تفسير سورة المجادلة

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة المجادلة وهي مدنية كلها.

قَوْله: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا﴾ الْآيَة قَالَ: كَانَ طَلَاق أهل الْجَاهِلِيَّة ظِهَارًا، يَقُول الرجل لامْرَأَته: أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي، وَكَانَت خَوْلةُ بنت ثَعْلَبَة تَحت أَوْس بْن صَامت فَظَاهر مِنْهَا؛ فَأَتَت النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنَّه حِين كَبرت سني ظَاهر مني، قَالَ الْكَلْبِيّ: وَقَالَت: فَهَل من شَيْء يجمَعُني وإياه يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ لَهَا: مَا أُمِرْتُ فِيك بِشَيْء، ارجعي إِلَى بَيْتك فَإِن يأتني شَيْء أعلمتُك بِهِ. فَلَمَّا خرجت من عِنْده رفعتْ يديْها نحْوَ السّماءِ تَدْعُو اللَّه؛ فَأنْزل اللَّه: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا من القَوْل وزورا﴾ كذبا، حَيْثُ يَقُول: أنتِ عليّ كَظهر أُمِّي فيُحرم مَا أحل اللَّه قَالَ: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ﴾ عَنْهُم ﴿غَفُور﴾.
357
تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة ٣ إِلَى آيَة ٤.
358
﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يعودون لما قَالُوا﴾ يعودون إِلَى مَا حرَّمُوا أَي يُرِيدُونَ الْوَطْء ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ﴾ الْآيَة.
﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتلك حُدُود الله﴾ أَحْكَام اللَّه الَّتِي حدَّ فِي الظِّهَار من العِتق وَالصِّيَام وَالْإِطْعَام.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: (ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا) الْمَعْنى: ذَلِك الَّذِي وَصفنَا لتؤمنوا.
تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة ٥ إِلَى آيَة ٦.
﴿إِن الَّذين يحادون الله﴾ أَي: يعادون اللَّه ﴿وَرَسُولَهُ كُبِتُوا﴾ أخزوا ﴿كَمَا كبت﴾ أُخْزِي ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أنزلنَا آيَات بَيِّنَات﴾ الْقُرْآن.
﴿فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ ونسوه﴾ أحصى عَلَيْهِم مَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا ونسوه ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ شَاهد لأعمالهم.
تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة ٧ إِلَى آيَة ٨.
﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابعهم﴾ مَا يكون من خلْوَة ثَلَاثَة يسرُّون شَيْئا ويتناجون بِهِ، إِلَّا هُوَ رابعهم، أَي: عالمٌ بِهِ.
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَن النَّجْوَى﴾ هم الْيَهُود نُهُوا أَن يتناجوا بِمَعْصِيَة الله ومعصية الرَّسُول، والطعن فِي دين اللَّه ﴿ثُمَّ يعودون لما نهوا عَنهُ﴾ كَانُوا يخلون بَعضهم بِبَعْض ﴿ويتناجون بالإثم والعدوان﴾ (ل ٣٥٥) الْإِثْم: الْمعْصِيَة، والعدوان: الظُّلم ﴿وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ كَانُوا يسلمُونَ على النَّبِي وَأَصْحَابه فَيَقُولُونَ: السَّام عَلَيْكُم، والسَّامُ: الْمَوْت فِي قَول بَعضهم قَالَ: فَكَانَ رَسُول الله يرد عَلَيْهِم على حد السَّلَمِ؛ فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَأخْبرهُ أَنهم لَيْسُوا يَقُولُونَ ذَلِك على وَجه التَّحِيَّة فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه: " إِذا سلم عَلَيْكُم من أهل الْكتاب فَقولُوا: عَلَيْك ". أَي: عَلَيْك
359
مَا قلتَ.
﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا﴾ هلا ﴿يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ من السام أَي: إِن كَانَ نبيًّا فسيعذبنا اللَّه بِمَا نقُول. قَالَ اللَّه: ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فبئس الْمصير﴾.
تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة ٩ إِلَى آيَة ١١.
360
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ يَعْنِي: أقرُّوا بالألْسنة ﴿إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾ كَمَا صنعت الْيَهُود من هَذِه النَّجْوَى الَّتِي ذكر.
﴿إِنَّمَا النَّجْوَى من الشَّيْطَان﴾ الْآيَة تَفْسِير الْكَلْبِيّ: أَن الْمُنَافِقين كَانُوا إِذا غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو بعث سَرِيَّة يتغامزون بِالرجلِ إِذا رَأَوْهُ، وَعَلمُوا أَن لَهُ حميمًا فِي الْغَزْو، فيتناجون وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَيَقُول الرجل: مَا هَذَا إِلَّا شيءٌ قد بَلغهُمْ من حميمي، فَلَا يزَال من ذَلِك فِي غمّ وحزن، حَتَّى يقدم حميمه؛ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة.
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا﴾ أَي: توسَّعُوا ﴿فِي الْمَجَلِسِ﴾، تَفْسِير مُجَاهِد: يَعْنِي: مجلسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا
360
فَانشُزُوا} إِلَى كل خير من قتال الْعَدو، أَو أمْرٍ معروفٍ مَا كَانَ وَمعنى انشزوا: ارتفعوا ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ فِي الْآخِرَة على الَّذين آمنُوا، أَي: ليْسوا بعلماء.
يَحْيَى: عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي ".
يَحْيَى: عَنْ نُعَيْمِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " مُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحُوت فِي الْبَحْر ".
361
تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة ١٢ إِلَى آيَة ١٣.
362
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ تَفْسِير قَتَادَة قَالَ: كَانَ الناسُ أحفوا رَسُول الله بِالْمَسْأَلَة حَتَّى آذَوْه؛ فقطعهم اللَّه عَنهُ بِهَذِهِ الْآيَة: ﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ فَكَانَ أحدُهم لَا يَسْتَطِيع أَن يسْأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجَة؛ حَتَّى يقدمَ بيْن يَدي نَجوَاهُ صَدَقَة فاشتدَّ ذَلِك عَلَيْهِم،
فَأنْزل اللَّه هَذِه الْآيَة فنسختها: ﴿أَأَشْفَقْتُم أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ الله عَلَيْكُم فأقيموا الصَّلَاة﴾ أَي: أَتموا الصّلاة ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ أَتموا الزَّكَاة.
362
تَفْسِير سُورَة المجادلة من الْآيَة ١٤ إِلَى آيَة ٢١.
363
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم﴾ الْآيَة هم المُنَافِقُونَ توَلّوا الْمُشْركين ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ﴾ يَقُوله للْمُؤْمِنين مَا هم مِنْكُم فِي بَاطِن أَمرهم، إِنَّمَا يظهرون لكم الْإِيمَان وَلَيْسَ فِي قُلُوبهم ﴿وَلَا مِنْهُم﴾ يَعْنِي من الْمُشْركين فِي ظَاهر أَمرهم؛ لأَنهم يظهرون لكم الْإِيمَان، ويسّرون مَعَهم الشِّرْك ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب وهم يعلمُونَ﴾ أَنهم كاذبون، يحلف المُنَافِقُونَ أَنهم مُؤمنُونَ وَلَيْسوا بمؤمنين
﴿اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة﴾ حَلِفَهم اجْتنُّوا بهَا؛ حَتَّى لَا يُقْتَلُوا وَلَا تُسْبَى ذرِّيتهم، وَلَا تُؤْخَذ أَمْوَالهم.
﴿يَوْم يَبْعَثهُم الله جَمِيعًا﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَيحلفُونَ لَهُ﴾ أَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُؤمنين ﴿كَمَا يحلفُونَ لكم﴾ فِي الدُّنْيَا فتقبلون مِنْهُم ﴿وَيَحْسَبُونَ﴾ يحْسب المُنَافِقُونَ ﴿أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ أَي: أَن ذَلِك يجوز عِنْد اللَّه كَمَا جَازَ لَهُم عنْدكُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ يَوْم يحلفُونَ لَهُ
﴿استحوذ﴾ يَعْنِي استولى ﴿عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذكر الله﴾ أَن يذكروه بالإخلاص لَهُ ﴿أُولَئِكَ حزب الشَّيْطَان﴾ شيعةُ الشَّيْطَان ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَان هم الخاسرون﴾ خسروا
363
أنفسهم، فصاروا فِي النَّار، وخسروا الْجنَّة
364
﴿إِن الَّذين يحادون﴾ يعادون ﴿اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأذلين﴾ (ل ٣٥٦) يذلهم الله.
﴿كتب الله﴾ أَي: قضى اللَّه ﴿لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورسلي﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى غَلَبَة الرُّسُل على نَوْعَيْنِ: فَمن بُعِث مِنْهُم بِالْحَرْبِ فغالبٌ بِالْحَرْبِ، وَمن بُعث مِنْهُم بِغَيْر حَرْبٍ فَهُوَ غَالب بِالْحجَّةِ.
تَفْسِير سُورَة المجادلة آيَة ٢٢.
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الآخر يوادون﴾ يحبونَ ﴿من حاد﴾ أَي: من عادى ﴿اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ تَفْسِير الْحسن: إِنَّهُم المُنَافِقُونَ يوادون الْمُشْركين ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ﴾ يَعْنِي: جعل فِي قُلُوبهم ﴿الإِيمَانَ﴾ يَعْنِي: الْمُؤمنِينَ الَّذين لَا يوادون الْمُشْركين ﴿وأيدهم﴾ أعانهم ﴿بِروح مِنْهُ﴾ بنصرٍ مِنْهُ على الْمُشْركين ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضوا عَنهُ﴾ أَي: رَضوا ثَوَابه ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ الله﴾ جند اللَّه ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ الله﴾ جند الله ﴿هم المفلحون﴾ السُّعداءُ وهم أهل الْجنَّة.
364
تَفْسِير سُورَة الْحَشْر وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة الْحَشْر من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٤.
365
سورة المجادلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المجادلة) من السُّوَر المدنية، نزَلتْ لتحريم عادةٍ من عادات الجاهلية؛ وهي (الظِّهار)، وذلك في حادثةِ مظاهرة أوسِ بن الصامت مِن زوجِه خَوْلةَ، وقد جاءت السورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثبات علمِ الله، وإحاطتِه بكل شيء، ومِن كمال ألوهيته سبحانه: الحُكْمُ العدل فيما يصلُحُ لهم من الشرائع، وخُتمت السورة ببيان حال أعداء الله، وحالِ أوليائه.

ترتيبها المصحفي
58
نوعها
مدنية
ألفاظها
475
ترتيب نزولها
105
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
28

* قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيٓ إِلَى اْللَّهِ وَاْللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمْعُه الأصواتَ، لقد جاءت خَوْلةُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تشكو زوجَها، فكان يَخفَى عليَّ كلامُها؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه النسائي (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨).

* قوله تعالى: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «إنَّ اليهودَ كانوا يقولون لرسولِ اللهِ ﷺ: سامٌ عليك! ثم يقولون في أنفسِهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اْللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ} [المجادلة: 8]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٥٨٩).

* قوله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يدخُلُ عليكم رجُلٌ ينظُرُ بعينِ شيطانٍ، أو بعَيْنَيْ شيطانٍ»، قال: فدخَلَ رجُلٌ أزرَقُ، فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني -أو: شتَمْتَني، أو نحوَ هذا-؟ قال: وجعَلَ يَحلِفُ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ في المجادلةِ: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]، والآيةُ الأخرى». أخرجه أحمد (٢١٤٧).

قال محقِّقو "المسند" (4 /48): «قوله: «فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني؟»؛ كذا جاء في جميع الأصول، وكذلك هو في "مسند البزار"، وزيادة: «يا محمد» - كما قال الشيخُ أحمد شاكر- خطأٌ ينافي السياق؛ فإن الذي نُسِب إليه السبُّ والشَّتم هنا هو المنافقُ الأزرق، ورسولُ الله يَسأله ويتَّهِمُه، وهو يَحلِف كاذبًا يَتبرَّأ من التُّهمة، وقد جاء في "تفسير الطبري" على الصواب بإسقاطِ هذه الزيادة، وسيأتي على الصواب أيضًا عند أحمد (2407)»، انظر السبب الآتي.

* قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اْللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ اْلْكَٰذِبُونَ} [المجادلة: 18]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، أنَّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما حدَّثه، قال: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ظلِّ حُجْرةٍ مِن حُجَرِه، وعنده نَفَرٌ مِن المسلمين، قد كاد يَقلِصُ عنهم الظِّلُّ، قال: فقال: «إنَّه سيأتيكم إنسانٌ ينظُرُ إليكم بعَيْنَيْ شيطانٍ، فإذا أتاكم، فلا تُكلِّموه»، قال: فجاء رجُلٌ أزرَقُ، فدعاه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكلَّمَه، قال: «علامَ تَشتِمُني أنتَ، وفلانٌ، وفلانٌ؟»، نَفَرٌ دعَاهم بأسمائهم، قال: فذهَبَ الرَّجُلُ، فدعَاهم، فحلَفوا باللهِ واعتذَروا إليه، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ ...} [المجادلة: 18] الآيةَ» أخرجه أحمد (2407).

* سورةُ (المجادلة):

سُمِّيت سورةُ (المجادلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقصَّة مجادلةِ امرأةِ أوس بن الصامت عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وتُسمَّى كذلك بـ (قَدْ سَمِعَ)؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الظِّهار وكفَّارته (١-٤).

2. خَسارة مَن عادى اللهَ، وتعدَّى حدوده (٥-١٩).

3. حال أعداء الله، ومدحُ أوليائه (٢٠-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /34).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقصد السورةِ: «الحُكْمُ في قضيَّة مظاهرة أوسِ بن الصامت من زوجه خَوْلة.
وإبطالُ ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهَر منها زوجُها، وأن عملهم مخالفٌ لِما أراده الله، وأنه من أوهامهم وزُورِهم التي كبَتَهم اللهُ بإبطالها، وتخلَّصَ من ذلك إلى ضلالاتِ المنافقين؛ ومنها مناجاتُهم بمرأى المؤمنين ليَغِيظوهم ويحزُنوهم.
ومنها موالاتهم اليهودَ، وحَلِفُهم على الكذب، وتخلَّل ذلك التعرُّض لآداب مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم.

وشرع التصدُّق قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

والثناء على المؤمنين في مجافاتهم اليهودَ والمشركين.

وأن اللهَ ورسوله وحِزْبَهما هم الغالبون». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /6).