تفسير سورة المجادلة

تفسير الشافعي

تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب تفسير الشافعي
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٤٠٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تعالى :﴿ وَالذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَنْ يَّتَمَآسَّا ذَالِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَنْ يَّتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾ قال الشافعي : سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يذكر أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بثلاثة : الظهار والإيلاء والطلاق. فأقر الله تعالى الطلاق طلاقا، وحكم في الإيلاء بأن أمهل المولي أربعة أشهر، ثم جعل عليه أن يفيء أو يطلق. وحكم في الظهار بالكفارة، فإذا تظاهر الرجل من امرأته يريد طلاقها أو يريد تحريمها بلا طلاق فلا يقع به طلاق بحال وهو متظاهر، وكذلك إن تكلم بالظهار ولا ينوي شيئا فهو متظاهر لأنه متكلم بالظهار، ويلزم الظهار من لزمه الطلاق ويسقط عمن سقط عنه. وإذا تظاهر الرجل من امرأته قبل أن يدخل بها أو بعدما دخل بها فهو متظاهر، وإذا طلقها فكان لا يملك رجعتها في العدة ثم تظاهر منها لم يلزمه الظهار، وإذا طلق امرأتيه فكان يملك رجعة إحداهما ولا يملك رجعة الأخرى فتظاهر منهما في كلمة واحدة لزمه الظهار من التي يملك رجعتها ويسقط عنه من التي لا يملك رجعتها.
قال الشافعي : وإذا تظاهر من أمته أم ولد كانت، أو غير أم ولد، لم يلزمه الظهار، لأن الله عز وجل يقول :﴿ وَالذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ﴾١ وليست من نسائه، ولا يلزمه الإيلاء، ولا الطلاق فيما يلزمه الظهار.
وكذلك قال الله تبارك وتعالى :﴿ لِّلذِينَ يُولُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾٢ فلو آلى من امرأته لم يلزمه الإيلاء. وكذلك قال :﴿ وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾٣ وليست من الأزواج، فلو رماها لم يلتعن. لأنا عقلنا عن الله عز وجل أنها ليست من نسائنا، وإنما نساؤنا أزواجنا، ولو جاز أن يلزم واحدا من هذه الأحكام لزمها كلها، لأن ذكر الله عز وجل لها واحدٌ. ( الأم : ٥/٢٧٧. ون الأم : ٥/٢٧٦. ومختصر المزني : ٢٠٢-٢٠٣. )
ــــــــــــ
٤٠١- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾٤ الآية. قال الشافعي : الذي علقت٥ مما سمعت في :﴿ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ﴾ أن المتظاهر حرم مس امرأته في الظهار، فإذا أتت عليه مدة بعد القول بالظهار لم يحرمها بالطلاق الذي يحرم به، ولا شيء يكون له مخرج من أن تحرم عليه به، فقد وجب عليه كفارة الظهار. كأنهم يذهبون إلى أنه إذا أمسك ما حرمَّ على نفسه أنه حلال، فقد عاد لما قال : فخالفه فأَحَلَّ ما حرَّم. ولا أعلم له معنى أولى به من هذا، ولم أعلم مخالفا في أن عليه كفارة الظهار، وإن لم يعد بتظاهر آخر ؛ فلم يجز أن يقال لما لم أعلم مخالفا : في أنه ليس بمعنى الآية.
وإذا حبس المتظاهر امرأته بعد الظهار قدر ما يمكنه أن يطلقها ولم يطلقها، فكفارة الظهار له لازمة. ولو طلقها بعد ذلك، أو لاعنها، فحرمت عليه على الأبد لزمته كفارة الظهار. وكذلك لو ماتت، أو ارتدت فقتلت على الردة.
ومعنى قول الله تعالى :﴿ مِّن قَبْلِ أَنْ يَّتَمَآسَّا ﴾٦ وقت لأن يؤدي ما أوجب عليه من الكفارة فيها قبل المماسة٧. فإذا كانت المماسة قبل الكفارة فذهب الوقت لم تبطل الكفارة، ولم يزد عليه فيها كما يقال له : أدِّ الصلاة في وقت كذا وقبل وقت كذا، فيذهب الوقت فيؤديها لأنها فرض عليه، فإذا لم يؤدها في الوقت أداها قضاء بعده، ولا يقال له : زِدْ فيها لذهاب الوقت قبل أن تؤديها. ( الأم : ٥/٢٧٩. ون مختصر المزني : ٢٠٣-٢٠٤. )
ــــــــــــ
٤٠٢- قال الشافعي : وقد قال الله عز وجل :﴿ وَالذِينَ يَظَّهَّرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ﴾ إلى قوله :﴿ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾٨ وقلنا : لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة، ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكينا، والإطعام قبل أن يتماسا. فقال : يجزيه رقبة غير مؤمنة٩. فقُلت له : أذهبت في هذا القول إلى خبر عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا، ولكن إذا سكت الله عن ذكر المؤمنة في العتق فقال : رقبة ولم يقل : مؤمنة، كما قال في القتل دلّ ذلك على أنه لو أراد المؤمنة ذكرها. فقلت له : أو ما تكتفي إذا ذكر الله عز وجل الكفارة في العتق في موضع فقال :﴿ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ ﴾١٠ ثم ذكر كفارة مثلها فقال :﴿ رَقَبَةٍ ﴾ بأن تعلم أن الكفارة لا تكون إلا مؤمنة١١. فقال : هل تجد شيئا يدلك على هذا ؟ قلت : نعم. قال : وأين ؟ قلتُ : قول الله عز وجل :﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾١٢ وقوله :﴿ حِينَ اَلْوَصِيَّةِ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمُ ﴾١٣ فشرط العدلين في هاتين الآيتين، وقال :﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ﴾١٤ وقال في القاذف :﴿ لَّوْلا جَاءو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ﴾١٥ وقال :﴿ وَالَّـاتِى يَاتِينَ اَلْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى اِلْبُيُوتِ ﴾١٦ لم يذكر هاهنا عدلا. ( الأم : ٧/٢٤. ون الأم : ٥/٢٨٠. ومختصر المزني : ٢٠٤. ومناقب الشافعي : ١/٣٨٣-٣٨٤. )
ــــــــــــــــــــــــ
٤٠٣- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَنْ يَّتَمَآسَّا ذَالِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَنْ يَّتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾١٧.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فمن تظاهر ولم يجد رقبة، ولم يستطع حين يريد الكفارة عن الظهار صوم شهرين متتابعين بمرض أو علة كانت، أجزأه أن يطعم. قال : ولا يجزئه أن يطعم أقل من ستين مسكينا، كل مسكين مدا من طعام بلده الذي يقتاته : حنطة، أو شعيرا، أو أرزا، أو تمرا، أو سلتا، أو زبيبا، أو أقطا. ولو أطعم ثلاثين مسكينا مدين مدين في يوم واحد أو أيام متفرقة لم يُجزه إلا عن ثلاثين، وكان متطوعا بما زاد كل مسكين على مدّ. لأن معقولا عن الله عز وجل إذا أوجب طعام ستين مسكينا، أن كل واحد منهم غير الآخر، كما كان ذلك معقولا عنه في عدد الشهود وغيرهما مما أوجب. ( الأم : ٥/٢٨٤-٢٨٥. ون الأم : ٥/٢٨٣. )
١ - المجادلة: ٣..
٢ - البقرة: ٢٢٦..
٣ - النور: ٦..
٤ - المجادلة: ٣..
٥ - هكذا في الأصل والصواب والله أعلم عَقَلْتُ..
٦ - المجادلة: ٣..
٧ - روى أبو داود في الطلاق (٧) باب: في الظهار (١٧)(ر٢٢٢١-٢٢٢٢) عن عكرمة مرسلا: أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: « ما حملك على ما صنعت؟» قال: رأيت بياض ساقها في القمر. قال: « فاعتزلها حتى تكفُر عنك ».
ورواه الترمذي في الطلاق واللعان (١٠) باب: ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر (١٩)(ر١١٩٩) عن عكرمة، عن ابن عباس موصولا. وقال الترمذي: حديث حسن غريب صحيح.
ورواه النسائي في الطلاق (٢٧) باب الظهار (٣٣)(ر٣٤٥٧) عن عكرمة، عن ابن عباس موصولا. ورواه عن عكرمة مرسلا (ر٣٤٥٨-٣٤٥٩).
ورواه ابن ماجة في الطلاق (١٠) باب: المظاهر يجامع قبل أن يكفر (٢٦)(ر٢٠٦٥) عن عكرمة، عن ابن عباس موصولا..

٨ - المجادلة: ٣-٤..
٩ - وهو قول عطاء والنخعي والثوري وأبي ثور وأصحاب الرأي..
١٠ - النساء: ٩٢..
١١ - أي عتق رقبة مؤمنة. قال ابن كثير: هاهنا الرقبة مطلقة غير مقيدة بالإيمان، وفي كفارة القتل مقيدة بالإيمان، فحمل الشافعي رحمه الله ما أطلق هاهنا على ما قيّد هناك لاتحاد الموجب وهو عتق الرقبة. واعتضد في ذلك بما رواه مالك بسنده عن معاوية بن الحكم السلمي في قصة الجارية السوداء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» وقد رواه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه. ن تفسير ابن كثير: ٤/١٨٥.
والحديث رواه مالك في كتاب العتق والولاء (٣٨) باب: جواز ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة (٦)(ر٨).
ورواه الشافعي في الرسالة ص: ٧٥.
ورواه مسلم في الصلاة وفي الطب، ورواه أبو داود في الأيمان والنذور، والنسائي في الافتتاح..

١٢ - الطلاق: ٢..
١٣ - المائدة: ١٠٦..
١٤ - البقرة: ٢٨٢..
١٥ - النور: ١٣..
١٦ - النساء: ١٥..
١٧ - المجادلة: ٣-٤..
٤٠٤- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى اِلْمَجْلِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اِللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ اَنشُزُوا فَانشُزُوا ﴾ قال الشافعي : أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله ابن عمر ابن نافع، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا »١.
قال الشافعي : وأكره الرجل من كان إماما أو غير إمام أن يقيم رجلا من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن نأمرهم أن يتفسحوا. ( الأم : ١/٢٠٤. )
١ - أخرجه البخاري في الاستئذان (٨٢) باب: ﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى اِلْمَجْلِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اِللَّهُ لَكُمْ ﴾
(٣٢)(ر٥٩١٥). وباب: لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه (٢١)(ر٥٩١٤). وفي الجمعة (١٧) باب: لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه (١٨)(ر٨٦٩).
وأخرجه مسلم في السلام (٣٩) باب: تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح (١١)(ر٢١٧٧).
وأخرجه أحمد في المسند، والبيهقي في السنن، والشافعي في المسند (ر١٦٧٤-١٦٧٥-١٦٧٦)..

سورة المجادلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المجادلة) من السُّوَر المدنية، نزَلتْ لتحريم عادةٍ من عادات الجاهلية؛ وهي (الظِّهار)، وذلك في حادثةِ مظاهرة أوسِ بن الصامت مِن زوجِه خَوْلةَ، وقد جاءت السورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثبات علمِ الله، وإحاطتِه بكل شيء، ومِن كمال ألوهيته سبحانه: الحُكْمُ العدل فيما يصلُحُ لهم من الشرائع، وخُتمت السورة ببيان حال أعداء الله، وحالِ أوليائه.

ترتيبها المصحفي
58
نوعها
مدنية
ألفاظها
475
ترتيب نزولها
105
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
28

* قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيٓ إِلَى اْللَّهِ وَاْللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمْعُه الأصواتَ، لقد جاءت خَوْلةُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تشكو زوجَها، فكان يَخفَى عليَّ كلامُها؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه النسائي (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨).

* قوله تعالى: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «إنَّ اليهودَ كانوا يقولون لرسولِ اللهِ ﷺ: سامٌ عليك! ثم يقولون في أنفسِهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اْللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ} [المجادلة: 8]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٥٨٩).

* قوله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يدخُلُ عليكم رجُلٌ ينظُرُ بعينِ شيطانٍ، أو بعَيْنَيْ شيطانٍ»، قال: فدخَلَ رجُلٌ أزرَقُ، فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني -أو: شتَمْتَني، أو نحوَ هذا-؟ قال: وجعَلَ يَحلِفُ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ في المجادلةِ: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]، والآيةُ الأخرى». أخرجه أحمد (٢١٤٧).

قال محقِّقو "المسند" (4 /48): «قوله: «فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني؟»؛ كذا جاء في جميع الأصول، وكذلك هو في "مسند البزار"، وزيادة: «يا محمد» - كما قال الشيخُ أحمد شاكر- خطأٌ ينافي السياق؛ فإن الذي نُسِب إليه السبُّ والشَّتم هنا هو المنافقُ الأزرق، ورسولُ الله يَسأله ويتَّهِمُه، وهو يَحلِف كاذبًا يَتبرَّأ من التُّهمة، وقد جاء في "تفسير الطبري" على الصواب بإسقاطِ هذه الزيادة، وسيأتي على الصواب أيضًا عند أحمد (2407)»، انظر السبب الآتي.

* قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اْللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ اْلْكَٰذِبُونَ} [المجادلة: 18]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، أنَّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما حدَّثه، قال: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ظلِّ حُجْرةٍ مِن حُجَرِه، وعنده نَفَرٌ مِن المسلمين، قد كاد يَقلِصُ عنهم الظِّلُّ، قال: فقال: «إنَّه سيأتيكم إنسانٌ ينظُرُ إليكم بعَيْنَيْ شيطانٍ، فإذا أتاكم، فلا تُكلِّموه»، قال: فجاء رجُلٌ أزرَقُ، فدعاه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكلَّمَه، قال: «علامَ تَشتِمُني أنتَ، وفلانٌ، وفلانٌ؟»، نَفَرٌ دعَاهم بأسمائهم، قال: فذهَبَ الرَّجُلُ، فدعَاهم، فحلَفوا باللهِ واعتذَروا إليه، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ ...} [المجادلة: 18] الآيةَ» أخرجه أحمد (2407).

* سورةُ (المجادلة):

سُمِّيت سورةُ (المجادلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقصَّة مجادلةِ امرأةِ أوس بن الصامت عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وتُسمَّى كذلك بـ (قَدْ سَمِعَ)؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الظِّهار وكفَّارته (١-٤).

2. خَسارة مَن عادى اللهَ، وتعدَّى حدوده (٥-١٩).

3. حال أعداء الله، ومدحُ أوليائه (٢٠-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /34).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقصد السورةِ: «الحُكْمُ في قضيَّة مظاهرة أوسِ بن الصامت من زوجه خَوْلة.
وإبطالُ ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهَر منها زوجُها، وأن عملهم مخالفٌ لِما أراده الله، وأنه من أوهامهم وزُورِهم التي كبَتَهم اللهُ بإبطالها، وتخلَّصَ من ذلك إلى ضلالاتِ المنافقين؛ ومنها مناجاتُهم بمرأى المؤمنين ليَغِيظوهم ويحزُنوهم.
ومنها موالاتهم اليهودَ، وحَلِفُهم على الكذب، وتخلَّل ذلك التعرُّض لآداب مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم.

وشرع التصدُّق قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

والثناء على المؤمنين في مجافاتهم اليهودَ والمشركين.

وأن اللهَ ورسوله وحِزْبَهما هم الغالبون». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /6).