تفسير سورة المائدة

غريب القرآن

تفسير سورة سورة المائدة من كتاب غريب القرآن
لمؤلفه زيد بن علي . المتوفي سنة 120 هـ

أخبرنا أبو جَعفر قالَ : حدثنا عليُّ بن أَحمد، قال : حدثنا عطاءُ بن السائب عن أَبي خالد الواسطي عن الإِمام زيد بن علي عليهما السلامُ في قَولِهِ تَعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ﴾ معناهُ فِي العهودِ وهي خَمسةُ عُقُودٍ : عُقْدَةُ الإِيمانِ، وعُقْدَةُ النِّكاحِ، وعُقْدَةُ العَهدِ وعُقْدَةُ البَيعِ. وعُقْدَةُ الحِلفِ.
وقوله تعالى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ [ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ ] ﴾ يُريدُ بِهِ الإِبلَ، والبَقَرَ، والغَنَم.
وقوله تعالى :﴿ شَعَآئِرَ اللَّهِ ﴾ معناهُ هَدَايَاهُ. واحِدُهَا شَعِيرةٌ، تُشْعَرُ البَدنةُ، ليُعلَمَ أَنَّها هَديٌ. والإِشْعارُ أَنْ يُطْعَنَ شِقُ سِنَامِهَا الأَيمَنُ بِحَديدةٍ ليُعْلَمَ أَنَّها بَدْنةٌ. والشَّعائِرُ : الصَّفا والمَروَةُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِن المَناسِكِ.
وقوله تعالى :﴿ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾ وَلاَ عَامِدِينَ إِليهِ.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾ معناهُ لاَ يَحمِلَنكُمْ. والشَّنَأَنُ : العَداوةُ والبَغضاءُ.
وقوله تعالى :﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ قالَ زيدُ بن علي عليهما السلامُ فالبِرُّ : مَا أَمرَ بِهِ. والتَّقوى : مَا نَهَى عَنهُ.
وقوله تعالى :﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ ﴾ معناه التي اخْتَنَقَتْ فِي خِنَاقِهَا حتَّى ماتت ﴿ وَالْمَوْقُوذَةُ ﴾ هي التي تُوقَذُ فَتَموتُ مِنْهُ. ﴿ وَالْمُتَرَدِّيَةُ ﴾ هي التي تُرَدَّى مِن جَبلٍ، أَو حَائطٍ، أَو نَحوَ ذَلِكَ. ﴿ وَالنَّطِيحَةُ ﴾ المَنْطُوحةُ.
وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ معناهُ مَا ذَبَحتُمْ.
وقولهِ تعالى :﴿ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾ معناهُ ما ذُبحَ عَلَى الأَنصَابِ. واحدها نُصبٌ.
وقوله تعالى :﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ﴾ فالأَزلاَمُ كِعابُ فَارس وقِدَاحُ العَرَبِ كَانُوا يَعْمَدُونَ إِلى قَِدْحَينِ فَيكْتُبونَ عَلَى أَحدِهِما مُرْنِي وَعَلى الآخر انهِني ثُمّ يَجيلُونَها، فَإِذَا أَرادَ الرَّجلُ سَفراً أَو نَحوَ ذَلكَ، فَمنْ خَرَجَ عَلَيهِ مُرني مَضَى فِي وِجْهتِهِ، وإنْ خَرَجَ الذِي عَليهِ انهني لمْ يَخرجْ. ويُقالُ : إِنَّ الأَزلاَمَ : حَصىً كَانُوا يَضرِبُونَ بِهَا. واحدُها زَلَمٌ وزُلَمٌ.
وقوله تعالى :﴿ ذلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ معناهُ كُفرٌ.
وقوله تعالى :﴿ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلمَ دِيناً ﴾ معناه اختِرتُهُ لَكُمْ.
وقوله تعالى :﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ ﴾ قالَ زيدُ بن علي عليهما السَّلامُ : فالمَخْمَصةُ : المَجاعَةُ. وغَيرُ مُتَجانِفٍ لآثمٍ : معناهُ غَيرُ مُتَعرِجٍ.
وقوله تعالى :﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ﴾ معناهُ الصَوائِدُ. من البَازِ والصّقرِ، والكِلابِ. وغَيرِ ذَلِكَ. مُكَلبِّينَ معناهُ أَصحابُ كِلابٍ.
وقوله تعالى :﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ معناهُ الحَلالُ.
وقوله تعالى :﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ﴾ معناهُ ذبائِحُهُمْ.
وقوله تعالى :﴿ مُحْصَنَتٍ غَيْرَ مُسَفِحَتٍ ﴾ [ النساء : ٢٥ ] معناهُ عَفَائِفُ غَيرُ زَوانٍ.
وقوله تعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ﴾ معناهُ مِنْ مَكَانِكُمْ.
وقوله تعالى :﴿ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً ﴾ معناهُ طَاهِرٌ.
وقوله تعالى :﴿ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ﴾ معناهُ اثنَا عَشَر أمِيناً.
وقوله تعالى :﴿ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ﴾ معناهُ أَثَنيتُم عَلَيهم والتَّعْزِيرُ : أَيضاً الأَدبُ.
وقوله تعالى :﴿ سَوَآءَ السَّبِيلِ ﴾ معناهُ وسَطُ الطَّريقِ.
وقوله تعالى :﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ﴾ معناهُ يُزِيلُونَهُ.
وقوله تعالى :﴿ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ﴾ قالَ زيدُ بن علي عليهما السلامُ : هُمْ قَومٌ سُموا بِقَريةٍ يُقالَ لَها نَاصِرة، وَكَانَ عِيسى بن مَريمَ عَلَيهما السَّلامُ يَنزِلُهَا.
وقوله تعالى :﴿ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ ﴾ معناه هَيَّجْنَا.
وقوله تعالى :﴿ وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ ﴾ معناهُ المَّنُ والسُّلوى والحَجرُ والغَمَامُ.
وقوله تعالى :﴿ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ معناهُ قَضَاهَا.
وقوله تعالى :﴿ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا ﴾ معناهُ لَتُقاتلُ أَنتَ وَيُعينُكَ الله تَعالى وَلَيس الله تَعالى بِزَايلٍ وَلاَ آفِلٍ.
وقوله تعالى :﴿ فَافْرُقْ بَيْنَنَا ﴾ معناهُ مَيِّز.
وقوله تعالى :﴿ يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ ﴾ معناهُ يَحُورُونَ.
وقوله تعالى :﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ ﴾ معناهُ شَجَّعَتْهُ.
وقوله تعالى :﴿ سَوْءَةَ أَخِيهِ ﴾ معناهُ فَرْجُهُ.
وقوله تعالى :﴿ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ معناه يُعَادُونهُ.
وقوله تعالى :﴿ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ﴾ معناه يُطردوا.
وقوله تعالى :﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ ﴾ قالَ زيدُ بن علي عليهما السَّلامُ : تُقطَعُ يَدُهُ اليمنَى ورِجْلُهُ اليُسرى، يُخَالفُ بَينَ قَطْعِهَا.
وقوله تعالى :﴿ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ معناهُ اطلبُوا إِليهِ القُربةَ. والوَسيلةُ : الحَاجةُ.
وقوله تعالى :﴿ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ معناهُ دَائِمٌ.
وقوله تعالى :﴿ نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ ﴾ معناهُ عُقُوبةٌ.
وقوله تعالى :﴿ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ ﴾ فالفِتْنَةُ : الأَمرُ والإِرَادَةُ والاختِبارُ.
وقوله تعالى :﴿ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ معناهُ للرُّشَى.
وقوله تعالى :﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ﴾ معناه بالعَدلِ. فالمُقْسِطُ : العَادِلُ والقَاسِط : الجَائِرُ الكَافِرُ.
وقوله تعالى :﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ ﴾ معناه استُودِعُوا.
وقوله تعالى :﴿ فَمَن تَصَدَّقَ ﴾ معناه من عَفَا عَنهُ.
وقوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ ﴾ معناهُ مَنْ لَمْ يٌقر بِهِ.
وقوله تعالى :﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم ﴾ معناهُ أَتبَعنَا.
وقوله تعالى :﴿ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ﴾ فالمُهَيمِنُ : المُصدِقُ لِمَا قَبلَهُ. والأَمينُ عَلَيهِ.
وقوله تعالى :﴿ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً ﴾ فالشِّرْعةُ : السُّنَّةُ. والمِنهَاجُ : الطَّريقُ البّيِّنُ.
وقوله تعالى :﴿ أَن يَفْتِنُوكَ ﴾ معناهُ يَضِلُوكَ.
وقوله تعالى :﴿ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ﴾ معناهُ يُديمُونَها فِي أَوقَاتِهَا.
وقوله تعالى :﴿ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ ﴾ معناهُ أَنصَارُهُ.
وقوله تعالى :﴿ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ ﴾ معناهُ تَكرَهُونَ.
وقوله تعالى :﴿ لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ ﴾ معناه هَلاَّ. والأَحبارُ : الفُقهاءُ. والرَّبانِيونَ : فَوقَ الأَحبَارِ.
وقوله تعالى :﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ معناهُ هُوَ يُحِبُ أَنْ يُمسِكَ خَيرَهُ.
وقوله تعالى :﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ ﴾ معناهُ جَعَلْنَاهَا.
وقوله تعالى :﴿ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ ﴾ معناهُ نَصَبُوا لِلحَربِ.
وقوله تعالى :﴿ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ ﴾ معناهُ جَمَاعةٌ.
وقوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ قالَ زيدُ بن علي عليهما السَّلامُ : هَذهِ لِعلي بن أَبي طَالِب - صلواتُ الله عليهِ - خَاصةً والله يَعصِمُكَ مَن النَّاسِ : أَي يَمنعُكَ مِنهُم.
وقوله تعالى :﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ﴾ معناهُ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ.
وقوله تعالى :﴿ فَلاَ تَأْسَ ﴾ فلا تَحزن.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ ﴾ فالصَّابِئونَ : فِرقةٌ مِن أَهلِ الكِتابِ يَقرأونَ الزَّبورَ. ويقالُ : لاَ كِتَابَ لَهُمْ.
وقوله تعالى :﴿ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ معناهُ كَيفَ يَصُدونَ عَن الدِّين والخَيرِ.
وقوله تعالى :
( الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ )، المَيسرُ : القِمَارُ.
وقوله تعالى :
( لَيَبْلُوَنَّكُمُ )، معناهُ : لَيختَبِرنَّكُم.
وقوله تعالى :( أَو عَدْلُ ذلِكَ )، معناهُ : مِثلُ ذَلِكَ.
وقوله تعالى :( ليَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ )، معناهُ : نَكَال أَمْرِهِ.
وقوله تعالى :( ذُو انْتِقَامٍ )، معناهُ : ذُو اجْتِراءٍ.
وقوله تعالى :
( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ [ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ ] )، معناهُ : نَاقةٌ مَشْقوقَةُ الأُذنِ. وَكَانَ أَهلُ الجَاهِليةِ يُحرِّمُونَها، ويُحرِّمونَ وَبَرَها وَظَهرَهَا وَلَحمَهَا وَلَبَنَهَا عَلَى النِّسَاءِ، ويُحلُّونَها لِلرِجالِ. وَمَا وَلَدَتْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى فَهي بِمَنزِلَتِهَا. فَإِن مَاتَتْ البَحِيرةُ، اشْتَرَكَ الرِّجالُ والنِّسَاءِ في أكلِ لَحمِها. وإذا ضَرَبَ جملٌ مِن وَلَد البحيرة، فهو حامٍ. والسائبة : الناقة تُسيّب للآلهة، فلا ينتفع بها فما ولدت من ولد، بينها وبين ستةِ أَوْلادٍ، فَهوَ بِمَنزِلتِها. فإِذا وَلَدَتْ السَّابعَ ذكراً أَو أُنثى ذَبَحوهُ، فأَكلهُ الرِّجالُ دُونَ النِّساءِ. فَإِنْ أَتأَمتْ بِذَكَرٍ وأُنْثَى، فَهو وَصِيلةٌ فلا يُذْبَحُ الذَّكَرُ. وإِنْ كَانَتَا انثَيينِ تُرِكَتَا، فَلَمْ تُذْبَحا. وإِذَا وَلَدَتْ سَبعةَ أَبْطُنٍ، كُلُ بَطنٍ ذَكراً وأُنثَى حَيَّيْن، قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا، فَأَحْمَوهَا وَتَركُوهَا تَرعَى لا يمسُّها أَحَدٌ. وإِنْ وَضَعَتْ أُنْثَى حَيَّةً بَعدَ البَطنِ السَّابعِ، كَانَتْ مَع أُمِّها كَسَائِرِ النَّعَم، لَمْ تُحْمَ هِي وَلاَ أُمُّها. وإِنْ وَضَعَتْ أُنثَى مَيتةً بَعدَ البَطنِ السَّابع أَكَلتها النِّساءُ، وكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَتْ ذَكَراً وأَنثى مَيتين، بَعَدَ البَطنِ السَّابع، أَكَلَها الرِّجالُ والنِّساءُ جميعاً بالسَّويةِ. وإِنْ وَضَعَتْ ذَكراً أَو أنثى حَيَّيْنِ بَعَدَ البَطنِ السابعِ، أكَلَ الذَّكَرَ منهما الرِّجالُ دُون النِّساءِ. وَجَعَلوا الأُنثَى مَعَ أُمِّها كَسَائِر النِّعَم.
وقوله تعالى :
( فَإِنْ عُثِرَ )، معناهُ : فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيهِ.
وقوله تعالى :
( إِذْ أَيَّدتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ )، معناهُ : قَوّيتُكَ.
وقوله تعالى :
( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ )، معناهُ : أَلقيتُ في قلوبهم.
وقوله تعالى :
( هَلْ يَستطيعُ رَبُّكَ )، معناهُ : هَلْ يُريدُ رَبُّكَ.
سورة المائدة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

إنَّ شأنَ هذه السورةِ عظيمٌ كشأنِ أخواتِها السَّبْعِ الطِّوال؛ لِما اشتملت عليه من أحكامٍ كثيرة؛ فقد بُدِئت بالأمرِ بالوفاء بالعقود والالتزام بالمواثيق، واشتملت على ذِكْرِ المُحرَّمات من الأطعمة، وجاءت على ذكرِ عقوبة الحِرابةِ والسرقة، وغيرِها من الأحكام التي تُوضِّحُ المعاملاتِ بين الناس؛ استكمالًا لشرائعِ الله، كما ذكَرتْ قصَّةَ بني إسرائيل وطلَبِهم المائدةَ، وخُتِمتْ بالحوارِ الذي يَجري بين الله وبين عيسى عليه السلام لإقامةِ الحُجَّةِ على بني إسرائيلَ، ولعلَّ ما صحَّ في الحديثِ مِن أنَّ الدابَّةَ لم تستطِعْ تحمُّلَها وقتَ نزولِها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كان لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ وتشريعات.

ترتيبها المصحفي
5
نوعها
مدنية
ألفاظها
2837
ترتيب نزولها
112
العد المدني الأول
122
العد المدني الأخير
122
العد البصري
123
العد الكوفي
120
العد الشامي
122

* قوله تعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما: «أنَّ امرأةً سرَقتْ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، فجاءَ بها الذين سرَقتْهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذه المرأةَ سرَقتْنا، قال قومُها: فنحن نَفدِيها - يعني أهلَها -، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اقطَعُوا يدَها»، فقالوا: نحن نَفدِيها بخَمْسِمائةِ دينارٍ، قال: «اقطَعُوا يدَها»، قال: فقُطِعتْ يدُها اليمنى، فقالت المرأةُ: هل لي مِن توبةٍ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «نَعم، أنتِ اليومَ مِن خطيئتِكِ كيَوْمَ ولَدَتْكِ أمُّكِ»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل في سورةِ المائدةِ: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: 39] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٦٥٧).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلظَّٰلِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «مُرَّ على النبيِّ ﷺ بيهوديٍّ مُحمَّمًا مجلودًا، فدعَاهم ﷺ، فقال: «هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكم؟!»، قالوا: نَعم، فدعَا رجُلًا مِن علمائِهم، فقال: «أنشُدُك باللهِ الذي أنزَلَ التَّوراةَ على موسى؛ أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكم؟!»، قال: لا، ولولا أنَّك نشَدتَّني بهذا لم أُخبِرْك، نجدُه الرَّجْمَ، ولكنَّه كثُرَ في أشرافِنا، فكنَّا إذا أخَذْنا الشريفَ ترَكْناه، وإذا أخَذْنا الضعيفَ أقَمْنا عليه الحدَّ، قلنا: تعالَوْا فَلْنجتمِعْ على شيءٍ نُقِيمُه على الشريفِ والوضيعِ، فجعَلْنا التَّحْميمَ والجَلْدَ مكانَ الرَّجْمِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اللهمَّ إنِّي أوَّلُ مَن أحيا أمرَك إذ أماتوه»، فأمَرَ به فرُجِمَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ‌اْلرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ اْلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي اْلْكُفْرِ﴾ [المائدة: 41]  إلى قولِه: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ﴾ [المائدة: 41]، يقولُ: ائتُوا محمَّدًا ﷺ، فإن أمَرَكم بالتَّحْميمِ والجَلْدِ فخُذُوه، وإن أفتاكم بالرَّجْمِ فاحذَرُوا؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلظَّٰلِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]؛ في الكفَّارِ كلُّها». أخرجه مسلم (١٧٠٠).

* قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ﴾ [المائدة: 93]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «كنتُ ساقيَ القومِ في منزلِ أبي طَلْحةَ، وكان خَمْرُهم يومئذٍ الفَضِيخَ، فأمَرَ رسولُ اللهِ ﷺ مناديًا ينادي: ألَا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمتْ، قال: فقال لي أبو طَلْحةَ: اخرُجْ، فأهرِقْها، فخرَجْتُ فهرَقْتُها، فجَرَتْ في سِكَكِ المدينةِ، فقال بعضُ القومِ: قد قُتِلَ قومٌ وهي في بطونِهم؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ﴾ [المائدة: 93] الآيةَ». أخرجه البخاري (٢٤٦٤).

* قوله تعالى: ﴿لَا تَسْـَٔلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «خطَبَ رسولُ اللهِ ﷺ خُطْبةً ما سَمِعْتُ مِثْلَها قطُّ، قال: «لو تَعلَمون ما أعلَمُ، لَضَحِكْتم قليلًا، ولَبَكَيْتم كثيرًا»، قال: فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ وجوهَهم، لهم خَنِينٌ، فقال رجُلٌ: مَن أبي؟ قال: فلانٌ؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿لَا تَسْـَٔلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]». أخرجه البخاري (٤٦٢١).

* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اْلْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «خرَجَ رجُلٌ مِن بني سَهْمٍ مع تميمٍ الدَّاريِّ وعَدِيِّ بنِ بَدَّاءٍ، فماتَ السَّهْميُّ بأرضٍ ليس بها مسلمٌ، فلمَّا قَدِمَا بتَرِكَتِهِ، فقَدُوا جامًا مِن فِضَّةٍ مُخوَّصًا مِن ذهَبٍ، فأحلَفَهما رسولُ اللهِ ﷺ، ثم وُجِدَ الجامُ بمكَّةَ، فقالوا: ابتَعْناه مِن تميمٍ وعَدِيٍّ، فقام رجُلانِ مِن أوليائِهِ، فحلَفَا لَشَهادتُنا أحَقُّ مِن شَهادتِهما، وإنَّ الجامَ لِصاحبِهم، قال: وفيهم نزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اْلْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106]». أخرجه البخاري (٢٧٨٠).


سُمِّيتْ سورةُ (المائدةِ) بذلك؛ لاشتمالِها على قصَّةِ نزولِ (المائدة) على بني إسرائيلَ، كما أُطلِق عليها اسمُ سورةِ (العُقُودِ)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظِ، ولكثرةِ ما فيها من أحكامٍ ومعاملات بين الناس.

* أنَّها تُعادِلُ - مع أخواتِها السَّبْعِ الطِّوال - التَّوراةَ:

عن واثلةَ بنِ الأسقَعِ اللَّيْثيِّ أبي فُسَيلةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبْعَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبُورِ المِئينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المَثَانيَ، وفُضِّلْتُ بالمُفصَّلِ». أخرجه أحمد (١٦٩٨٢).

* لم تستطِعِ الدابَّةُ تحمُّلَ ثِقَلِها لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ:

فعن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «أُنزِلتْ على رسولِ اللهِ ﷺ سورةُ المائدةِ وهو راكبٌ على راحلتِهِ، فلم تستطِعْ أن تَحمِلَهُ، فنزَلَ عنها». أخرجه أحمد (٦٦٤٣).

* مَن أخَذها مع السَّبْعِ الطِّوالِ عُدَّ حَبْرًا:

عن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

اشتمَلتْ سورةُ (المائدةِ) على عِدَّةِ موضوعاتٍ على هذا الترتيبِ:

العهود والمواثيق مع أمَّة محمَّد عليه السلام (١-٨).

المواثيق والجزاء (٩-١٠).

البلاء وصرفُه عن المسلمين (١١).

ميثاقه مع اليهود والنصارى (١٢-١٦).

فساد عقيدة أهل الكتاب (١٧-١٩).

سُوء أدب اليهود (٢٠-٢٦).

جرائمُ وعقوبات (٢٧-٣٢).

عقوبة الحِرابة (٣٣-٣٤).

التقوى نجاة من النار (٣٥-٣٧).

حد السرقة (٣٨-٤٠).

تلاعُبُ أهل الكتاب بأحكام الله (٤١-٤٥).

رسالة عيسى عليه السلام (٤٦-٤٧).

القرآن (٤٨-٥٠).

المفاصَلة بين المسلمين وأهل الكتاب (٥١-٥٦).

الدِّين بين المستهزئين به والكارهين له (٥٧-٦٣).

سبُّ اليهود للمولى عز وجل (٦٤).

لو أنهم آمنوا (٦٥-٦٦).

عصمة الرسول (٦٧-٦٩).

طبيعة بني إسرائيل (٧٠-٧٧).

لعنة الأنبياء على الكفرة من بني إسرائيل (٧٨-٨١).

مَن يُوادُّ ويُعادي أهل الإيمان (٨٢-٨٦).

النهي عن الغلوِّ في الدِّين (٨٧-٨٨).

اليمين وكفارتها (٨٩).

خمس مُحرَّمات (٩٠-٩٦).

مِن نِعَم الله على عباده (٩٧-١٠٠).

تحريم السؤال عن ما يضر (١٠١-١٠٥).

الإشهاد والقَسَامة (١٠٦-١٠٨).

عيسى بين يَدَيِ الله تعالى في القيامة (١٠٩-١١١).

المائدة (١١٢-١١٥).

التبرؤ من التأليه (١١٦-١١٨).

كلمة الحق والختام (١١٩-١٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /290).

مِن أجلِّ مقاصدِ هذه السُّورة: إيضاحُ المعاملات بين الناس؛ لذا بدأت بالأمرِ بالوفاء بالعقود، فجاءت استكمالًا لشرائعِ الإسلام، ومِن مقاصدها بيانُ الحلال والحرام من المأكولات، وكذا حفظُ شعائرِ الله في الحجِّ والشهر الحرام، والنَّهي عن بعض المُحرَّمات من عوائدِ الجاهليَّة، وتبيين الكثير من الشرائع الأخرى.

وخُتِمتْ بمقصدٍ عظيم؛ وهو التذكيرُ بيومِ القيامة، وشَهادةُ الرُّسل على أُمَمهم، وشَهادة عيسى على النصارى، وتمجيد الله تعالى.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (6 /74).