تفسير سورة المجادلة

أوضح التفاسير

تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير.
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي﴾ شأن ﴿زَوْجِهَا﴾ هي خولة بنت ثعلبة، امرأة أوسبن الصامت؛ وقد كان راودها فأبت، فغضب منها وظاهرها؛ فأتت رسولالله، وقالت له: إن لي منه صبية صغاراً، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا. فقال لها: حرمت عليه. فقالت: يا رسول الله إنه ما ذكر طلاقاً، وهو أبو ولدي، وأحب الناس إليَّ. فقال عليه الصلاة والسلام: حرمت عليه. فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي فنزلت هذه الآيات
﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ﴾ المظاهرة: أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي. فتبين منه ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ﴾ تنكره العقول؛ إذ ليست الأزواج بأمهات ﴿وَزُوراً﴾ باطلاً وكذباً
﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ﴾ أي يعودون لما حرموه على أنفسهم؛ مما أحله الله تعالى لهم. أو «يعودون» عما قالوه من الظهار، ويرغبون في إعادة أزواجهم إليهم ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أي أن يعتق عبداً مملوكاً؛ عقوبة له على تحريم ما أحله الله تعالى (انظر آية ١٧٧ من سورة البقرة) ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا﴾ أي يعتق قبل أن يمس زوجته؛ بل تظل كالمطلقة ﴿ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ﴾ أي تتعظون به، وتتأدبون؛ فلا تعودون إلى الظهار
﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ أي لم يكن في ملكه عبيد أرقاء، ولم يكن عنده مال يشتري به ويعتق ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ بحيث إنه إذا أفطر أثناءهما - ولو في اليوم الأخير - وجب عليه إعادة صوم الشهرين ابتداء ﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ الصيام؛ لمرض، أو كبر، أو مشقة ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً﴾ من أوسط ما يطعم أهله؛ بشرط إشباعهم طول يومهم؛ وذلك الإعتاق، والصيام، والإطعام ﴿لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ فلا أدل على الإيمان من الطاعة والنزول على أمره تعالى
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ﴾
يعادون ﴿كُبِتُواْ﴾ أذلوا وأخزوا، وردوا بغيظهم من كفار الأمم السابقة: الذين عصوا رسلهم، وعادوهم وآذوهم
﴿فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ﴾ من سوء ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾ عليهم، وكتبه في صحائف أعمالهم
-[٦٧٢]- ﴿وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ يحدث ﴿شَهِيدٌ﴾ مشاهد له، وعالم به
﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ النجوى: المسارة. والمعنى أنه تعالى حاضر معهم، مطلع على أحوالهم وأعمالهم، وما تهجس به أفئدتهم ﴿وَلاَ أَدْنَى﴾ أقل من الثلاثة ﴿وَلاَ أَكْثَرَ﴾ من الخمسة؛ ولو بلغوا آلاف الآلاف ﴿إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ﴾ في أقطار السموات، أو في أعماق المحيطات
﴿عَنِ النَّجْوَى﴾ عن المسارة ﴿وَإِذَا جَآءُوكَ﴾ ودخلوا عليك ﴿حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ كانوا يقولون للرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه: السام عليك؛ مكان السلام عليك. والسام: الموت ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا اللَّهُ﴾ أي هلا يعذبنا ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ أي كافيتهم ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ يدخلونها
﴿إِذَا تَنَاجَيْتُمْ﴾ تساررتم ﴿وَتَنَاجَوْاْ بِالْبِرِّ﴾ يعني لا تكون مسارتكم إلا بقصد البر بالناس ﴿وَالتَّقْوَى﴾ خشية الله تعالى؛ وهي تشمل كل خير وبر قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾ ﴿وَاتَّقُواْ اللَّهَ﴾ خافوه، واخشوا عذابه، واعملوا ما يرضيه ﴿الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
تجمعون يوم القيامة؛ فيحاسبكم على ما فعلتم من سوء، ويجزيكم على ما قدمتم من خير
﴿إِنَّمَا النَّجْوَى﴾ المسارة بالإثم والمعصية؛ كأن يناجي إنسان إنساناً على إذاية آخر، أو يناجيه على ارتكاب محرم؛ فكل هذا ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ يوعز به لبني الإنسان ﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ وهم الذين لم يستمعوا للنجوى؛ بل رأوا المتناجين فظنوا أنها ضدهم. وقيل: كان الرجل يأتي الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فيسأله حاجته؛ فكان إبليس اللعين يوسوس إليهم: إنه ناجى الرسول بشأن شدة الأعداء، وكثرة جموعهم؛ فيحزن المؤمنون لذلك
-[٦٧٣]- ﴿وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ﴾ أي ليس الشيطان بضار أحد من المؤمنين، أو من المتناجي ضدهم ﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾ وحده ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ في سائر أمورهم وأحوالهم؛ فهو جل شأنه لا شك ناصرهم ومعينهم (انظر آية ٨١ من سورة النساء)
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ والتفسح في المجالس من أكرم الخلال الإسلامية والخلق الإنسانية فيجب على كل مؤمن أن يفسح لأخيه الذي يريد الجلوس، أو الصلاة؛ ولو لم يقل بلسانه ﴿وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ﴾ أي إذا قيل: انهضوا وانصرفوا، فانصرفوا: ولا ينتظرن أحدكم أن يقال له ذلك في مجلس من المجالس؛ بل عليه أن يراعي حالة الجالسين إليه، وأنسهم به؛ فإذا ما افتقد رعايتهم له، واهتمامهم بأمره: انصرف مشكوراً مأجوراً؛ قبل أن تمجه الأسماع، وتعافه الأبصار وهذا هو الأدب الرباني، والخلق القرآني؛ فاستمسك به أيها المؤمن: تعش سالماً من البغض، آمناً من الحقد وقيل: كان ذلك في مجالس الرسول خاصة والأولى أنها عامة ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ﴾ وعملوا بطاعة الله تعالى، وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ كل بقدر عمله بعلمه. فمنهم من يعلم ولا يعمل، ومنهم من يعلم ويعمل؛ ولكنه فاسد الذوق، بليد الإحساس؛ يأتي سائر المكروهات، ويرتكب سائر المحرمات: فتراه يناجي من بجانبه بلا سبب، ويجلس مكان أربعة رجال بسبب عنجهيته، ولا يفسح المكان إذا ضاق بمن فيه، ولا يقوم من مجلسه - رغم بغض الجالسين له - حتى يكون عليهم كالطاعون؛ بل وشر من الطاعون فماذا أفاد علمه بجانب هذا الإحساس البارد، والذوق السمج؟ ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من خير أو شر ﴿خَبِيرٌ﴾ فيجازيكم عليه؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾ أردتم محادثته سراً؛ لأمر يهمكم ﴿فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ هو حث على التصدق؛ عند طلب الحاجة من الله تعالى، أو من رسوله عليه الصلاة والسلام. وذلك كقوله: «داووا مرضاكم بالصدقة» وهي نعم الدواء عن تجربة ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ﴾ ما تتصدقون به عند مناجاة الرسول، أو عند الدعاء ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لكم ﴿رَّحِيمٌ﴾ بكم
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً﴾ صادقوهم، واتخذوهم أولياء. والمراد بالقوم: بعض اليهود لعنهم الله تعالى ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ﴾ أي ليسوا من المؤمنين، ولا من اليهود؛ بل هم منافقون
﴿اتَّخَذْواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ ستراً ووقاية لنفاقهم؛ يحلفون لك لتصدقهم، وما هم بصادقين ﴿فَصَدُّواْ﴾ بتوليهم اليهود ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ عن دينه؛ فهؤلاء
﴿لَّن تُغْنِيَ﴾ لن تدفع ﴿عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ﴾ التي يجمعونها ﴿وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ﴾ الذين يعتزون بهم ﴿مِّنَ اللَّهِ﴾ من عقوبته وعذابه
﴿فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ في الآخرة كذباً. قال تعالى: «ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين» ﴿كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ الآن في الدنيا ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ﴾ بحلفهم هذا ﴿عَلَى شَيْءٍ﴾ بأن ينفعهم حلفهم في الآخرة؛ ويتخذونه «جنة» كما اتخذوه في الدنيا ﴿أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ في الدنيا والآخرة
﴿اسْتَحْوَذَ﴾ استولى ﴿فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ تذكره، والعمل بأوامره
﴿يُحَآدُّونَ﴾ يعادون ﴿أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ﴾ المغلوبين، المعذبين يوم القيامة
﴿كَتَبَ اللَّهُ﴾ قضى، وخط في أم الكتاب، وقال؛ وقوله الحق ﴿لأَغْلِبَنَّ﴾ الكافرين ﴿أَنَاْ وَرُسُلِي﴾ بالحجة، والسيف؛ وذلك لأن الذلة للكافرين والمنافقين ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
﴿لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ﴾ يتحببون إلى ﴿مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ عاداهما، وخالف أمر الله ونهيه ﴿وَلَوْ كَانُواْ﴾ هؤلاء المحادون المعاندون ﴿آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ بل يضعون مكان الود البغض، ومكان الحب الحرب.
نفى تعالى الإيمان عمن يواد الكفار ﴿وَلَوْ كَانُواْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ ويقاس على ذلك العصاة والفسقة. وهل بعد مخالفة الله تعالى ورسوله، ومجاهرتهما بالعصيان من محادة؟ فليتدبر هذا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴿أُوْلَئِكَ﴾ إشارة إلى من استمع لكلام ربه، واتبع توجيهه ونصحه؛ فلم يتخذ من الكافرين والفاجرين أولياء، أو أحباء؛ فهؤلاء ﴿كَتَبَ﴾ الله تعالى ﴿فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ﴾ جزاء بغضهم لمن يكره، وحبهم لمن يحب فواجب المؤمن أن يحب في الله، ويبغض في الله ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ بقوة منه. وقيل: الضمير في «منه» راجع للإيمان؛ أي وأيدهم بروح من الإيمان؛ فازدادوا إيماناً ويقيناً، والإيمان في ذاته: روح القلوب وحياتها
-[٦٧٥]- ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ أرقى المراتب التي يسعى إليها المؤمنون، ويجدّ في نيلها المتقون أن يرضى الله تعالى عنهم، ويرضيهم عنه اللهم ارض عنا وأرضنا؛ بقدرتك علينا، وحاجتنا إليك؛ يا رب العالمين، يا مالك يوم الدين، يا ألله، ياألله، ياألله ﴿أُوْلَئِكَ﴾ الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، وأدخلهم جنته، ورضي عنهم وأرضاهم «أولئك» ﴿حِزْبُ اللَّهِ﴾ أحبابه وأنصاره: اتبعوا أوامره، واجتنبوا نواهيه؛ فكانوا موطناً لحبه، وأهلاً لحزبه ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الفائزون في الدنيا والآخرة. (انظر آية ٥٤ من سورة المائدة).
674
سورة الحشر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

675
سورة المجادلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المجادلة) من السُّوَر المدنية، نزَلتْ لتحريم عادةٍ من عادات الجاهلية؛ وهي (الظِّهار)، وذلك في حادثةِ مظاهرة أوسِ بن الصامت مِن زوجِه خَوْلةَ، وقد جاءت السورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثبات علمِ الله، وإحاطتِه بكل شيء، ومِن كمال ألوهيته سبحانه: الحُكْمُ العدل فيما يصلُحُ لهم من الشرائع، وخُتمت السورة ببيان حال أعداء الله، وحالِ أوليائه.

ترتيبها المصحفي
58
نوعها
مدنية
ألفاظها
475
ترتيب نزولها
105
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
28

* قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيٓ إِلَى اْللَّهِ وَاْللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمْعُه الأصواتَ، لقد جاءت خَوْلةُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تشكو زوجَها، فكان يَخفَى عليَّ كلامُها؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه النسائي (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨).

* قوله تعالى: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «إنَّ اليهودَ كانوا يقولون لرسولِ اللهِ ﷺ: سامٌ عليك! ثم يقولون في أنفسِهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اْللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ} [المجادلة: 8]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٥٨٩).

* قوله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يدخُلُ عليكم رجُلٌ ينظُرُ بعينِ شيطانٍ، أو بعَيْنَيْ شيطانٍ»، قال: فدخَلَ رجُلٌ أزرَقُ، فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني -أو: شتَمْتَني، أو نحوَ هذا-؟ قال: وجعَلَ يَحلِفُ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ في المجادلةِ: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]، والآيةُ الأخرى». أخرجه أحمد (٢١٤٧).

قال محقِّقو "المسند" (4 /48): «قوله: «فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني؟»؛ كذا جاء في جميع الأصول، وكذلك هو في "مسند البزار"، وزيادة: «يا محمد» - كما قال الشيخُ أحمد شاكر- خطأٌ ينافي السياق؛ فإن الذي نُسِب إليه السبُّ والشَّتم هنا هو المنافقُ الأزرق، ورسولُ الله يَسأله ويتَّهِمُه، وهو يَحلِف كاذبًا يَتبرَّأ من التُّهمة، وقد جاء في "تفسير الطبري" على الصواب بإسقاطِ هذه الزيادة، وسيأتي على الصواب أيضًا عند أحمد (2407)»، انظر السبب الآتي.

* قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اْللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ اْلْكَٰذِبُونَ} [المجادلة: 18]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، أنَّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما حدَّثه، قال: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ظلِّ حُجْرةٍ مِن حُجَرِه، وعنده نَفَرٌ مِن المسلمين، قد كاد يَقلِصُ عنهم الظِّلُّ، قال: فقال: «إنَّه سيأتيكم إنسانٌ ينظُرُ إليكم بعَيْنَيْ شيطانٍ، فإذا أتاكم، فلا تُكلِّموه»، قال: فجاء رجُلٌ أزرَقُ، فدعاه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكلَّمَه، قال: «علامَ تَشتِمُني أنتَ، وفلانٌ، وفلانٌ؟»، نَفَرٌ دعَاهم بأسمائهم، قال: فذهَبَ الرَّجُلُ، فدعَاهم، فحلَفوا باللهِ واعتذَروا إليه، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ ...} [المجادلة: 18] الآيةَ» أخرجه أحمد (2407).

* سورةُ (المجادلة):

سُمِّيت سورةُ (المجادلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقصَّة مجادلةِ امرأةِ أوس بن الصامت عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وتُسمَّى كذلك بـ (قَدْ سَمِعَ)؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الظِّهار وكفَّارته (١-٤).

2. خَسارة مَن عادى اللهَ، وتعدَّى حدوده (٥-١٩).

3. حال أعداء الله، ومدحُ أوليائه (٢٠-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /34).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقصد السورةِ: «الحُكْمُ في قضيَّة مظاهرة أوسِ بن الصامت من زوجه خَوْلة.
وإبطالُ ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهَر منها زوجُها، وأن عملهم مخالفٌ لِما أراده الله، وأنه من أوهامهم وزُورِهم التي كبَتَهم اللهُ بإبطالها، وتخلَّصَ من ذلك إلى ضلالاتِ المنافقين؛ ومنها مناجاتُهم بمرأى المؤمنين ليَغِيظوهم ويحزُنوهم.
ومنها موالاتهم اليهودَ، وحَلِفُهم على الكذب، وتخلَّل ذلك التعرُّض لآداب مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم.

وشرع التصدُّق قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

والثناء على المؤمنين في مجافاتهم اليهودَ والمشركين.

وأن اللهَ ورسوله وحِزْبَهما هم الغالبون». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /6).