب دينهم والقتال مَعَهم والدعوة إِلَى الْإِسْلَام ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ﴾ مَا أمرت ﴿فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ كَمَا يَنْبَغِي ﴿وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس﴾ من الْيَهُود وَغَيرهم ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الْكَافرين﴾ لَا يرشد إِلَى دينه من لم يكن أَهلا لدينِهِ
98
﴿قل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿يَا أهل الْكتاب﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿لَسْتُمْ على شَيْءٍ﴾ من دين الله ﴿حَتَّى تُقِيمُواْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل﴾ حَتَّى تقروا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ من جملَة الْكتب وَالرسل ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ﴾ كفارهم ﴿مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ بِمَا أنزل إِلَيْك ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿طغيانا﴾ تماديا ﴿وَكفرا﴾ ثباتا عل الْكفْر ﴿فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافرين﴾ فَلَا تحزن على هلاكهم فِي الْكفْر إِن لم يُؤمنُوا
﴿إِنَّ الَّذين آمَنُواْ﴾ بمُوسَى وبجملة الْأَنْبِيَاء والكتب وماتوا على ذَلِك فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ ﴿وَالَّذين هَادُواْ﴾ تهودوا ﴿والصابئون﴾ يَعْنِي قوما من النَّصَارَى هم أَلين قولا من النَّصَارَى ﴿وَالنَّصَارَى﴾ نَصَارَى أهل نَجْرَان وَغَيرهم ﴿مَنْ آمَنَ﴾ يَعْنِي من الْيَهُود وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى ﴿بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَتَابَ الْيَهُودِيّ من الْيَهُودِيَّة والصابىء من الصابئة وَالنَّصَارَى من النَّصْرَانِيَّة ﴿وعَمِلَ صَالِحاً﴾ خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب ﴿وَلَا هم يَحْزَنُونَ﴾ على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا خَافَ النَّاس وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا حزن النَّاس وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم إِذا ذبح الْمَوْت وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا أطبقت النَّار
﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ﴾ إِقْرَار ﴿بني إِسْرَائِيلَ﴾ فِي التَّوْرَاة فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن لَا يشركوا بِاللَّه ﴿وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنفُسُهُمْ﴾ بِمَا لَا يُوَافق قُلُوبهم وَدينهمْ الْيَهُودِيَّة ﴿فَرِيقاً كَذَّبُواْ﴾ يَقُول كذبُوا فريقاً عِيسَى ومحمداً صلوَات الله عَلَيْهِمَا ﴿وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ﴾ يَقُول وفريقاً قتلوا زَكَرِيَّا وَيحيى
﴿وَحَسبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ بلية وَيُقَال أَن لَا تفْسد قُلُوبهم بقتل الْأَنْبِيَاء وتكذيبهم ﴿عموا﴾ عَن الْهدى ﴿وَصَمُّواْ﴾ عَن الْحق فِي الْقلب وَكَفرُوا بِاللَّه ثمَّ آمنُوا وتابوا من الْكفْر ﴿ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ﴾ تجَاوز الله عَنْهُم) ﴿ثُمَّ عَمُواْ﴾ عَن الْهدى ﴿وَصَمُّواْ﴾ عَن الْحق وَكَفرُوا ﴿كَثِيرٌ مِّنْهُمْ﴾ وماتوا على ذَلِك ﴿وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ فِي الْكفْر من قتل الْأَنْبِيَاء وتكذيبهم
﴿لقد كفر الَّذين قآلوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ﴾ وَهُوَ مقَالَة النسطورية ﴿وَقَالَ الْمَسِيح﴾ ابْن مَرْيَم ﴿يَا بني إِسْرَائِيلَ اعبدوا الله﴾ وحدوا الله ﴿رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّه﴾ ويمت عَلَيْهِ ﴿فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الْجنَّة﴾ أَن يدخلهَا ﴿وَمَأْوَاهُ﴾ مصيره ﴿النَّار وَمَا للظالمين﴾ للْمُشْرِكين ﴿من أنصار﴾ من مَانع مِمَّا يُرَاد بهم
﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذين قَالُوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ﴾ وَهِي مقَالَة المرقوسية يَقُول أَب وَابْن وروح قدس ﴿وَمَا مِنْ إِلَه﴾ لأهل السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿إِلاَّ إِلَه وَاحِدٌ﴾ لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ ﴿وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ﴾ يَقُول وَإِن لم يتوبوا من مقالتهم يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿لَيَمَسَّنَّ﴾ ليصيبن ﴿الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم
﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى الله﴾ من مقالتهم ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾ يوحدونه ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ وآمن ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿مَّا الْمَسِيح ابْن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ﴾ مُرْسل ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ قد مَضَت ﴿مِن قَبْلِهِ الرُّسُل وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ شبه نَبِي ﴿كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَام﴾ كَانَا عَبْدَيْنِ يأكلان الطَّعَام ﴿انْظُر﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَات﴾ العلامات بِأَن عِيسَى وَمَرْيَم لم يَكُونَا بإلهين ﴿ثُمَّ انْظُر﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَنى يُؤْفَكُونَ﴾ كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ الْأَصْنَام ﴿مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً﴾ مَا لَا يقدر لكم على دفع الضَّرَر فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة ﴿وَلاَ نَفْعاً﴾ يَقُول وَلَا جر النَّفْع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وَالله هُوَ السَّمِيع﴾ لمقالتكم فِي عِيسَى وَأمه ﴿الْعَلِيم﴾ بعقوبتكم
﴿قل يَا أهل الْكتاب﴾ يعْنى أهل نَجْرَان ﴿لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ لَا تشددوا فِي دينكُمْ ﴿غَيْرَ الْحق﴾ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَق ﴿وَلاَ تتبعوا أَهْوَآءَ قَوْمٍ﴾ دين قوم ومقالة قوم ﴿قَدْ ضَلُّواْ﴾ عَن الْهدى ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبلكُمْ وهم الرؤساء السَّيِّد وَالْعَاقِب ﴿وَأَضَلُّواْ كَثِيراً﴾ عَن الْحق وَالْهدى ﴿وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السَّبِيل﴾ عَن قصد طَرِيق الْهدى
﴿لُعِنَ﴾ مسخ ﴿الَّذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ على لِسَان دَاوُد﴾ بِدُعَاء دَاوُد صَارُوا قردة ﴿وَعِيسَى ابْن مَرْيَمَ﴾ وبدعاء عِيسَى ابْن مَرْيَم صَارُوا خنازير ﴿ذَلِك﴾ اللَّعْنَة ﴿بِمَا عَصَوْا﴾ فِي السبت وَأكل الْمَائِدَة ﴿وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾ بقتل الْأَنْبِيَاء وَاسْتِحْلَال الْمعاصِي
﴿كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ﴾ لَا يتوبون ﴿عَن مُّنكَرٍ﴾ عَن قَبِيح ﴿فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ أَي مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ من الْمعْصِيَة والاعتداء
﴿ترى كَثِيراً مِّنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين ﴿يَتَوَلَّوْنَ﴾ فِي العون والنصرة ﴿الَّذين كَفَرُواْ﴾ كَعْبًا وَأَصْحَابه وَيُقَال ترى كثيرا مِنْهُم من الْيَهُودِيَّة كَعْبًا وَأَصْحَابه يتولون الَّذين كفرُوا كفار أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ﴾ فِي الْيَهُودِيَّة والنفاق ﴿أَن سَخِطَ﴾ بِأَن سخط ﴿الله عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَاب هُمْ خَالِدُونَ﴾ لَا يموتون وَلَا يخرجُون
﴿وَلَوْ كَانُوا﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّه﴾ يصدقون بإيمَانهمْ بِاللَّه ﴿وَالنَّبِيّ﴾ مُحَمَّد ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿مَا اتخذوهم﴾ يَعْنِي الْيَهُود ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ فِي العون والنصرة ﴿وَلَكِن كثيرا مِنْهُم﴾ من أهل الْكتاب ﴿فَاسِقُونَ﴾ مُنَافِقُونَ وَيُقَال وَلَو كَانُوا يَعْنِي الْيَهُود يُؤمنُونَ بِاللَّه يقرونَ بتوحيد الله وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أنزل إِلَيْهِ يَعْنِي الْقُرْآن مَا اتخذوهم يَعْنِي أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه أَوْلِيَاء فِي العون والنصرة وَلَكِن كثيرا مِنْهُم من أهل الْكتاب فَاسِقُونَ كافرون
ثمَّ بَين عداوتهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالَ ﴿لَتَجِدَنَّ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَشَدَّ النَّاس عَدَاوَةً﴾ وأقبح قولا ﴿لِّلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ﴿الْيَهُود﴾ يَعْنِي يهود بني قُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر ﴿وَالَّذين أَشْرَكُواْ﴾ وَأَشد الَّذين أشركوا مشركو أهل مَكَّة ﴿وَلَتَجِدَنَّ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً﴾ صلَة وألين قولا ﴿لِّلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ﴿الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾ يَعْنِي النَّجَاشِيّ أَصْحَابه وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ رجلا وَيُقَال أَرْبَعُونَ رجلا اثْنَان وَثَلَاثُونَ رجلا من الْحَبَشَة وَثَمَانِية نفر من رُهْبَان الشَّام بحيرا الراهب وَأَصْحَابه أَبْرَهَة وأشرف وَإِدْرِيس وَتَمِيم وَتَمام ودريد وأيمن ﴿ذَلِك﴾ الْمَوَدَّة ﴿بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ﴾ متعبدين محلقة أوساط رؤوسهم ﴿وَرُهْبَانًا﴾ أَصْحَاب الصوامع علماءهم ﴿وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَن الْإِيمَان بِمُحَمد وَالْقُرْآن
﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى الرَّسُول﴾ قِرَاءَة مَا أنزل إِلَى الرَّسُول من جَعْفَر بن أبي طَالب ﴿ترى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ﴾ تسيل ﴿مِنَ الدمع مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحق﴾ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي كِتَابهمْ ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿آمَنَّا﴾ بك وبكتابك وبرسولك مُحَمَّدًا ﴿فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين﴾
99
فاجعلنا من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين آمنُوا
100
فَلَامَهُمْ قَومهمْ بذلك فَقَالُوا ﴿وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّه وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحق﴾ يَقُول وَبِمَا جَاءَنَا من الْحق من الْكتاب وَالرَّسُول ﴿وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا﴾ فِي الْآخِرَة الْجنَّة ﴿مَعَ الْقَوْم الصَّالِحين﴾ مَعَ صالحي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿فَأَثَابَهُمُ الله﴾ فَأوجب الله لَهُم ﴿بِمَا قَالُواْ﴾ بتوحيدهم بالطوع ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار المَاء وَاللَّبن وَالْخمر وَالْعَسَل ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿وَذَلِكَ﴾ الَّذِي ذكرت ﴿جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ الْمُوَحِّدين وَيُقَال الْمُحْسِنِينَ بالْقَوْل وَالْفِعْل
﴿وَالَّذين كَفَرُواْ﴾ بِاللَّه ﴿وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيم﴾ أهل النَّار
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي عشرَة نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق وَعمر وَعلي وَعبد الله بن مَسْعُود وَعُثْمَان بن مَظْعُون الجُمَحِي ومقداد بن الْأسود الْكِنْدِيّ وَسَالم مولى أبي حُذَيْفَة بن عتبَة وسلمان الْفَارِسِي وَأَبُو ذَر وعمار بن يَاسر توافقوا فِي بَيت عُثْمَان بن مَظْعُون أَن لَا يَأْكُلُوا وَلَا يشْربُوا إِلَّا قوتاً وَلَا يأووا بَيْتا وَلَا يَأْتُوا النِّسَاء وَلَا يَأْكُلُون لَحْمًا وَلَا دسماً وَأَن يجبوا أنفسهم فنهاهم الله عَن ذَلِك وَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ﴾ من الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع ﴿وَلاَ تَعْتَدوا﴾ بِقطع المذاكير ﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام فِي الْمثلَة
﴿وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلاَلاً طَيِّباً﴾ من الطَّعَام وَالشرَاب ﴿وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ فِي الْمثلَة وَتَحْرِيم مَا أحل الله لكم
﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ بكفارة أَيْمَانكُم بِاللَّغْوِ ﴿وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَان﴾ بضمير قُلُوبكُمْ بالأيمان ﴿فَكَفَّارَتُهُ﴾ كَفَّارَة الْيَمين الَّتِي لَيست بلغُوا ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ﴾ من أعدل ﴿مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ من الْخبز والأدم تغدونهم وتعشونهم ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ أَو كسْوَة عشرَة مَسَاكِين بِقدر مَا يواري بِهِ عورتهم ملحفة أَو قَمِيصًا أَو إزاراً ﴿أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ كَيْفَمَا يكون ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة شَيْئا ﴿فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ﴾ تتابعاً ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ﴾ ثمَّ حنثتم ﴿واحفظوا أَيْمَانَكُمْ﴾ لفظ أَيْمَانكُم وَكَفَّارَة أَيْمَانكُم ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يبين الله لكم آيَاته﴾ أمره وَنَهْيه كَمَا بيَّن كَفَّارَة الْيَمين ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكَي تشكروا بَيَانه فِي الْأَمر وَالنَّهْي
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِنَّمَا الْخمر﴾ الشَّرَاب الَّذِي خامر الْعقل ﴿وَالْميسر﴾ الْقمَار كُله ﴿والأنصاب﴾ عبَادَة الْأَوْثَان ﴿والأزلام﴾ اسْتِعْمَال الْقدح ﴿رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَان﴾ حرَام بِأَمْر الشَّيْطَان ووسوسته ﴿فَاجْتَنبُوهُ﴾ فاتركوه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب وتأمنوا فِي الْآخِرَة
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر﴾ إِذا صرتم نشاوى ﴿وَالْميسر﴾ وَهُوَ الْقمَار إِذا ذهب مالكم ﴿وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله﴾ يَقُول ويصرفكم الْخمر عَن طَاعَة الله ﴿وَعَنِ الصَّلَاة﴾ يَقُول يصدكم عَن الصَّلَوَات الْخمس ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ أَفلا تنتهون
﴿وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُول﴾ فِي تَحْرِيم الْخمر ﴿واحذروا﴾ فِي تحليلها أَو شربهَا
100
﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ عَن طاعتهما فِي تَحْرِيم الْخمر ﴿فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا﴾ مُحَمَّد ﴿الْبَلَاغ﴾ التَّبْلِيغ عَن الله ﴿الْمُبين﴾ بلغَة تعلمونها
101
ثمَّ نزل فِي رجال من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار لقَولهم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ حَال الَّذين مَاتُوا منا على شرب الْخمر قبل التَّحْرِيم فَأنْزل الله فيهم ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿جُنَاحٌ﴾ مأثم ﴿فِيمَا طعموا﴾ شربوا وَهَذَا فِيمَن شرب من الْأَحْيَاء والأموات قبل التَّحْرِيم ﴿إِذَا مَا اتَّقوا﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش ﴿وَآمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ﴾ يَعْنِي الْأَحْيَاء تَحْلِيل الْخمر بعد تَحْرِيمهَا وآمنوا بتحريمها ﴿ثُمَّ اتَّقَواْ﴾ شربهَا ﴿وَّأَحْسَنُواْ﴾ تركُوا شربهَا ﴿وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فِي ترك شربهَا وَهَذَا فِيمَن شرب من الْأَحْيَاء قبل الْبَيَان
ثمَّ نزل فِي تَحْرِيم الصَّيْد عَام الْحُدَيْبِيَة فَقَالَ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ بِمُحَمد وَالْقُرْآن ﴿لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْد﴾ يَقُول ليختبرنكم بصيد الْبر ﴿تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ﴾ إِلَى فِرَاخه وبيضه ﴿وَرِمَاحُكُمْ﴾ إِلَى الْوَحْش عَام الْحُدَيْبِيَة ﴿لِيَعْلَمَ الله﴾ لكَي يرى الله ﴿مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ﴾ فَيتْرك الصَّيْد ﴿فَمَنِ اعْتدى﴾ مُتَعَمدا ﴿بَعْدَ ذَلِك﴾ بعد مَا حكم عَلَيْهِ بالجزاء وَبَين ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ضرب وجيع يمْلَأ ظَهره وبطنه ضربا وجيعا
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ أَو فِي الْحرم ﴿وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابي الْيُسْر ابْن عَمْرو قتل صيدا مُتَعَمدا بقتْله نَاسِيا لإحرامه فَأنْزل الله فِيهِ وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا بقتْله نَاسِيا لإحرامه ﴿فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ﴾ يقومه عَلَيْهِ حكمان ﴿هَدْياً﴾ فيشتري بِهِ هَديا ﴿بَالِغَ الْكَعْبَة﴾ يبلغ بِهِ الْكَعْبَة ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ﴾ يَقُول أَو يقوم عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِم بِالطَّعَامِ فيطعم بِهِ مَسَاكِين أهل مَكَّة ﴿أَو عَدْلُ ذَلِك صِيَاماً﴾ يَقُول إِن لم يجد الطَّعَام يقوم عَلَيْهِ مَكَان نصف صَاع صَوْم يَوْم ﴿لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ عُقُوبَة أمره ﴿عَفَا الله عَمَّا سَلَف﴾ قبل التَّحْرِيم ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ بعد مَا حكم عَلَيْهِ وَضرب ضربا وجيعاً فِي الدُّنْيَا ﴿فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ﴾ فَيتْرك حَتَّى ينْتَقم الله مِنْهُ ﴿وَالله عَزِيزٌ﴾ بالنقمة ﴿ذُو انتقام﴾ ذُو عُقُوبَة
﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر﴾ نزلت فِي قوم من بني مُدْلِج كَانُوا أهل صيد الْبَحْر سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن طَعَام الْبَحْر وَعَما حسر الْبَحْر عَنهُ فَأنْزل الله أحل لكم صيد الْبَحْر ﴿وَطَعَامُهُ﴾ يَعْنِي مَا حسر عَنهُ المَاء وألقاه ﴿مَتَاعاً لَّكُمْ﴾ مَنْفَعَة لكم ﴿وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ مارّي طَرِيق المالح ﴿وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبر مَا دُمْتُمْ حُرُماً﴾ أَو فِي الْحرم ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله ﴿الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فِيمَا حرم عَلَيْكُم من الصَّيْد فِي الْإِحْرَام وَالْحرم
﴿جَعَلَ الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَاماً﴾ أمنا وقواماً ﴿لِّلنَّاسِ﴾ فِي الْعِبَادَة ﴿والشهر الْحَرَام﴾ أمنا ﴿وَالْهَدْي﴾ وَهُوَ الَّذِي يهدى إِلَى الْبَيْت أمنا للرفقة الَّتِي الْهَدْي فِيهَا ﴿والقلائد﴾ أمنا وَهِي الَّتِي عَلَيْهَا قلادة من لحى شجر الْحرم جعلهَا الله أمنا للرفقة الَّتِي هِيَ فِيهَا ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿لِتَعْلَمُوا﴾ لكَي تعلمُوا ﴿أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات﴾ بصلاح مَا فِي السَّمَوَات ﴿وَمَا فِي الأَرْض وَأَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من صَلَاحهَا وَصَلَاح أَهلهَا ﴿عَلِيمٌ﴾
﴿اعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب﴾ لمن اسْتحلَّ مَا حرم الله ﴿وَأَنَّ الله غَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ
﴿مَّا عَلَى الرَّسُول إِلاَّ الْبَلَاغ﴾ عَن الله
101
﴿وَالله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ تظْهرُونَ من الْخَيْر وَالشَّر ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال وَالله يعلم مَا تبدون تظْهرُونَ فِيمَا بَيْنكُم وَمَا تكتمون تسرون بَعْضكُم عَن بعض بِأخذ مَال شُرَيْح ﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لأهل السَّرْح الَّذِي سَاق شُرَيْح
102
﴿لاَّ يَسْتَوِي الْخَبيث﴾ الْحَرَام مَال شُرَيْح ﴿وَالطّيب﴾ الْحَلَال الَّذِي سَاق شُرَيْح ﴿وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبيث﴾ الْحَرَام ﴿فَاتَّقُوا الله﴾ فاخشوا الله فِي أَخذ الْحَرَام ﴿يَا أولي الْأَلْبَاب﴾ يَا أهل اللب وَالْعقل ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكَي تنجوا من السخطة وَالْعَذَاب
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ نزلت فِي حَارِث بن يزِيد سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نزل ﴿ولِلَّهِ عَلَى النَّاس حَجُّ الْبَيْت﴾ فَقَالَ أَفِي كل عَام يَا رَسُول الله فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ ﴿لاَ تَسْأَلُواْ﴾ نَبِيكُم ﴿عَنْ أَشْيَآءَ﴾ قد عَفا الله عَنْهَا ﴿إِن تُبْدَ لَكُمْ﴾ تُؤمر لكم ﴿تَسُؤْكُمْ﴾ ساءكم ذَلِك ﴿وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا﴾ عَن الْأَشْيَاء الَّتِي قد عَفا الله عَنْهَا ﴿حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآن﴾ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿تُبْدَ لَكُمْ﴾ تُؤمر لكم ﴿عَفَا الله عَنْهَا﴾ عَن مسئلتكم ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ ﴿حَلِيمٌ﴾ عَن جهلكم
﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ﴾ نَبِيّهم أَشْيَاء ﴿ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ﴾ فَلَمَّا بيَّن لَهُم نَبِيّهم صَارُوا بهَا كَافِرين
﴿مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ﴾ يَقُول مَا حرم الله بحيرة وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حامياً فَأَما الْبحيرَة فَمن الْإِبِل كَانُوا إِذا نتجت النَّاقة خَمْسَة أبطن نظرُوا فِي الْبَطن الْخَامِس فَإِن كَانَت سقباً والسقب الذّكر نحروه فَأَكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا وَإِن كَانَت أُنْثَى شَقوا أذنها فَتلك الْبحيرَة وَكَانَ لَبنهَا ومنافعها للرِّجَال خَاصَّة دون النِّسَاء حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت اشْترك فِي أكلهَا الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما السائبة فَكَانَ الرجل يسيب من مَاله مَا يَشَاء من الْحَيَوَان وَغَيره فَيَجِيء بِهِ إِلَى السَّدَنَة والسدنة خَزَنَة آلِهَتهم فيدفعه إِلَيْهِم فيقبضونه مِنْهُ فيطعمون مِنْهُ أَبنَاء السَّبِيل الرِّجَال دون النِّسَاء ويطعمون مِنْهُ لآلهتهم الذُّكُور دون الْإِنَاث حَتَّى يَمُوت إِن كَانَ حَيَوَانا فَإِذا مَاتَ اشْترك فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما الوصيلة فَهِيَ الشَّاة كَانَت إِذا ولدت سَبْعَة أبطن عَمدُوا إِلَى الْبَطن السَّابِع فَإِذا كَانَ ذكرا ذبحوه فَأَكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا وَإِن كَانَ أُنْثَى لم تنْتَفع النِّسَاء مِنْهَا بِشَيْء حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت كَانَ الرِّجَال وَالنِّسَاء يأكلونها جَمِيعًا وَإِن كَانَ ذكرا وَأُنْثَى بِبَطن وَاحِد قيل وصلت أخاها فيتركان مَعَ إخوتها فَلَا يذبحان وَكَانَا للرِّجَال دون النِّسَاء حَتَّى يموتا فَإِذا مَاتَا اشْترك فِي أكلهما الرِّجَال وَالنِّسَاء وَأما الحام فَهُوَ الْفَحْل إِذا ركب ولد وَلَده قيل حمى ظَهره فَيتْرك وَلَا يحمل عَلَيْهِ شَيْء وَلَا يركب وَلَا يمْنَع من مَاء وَلَا رعي وَأَيّمَا إبل أَتَاهَا يضْرب فِيهَا لم يخل بَينه وَبَينهَا فَإِذا أدْركهُ الْهَرم أَو مَاتَ أكله الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا فَذَاك قَوْله تَعَالَى ﴿مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ﴾ ﴿وَلَكِن الَّذين كَفَرُواْ﴾ يَعْنِي عَمْرو بن لحي وَأَصْحَابه ﴿يَفْتَرُونَ﴾ يختلقون ﴿على الله الْكَذِب﴾ فِي تَحْرِيمهَا ﴿وَأَكْثَرُهُمْ﴾ كلهم ﴿لاَ يَعْقِلُونَ﴾ أَمر الله وتحليله وتحريمه
﴿وَإِذا قيل لَهُم﴾ قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمشركى أهل مَكَّة ﴿تَعَالَوْاْ إِلَى مَآ أَنزَلَ الله﴾ إِلَى تَحْلِيل مَا بيَّن الله فِي الْقُرْآن ﴿وَإِلَى الرَّسُول﴾ وَإِلَى مَا بيَّن لكم الرَّسُول من التَّحْلِيل ﴿قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ﴾ من التَّحْرِيم ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ﴾ وَقد كَانَ آباؤهم ﴿لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾ من التَّوْحِيد وَالدين ﴿وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾ لسنة نَبِي وَيُقَال أَو لَيْسَ كَانَ آباؤهم لَا يعلمُونَ شَيْئا من
102
الدّين وَلَا يَهْتَدُونَ لسنة النَّبِي فَكيف هم يقتدون بهم
103
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ أَقبلُوا على أَنفسكُم ﴿لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ﴾ ضَلَالَة من ضل ﴿إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ إِلَى الْإِيمَان وبينتم ضلالتهم ﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ﴾ بعد الْمَوْت ﴿جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ﴾ يُخْبِركُمْ ﴿بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر نزلت هَذِه الْآيَة من قَوْله عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ إِلَى هَهُنَا فِي مُشْركي أهل مَكَّة حِين قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْكتاب الْجِزْيَة وَلم يقبل مِنْهُم وَقد بيّنت قصَّة هَذَا فِي سُورَة الْبَقَرَة
﴿يِا أَيُّهَا الَّذين آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ عَلَيْكُم بِالشَّهَادَةِ فِيمَا يكون بَيْنكُم فِي السّفر والحضر ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت حِينَ الْوَصِيَّة﴾ عِنْد وَصِيَّة الْمَيِّت ﴿اثْنَان﴾ فليشهد شَاهِدَانِ ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ﴾ من أحراركم حران وَيُقَال من قومكم ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ من غير أهل دينكُمْ وَيُقَال من غير قومكم ثمَّ ذكر السّفر وَترك الْحَضَر فَقَالَ ﴿إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ﴾ سِرْتُمْ وسافرتم ﴿فِي الأَرْض فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْت﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَلَاث نفر اصطحبوا فِي التِّجَارَة إِلَى الْبَلَد بلد الشَّام فَمَاتَ أحدهم بِالْبَلَدِ يُقَال لَهُ بديل بن أبي مَارِيَة مولى عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ مُسلما فأوصى صَاحِبيهِ عدي بن بداء وَتَمِيم ابْن أَوْس الدَّارِيّ وَكَانَا نَصْرَانِيين فخانا فِي الْوَصِيَّة فَقَالَ الله لأولياء الْمَيِّت ﴿تَحْبِسُونَهُمَا﴾ يَعْنِي النصرانيين ﴿مِن بَعْدِ الصَّلَاة﴾ صَلَاة الْعَصْر ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّه﴾ فيحلفان بِهِ ﴿إِنِ ارتبتم﴾ إِن شَكَكْتُمْ يَا أَوْلِيَاء الْمَيِّت إِن المَال أَكثر مِمَّا أَتَيَا بِهِ ﴿لاَ نَشْتَرِي بِهِ﴾ وليقولا لَا نشتري بِالْيَمِينِ ﴿ثَمَناً﴾ عوضا يَسِيرا من الدُّنْيَا ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قربى﴾ وَلَو كَانَ الْمَيِّت ذَا قرَابَة منا فِي الرَّحِم ﴿وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله﴾ وليقولا لَا نكتم شَهَادَة الله عندنَا إِذا سئلنا ﴿إِنَّآ﴾ إِن كتمنا ﴿إِذَاً﴾ حِينَئِذٍ ﴿لَّمِنَ الآثمين﴾ العاصين فَتبين بعد مَا حلفا خيانتهما وَعلم بذلك أَوْلِيَاء الْمَيِّت فَقَالَ الله
﴿فَإِنْ عُثِرَ﴾ فَإِن اطلع ﴿على أَنَّهُمَا﴾ يَعْنِي النصرانيين ﴿استحقآ﴾ استوجبا ﴿إِثْماً﴾ خِيَانَة ﴿فَآخَرَانِ﴾ وليان من أَوْلِيَاء الْمَيِّت وهما عَمْرو بن الْعَاصِ ومطلب بن أبي ودَاعَة ﴿يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا﴾ مقَام النصرانيين ﴿مِنَ الَّذين اسْتحق عَلَيْهِمُ﴾ الْخِيَانَة يَعْنِي النصرانيين وَيُقَال من الَّذين استكتم المَال مِنْهُمَا يَعْنِي من أَوْلِيَاء الْمَيِّت ﴿الأوليان﴾ بِالْمَالِ مقدم ومؤخر ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّه﴾ فيحلفان بِاللَّه أَي أَوْلِيَاء الْمَيِّت إِن المَال أَكثر مِمَّا أَتَيَا بِهِ ﴿لَشَهَادَتُنَا﴾ شَهَادَة الْمُسلمين ﴿أَحَقُّ﴾ اصدق (مِن شَهَادَتِهِمَا) شَهَادَة النصرانيين ﴿وَمَا اعتدينآ﴾ وليقولا وَمَا اعتدينا فِيمَا أدعينا ﴿إِنَّا إِذاً﴾ إِن اعتدينا فِيمَا أدعينا ﴿لَّمِنَ الظَّالِمين﴾ الضارين الْكَاذِبين
﴿ذَلِك أدنى﴾ أَحْرَى وأجدر ﴿أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ﴾ يَعْنِي النصرانيين ﴿على وَجْهِهَآ﴾ كَمَا كَانَت ﴿أَوْ يخَافُوا﴾ أَو يخافا النصرانيان ﴿أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ﴾ أيمانهما ﴿بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ بعد شَهَادَة الرجلَيْن الْمُسلمين فَلَا يكتمان ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِي أَمَانَته ﴿واسمعوا﴾ مَا تؤمرون بِهِ وَأَطيعُوا الله ﴿وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقين﴾ لَا يرشد العاصين الْكَاذِبين الْكَافرين إِلَى دينه وحجته من لم يكن أَهلا لذَلِك
﴿يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرُّسُل﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَيَقُولُ﴾ لَهُم فِي بعض المواطن فِي وَقت الدهشة ﴿مَاذَآ أُجِبْتُمْ﴾ مَاذَا أجابكم الْقَوْم ﴿قَالُواْ﴾ من شدَّة الْمَسْأَلَة وهول ذَلِك الموطن ﴿لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب﴾ بِمَا غَابَ عَنَّا من إِجَابَة الْقَوْم ثمَّ يجيبون بعد ذَلِك فَيَشْهَدُونَ على قَومهمْ بالبلاغ
﴿إِذْ قَالَ الله﴾ قد قَالَ الله ﴿يَا عِيسَى ابْن مَرْيَمَ اذكر نِعْمَتِي﴾
103
احفظ منتي ﴿عَلَيْكَ﴾ بِالنُّبُوَّةِ ﴿وعَلى وَالِدَتِكَ﴾ بِالْإِسْلَامِ وَالْعِبَادَة ﴿إِذْ أَيَّدتُّكَ﴾ أعنتك ﴿بِرُوحِ الْقُدس﴾ بِجِبْرِيل المطهر لقنك وأعانك فِي تكليم النَّاس ﴿تُكَلِّمُ النَّاس فِي المهد﴾ فِي الْحجر والسرير بِأبي عبد الله ومسيحه ﴿وَكَهْلاً﴾ وأعانك بعد ثَلَاثِينَ سنة بِأَنِّي رَسُول الله إِلَيْكُم ﴿وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكتاب﴾ كتب الْأَنْبِيَاء وَيُقَال الْخط بالقلم ﴿وَالْحكمَة﴾ حِكْمَة الْحُكَمَاء وَيُقَال الْحَلَال وَالْحرَام ﴿والتوراة﴾ وعلمتك التَّوْرَاة فِي بطن أمك ﴿وَالْإِنْجِيل﴾ بعد خُرُوجك ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ﴾ تصور ﴿مِنَ الطين كَهَيْئَةِ الطير﴾ شبه الطير وَهُوَ الخفاش ﴿بِإِذْنِي﴾ بأَمْري ﴿فَتَنفُخُ فِيهَا﴾ كنفخ النَّائِم ﴿فَتَكُونُ طَيْراً﴾ فَتَصِير طيراً تطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ﴿بِإِذْنِي﴾ بأَمْري وإرادتي ﴿وَتُبْرِئُ﴾ تصحح ﴿الأكمه﴾ الَّذِي يُولد أعمى ﴿والأبرص بِإِذْنِي﴾ بأَمْري وإرادتي وقدرتي ﴿وَإِذْ تُخْرِجُ﴾ تحيي ﴿الْمَوْتَى بِإِذْنِيِ﴾ بإرادتي وإحيائي ﴿وَإِذْ كَفَفْتُ﴾ منعت ﴿بني إِسْرَائِيل عَنْك﴾ إِذْ هُوَ اتقبلك ﴿إِذْ جِئْتَهُمْ﴾ حَيْثُ جئتهم ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب الَّتِي أريتهم ﴿فَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ﴾ من بني إِسْرَائِيل ﴿إِنْ هَذَا﴾ مَا هَذَا الَّذِي يرينا عِيسَى ﴿إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ظَاهر وَإِن قَرَأت سَاحر مُبين أَرَادوا بِهِ عِيسَى
104
﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين﴾ ألهمت الحواريين القصارين وهم اثْنَا عشر رجلا ﴿أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي﴾ عِيسَى ﴿قَالُوا آمَنَّا﴾ بك وبرسولك عِيسَى ﴿واشهد﴾ أَنْت يَا عِيسَى وَشهد بَعضهم على بعض ﴿بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد
﴿إِذْ قَالَ الحواريون﴾ الأصفياء يَعْنِي شَمْعُون الصفي ﴿يَا عِيسَى ابْن مَرْيَمَ﴾ يَقُول لَك قَوْمك ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ هَل يفعل رَبك وَإِن قَرَأت بِالتَّاءِ وَنصب الْيَاء تَقول هَل تَسْتَطِيع أَن تَدْعُو رَبك ﴿أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً﴾ طَعَاما ﴿مِّنَ السمآء قَالَ﴾ عِيسَى لشمعون قل لَهُم ﴿اتَّقوا الله﴾ اخشوا الله ﴿إِن كُنتُم﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾ موقنين فلعلكم تتركون شكرها فيعذبكم فَقَالَ لَهُم ذَلِك شَمْعُون
﴿قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾ بِمَا ترينا من الْعَجَائِب ﴿وَنَعْلَمَ﴾ ونستيقن ﴿أَن قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ مَا تَقول ﴿وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدين﴾ إِذا رَجعْنَا إِلَى قَومنَا
﴿قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء﴾ طَعَاما من السَّمَاء وَيُقَال بركَة الطَّعَام وَكَانَ مَعَهم شَيْء من الطَّعَام ﴿تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا﴾ لأهل زَمَاننَا ﴿وآخرنا﴾ لمن خلفنا لكَي نعبدك فِيهَا وَكَانَ يَوْم الْأَحَد ﴿وَآيَةً مِّنْكَ﴾ لمن آمن وَحجَّة على من كفر ﴿وارزقنا﴾ أعطنا مَا سألناك ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين﴾ أفضل المطعمين
﴿قَالَ الله﴾ لعيسى قل لَهُم ﴿إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ﴾ مَا سَأَلْتُم ﴿فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ﴾ بعد النُّزُول وَالْأكل ﴿مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالمين﴾ عالمي زمانهم أمسخه خنزيراً قَالُوا بعد النُّزُول وَالْأكل هَذَا سحر مُبين كذب بيِّن قَالَ عِيسَى إِن تُعَذبهُمْ على هَذِه الْمقَالة الَّتِي استحقوا عَلَيْهَا الْهَلَاك فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم تتب عَلَيْهِم وتتجاوز عَنْهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز بالنقمة لمن لم يتب الْحَكِيم بالمغفرة لمن تَابَ مقدم ومؤخر
﴿وَإِذْ قَالَ الله﴾ يَقُول الله يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَا عِيسَى ابْن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿اتخذوني وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ الله قَالَ﴾ يَقُول عِيسَى ﴿سُبْحَانَكَ﴾ نزه ربه ﴿مَا يَكُونُ﴾ يَقُول مَا كَانَ يَنْبَغِي وَمَا يجوز ﴿لي أَنْ أَقُولَ﴾ لَهُم ﴿مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ بجائز ﴿إِن كُنتُ قُلْتُهُ﴾ لَهُم ﴿فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي﴾
104
مَا كَانَ مني لَهُم من الْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ مَا كَانَ مِنْك لَهُم من الخذلان والتوفيق ﴿إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب﴾ مَا غَابَ عَن الْعباد
105
﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿إِلاَّ مَآ أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله﴾ وحادوا الله وأطيعوه ﴿رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾ هُوَ رَبِّي وربكم ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً﴾ بالبلاغ ﴿مَّا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ مَا كنت فيهم ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي﴾ رفعته من بَينهم ﴿كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ الحفيظ والشهيد عَلَيْهِم ﴿وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من مَقَالَتي ومقالتهم ﴿شَهِيدٌ﴾ عليم قَالَ عِيسَى
﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز الْحَكِيم﴾ قد فسرتها فِي التَّقْدِيم
﴿قَالَ الله﴾ سَيَقُولُ الله ﴿هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقين صِدْقُهُمْ﴾ وَالْمُؤمنِينَ إِيمَانهم والمبلغين تبليغهم والموفين وفاؤهم ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا وسررها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار المَاء وَاللَّبن وَالْخمر وَالْعَسَل ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿أَبَداً رَّضِيَ الله عَنْهُمْ﴾ بإيمَانهمْ وعملهم ﴿وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ بالثواب والكرامة ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت من الخلود والرضوان ﴿الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من عَذَاب النَّار
﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات وَالثِّمَار وَغير ذَلِك ﴿وَمَا فِيهِنَّ﴾ من الْخلق والعجائب ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب ﴿قَدِيرٌ﴾ فاحمدوا الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْأَنْعَام وَهِي مَكِّيَّة نزلت جملَة وَاحِدَة غير خمس آيَات مِنْهَا مدنيات ﴿قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم﴾ إِلَى آخر الثَّلَاثَة وَقَوله ﴿وَمَا قدرُوا الله﴾ إِلَى آخِره وَقَوله ﴿وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا﴾ إِلَى آخر الْآيَة هَؤُلَاءِ خمس آيَات نزلت بِالْمَدِينَةِ آياتها مائَة وست وَعِشْرُونَ وكلماتها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسُونَ وحروفها اثْنَا عشر ألفا وَأَرْبَعمِائَة وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
سورة المائدة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

إنَّ شأنَ هذه السورةِ عظيمٌ كشأنِ أخواتِها السَّبْعِ الطِّوال؛ لِما اشتملت عليه من أحكامٍ كثيرة؛ فقد بُدِئت بالأمرِ بالوفاء بالعقود والالتزام بالمواثيق، واشتملت على ذِكْرِ المُحرَّمات من الأطعمة، وجاءت على ذكرِ عقوبة الحِرابةِ والسرقة، وغيرِها من الأحكام التي تُوضِّحُ المعاملاتِ بين الناس؛ استكمالًا لشرائعِ الله، كما ذكَرتْ قصَّةَ بني إسرائيل وطلَبِهم المائدةَ، وخُتِمتْ بالحوارِ الذي يَجري بين الله وبين عيسى عليه السلام لإقامةِ الحُجَّةِ على بني إسرائيلَ، ولعلَّ ما صحَّ في الحديثِ مِن أنَّ الدابَّةَ لم تستطِعْ تحمُّلَها وقتَ نزولِها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كان لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ وتشريعات.

ترتيبها المصحفي
5
نوعها
مدنية
ألفاظها
2837
ترتيب نزولها
112
العد المدني الأول
122
العد المدني الأخير
122
العد البصري
123
العد الكوفي
120
العد الشامي
122

* قوله تعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما: «أنَّ امرأةً سرَقتْ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، فجاءَ بها الذين سرَقتْهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذه المرأةَ سرَقتْنا، قال قومُها: فنحن نَفدِيها - يعني أهلَها -، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اقطَعُوا يدَها»، فقالوا: نحن نَفدِيها بخَمْسِمائةِ دينارٍ، قال: «اقطَعُوا يدَها»، قال: فقُطِعتْ يدُها اليمنى، فقالت المرأةُ: هل لي مِن توبةٍ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «نَعم، أنتِ اليومَ مِن خطيئتِكِ كيَوْمَ ولَدَتْكِ أمُّكِ»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل في سورةِ المائدةِ: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: 39] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٦٥٧).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلظَّٰلِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «مُرَّ على النبيِّ ﷺ بيهوديٍّ مُحمَّمًا مجلودًا، فدعَاهم ﷺ، فقال: «هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكم؟!»، قالوا: نَعم، فدعَا رجُلًا مِن علمائِهم، فقال: «أنشُدُك باللهِ الذي أنزَلَ التَّوراةَ على موسى؛ أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكم؟!»، قال: لا، ولولا أنَّك نشَدتَّني بهذا لم أُخبِرْك، نجدُه الرَّجْمَ، ولكنَّه كثُرَ في أشرافِنا، فكنَّا إذا أخَذْنا الشريفَ ترَكْناه، وإذا أخَذْنا الضعيفَ أقَمْنا عليه الحدَّ، قلنا: تعالَوْا فَلْنجتمِعْ على شيءٍ نُقِيمُه على الشريفِ والوضيعِ، فجعَلْنا التَّحْميمَ والجَلْدَ مكانَ الرَّجْمِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اللهمَّ إنِّي أوَّلُ مَن أحيا أمرَك إذ أماتوه»، فأمَرَ به فرُجِمَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ‌اْلرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ اْلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي اْلْكُفْرِ﴾ [المائدة: 41]  إلى قولِه: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ﴾ [المائدة: 41]، يقولُ: ائتُوا محمَّدًا ﷺ، فإن أمَرَكم بالتَّحْميمِ والجَلْدِ فخُذُوه، وإن أفتاكم بالرَّجْمِ فاحذَرُوا؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلظَّٰلِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]؛ في الكفَّارِ كلُّها». أخرجه مسلم (١٧٠٠).

* قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ﴾ [المائدة: 93]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «كنتُ ساقيَ القومِ في منزلِ أبي طَلْحةَ، وكان خَمْرُهم يومئذٍ الفَضِيخَ، فأمَرَ رسولُ اللهِ ﷺ مناديًا ينادي: ألَا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمتْ، قال: فقال لي أبو طَلْحةَ: اخرُجْ، فأهرِقْها، فخرَجْتُ فهرَقْتُها، فجَرَتْ في سِكَكِ المدينةِ، فقال بعضُ القومِ: قد قُتِلَ قومٌ وهي في بطونِهم؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ﴾ [المائدة: 93] الآيةَ». أخرجه البخاري (٢٤٦٤).

* قوله تعالى: ﴿لَا تَسْـَٔلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «خطَبَ رسولُ اللهِ ﷺ خُطْبةً ما سَمِعْتُ مِثْلَها قطُّ، قال: «لو تَعلَمون ما أعلَمُ، لَضَحِكْتم قليلًا، ولَبَكَيْتم كثيرًا»، قال: فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ وجوهَهم، لهم خَنِينٌ، فقال رجُلٌ: مَن أبي؟ قال: فلانٌ؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿لَا تَسْـَٔلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]». أخرجه البخاري (٤٦٢١).

* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اْلْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «خرَجَ رجُلٌ مِن بني سَهْمٍ مع تميمٍ الدَّاريِّ وعَدِيِّ بنِ بَدَّاءٍ، فماتَ السَّهْميُّ بأرضٍ ليس بها مسلمٌ، فلمَّا قَدِمَا بتَرِكَتِهِ، فقَدُوا جامًا مِن فِضَّةٍ مُخوَّصًا مِن ذهَبٍ، فأحلَفَهما رسولُ اللهِ ﷺ، ثم وُجِدَ الجامُ بمكَّةَ، فقالوا: ابتَعْناه مِن تميمٍ وعَدِيٍّ، فقام رجُلانِ مِن أوليائِهِ، فحلَفَا لَشَهادتُنا أحَقُّ مِن شَهادتِهما، وإنَّ الجامَ لِصاحبِهم، قال: وفيهم نزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اْلْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106]». أخرجه البخاري (٢٧٨٠).


سُمِّيتْ سورةُ (المائدةِ) بذلك؛ لاشتمالِها على قصَّةِ نزولِ (المائدة) على بني إسرائيلَ، كما أُطلِق عليها اسمُ سورةِ (العُقُودِ)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظِ، ولكثرةِ ما فيها من أحكامٍ ومعاملات بين الناس.

* أنَّها تُعادِلُ - مع أخواتِها السَّبْعِ الطِّوال - التَّوراةَ:

عن واثلةَ بنِ الأسقَعِ اللَّيْثيِّ أبي فُسَيلةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبْعَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبُورِ المِئينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المَثَانيَ، وفُضِّلْتُ بالمُفصَّلِ». أخرجه أحمد (١٦٩٨٢).

* لم تستطِعِ الدابَّةُ تحمُّلَ ثِقَلِها لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ:

فعن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «أُنزِلتْ على رسولِ اللهِ ﷺ سورةُ المائدةِ وهو راكبٌ على راحلتِهِ، فلم تستطِعْ أن تَحمِلَهُ، فنزَلَ عنها». أخرجه أحمد (٦٦٤٣).

* مَن أخَذها مع السَّبْعِ الطِّوالِ عُدَّ حَبْرًا:

عن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

اشتمَلتْ سورةُ (المائدةِ) على عِدَّةِ موضوعاتٍ على هذا الترتيبِ:

العهود والمواثيق مع أمَّة محمَّد عليه السلام (١-٨).

المواثيق والجزاء (٩-١٠).

البلاء وصرفُه عن المسلمين (١١).

ميثاقه مع اليهود والنصارى (١٢-١٦).

فساد عقيدة أهل الكتاب (١٧-١٩).

سُوء أدب اليهود (٢٠-٢٦).

جرائمُ وعقوبات (٢٧-٣٢).

عقوبة الحِرابة (٣٣-٣٤).

التقوى نجاة من النار (٣٥-٣٧).

حد السرقة (٣٨-٤٠).

تلاعُبُ أهل الكتاب بأحكام الله (٤١-٤٥).

رسالة عيسى عليه السلام (٤٦-٤٧).

القرآن (٤٨-٥٠).

المفاصَلة بين المسلمين وأهل الكتاب (٥١-٥٦).

الدِّين بين المستهزئين به والكارهين له (٥٧-٦٣).

سبُّ اليهود للمولى عز وجل (٦٤).

لو أنهم آمنوا (٦٥-٦٦).

عصمة الرسول (٦٧-٦٩).

طبيعة بني إسرائيل (٧٠-٧٧).

لعنة الأنبياء على الكفرة من بني إسرائيل (٧٨-٨١).

مَن يُوادُّ ويُعادي أهل الإيمان (٨٢-٨٦).

النهي عن الغلوِّ في الدِّين (٨٧-٨٨).

اليمين وكفارتها (٨٩).

خمس مُحرَّمات (٩٠-٩٦).

مِن نِعَم الله على عباده (٩٧-١٠٠).

تحريم السؤال عن ما يضر (١٠١-١٠٥).

الإشهاد والقَسَامة (١٠٦-١٠٨).

عيسى بين يَدَيِ الله تعالى في القيامة (١٠٩-١١١).

المائدة (١١٢-١١٥).

التبرؤ من التأليه (١١٦-١١٨).

كلمة الحق والختام (١١٩-١٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /290).

مِن أجلِّ مقاصدِ هذه السُّورة: إيضاحُ المعاملات بين الناس؛ لذا بدأت بالأمرِ بالوفاء بالعقود، فجاءت استكمالًا لشرائعِ الإسلام، ومِن مقاصدها بيانُ الحلال والحرام من المأكولات، وكذا حفظُ شعائرِ الله في الحجِّ والشهر الحرام، والنَّهي عن بعض المُحرَّمات من عوائدِ الجاهليَّة، وتبيين الكثير من الشرائع الأخرى.

وخُتِمتْ بمقصدٍ عظيم؛ وهو التذكيرُ بيومِ القيامة، وشَهادةُ الرُّسل على أُمَمهم، وشَهادة عيسى على النصارى، وتمجيد الله تعالى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (6 /74).