تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب جامع البيان في تأويل آي القرآن
المعروف بـالطبري.
لمؤلفه
الطبري
.
المتوفي سنة 310 هـ
ﰡ
تفسير سورة الحجرات بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) ﴾
يعني تعالى ذكره بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : يا أيها الذين أقرّوا بوحدانية الله، وبنبوّة نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يقول: لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله، محكيّ عن العرب فلان يقدّم بين يدي إمامه، بمعنى يعجل بالأمر والنهي دونه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالبيان عن معناه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يقول: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)... الآية قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) ﴾
يعني تعالى ذكره بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : يا أيها الذين أقرّوا بوحدانية الله، وبنبوّة نبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يقول: لا تعجلوا بقضاء أمر في حروبكم أو دينكم، قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله، فتقضوا بخلاف أمر الله وأمر رسوله، محكيّ عن العرب فلان يقدّم بين يدي إمامه، بمعنى يعجل بالأمر والنهي دونه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالبيان عن معناه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يقول: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)... الآية قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن
272
أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال: لا تفتاتوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بشيء حتى يقضيه الله على لسانه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ذُكر لنا أن ناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا لوضع كذا وكذا، قال: فكره الله عزّ وجلّ ذلك، وقدم فيه.
وقال الحسن: أناس من المسلمين ذبحوا قبل صلاة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم النحر، فأمرهم نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يعيدوا ذبحا آخر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال: إن أُناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا، لو أنزل في كذا، وقال الحسن: هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأمرهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يعيدوا الذبح.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يعني بذلك في القتال، وكان (١) من أمورهم لا يصلح أن يقضى إلا بأمره ما كان من شرائع دينهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله جلّ ثناؤه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال: لا تقطعوا الأمر دون الله ورسوله.
وحدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ذُكر لنا أن ناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا لوضع كذا وكذا، قال: فكره الله عزّ وجلّ ذلك، وقدم فيه.
وقال الحسن: أناس من المسلمين ذبحوا قبل صلاة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم النحر، فأمرهم نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يعيدوا ذبحا آخر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال: إن أُناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا، لو أنزل في كذا، وقال الحسن: هم قوم نحروا قبل أن يصلي النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأمرهم النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يعيدوا الذبح.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) يعني بذلك في القتال، وكان (١) من أمورهم لا يصلح أن يقضى إلا بأمره ما كان من شرائع دينهم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله جلّ ثناؤه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال: لا تقطعوا الأمر دون الله ورسوله.
وحدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
(١) كذا في الأصل، ولعل الصواب: وكل ما كان... الخ.
276
لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) قال: لا تقضوا أمرا دون رسول الله، وبضم التاء من قوله (لا تُقَدِّمُوا) قرأ قرّاء الأمصار، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها، لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وقد حكي عن العرب قدّمت في كذا، وتقدّمت في كذا، فعلى هذه اللغة لو كان قيل: (لا تَقَدَّمُوا) بفتح التاء (١) كان جائزا.
وقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يقول: وخافوا الله أيها الذين آمنوا في قولكم، أن تقولوا ما لم يأذن لكم به الله ولا رسوله، وفي غير ذلك من أموركم، وراقبوه، إن الله سميع لما تقولون، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم، لا يخفى عليه شيء من ضمائر صدوركم، وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) ﴾
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهموه بالكلام، وتغلظون له في الخطاب (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) يقول: ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا: يا محمد، يا محمد، يا نبيّ الله، يا نبيّ الله، يا رسول الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن
وقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يقول: وخافوا الله أيها الذين آمنوا في قولكم، أن تقولوا ما لم يأذن لكم به الله ولا رسوله، وفي غير ذلك من أموركم، وراقبوه، إن الله سميع لما تقولون، عليم بما تريدون بقولكم إذا قلتم، لا يخفى عليه شيء من ضمائر صدوركم، وغير ذلك من أموركم وأمور غيركم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) ﴾
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهموه بالكلام، وتغلظون له في الخطاب (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) يقول: ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا: يا محمد، يا محمد، يا نبيّ الله، يا نبيّ الله، يا رسول الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن
(١) والدال مشددة وهي قراءة مشهورة ليعقوب الحضرمي.
277
أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)، قال لا تنادُوه نداء، ولكن قولا لينًا يا رسول الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فوعظهم الله، ونهاهم عن ذلك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، كانوا يرفعون، ويجهرون عند النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فوعظوا، ونهوا عن ذلك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)... الآية، هو كقوله: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) نهاهم الله أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا وأمرهم أن يشرّفوه ويعظِّموه، ويدعوه إذا دعوه باسم النبوّة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا أبو ثابت بن ثابت قيس بن الشماس، قال: ثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن شماس، عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) قال: قعد ثابت في الطريق يبكي، قال: فمرّ به عاصم بن عديّ من بني العَجلان، فقال: ما يُبكيك يا ثابت؟ قال: لهذه الآية، أتخوّف أن تكون نزلت فيّ، وأنا صيت رفيع الصوت قال: فمضى عاصم بن عديّ إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: وغلبه البكاء، قال: فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أَبيّ ابن سلول، فقال لها: إذا دخلتُ بيت فرسي، فشدّي على الضبة بمسمار، فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله، أو يرضى عني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; قال: وأتى عاصم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأخبره
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) كانوا يجهرون له بالكلام، ويرفعون أصواتهم، فوعظهم الله، ونهاهم عن ذلك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، كانوا يرفعون، ويجهرون عند النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فوعظوا، ونهوا عن ذلك.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)... الآية، هو كقوله: (لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) نهاهم الله أن ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا وأمرهم أن يشرّفوه ويعظِّموه، ويدعوه إذا دعوه باسم النبوّة.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا أبو ثابت بن ثابت قيس بن الشماس، قال: ثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن شماس، عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) قال: قعد ثابت في الطريق يبكي، قال: فمرّ به عاصم بن عديّ من بني العَجلان، فقال: ما يُبكيك يا ثابت؟ قال: لهذه الآية، أتخوّف أن تكون نزلت فيّ، وأنا صيت رفيع الصوت قال: فمضى عاصم بن عديّ إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: وغلبه البكاء، قال: فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أَبيّ ابن سلول، فقال لها: إذا دخلتُ بيت فرسي، فشدّي على الضبة بمسمار، فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله، أو يرضى عني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; قال: وأتى عاصم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأخبره
278
خبره، فقال: اذْهَبْ فادْعُهُ لي، فجاء عاصم إلى المكان، فلم يجده، فجاء إلى أهله، فوجده في بيت الفرس، فقال له: إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يدعوك، فقال: اكسر الضَّبة، قال: فخرجا فأتيا نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما يُبكِيكَ يا ثابِتُ؟ فقال: أنا صيت، وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أما تَرْضَى أنْ تَعيش حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ؟ فقال: رضيت ببُشرى الله ورسوله، لا أرفع صوتي أبدا على رسول الله، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى)... الآية.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص، عن شمر بن عطية، قال: جاء ثابت بن قيس بن الشماس إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو محزون، فقال: يا ثابت ما الذي أرى بك؟ فقال: آية قرأتها الليلة، فأخشى أن يكون قد حَبِط عملي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) وكان في أُذنه صمم، فقال: يا نبيّ الله أخشى أن أكون قد رفعت صوتي، وجهرت لك بالقول، وأن أكون قد حبط عملي، وأنا لا أشعر: فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " امْشِ على الأرْضِ نَشِيطا فإنَّكَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ".
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن عكرِمة، قال: لما نزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)... الآية، قال ثابت بن قيس: فأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وأجهر له بالقول، فأنا من أهل النار، فقعد في بيته، فتفقده رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وسأل عنه، فقال رجل: إنه لجاري، ولئن شئت لأعلمنّ لك علمه، فقال: نعم، فأتاه فقال: إن
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص، عن شمر بن عطية، قال: جاء ثابت بن قيس بن الشماس إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو محزون، فقال: يا ثابت ما الذي أرى بك؟ فقال: آية قرأتها الليلة، فأخشى أن يكون قد حَبِط عملي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) وكان في أُذنه صمم، فقال: يا نبيّ الله أخشى أن أكون قد رفعت صوتي، وجهرت لك بالقول، وأن أكون قد حبط عملي، وأنا لا أشعر: فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: " امْشِ على الأرْضِ نَشِيطا فإنَّكَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ".
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن عكرِمة، قال: لما نزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)... الآية، قال ثابت بن قيس: فأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وأجهر له بالقول، فأنا من أهل النار، فقعد في بيته، فتفقده رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وسأل عنه، فقال رجل: إنه لجاري، ولئن شئت لأعلمنّ لك علمه، فقال: نعم، فأتاه فقال: إن
279
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد تفقدك، وسأل عنك، فقال: نزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)... الآية وأنا كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وأجهر له بالقول، فأنا من أهل النار، فرجع إلى رسول الله فأخبره، فقال: بَلْ هُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ; فلما كان يوم اليمامة انهزم الناس، فقال: أفّ لهؤلاء وما يعبدون، وأفّ لهؤلاء وما يصنعون، يا معشر الأنصار خلوا لي بشيء لعلي أصلى بحرّها ساعة قال: ورجل قائم على ثلمة، فقَتل وقُتل.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزُّهريّ، أن ثابت بن قيس بن شماس، قال: لما نزلت (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) قال: يا نبيّ الله، لقد خشيت أن أكون قد هلكت، نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وإني امرؤ جهير الصوت، ونهى الله المرء أن يحبّ أن يُحمد بما لم يفعل، فأجدني أحبّ أن أُحمد; ونهى الله عن الخُيَلاء وأجدني أحبّ الجمال; قال: فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا ثابت أما تَرْضَى أنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ؟ فعاش حميدا، وقُتل شهيدا يوم مُسَيلمة.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا نافع بن عمر بن جميل الجمحي، قال: ثني ابن أَبي مليكة، عن الزبير، قال: " قدم وفد أراه قال تميم، على النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، منهم الأقرع بن حابس، فكلم أبو بكر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يستعمله على قومه، قال: فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله، قال: فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما عند النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك. قال: ونزل القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)... إلى قوله (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) قال: فما حدّث عمر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد ذلك، فَيُسْمِعَ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: وما
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزُّهريّ، أن ثابت بن قيس بن شماس، قال: لما نزلت (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) قال: يا نبيّ الله، لقد خشيت أن أكون قد هلكت، نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وإني امرؤ جهير الصوت، ونهى الله المرء أن يحبّ أن يُحمد بما لم يفعل، فأجدني أحبّ أن أُحمد; ونهى الله عن الخُيَلاء وأجدني أحبّ الجمال; قال: فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا ثابت أما تَرْضَى أنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ؟ فعاش حميدا، وقُتل شهيدا يوم مُسَيلمة.
حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا نافع بن عمر بن جميل الجمحي، قال: ثني ابن أَبي مليكة، عن الزبير، قال: " قدم وفد أراه قال تميم، على النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، منهم الأقرع بن حابس، فكلم أبو بكر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يستعمله على قومه، قال: فقال عمر: لا تفعل يا رسول الله، قال: فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما عند النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك. قال: ونزل القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ)... إلى قوله (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) قال: فما حدّث عمر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد ذلك، فَيُسْمِعَ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: وما
280
ذكر ابن الزبير جدّه، يعني أبا بكر.
وقوله (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) يقول: أن لا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها، ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم، وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض.
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض نحويي الكوفة: معناه: لا تحبط أعمالكم. قال: وفيه الجزم والرفع إذا وضعت "لا" مكان "أن". قال: وهي في قراءة عبد الله (فَتَحْبَطْ أَعْمَالُكُمْ) وهو دليل على جواز الجزم، وقال بعض نحويي البصرة: قال: أن تحبط أعمالكم: أي مخافة أن تحبط أعمالكم وقد يقال: أسند الحائط أن يميل.
وقوله (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) يقول: وأنتم لا تعلمون ولا تدرون.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) ﴾
يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله، وأصل الغضّ: الكفّ في لين. ومنه: غضّ البصر، وهو كفه عن النظر، كما قال جرير:
وقوله (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) يقول: أن لا تحبط أعمالكم فتذهب باطلة لا ثواب لكم عليها، ولا جزاء برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيكم، وجهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض.
وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض نحويي الكوفة: معناه: لا تحبط أعمالكم. قال: وفيه الجزم والرفع إذا وضعت "لا" مكان "أن". قال: وهي في قراءة عبد الله (فَتَحْبَطْ أَعْمَالُكُمْ) وهو دليل على جواز الجزم، وقال بعض نحويي البصرة: قال: أن تحبط أعمالكم: أي مخافة أن تحبط أعمالكم وقد يقال: أسند الحائط أن يميل.
وقوله (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) يقول: وأنتم لا تعلمون ولا تدرون.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) ﴾
يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله، وأصل الغضّ: الكفّ في لين. ومنه: غضّ البصر، وهو كفه عن النظر، كما قال جرير:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيْر | فَلا كَعْبا بَلَغتَ وَلا كِلابا (١) |
(١) البيت لجرير بن الخطفي، من قصيدة يهجو بها الراعي النميري الشاعر. (ديوانه ٦٤) يقول له. غض نظرك أي كف بصرك ذلا ومهانة. وهذا موضع الشاهد عند قوله تعالى " يغضون أصواتهم عند رسول الله " وهو من ذلك. قال في " اللسان: غض ": وغض طرفه وبصره، يغضه غضا وغضاضا (ككتاب) وغضاضة (كسحابة) فهو مغضوض وغضيض " كفه وخفضه وكسره، وقيل: هو إذا دانى بين جفونه ونظر. وقيل: الغضيض: الطرف المسترخي الأجفان. وفي الحديث " كان إذا فرح غض طرفه "، أي كسره وأطرق، ولم يفتح عينيه. وإنما كان يفعل ذلك، ليكون أبعد من الأشر والمرح. أهـ. وكعب وكلاب: حيان من تميم.
وقوله (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله، هم الذين اختبر الله قلوبهم بامتحانه إياها، فاصطفاها وأخلصها للتقوى، يعني لاتقائه بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، كما يمتحن الذهب بالنار، فيخلص جيدها، ويبطل خبثها (١).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال: أخلص.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال: أخلص الله قلوبهم فيما أحبّ.
وقوله (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يقول: لهم من الله عفو عن ذنوبهم السالفة، وصفح منه عنها لهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) يقول: وثواب جزيل، وهو الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ٤ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) ﴾
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال: أخلص.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) قال: أخلص الله قلوبهم فيما أحبّ.
وقوله (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) يقول: لهم من الله عفو عن ذنوبهم السالفة، وصفح منه عنها لهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) يقول: وثواب جزيل، وهو الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ٤ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) ﴾
(١) الضمير في جيدها وخبثها: راجع إلى الذهب، لأنها مؤنثة، وقد تذكر.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتك، والحجرات: جمع حجرة، والثلاث: حُجَر، ثم تجمع الحجر فيقال: حجرات وحُجْرات، وقد تجمع بعض العرب الحجر:
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إن الذين ينادونك يا محمد من وراء حجراتك، والحجرات: جمع حجرة، والثلاث: حُجَر، ثم تجمع الحجر فيقال: حجرات وحُجْرات، وقد تجمع بعض العرب الحجر:
282
حَجرات بفتح الجيم، وكذلك كلّ جمع كان من ثلاثة إلى عشرة على فُعَلٍ يجمعونه على فعَلات بفتح ثانيه، والرفع أفصح وأجود; ومنه قول الشاعر:
أما كانَ عَبَّادٌ كَفِيئا لِدَارِم... بَلى، وَلأبْياتٍ بِها الحُجُرَات (١) يقول: بلى ولبني هاشم.
وذُكر أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في قوم من الأعراب جاءوا ينادون رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أبو عمار المروزي، والحسن بن الحارث، قالا ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن البرّاء في قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: يا محمد إنّ حمدي زين، وإن ذمِّي شين، فقال: "ذَاكَ اللهُ تَباركَ وتَعَالى".
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن أبي إسحاق، عن البراء بمثله، إلا أنه قال: ذاكم الله عزّ وجلّ.
أما كانَ عَبَّادٌ كَفِيئا لِدَارِم... بَلى، وَلأبْياتٍ بِها الحُجُرَات (١) يقول: بلى ولبني هاشم.
وذُكر أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في قوم من الأعراب جاءوا ينادون رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من وراء حجراته: يا محمد اخرج إلينا.
* ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أبو عمار المروزي، والحسن بن الحارث، قالا ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن البرّاء في قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: يا محمد إنّ حمدي زين، وإن ذمِّي شين، فقال: "ذَاكَ اللهُ تَباركَ وتَعَالى".
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن أبي إسحاق، عن البراء بمثله، إلا أنه قال: ذاكم الله عزّ وجلّ.
(١) في كتاب الكامل للمبرد (طبعة الحلبي ٨٥) : يقال: فلان كفاء فلان، وكفيء فلان، وكفء فلان؛ أي: عديله. ويروى أن الفرزدق بلغه أن رجلا من الحبطات بن عمرو بن تميم خطب امرأة من بني دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، فقال الفرزدق:
بَنُو دَارِمٍ أكْفاؤُهُمْ آلُ مِسْمَعٍ | وتنكح في أكفائها الحَبِطاتُ |
وَلَيْلَةٍ ذَاتِ نَدًى سَرَيت | ولَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاها لَيْتُ (١) |
(١) البيتان نسبهما المؤلف إلى رؤبة بن العجاج، ولم أجدهما في ديوانه ولا في ديوان أبيه العجاج. وأوردهما صاحب اللسان في (حنن) محمد ونسبهما على أبي الفقعسي. وقد استشهد بهما المؤلف مرة قبل هذه في (١٥: ٢) من هذه المطبوعة، عند أول سورة الإسراء. وشرحناهما شرحًا مفصلا يناسب هذه المقام، فراجعهما ثمة.
317
تأمرون وتأكلون، وإنما تسقط إذا سكن ما قبلها، ولا يحمل حرف في القرآن إذا أتى بلغة على آخر جاء بلغة خلافها إذا كانت اللغتان معروفتين في كلام العرب. وقد ذكرنا أن ألت ولات لغتان معروفتان من كلامهم.
وقوله (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو عفو أيها الأعراب لمن أطاعه، وتاب إليه من سالف ذنوبه، فأطيعوه، وانتهوا إلى أمره ونهيه، يغفر لكم ذنوبكم، رحيم بخلقه التائبين إليه أن يعاقبهم بعد توبتهم من ذنوبهم على ما تابوا منه، فتوبوا إليه يرحمكم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) غفور للذنوب الكثيرة أو الكبيرة، شكّ يزيد، رحيم بعباده.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) ﴾
يقول تعالى ذكره للأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم: إنما المؤمنون أيها القوم الذين صدّقوا الله ورسوله، ثم لم يرتابوا، يقول: ثم لم يشكوا في وحدانية الله، ولا في نبوّة نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وألزم نفسه طاعة الله وطاعة رسوله، والعمل بما وجب عليه من فرائض الله بغير شكّ منه في وجوب ذلك عليه (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يقول: جاهدوا المشركين بإنفاق أموالهم، وبذل مُهجِهم في جهادهم، على ما أمرهم الله به من جهادهم، وذلك سبيله لتكون كلمة الله العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
وقوله (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) يقول: هؤلاء الذين يفعلون ذلك هم الصادقون في قولهم: إنا مؤمنون، لا من دخل في الملة خوف السيف ليحقن دمه وماله.
وقوله (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقول تعالى ذكره: إن الله ذو عفو أيها الأعراب لمن أطاعه، وتاب إليه من سالف ذنوبه، فأطيعوه، وانتهوا إلى أمره ونهيه، يغفر لكم ذنوبكم، رحيم بخلقه التائبين إليه أن يعاقبهم بعد توبتهم من ذنوبهم على ما تابوا منه، فتوبوا إليه يرحمكم.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) غفور للذنوب الكثيرة أو الكبيرة، شكّ يزيد، رحيم بعباده.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) ﴾
يقول تعالى ذكره للأعراب الذين قالوا آمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم: إنما المؤمنون أيها القوم الذين صدّقوا الله ورسوله، ثم لم يرتابوا، يقول: ثم لم يشكوا في وحدانية الله، ولا في نبوّة نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وألزم نفسه طاعة الله وطاعة رسوله، والعمل بما وجب عليه من فرائض الله بغير شكّ منه في وجوب ذلك عليه (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يقول: جاهدوا المشركين بإنفاق أموالهم، وبذل مُهجِهم في جهادهم، على ما أمرهم الله به من جهادهم، وذلك سبيله لتكون كلمة الله العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
وقوله (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) يقول: هؤلاء الذين يفعلون ذلك هم الصادقون في قولهم: إنا مؤمنون، لا من دخل في الملة خوف السيف ليحقن دمه وماله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) قال: صدّقوا إيمانهم بأعمالهم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم (١٦) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم: (أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ) أيها القوم بدينكم، يعني بطاعتكم ربكم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) يقول: والله الذي تعلِّمونه أنكم مؤمنون، علام جميع ما في السموات السبع والأرضين السبع، لا يخفى عليه منه شيء، فكيف تعلمونه بدينكم، والذي أنتم عليه من الإيمان، وهو لا يخفى عليه خافية، في سماء ولا أرض، فيخفى عليه ما أنتم عليه من الدين (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يقول: والله بكلّ ما كان، وما هو كائن، وبما يكون ذو علم. وإنما هذا تقدّم من الله إلى هؤلاء الأعراب بالنهي، عن أن يكذّبوا ويقولوا غير الذي هم عليه في دينهم. يقول: الله محيط بكلّ شيء عالم به، فاحذروا أن تقولوا خلاف ما يعلم من ضمائر صدوركم، فينالكم عقوبته، فإنه لا يخفى عليه شيء.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يمنّ عليك هؤلاء
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) قال: صدّقوا إيمانهم بأعمالهم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم (١٦) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم: (أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ) أيها القوم بدينكم، يعني بطاعتكم ربكم (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) يقول: والله الذي تعلِّمونه أنكم مؤمنون، علام جميع ما في السموات السبع والأرضين السبع، لا يخفى عليه منه شيء، فكيف تعلمونه بدينكم، والذي أنتم عليه من الإيمان، وهو لا يخفى عليه خافية، في سماء ولا أرض، فيخفى عليه ما أنتم عليه من الدين (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يقول: والله بكلّ ما كان، وما هو كائن، وبما يكون ذو علم. وإنما هذا تقدّم من الله إلى هؤلاء الأعراب بالنهي، عن أن يكذّبوا ويقولوا غير الذي هم عليه في دينهم. يقول: الله محيط بكلّ شيء عالم به، فاحذروا أن تقولوا خلاف ما يعلم من ضمائر صدوركم، فينالكم عقوبته، فإنه لا يخفى عليه شيء.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧) ﴾
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يمنّ عليك هؤلاء
319
الأعراب يا محمد أن أسلموا (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ) يقول: بل الله يمن عليكم أيها القوم أن وفقكم للإيمان به وبرسوله (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يقول: إن كنتم صادقين في قولكم آمنا، فإن الله هو الذي منّ عليكم بأن هداكم له، فلا تمنوا عليّ بإسلامكم.
وذُكر أن هؤلاء الأعراب من بني أسد، امتنوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقالوا: آمنا من غير قتال، ولم نقاتلك كما قاتلك غيرنا، فأنزل الله فيهم هذه الآيات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير في هذه الآية (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أهم بنو أسد؟ قال: قد قيل ذلك.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سهل بن يوسف، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: قلت لسعيد بن جُبَير (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أهم بنو أسد؟ قال: يزعمون ذاك.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، قال: كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد، أو بشر بن عطارد، ولبيد بن غالب عند الحجاج جالسين، فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد: نزلت في قومك بني تميم (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) فذكرت ذلك لسعيد بن جُبَير، فقال: إنه لو علم بآخر الآية أجابه (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) قالوا أسلمنا ولم تقاتلك بنو أسد.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لا تَمُنُّوا) أنا أسلمنا بغير قتال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (قُلْ) لهم (لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ
وذُكر أن هؤلاء الأعراب من بني أسد، امتنوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقالوا: آمنا من غير قتال، ولم نقاتلك كما قاتلك غيرنا، فأنزل الله فيهم هذه الآيات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير في هذه الآية (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أهم بنو أسد؟ قال: قد قيل ذلك.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سهل بن يوسف، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: قلت لسعيد بن جُبَير (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أهم بنو أسد؟ قال: يزعمون ذاك.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، قال: كان بشر بن غالب ولبيد بن عطارد، أو بشر بن عطارد، ولبيد بن غالب عند الحجاج جالسين، فقال بشر بن غالب للبيد بن عطارد: نزلت في قومك بني تميم (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ) فذكرت ذلك لسعيد بن جُبَير، فقال: إنه لو علم بآخر الآية أجابه (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) قالوا أسلمنا ولم تقاتلك بنو أسد.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (لا تَمُنُّوا) أنا أسلمنا بغير قتال لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله لنبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: (قُلْ) لهم (لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ
320
عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ).
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) قال: فهذه الآيات نزلت في الأعراب.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الأعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب، ومن الداخل منكم في ملة الإسلام رغبة فيه، ومن الداخل فيه رهبة من رسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وجنده، فلا تعلمونا دينكم وضمائر صدوركم، فإن الله يعلم ما تكنه ضمائر صدوركم، وتحدّثون به أنفسكم، ويعلم ما غاب عنكم، فاستسرّ في خبايا السموات والأرض، لا يخفى عليه شيء من ذلك (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) يقول: والله ذو بصر بأعمالكم التي تعملونها، أجهرا تعملون أم سرّا، طاعة تعملون أو معصية؟ وهو مجازيكم على جميع ذلك، إن خيرا فخير، وان شرّا فشرّ وكُفُؤه.
و (أنْ) في قوله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) في موضع نصب بوقوع يمنون عليها، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ إِسْلامَهُمْ)، وذلك دليل على صحة ما قلنا، ولو قيل: هي نصب بمعنى: يمنون عليك لأن أسلموا، لكان وجها يتجه. وقال بعض أهل العربية: هي في موضع خفض. بمعنى: لأن أسلموا.
وأما (أن) التي في قوله (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ) فإنها في موضع نصب بسقوط الصلة لأن معنى الكلام: بل الله يمنّ عليكم بأن هداكم للإيمان.
آخر تفسير سورة الحجرات
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) قال: فهذه الآيات نزلت في الأعراب.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: إن الله أيها الأعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب، ومن الداخل منكم في ملة الإسلام رغبة فيه، ومن الداخل فيه رهبة من رسولنا محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وجنده، فلا تعلمونا دينكم وضمائر صدوركم، فإن الله يعلم ما تكنه ضمائر صدوركم، وتحدّثون به أنفسكم، ويعلم ما غاب عنكم، فاستسرّ في خبايا السموات والأرض، لا يخفى عليه شيء من ذلك (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) يقول: والله ذو بصر بأعمالكم التي تعملونها، أجهرا تعملون أم سرّا، طاعة تعملون أو معصية؟ وهو مجازيكم على جميع ذلك، إن خيرا فخير، وان شرّا فشرّ وكُفُؤه.
و (أنْ) في قوله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) في موضع نصب بوقوع يمنون عليها، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ إِسْلامَهُمْ)، وذلك دليل على صحة ما قلنا، ولو قيل: هي نصب بمعنى: يمنون عليك لأن أسلموا، لكان وجها يتجه. وقال بعض أهل العربية: هي في موضع خفض. بمعنى: لأن أسلموا.
وأما (أن) التي في قوله (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ) فإنها في موضع نصب بسقوط الصلة لأن معنى الكلام: بل الله يمنّ عليكم بأن هداكم للإيمان.
آخر تفسير سورة الحجرات