تفسير سورة المعارج

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة المعارج من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا ذكر علمه بالمكذبين بَيَّن تكذيب بعضهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * سَأَلَ ﴾: دعا ﴿ سَآئِلٌ ﴾: داع، هو نضر بن الحارث ﴿ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾: البتة ﴿ لِّلْكَافِرِينَ ﴾: بقوله: إن كان هذا... إلى آخره ﴿ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ ٱللَّهِ ﴾: لتعلق إراداته به ﴿ ذِي ٱلْمَعَارِجِ ﴾: للطاعات أو للملك ﴿ تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ ﴾: أرواح المؤمنين أو جبريل ﴿ إِلَيْهِ ﴾: أي: إلى محل أمره ﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾: للكافرين وهو القيامة، وأما للمؤمن فأخف من صلاة مكتوبة، أو يعرجون إلى عرشه في يوم كذلك من حيث إنه لو قطعه إنسان لقطعه كذلك، لأن غلظ كل سماء وأرض خمسمائة عام، ومن السماء السابعة إلى العرش ستة وثلاثون ألف، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، والأول مرفوع، وأما ورود ألف سنة فقيل: يريد قدر صعودهم إلى السماء الدنيا وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الله تعالى أعلم به ﴿ فَٱصْبِرْ ﴾: على أذاهم ﴿ صَبْراً جَمِيلاً ﴾: بلا ضيق ونسخ بالقتال ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ ﴾: العذاب ﴿ بَعِيداً ﴾: من الإمكان ﴿ وَنَرَاهُ قَرِيباً ﴾: من الوقوع ﴿ يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ ﴾: مذاب الفلزات ﴿ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ﴾: الصوف المَنْدُوف ﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ ﴾: قريب ﴿ حَمِيماً ﴾ للهول ﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ ﴾: أي: الأحماء بعضهم بعضا بلا تكلم ﴿ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ ﴾: أن ﴿ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ ﴾: زوجته ﴿ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ ﴾: عشيرته أو أُمِّه ﴿ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ ﴾: تضمه في النّسب والشِّدّة ﴿ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ ﴾: الافتداء من النار ﴿ كَلاَّ ﴾: ردعٌ لما يوده ﴿ إِنَّهَا ﴾: النار ﴿ لَظَىٰ ﴾: لهبٌ خالصٌ. ﴿ نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ ﴾: الأطراف أو جمع شواة جلدة الرأس، وبعد نزعها تعاد ﴿ تَدْعُواْ ﴾: إلى نفسها ﴿ مَنْ أَدْبَرَ ﴾: عن الحق ﴿ وَتَوَلَّىٰ ﴾: عنه ﴿ وَجَمَعَ ﴾: المال ﴿ فَأَوْعَىٰ ﴾: فأمسكه في وعائه بلا أداء حق الله تدعوهم بأسمائهم ثم تلتقطهم التقاط الحبِّ ﴿ إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾: أي: شديد الحرص قليل الصبر وهو ﴿ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ ﴾: كمصيبة ﴿ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ ﴾: كسعة ﴿ مَنُوعاً ﴾: في غاية الإمساك ﴿ إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ ﴾: فهم محفوظون عن تلك الخصلة ﴿ ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ ﴾: مواظبون أولا يلتفتون فيه إلى شيء ﴿ وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ﴾: كالزكاة ﴿ لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ ﴾: المتعفف عن السؤال، فإنه يحسب غنيا فيحرم ﴿ وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ﴾: الجزاء فيخافونه ﴿ وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ﴾: خائفون ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ﴾: فلا يأْمنوه ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ ﴾: المتجاوزون الحلال، وفسر مرةً ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾: حافظون ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ ﴾: مُحافظون بلا كتمان ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾: بأدائها بفرائضها وسننها في أوقاتها، وقيل: الأول في الفرض والثاني في النفل ﴿ أُوْلَـٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ﴾: عند الله تعالى ﴿ فَمَالِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ ﴾ حولك ﴿ مُهْطِعِينَ ﴾: مُسرعين مادي أعناقهم ﴿ عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴾ أي: يمينك ﴿ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ ﴾: شمالك ﴿ عِزِينَ ﴾: جماعات في تفاريق وفي الحديث:" لا تكونوا عزين كحلق الجاهلية ". نزلت الآية لما كانوا يجتمعون حَوْله صلى الله عليه وسلم حِلقاً ويستهزءون بكلامه ويقولون: لئن دخلوا الجنة لندخلنها قبلهم ﴿ أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ﴾: بلا إيمان ﴿ كَلاَّ ﴾: ردع لطمعهم ﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ﴾: يعني نطفة قذرة، فلا تناسب عالم القدس إلا بالاستكمال بالطاعة ﴿ فَلآ ﴾: صلة ﴿ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ ﴾: للكواكب كما مر ﴿ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ * عَلَىٰ أَن ﴾: نهلكهم و ﴿ نُّبَدِّلَ ﴾: نأتي ببدلهم خلقا ﴿ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾: بمغلوبين فيه ﴿ فَذَرْهُمْ ﴾: اتركهم ﴿ يَخُوضُواْ ﴾: في أباطليهم ﴿ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ ﴾: فسر في الطور، ونسخ بالقتال ﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ ﴾: القبور ﴿ سِرَاعاً ﴾: مسرعين إلى المحشر ﴿ كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ ﴾: من أصنامهم ﴿ يُوفِضُونَ ﴾: يسرعون إلى المحشر ﴿ كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ ﴾: من أصناهم.
﴿ يُوفِضُونَ ﴾ يسرعون ليستلموها ﴿ خَٰشِعَةً ﴾: ذليلة ﴿ أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ﴾ تغشاهم ﴿ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾: في الدنيا.
سورة المعارج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المعارج) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الحاقة)، وقد أكدت وقوعَ يوم القيامة بأهواله العظيمة، التي يتجلى فيها جلالُ الله وعظمته، وقُدْرتُه الكاملة على الجزاء، وأن مَن استحق النار فسيدخلها، ومَن أكرمه الله بجِنانه فسيفوز بذلك، وخُتمت ببيانِ جزاء مَن آمن، وتهديدٍ شديد للكفار؛ حتى يعُودُوا عن كفرهم.

ترتيبها المصحفي
70
نوعها
مكية
ألفاظها
217
ترتيب نزولها
79
العد المدني الأول
44
العد المدني الأخير
44
العد البصري
44
العد الكوفي
44
العد الشامي
43

* سورة (المعارج):

سُمِّيت سورة (المعارج) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (المعارج) فيها؛ قال تعالى: {مِّنَ اْللَّهِ ذِي اْلْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]، قال ابنُ جريرٍ: «وقوله: {ذِي اْلْمَعَارِجِ} يعني: ذا العُلُوِّ، والدرجاتِ، والفواضلِ، والنِّعمِ». " جامع البيان" للطبري (29 /44).

1. المقدمة (١-٥).

2. مُنكِرو البعث (٦-٢١).

3. المؤمنون بالبعث (٢٢-٣٥).

4. هل يتساوى الجزاءانِ؟ (٣٦-٤١).

5. تهديدٌ شديد (٤٢-٤٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /343).

يقول ابن عاشور عن مقصدها: «تهديدُ الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثباتُ ذلك اليوم، ووصفُ أهواله.
ووصفُ شيء من جلال الله فيه، وتهويلُ دار العذاب - وهي جهنَّمُ -، وذكرُ أسباب استحقاق عذابها.
ومقابلةُ ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دارَ الكرامة، وهي أضدادُ صفات الكافرين.
وتثبيتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتسليتُه على ما يَلْقاه من المشركين.
ووصفُ كثيرٍ من خصال المسلمين التي بثها الإسلامُ فيهم، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخيرٍ منهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /153).