تفسير سورة المجادلة

جهود الإمام الغزالي في التفسير

تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ إن الله سميع بصير ﴾( ١ )١
١ - ن. تفسير قوله تعالى: ﴿وأن الله سميع بصير﴾ من سورة الحج: ٥٩..
[ ﴿ الذين يظهرون منكم من نسائهم... ﴾ الآية ]( ٢ )
١١٠٦- نزلت آية الظهار في سلمة بن صخر١. ( المستصفى : ٢/٦٠ ).
١ - أحكام القرآن: ٤/١٨٦، وقيل نزلت في أوس بن الصامت. ن احكام القرآن: ٤/١٨٥: وابن كثير: ٤/٣٨٣..
﴿ فتحرير رقبة ﴾( ٣ ).
١١٠٧- قوله سبحانه وتعالى :﴿ فتحرير رقبة ﴾ ليس نصا في أن الإيمان شرط، ولكنه يشعر به بعموم الصيغة، ونحن غيرناه بالقياس، وحملنا الرقبة المطلقة على الرقبة المسلمة بطريق التخصيص، كما حملوا الكافر المطلق في حديث :( قتل المسلم بالذمي ) على الكافر الحربي، وحملنا السارق المطلق على السارق للنصاب، وحملوا ذوي القربى في آية الغنائم على الفقراء منهم بطريق التخصيص، وذلك غير ممتنع.
فإن قيل : الإيمان زيادة في وصف الواجب، والزيادة في الوصف كالزيادة في القدر. فكما امتنع في إطعام ستين مسكينا، وصوم ستين زيادة في القدر المنصوص بالقياس، فكذلك لا تجوز الزيادة في الوصف.
قلنا : لو ورد الإطعام مطلقا في موضع ومقيدا بالعدد في موضع، فيجوز أن يجعل المطلق مقيدا، فذلك العدد إذا فهمنا العلة في التبليغ إلى ذلك المبلغ، فأما إذا نص على قدرين متفاوتين متعددين في المحلين، فلا نقيس أحدهما على الآخر، لأن التقدير نص، فلا تطلق أربعون لإرادة الستين، ويجوز أن تطلق الرقبة ويراد المؤمنة على الخصوص اكتفاء بالتنبيه على أصل الإيجاب، وإعراضا عن التفصيل، واكتفاء بما جرى من التعرض له في غير ذلك الموضع بالوقوف على علته.
فقد يقول الفقيه في مساق كلامه : الزنا يثبت بأربعة شهود، ولا يتعرض في الحال للعدالة، وهو يريد الشهود العدول، إذ لم تكن الصفات من مقصود كلامه، بل غرضه التنبيه على العدد، فيقتصر عليه، فلا يتعلق بعمومه حتى لا ينسب إلى مخالفة ولكن يقال : إذا عرفت الشهادة مقيدة بالعدالة شرعا في مواضع، فإطلاق الفقيه اسم الشهادة محتمل للمقيد بذلك القيد.
فكذلك مطلق الرقبة في هذا الموضع محتمل للمقيد بقيد الإيمان المعلوم وجوبه في الشرع.
فإذا احتمل هذا لم يكن نصا، فيجوز أن يقدم القياس عليه. ( شفاء الغليل : ٥٧٦-٥٧٨ )
١١٠٨- ﴿ فتحرير رقبة ﴾ يعم الكافرة، لو ورد مرة أخرى :﴿ فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ في الظهار بعينه، لتبين لنا أن المراد بالرقبة المطلقة العامة هي المؤمنة على الخصوص.
فعموم الرقبة مثلا يقتضي إجزاء الكافرة مهما أريد به العموم، والتقييد بالمؤمنة يقتضي منع إجزاء الكافرة، فهما متعارضان، وإذا أمكن النسخ والبيان جميعا فلم يتحكم بحمله على البيان دون النسخ ؟ ولم يقطع بالحكم على العام بالخاص ؟ ولعل العام هو المتأخر الذي أريد به العموم وينسخ به الخاص، وهذا هو الذي اختاره القاضي.
والأصح عندنا تقديم الخاص، وإن كان ما ذكره القاضي ممكنا، ولكن تقديم النسخ محتاج إلى الحكم بدخول الكافرة تحت اللفظ ثم خروجه عنه، فهو إثبات وضع ورفع بالتوهم.
وإرادة اللفظ العام غالبا معتاد، بل هو الأكثر، والنسخ كالنادر، فلا سبيل إلى تقديره بالتوهم، ويكاد يشهد لما ذكرناه من سير الصحابة والتابعين كثير، فإنهم كانوا يسارعون إلى الحكم بالخاص على العام، وما اشتغلوا بطلب التاريخ والتقدم والتأخر. ( المستصفى : ٢/١٠٣/١٠٥ )
١١٠٩- ﴿ فتحرير رقبة ﴾ فإنه يعم المؤمنة وغير المؤمنة، فيجوز تخصيص العموم، إذ قد يراد بالآية ذكر أصل الكفارة، ويكون أمرا بأصل الكفارة دون قيودها وشروطها، فلو استقر العموم وحصل القطع يكون العموم مرادا لكان نسخه ورفعه بالقياس وخبر الواحد ممتنعا. ( نفسه : ١/١١٩ )
١١١٠- ﴿ فتحرير رقبة ﴾ ليس هو نصا في إجزاء الكفارة، بل هو عام يعتقد ظهوره مع تحرير قيام الدليل على خصوصه، أما أن يعتقد عمومه قطعا فهذا خطأ في اللغة. ( نفسه : ٢/١٨٦ )
١١١١- إن اتحد الموجب واختلف الموجب ففيه خلاف، ومثاله : شرط الإيمان في كفارة الظهار لثبوته في القتل. ( المنخول : ١٧٨ )
١١١٢- زعم أبو حنيفة رضي الله عنه أن حمل المطلق على المقيد زيادة على النص، وهو النسخ، وجعل إيجاب الرقبة المؤمنة في الظهار اعتبار له بالقتل من هذا الفن. ( نفسه : ١٧٢ )
﴿ فإطعام ستين مسكينا ﴾( ٤ ).
١١١٣- يقتضي مراعاة عدد المساكين. ( نفسه : ١٤٧ ).
١١١٤- قال قوم : قوله تعالى :﴿ فإطعام ستين مسكينا ﴾ نص في وجوب رعاية العدد ومنع الصرف لمسكين واحد في ستين يوما، وقطعوا ببطلان تأويله، وهو عندنا من جنس ما تقدم١، فإنه إن أبطل لقصور الاحتمال، وكون الآية نصا بالوضع الثاني فهو غير مرضي فإنه يجوز أن يكون ذكر المساكين لبيان مقدار الواجب.
ومعناه : فإطعام ستين مسكينا، وليس هذا امتناعا في توسع لسان العرب، نعم دليله تجريد النظر إلى سد الخلة.
والشافعي يقول : لا يبعد أن يقصد الشرع ذلك لإحياء ستين مهجة، تبركا بدعائهم وتحصنا عن حلول العذاب بهم، ولا يخلو جمع من المسلمين عن ولي من الأولياء يغتنم دعاؤه، ولا دليل على بطلان هذا المقصود، قتصير الآية نصا بالوضع الأول والثالث لا بالوضع الثاني ( المستصفى : ١/٤٠٠-٤٠١ ).
١ - قول بعض الأصوليين: كل تأويل يرفع النص أو شيئا منه فهو باطل. ن المستصفى: ١/٣٩٤..
﴿ يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾ ( ١١ ).
١١١٥- فسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى :﴿ والذين أوتوا العلم درجات ﴾ فقال : يرفع الله العالم فوق المؤمن بسبعمائة درجة، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. ( الإحياء : ٣/٢٥ ).
١١١٦- وقال : للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين خمسمائة عام. ( نفسه : ١/١٥ ).
١١١٧- العلم فوق الإيمان، والذوق فوق العلم، والذوق وجدان والعلم قياس، والإيمان قبول مجرد بالتقليد وحسن الظن بأهل الوجدان أو بأهل العرفان. ( مشكاة الأنوار ضمن المجموعة رقم ٤ ص : ٣٦ ).
[ ﴿ يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ﴾ ] ( ١٢ ).
١١١٨- نسخ تقديم الصدقة أمام المناجاة، والتلاوة باقية. ( المستصفى : ١/١٢٤ )
﴿ أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ﴾ ( ٢١ ).
١١١٩- في الأولياء. ( معراج السالكين ضمن المجموعة رقم ١ ص : ١٠٤-١٠٥ ).
سورة المجادلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المجادلة) من السُّوَر المدنية، نزَلتْ لتحريم عادةٍ من عادات الجاهلية؛ وهي (الظِّهار)، وذلك في حادثةِ مظاهرة أوسِ بن الصامت مِن زوجِه خَوْلةَ، وقد جاءت السورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثبات علمِ الله، وإحاطتِه بكل شيء، ومِن كمال ألوهيته سبحانه: الحُكْمُ العدل فيما يصلُحُ لهم من الشرائع، وخُتمت السورة ببيان حال أعداء الله، وحالِ أوليائه.

ترتيبها المصحفي
58
نوعها
مدنية
ألفاظها
475
ترتيب نزولها
105
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
28

* قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيٓ إِلَى اْللَّهِ وَاْللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمْعُه الأصواتَ، لقد جاءت خَوْلةُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تشكو زوجَها، فكان يَخفَى عليَّ كلامُها؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه النسائي (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨).

* قوله تعالى: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «إنَّ اليهودَ كانوا يقولون لرسولِ اللهِ ﷺ: سامٌ عليك! ثم يقولون في أنفسِهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اْللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ} [المجادلة: 8]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٥٨٩).

* قوله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يدخُلُ عليكم رجُلٌ ينظُرُ بعينِ شيطانٍ، أو بعَيْنَيْ شيطانٍ»، قال: فدخَلَ رجُلٌ أزرَقُ، فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني -أو: شتَمْتَني، أو نحوَ هذا-؟ قال: وجعَلَ يَحلِفُ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ في المجادلةِ: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]، والآيةُ الأخرى». أخرجه أحمد (٢١٤٧).

قال محقِّقو "المسند" (4 /48): «قوله: «فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني؟»؛ كذا جاء في جميع الأصول، وكذلك هو في "مسند البزار"، وزيادة: «يا محمد» - كما قال الشيخُ أحمد شاكر- خطأٌ ينافي السياق؛ فإن الذي نُسِب إليه السبُّ والشَّتم هنا هو المنافقُ الأزرق، ورسولُ الله يَسأله ويتَّهِمُه، وهو يَحلِف كاذبًا يَتبرَّأ من التُّهمة، وقد جاء في "تفسير الطبري" على الصواب بإسقاطِ هذه الزيادة، وسيأتي على الصواب أيضًا عند أحمد (2407)»، انظر السبب الآتي.

* قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اْللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ اْلْكَٰذِبُونَ} [المجادلة: 18]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، أنَّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما حدَّثه، قال: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ظلِّ حُجْرةٍ مِن حُجَرِه، وعنده نَفَرٌ مِن المسلمين، قد كاد يَقلِصُ عنهم الظِّلُّ، قال: فقال: «إنَّه سيأتيكم إنسانٌ ينظُرُ إليكم بعَيْنَيْ شيطانٍ، فإذا أتاكم، فلا تُكلِّموه»، قال: فجاء رجُلٌ أزرَقُ، فدعاه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكلَّمَه، قال: «علامَ تَشتِمُني أنتَ، وفلانٌ، وفلانٌ؟»، نَفَرٌ دعَاهم بأسمائهم، قال: فذهَبَ الرَّجُلُ، فدعَاهم، فحلَفوا باللهِ واعتذَروا إليه، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ ...} [المجادلة: 18] الآيةَ» أخرجه أحمد (2407).

* سورةُ (المجادلة):

سُمِّيت سورةُ (المجادلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقصَّة مجادلةِ امرأةِ أوس بن الصامت عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وتُسمَّى كذلك بـ (قَدْ سَمِعَ)؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الظِّهار وكفَّارته (١-٤).

2. خَسارة مَن عادى اللهَ، وتعدَّى حدوده (٥-١٩).

3. حال أعداء الله، ومدحُ أوليائه (٢٠-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /34).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقصد السورةِ: «الحُكْمُ في قضيَّة مظاهرة أوسِ بن الصامت من زوجه خَوْلة.
وإبطالُ ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهَر منها زوجُها، وأن عملهم مخالفٌ لِما أراده الله، وأنه من أوهامهم وزُورِهم التي كبَتَهم اللهُ بإبطالها، وتخلَّصَ من ذلك إلى ضلالاتِ المنافقين؛ ومنها مناجاتُهم بمرأى المؤمنين ليَغِيظوهم ويحزُنوهم.
ومنها موالاتهم اليهودَ، وحَلِفُهم على الكذب، وتخلَّل ذلك التعرُّض لآداب مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم.

وشرع التصدُّق قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

والثناء على المؤمنين في مجافاتهم اليهودَ والمشركين.

وأن اللهَ ورسوله وحِزْبَهما هم الغالبون». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /6).