تفسير سورة المجادلة

تفسير الإمام مالك

تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب تفسير الإمام مالك
لمؤلفه مالك بن أنس . المتوفي سنة 179 هـ

الآية الأولى : قوله تعالى :﴿ الذين يظاهرون منكم من نسائهم ﴾ [ المجادلة : ٢ ].
٨٦٦- ابن العربي : قال : مالك : ليس على النساء تظاهر، إنما قال الله تعالى :﴿ الذين يظاهرون منكم من نسائهم ﴾ ولم يقل : واللاتي يظاهرن منكن من أزواجهن، إنما الظهار١ على الرجل. ٢
١ - الظهار: يقال: ظاهر الرجل من امرأته ظهارا، وتظهر، وتظاهر إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي وكان في الجاهلية طلاقا. وقيل: أنهم أرادوا: أنت علي كبطن أمي: أي كجماعها فكنوا بالظهر عن البطن للمجاورة وقيل إن إتيان المرأة وطهرها إلى السماء كان حراما عندهم وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة وجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد الرجل المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه شبهها بالظهر، ثم لم يقنع بذلك حتى جعلها كظهر أمه. وإنما عدي الظهار بمن لأنهم كانوا إذا ظاهروا المرأة تجنبوها كما يجتنبون المطلقة ويحترزون منها، فكأن قوله: ظاهر من امرأته: أي بعد واحترز منها، كما قيل: "آتى من امرأته فما مضن معنى التباعد عد بمن" النهاية: ٣/١٦٥. ينظر: أنيس الفقهاء: ١٦٢، والتعريفات: ١٤٤..
٢ - أحكام القرآن لابن العربي: ٤/ ١٧٥١. وزاد ابن العربي بعض الإيضاحات حول هذه المسألة قائلا: "هكذا روى ابن القاسم وسالم، ويحيى بن سعيد، وربيعة، وأبي الزناد، وهو صحيح معنى، لأن الحل والعقد والتحليل والتحريم في النكاح بيد الرجال، ليس بيد المرأة منه شيء وهذا إجماع" ينظر: الجامع: ١٧/ ٢٧٦، وتفسير ابن كثير: ٤/٣٢٢..
الآية الثانية : قوله تعالى :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير* فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ﴾ [ المجادلة : ٣-٤ ].
٨٦٧- يحيى : قال مالك، في قوله الله تعالى :﴿ والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾ قال : سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على إمساكها وإصابتها، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها، على إمساكها وإصابتها، فلا كفارة عليه. ١
قال مالك : فإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر.
قال مالك : قال الله تعالى في كفارة المتظاهر ﴿ فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير* فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ﴾.
قوله تعالى :﴿ فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ﴾ [ المجادلة : ٣ ].
٨٦٨- يحيى : قال مالك : إن أحسن ما سمع في الرقاب الواجبة، أنه لا يجوز أن يعتق فيها نصراني ولا يهودي، ولا يعتق فيها مكاتب ولا مدبر. ولا أم ولد معتق إلى سنين، ولا أعمى. ٢
قال مالك : " الرقاب الواجبة التي ذكر الله في الكتاب " ٣ فإنه لا يعتق فيها إلا رقبة مؤمنة.
١ - الموطأ: ٢/ ٥٦٠. كتاب الطلاق، باب ظهار الحر. قال الباجي في المنتقى عند شرح هذا الحديث: "قوله عز وجل: ﴿والذين يظهرون من نسائهم﴾ قال مالك: النساء واقع على الإماء الحرائر والإماء الزوجات والسراري. واحتج على ذلك بقوله تعالى: ﴿وأمهات نسائكم﴾ وهذا عام في الزوجات والسراري": ٤/٤٩-٥٠-٥١، والهداية: ٢٥٠ مخطوط خ. ح ٩٧٨٢، وأحكام القرآن للجصاص: ٣/ ٤٢١، والجامع: ١٧/٢٨٠-٢٨٢. وتفسير ابن كثير: ٤/ ٣٢٢، ولباب التأويل: ٧/ ٤٦ وروح المعاني: م ١٠ ج ٢٨/٨.
وقيل إن إتيان المرأة وطهرها إلى السماء كان حراما عندهم وكان أهل المدينة يقولون: إذا أتيت المرأة ووجهها إلى الأرض جاء الولد أحول، فلقصد الرجل المطلق منهم إلى التغليظ في تحريم امرأته عليه شبهها بالظهر، ثم لم يقنع بذلك حتى جعلها كظهر أمه. وإنما عدي الظهار بمن لأنهم كانوا إذا ظاهروا المرأة تجنبوها كما يجتنبون المطلقة ويحترزون منها، فكان قوله: ظاهر من امرأته: أي بعد واحترز منها، كما قيل: آتى من امرأته فما ضمن معنى التباعد عد بمن" النهاية: ٣/ ١٦٥. ينظر: أنيس الفقهاء": ١٦٢، والتعريفات: ١٤٤..

٢ -الموطأ: ٢/٧٧٨، كتاب العتاق والولاء، باب ما لا يجوز من العتق في الرقاب الواجبة..
٣ - هي قوله تعالى: ﴿ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، دية مسلمة إلى أهله﴾ النساء/٩٢.
وقوله تعالى: ﴿فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة﴾ النساء/٩٢.
وقوله تعالى: ﴿وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة﴾ النساء/ ٩٢.
وقوله تعالى: ﴿من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة﴾ المائدة/ ٨٩.
وقوله تعالى: ﴿ما أدراك ما العقبة، فك رقبة﴾ البلد/١٣.
وقوله تعالى: ﴿والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب﴾ البقرة /١٧٧.
وقوله تعالى: ﴿والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب﴾ التوبة/٦٠..

الآية الثالثة : قوله تعالى :﴿ فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ﴾ [ المجادلة : ٤ ].
٨٦٩- يحيى : سمعت مالكا يقول : أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين، في قتل خطأ أو تظاهر، فعرض له مرض يغلبه ويقطع عليه صيامه، أنه إن صح من مرضه وقوي الصيام، فليس له أن يؤخر ذلك وهو يبني على ما قد مضى من صيامه.
وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله، أن يفطر إلا من علة : مرض، أو حيضة، وليس له أن يسافر فيفطر. ١قال مالك : وهذا أحسن ما سمعت في ذلك.
٨٧٠- يحيى : قال مالك : وأحب إلي أن يكون، ما سمى الله في القرآن يصام متتابعا. ٢.
قوله تعالى :﴿ فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ﴾ [ المجادلة : ٤ ].
٨٧١- ابن العربي : قال مالك في رواية ابن القاسم، وابن عبد الحكم مد بمد شام، وهو الشبع هاهنا، لأن الله تعالى أطلق الطعام ولم يذكر الوسط. ٣
وقال :- يعني مالكا- في رواية أشهب : مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : ألم تكن قلت : مد هشام ؟ قال : بلى، ومدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي. وكذلك قال عنه ابن القاسم أيضا. ومد هشام هو مدان غير ثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم. قال أشهب : قلت له : أيختلف الشبع عندنا وعندكم ؟.
قال : نعم الشبع عندنا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، والشبع عندكم أكثر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا البركة دونكم، وأنتم تأكلون أكثر مما نأكل نحن، وهذا بين جدا.
٨٧٢- يحيى : قال مالك في إطعام المساكين في الكفارات : لا ينبغي أن يطعم فيها إلا المسلمون، ولا يطعم فيها أحد على غير دين الإسلام ٤.
١ - الموطأ: ١/٣٠١ كتاب الصوم. باب صيام الذي قتل خطأ أو تظاهر..
٢ - الموطأ: ١/٣٠٤، باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات..
٣ - أحكام القرآن لابن العربي: ٤/ ١٧٥٦، وقد تعقبه ابن العربي بحديث طويل قائلا: "وقع الكلام هاهنا كما ترون في مد هشام، وددت أن يهشم الزمان ذكره، ويمحو في الكتب رسمه، فإن المدينة التي نزل الوحي بها، واستقر بها الرسول، ووقع عندهم الظهار وقيل لهم فيه: ﴿فإطعام ستين مسكينا﴾ فهموه وعرفوا المراد به، وأنه الشبع، وقدره معروف عندهم متقدر لديهم، فقد كانوا يجوعون لحاجة ويشبعون بسنة لا بشوة، ومجاعة وقد ورد ذكر الشبع في الأخبار كثيرا. وقد تكلمنا على هذه الأنوار واستمر الحال على ذلك أيام الخلفاء الراشدين المهديين، ثم نفخ الشيطان في أذن هشام، فرأى مد النبي صلى الله عليه وسلم لا يشبعه، ولا مثله من حاشية ونظائره، فسول له أن يتخذ مدا يكون فيه شبعه، فجعله رطلين، وحمل الناس عليه، فإذا ابتل عاد نحو ثلاثة أرطال، فغير السنة، وأذهب محل البركة. قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا ربه لأهل المدينة بالبركة لهم في مدهم وصاعهم: مثل ما بارك لإبراهيم بمكة. فكانت البركة تجري بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مده، فسعى الشيطان في تغيير هذه السنة وإذهاب البركة. فلم يستجب له في ذلك إلا هشام، فكان من حق العلماء أن يلغوا ذكره، ويمحوا رسمه، إذ لم يغيروا أمره، وأما أن يحيلوا على ذكره في الأحكام ويجعلوه تفسيرا لما ذكره الله ورسوله بعد أن كان مفسرا عند الصحابة الذين نزل عليهم فخطب جسيم، ولذلك كانت رواية أشهب في ذكر مد النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الظهار أحب إلينا من الرواية بأنها بمد هشام. ألا ترى كيف نبه مالك هذا العلم بقوله لأشهب: الشبع عندنا بمد النبي صلى الله عليه وسلم والشبع عندكم أكثر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة، وبهذا أقول، فإن العبادات إذا أديت بالسنة، فإن كانت في البدن كان أسرع للقبول. وإن كانت في المال كان قليلها أثقل في الميزان وأبرك في يد الأخذ، وأطيب في شدقه، وأقل آفة في بطنه، وأكثر إقامة لصلبه، والله الموفق لا رب غيره" ٤/١٧٥٦-١٧٥٧. ينظر: الهداية لمكي: ٢٥١ مخطوط خ. ح ٩٧٨٢، والجامع: ١٧/٢٨٥-٢٨٦-٢٨٧..
٤ - الموطأ: ٢/٧٧٨، كتاب العتاق والولاء، باب ما لا يجوز من العتق في الرقاب الواجبة..
الآية الرابعة : قوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكمِ ﴾[ المجادلة : ١١ ].
٨٧٣- ابن العربي : روى ابن القاسم عن مالك قال : إن الآية في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ومجالسنا هذه، وإن الآية عامة في كل مجلس ١.
قوله تعالى :﴿ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ﴾[ المجادلة : ١١ ].
٨٧٤- ابن العربي : قال يحيى بن يحيى عن مالك : إن قوله :﴿ يرفع الله الذين آمنوا ﴾ الصحابة، ﴿ والذين أوتوا العلم درجات ﴾، يرفع الله بها العالم والطالب للحق ٢.
١ - أحكام القرآن لابن العربي: ٤/١٧٦١. ينظر: الهداية: ٢٥٣ مخطوط خ. ح وفي البيان والتحصيل: قال ابن رشد: "قيل له – يعني مالكا- أهي هذه المجالس؟ قال: نعم، ومجلس النبي صلى الله عليه وسلم": ١٨/١١١..
٢ - أحكام القرآن لابن العربي: ٤/ ١٧٦١. وزاد ابن العربي قائلا: "والعموم أوقع في المسألة، وأولى بمعنى الآية والله أعلم. ينظر: الجامع: ١٧/ ٢٩٩..
الآية الخامسة : قوله تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ﴾[ المجادلة : ٢٢ ].
٨٧٥- ابن العربي : روى ابن وهب، عن مالك : لا تجالس القدرية وعادهم في الله لقول الله تعالى :﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ﴾. ١
١ - أحكام القرآن لابن العربي: ٤/١٧٦٣. زاد ابن العربي كلاما موضحا فيه هذه المسألة قال: "قد بينا فيما سلف من كلامنا في هذه الأحكام بدائع استنباط مالك من كتاب الله تعالى، وقد كان حفيا بأهل التوحيد غريبا بالمبتدعة يأخذ عليهم جانب الحجة من القرآن ومن أجله أخذه لهم من هذه الآية، فإن القدرية تدعي أنها تخلق كما يخلق الله، وأنها تأتي بما يكره الله ولا يريده، ولا يقدر على رد ذلك.
وقد روي أن مجوسيا ناظر قدريا، فقال القدري للمجوسي: ما لك لا تؤمن؟ فقال له المجوسي: لو شاء الله لأمنت. قال له القدري قد شاء الله، ولكن الشيطان يصدك، قال المجوسي: فدعني مع أقواهما". ينظر: الجامع: ١٧/٣٠٨.
وفي البيان والتحصيل لابن رشد، قال: وسألته – يعني مالكا- عن مجالسة القدرية وكلامهم فقال لي: لا تكلمهم ولا تقعد إليهم إلا أن تجلس إليهم تغلظ عليهم قلت: إن لنا جيرانا لا أكلمهم ولا أخاصمهم، فقال: لا تجالسهم عادهم في الله، يقول الله عز وجل: ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله﴾ [المجادلة: ٢٢] فلا توادهم.
قال مالك: ما أبين هذا في الرد على أهل القدر: ﴿لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم﴾ [التوبة: ١١٠] وقوله تعالى: ﴿أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ [هود: ٣٦] فهذا لا يكون أبدا ولا يرجع ولا يزال. قال: وسئل عن عيادة أهل القدر، قال: "لا تعودوهم ولا تحدث عنهم الأحاديث": ١٨/ ٢١٠.
وفي الاعتصام للشاطبي قال: "حكي عن مالك أنه قال: لا تجالس القدري ولا تكلمه إلا أن تجلس إليه، فتغلظ عليه، لقوله تعالى: ﴿ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله﴾. فلا توادوهم}. ١/١٣١..

سورة المجادلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المجادلة) من السُّوَر المدنية، نزَلتْ لتحريم عادةٍ من عادات الجاهلية؛ وهي (الظِّهار)، وذلك في حادثةِ مظاهرة أوسِ بن الصامت مِن زوجِه خَوْلةَ، وقد جاءت السورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثبات علمِ الله، وإحاطتِه بكل شيء، ومِن كمال ألوهيته سبحانه: الحُكْمُ العدل فيما يصلُحُ لهم من الشرائع، وخُتمت السورة ببيان حال أعداء الله، وحالِ أوليائه.

ترتيبها المصحفي
58
نوعها
مدنية
ألفاظها
475
ترتيب نزولها
105
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
28

* قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيٓ إِلَى اْللَّهِ وَاْللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمْعُه الأصواتَ، لقد جاءت خَوْلةُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تشكو زوجَها، فكان يَخفَى عليَّ كلامُها؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه النسائي (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨).

* قوله تعالى: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «إنَّ اليهودَ كانوا يقولون لرسولِ اللهِ ﷺ: سامٌ عليك! ثم يقولون في أنفسِهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اْللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ} [المجادلة: 8]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٥٨٩).

* قوله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يدخُلُ عليكم رجُلٌ ينظُرُ بعينِ شيطانٍ، أو بعَيْنَيْ شيطانٍ»، قال: فدخَلَ رجُلٌ أزرَقُ، فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني -أو: شتَمْتَني، أو نحوَ هذا-؟ قال: وجعَلَ يَحلِفُ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ في المجادلةِ: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]، والآيةُ الأخرى». أخرجه أحمد (٢١٤٧).

قال محقِّقو "المسند" (4 /48): «قوله: «فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني؟»؛ كذا جاء في جميع الأصول، وكذلك هو في "مسند البزار"، وزيادة: «يا محمد» - كما قال الشيخُ أحمد شاكر- خطأٌ ينافي السياق؛ فإن الذي نُسِب إليه السبُّ والشَّتم هنا هو المنافقُ الأزرق، ورسولُ الله يَسأله ويتَّهِمُه، وهو يَحلِف كاذبًا يَتبرَّأ من التُّهمة، وقد جاء في "تفسير الطبري" على الصواب بإسقاطِ هذه الزيادة، وسيأتي على الصواب أيضًا عند أحمد (2407)»، انظر السبب الآتي.

* قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اْللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ اْلْكَٰذِبُونَ} [المجادلة: 18]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، أنَّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما حدَّثه، قال: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ظلِّ حُجْرةٍ مِن حُجَرِه، وعنده نَفَرٌ مِن المسلمين، قد كاد يَقلِصُ عنهم الظِّلُّ، قال: فقال: «إنَّه سيأتيكم إنسانٌ ينظُرُ إليكم بعَيْنَيْ شيطانٍ، فإذا أتاكم، فلا تُكلِّموه»، قال: فجاء رجُلٌ أزرَقُ، فدعاه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكلَّمَه، قال: «علامَ تَشتِمُني أنتَ، وفلانٌ، وفلانٌ؟»، نَفَرٌ دعَاهم بأسمائهم، قال: فذهَبَ الرَّجُلُ، فدعَاهم، فحلَفوا باللهِ واعتذَروا إليه، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ ...} [المجادلة: 18] الآيةَ» أخرجه أحمد (2407).

* سورةُ (المجادلة):

سُمِّيت سورةُ (المجادلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقصَّة مجادلةِ امرأةِ أوس بن الصامت عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وتُسمَّى كذلك بـ (قَدْ سَمِعَ)؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الظِّهار وكفَّارته (١-٤).

2. خَسارة مَن عادى اللهَ، وتعدَّى حدوده (٥-١٩).

3. حال أعداء الله، ومدحُ أوليائه (٢٠-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /34).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقصد السورةِ: «الحُكْمُ في قضيَّة مظاهرة أوسِ بن الصامت من زوجه خَوْلة.
وإبطالُ ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهَر منها زوجُها، وأن عملهم مخالفٌ لِما أراده الله، وأنه من أوهامهم وزُورِهم التي كبَتَهم اللهُ بإبطالها، وتخلَّصَ من ذلك إلى ضلالاتِ المنافقين؛ ومنها مناجاتُهم بمرأى المؤمنين ليَغِيظوهم ويحزُنوهم.
ومنها موالاتهم اليهودَ، وحَلِفُهم على الكذب، وتخلَّل ذلك التعرُّض لآداب مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم.

وشرع التصدُّق قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

والثناء على المؤمنين في مجافاتهم اليهودَ والمشركين.

وأن اللهَ ورسوله وحِزْبَهما هم الغالبون». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /6).