تفسير سورة المعارج

معاني القرآن للفراء

تفسير سورة سورة المعارج من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء.
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله: وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) يُقال: إنه ما يسيل «١» من صديد أهل النار.
وقوله: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) يقول: لو أن محمدا صلى الله عليه تقوّل علينا ما لم يؤمر بِهِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥)، بالقوة والقدرة.
وقوله: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (٤٧).
أحد يكون للجميع «٢» وللواحد، وذكر الْأَعْمَش فِي حديث عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (لم تَحل الغنائم لأحد سُودِ الرءوس إلّا لنبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فجعل: أحدًا فِي موضع جمع. وقَالَ اللَّه جل وعز: «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ «٣» » فهذا جمع لأنّ بين- لا يقع إلّا على اثنين فما زاد.
ومن سورة سأل سائل
قوله: سَأَلَ سائِلٌ (١).
دعا داعٍ بعذاب واقع، وهو: النضر [بْن الحارث] «٤» بْن كَلدةَ، قَالَ: اللهم إن كَانَ ما يَقُولُ مُحَمَّد هُوَ الحق من عندك فأمطرْ علينا حجارة من السماء، أَوِ ائتنا بعذاب أليم، فأُسر يوم بدر، فقتل صبرا هو وعقبة.
وقوله: بِعَذابٍ واقِعٍ (١).
يريد: للكافرين، والواقع من نعت العذاب. واللام «٥» التي فِي الكافرين دخلت للعذاب لا للواقع.
(١) فى ح: ما يسل، تحريف.
(٢) فى ش: للجمع.
(٣) البقرة الآية: ١٣٦. [.....]
(٤) زيادة من ب، ح.
(٥) فى (ا) وأما اللام.
وقوله: ذِي الْمَعارِجِ (٣).
من صفة اللَّه عزَّ وجلَّ لأن الملائكة تعرُج إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، فوصف نفسه بذلك.
وقوله: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤).
يَقُولُ: لو صعد غير الملائكة لصعدوا فِي قدر خمسين ألف سنة، وأمَّا (يَعْرُجُ)، فالقراء مجتمعون عَلَى التاء، وذكر بعض المشيخة عنْ زهير عن أبى إسحق الهمداني قَالَ: قَرَأَ عَبْد اللَّه «يعرج» بالياء «١» وقَالَ الْأَعْمَش: ما سمعت أحدًا يقرؤها إلا بالتاء. وكلٌّ صواب.
وقوله: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦).
يريد «٢» : البعث، ونراه نَحْنُ قريبًا «٣» لأن كلّ ما هو «٤» آت: قريب.
وقوله: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠).
لا يَسْأَل ذو قرابة عنْ قرابته «٥»، ولكنهم يعرّفونهم [بالبناء للمجهول «٦» ] ساعة، ثُمَّ لا تعارف بعد تلك «٧» الساعة، وَقَدْ قَرَأَ بعضهم: (ولا يُسْأَلُ حَميمٌ حَمِيمًا «٨» ) لا يُقال لحميم «٩» : أَيْنَ حميمك؟
ولست أشتهي ذَلِكَ لأنَّه مخالف للتفسير، ولأن القراء «١٠» مجتمعون على (يسأل).
وقوله: وَفَصِيلَتِهِ (١٣) هِيَ أصغر آبائه الَّذِي إِلَيْه ينتمي.
وقوله: ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) أي: ينجيه الافتداء من عذاب اللَّه.
قَالَ الله عز وجل: «كَلَّا» أي: لا ينجيه ذَلِكَ، ثُمَّ ابتدأ، فَقَالَ: «إِنَّها لَظى» (١٥) ولظى:
اسم من أسماء جهنم فلذلك لم يجره.
(١) وهى أيضا قراءة الكسائي (الاتحاف ٤٢٣) والسلمى (القرطبي ١٨/ ٢٨١).
(٢) فى ب، ح يرون.
(٣) فى ش: ونراه قريبا نحن.
(٤) سقط فى ش.
(٥) فى (ا) قرابة.
(٦) زيادة من ا.
(٧) فى ش: بعد ذلك
(٨) وهى قراءة شيبة والبزي عن عاصم (القرطبي ١٨/ ٢٨٥ وأبى جعفر ٤٢٣) ونصب (حميما) على نزع الحافض (عن) : الإتحاف: ٤٢٣
(٩) فى ش: للحميم
(١٠) فى (ا) : ولا القراء، سقط
وقوله: نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦).
مرفوع عَلَى قولك: إنها لظى، إنها نزاعة للشوى، وإن شئت جعلت الهاء عمادًا، فرفعت «١» لظى بنزاعة، ونزّاعة بلظى كما تَقُولُ فِي الكلام: إنّه جاريتك فارهة، وإنها جاريتُك فارهة. والهاء فِي الوجهين عماد. والشَّوَى: اليدان، والرجلان، وجلدة الرأس يُقال لها: شواة، وما كَانَ غير مقتَل فهو شوًى.
وقوله: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧).
تَقُولُ للكافر: يا كافر إليَّ، يا منافق إليَّ، فتدعو كل واحد «٢» باسمه.
وقوله: وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨).
بقول: جمع فأوعى، جعله فِي وعاء، فلم يؤد مِنْهُ زكاة، ولم يصل رحمًا.
وقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩).
والهلوع: الضجور وصفته كما قَالَ اللَّه: «إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً» (٢٠) «وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» (٢١) فهذه صفة الهلوع، وَيُقَال مِنْهُ: هِلع يهلَع هلَعًا مثل «٣» : جزِع يجزع جزعًا، ثُمَّ قَالَ:
«إِلَّا الْمُصَلِّينَ» (٢٢) فاستثنى المصلين من الْإِنْسَان، لأن الْإِنْسَان فِي مذهب جمع، كما قَالَ اللَّه جل وعز: «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا «٤» ».
وقوله: حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤).
الزكاة وقَالَ بعضهم: لا، بل سوى الزكاة.
وقوله: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ (٣٠).
يَقُولُ القائل: هَلْ يجوز فِي الكلام أن تَقُولُ: مررت بالقوم إلَّا بزيد، تريد:
إلَّا أني لم أمرر «٥» بزيد؟ قلت: لا يجوز هَذَا، والذي فِي كتاب اللَّه صواب جيد
(١) فى ح: فرفت بإسقاط العين، تحريف
(٢) فى ب: أحد [.....]
(٣) سقط فى ب.
(٤) سورة الإنسان الآيتان ٢، ٣.
(٥) فى (ا) أمر.
لأن أول الكلام «١» فِيهِ كالنهي إذ ذُكِر: «والّذين هم لفروجهم حافظون» (٢٩) يَقُولُ:
فلا يلامون «٢» إلّا عَلَى غير أزواجهم، فجرى الكلام عَلَى ملومين التي فِي آخره. ومثله أن تَقُولُ للرجل: اصنع ما شئت إِلا [عَلَى] «٣» قتل النفس، فإنك معذب، أَوْ فِي «٤» قتل النفس، فمعناه «٥» إلا أنك معذب فِي قتل النفس.
وقوله: وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ [٣٧).
والعزون: الحلق، الجماعات كانوا «٦» يجتمعون حول النَّبِيّ صلى الله عليه فيقولون: لئن دخل هَؤُلَاءِ الجنة- كما يَقُولُ محمد صلى الله عليه- لندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل اللَّه: «أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ» (٣٨).
قَرَأَ النَّاس: «أن يُدخَل» لا يسّمى فاعِلُه [٢١٧/ ا] وقرأ الْحَسَن: «أَنْ يُدْخَلَ «٧» »، جعل لَهُ الفعل، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّه عزَّ وجلَّ فَقَالَ: ولم يحتقرونهم، وَقَدْ خَلَقْناهم جميعًا «مِمَّا يَعْلَمُونَ» من تراب؟.
وقوله: إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣). الإيفاض: الإسراع. وقَالَ الشَّاعِر «٨» :
لأنْعتنْ نعامةً ميفاضًا خَرْجاءَ ظلت تطلبُ الإضاضَا
قَالَ: الخرجاء فِي اللون، فإذا رُقِّعَ القميص الأبيض برقعةٍ حمراء فهو أخرج، تطلب الإضاضا:
أي تطلب موضعًا تدخل فِيهِ، وتلجأ إِلَيْه. قَرَأَ الْأَعْمَش وعاصم: «إلى نَصْبٍ» إلى شيء مَنْصُوب يستبقون إِلَيْه. وقرأ «٩» زَيْد بْن ثابت: «إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» «١٠» فكأن النُّصبَ الآلهة التي كانت تعبد [من دون اللَّه] «١١» وكلٌّ صواب، «١٢»، وهو واحد، والجمع: أنصاب.
(١) كذا فى ح، ش وفى سواهما (الكتاب)، وما أثبتناه أوضح.
(٢) فى ش: يلومون، تحريف.
(٣) التكملة من ب، ح.
(٤) فى ب: وفى.
(٥) فى ش: ومعناه.
(٦) التصحيح من ح، وفى الأصل: ا- كان.
(٧) وهى أيضا قراءة طلحة بن مصرف، والأعرج، ورواه المفضل عن عاصم (تفسير القرطبي ١٨/ ٢٩٤).
(٨) لم أعثر على قائله. (وفى الطبري ٢٩: ٨٩ تغدو مكان ظلت)
(٩) سقط فى ح.
(١٠) سقط فى ح، ش.
(١١) التكملة من ب. [.....]
(١٢) قراءة: نصب كسقف وسقف أو جمع نصاب ككتاب وكتب هى قراءة ابن عامر وحفص (الإتحاف ٤٢٤)
سورة المعارج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المعارج) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الحاقة)، وقد أكدت وقوعَ يوم القيامة بأهواله العظيمة، التي يتجلى فيها جلالُ الله وعظمته، وقُدْرتُه الكاملة على الجزاء، وأن مَن استحق النار فسيدخلها، ومَن أكرمه الله بجِنانه فسيفوز بذلك، وخُتمت ببيانِ جزاء مَن آمن، وتهديدٍ شديد للكفار؛ حتى يعُودُوا عن كفرهم.

ترتيبها المصحفي
70
نوعها
مكية
ألفاظها
217
ترتيب نزولها
79
العد المدني الأول
44
العد المدني الأخير
44
العد البصري
44
العد الكوفي
44
العد الشامي
43

* سورة (المعارج):

سُمِّيت سورة (المعارج) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (المعارج) فيها؛ قال تعالى: {مِّنَ اْللَّهِ ذِي اْلْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]، قال ابنُ جريرٍ: «وقوله: {ذِي اْلْمَعَارِجِ} يعني: ذا العُلُوِّ، والدرجاتِ، والفواضلِ، والنِّعمِ». " جامع البيان" للطبري (29 /44).

1. المقدمة (١-٥).

2. مُنكِرو البعث (٦-٢١).

3. المؤمنون بالبعث (٢٢-٣٥).

4. هل يتساوى الجزاءانِ؟ (٣٦-٤١).

5. تهديدٌ شديد (٤٢-٤٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /343).

يقول ابن عاشور عن مقصدها: «تهديدُ الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثباتُ ذلك اليوم، ووصفُ أهواله.
ووصفُ شيء من جلال الله فيه، وتهويلُ دار العذاب - وهي جهنَّمُ -، وذكرُ أسباب استحقاق عذابها.
ومقابلةُ ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دارَ الكرامة، وهي أضدادُ صفات الكافرين.
وتثبيتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتسليتُه على ما يَلْقاه من المشركين.
ووصفُ كثيرٍ من خصال المسلمين التي بثها الإسلامُ فيهم، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخيرٍ منهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /153).