ﰡ
قوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أوفوا بالعقود) يعنى: بالعهود.
قوله تعالى (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم)
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) قال: الأنعام كلها إلا ما يتلى عليكم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) هي الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين هنا ماهذا الذي يتلى عليهم المستثنى من حلية بهيمة الأنعام، ولكن بينه بقوله: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) إلى قوله: (وماذبح على النصب) فالمذكورات في هذه الآية الكريمة كالموقوذة والمتردية، وإن كانت من الأنعام، فإنها تحرم بهذه العوارض.
قوله تعالى (إن الله يحكم مايريد)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: (إن الله يحكم مايريد) إن الله يحكم ما أراد في خلقه، وبيّن لعباده، وفرض فرائضه، وحد حدوده، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتحلوا شعائر الله)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (شعائر الله) الصفا والمروة، والهَدْى والبُدن، كل هذا من (شعائر الله).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر حدثنا قرّة عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حُميد بن عبد الرحمن عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: خطبنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم النحر قال: "أتدرون أي يومٍ هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليس يوم النحر؟ ". قلنا.
بلى. قال: "أي شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغر اسمه. فقال: "أليس ذوالحجة؟ " قلنا: بلى. قال: "أي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: "أليست بالبلدة الحرام؟ " قلنا: بلى. قال: "فإنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغتُ؟ قالوا: نعم. قال: "اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرُب مبلّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".
(صحيح البخاري ٣/٦٧٠ ح ١٧٤١- ك الحج، ب الخطبة أيام منى).
وانظر حديث مسلم تحت الآية رقم (٢١٧) من سورة البقرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا الشهر الحرام) يعني: لا تستحلوا قتالا فيه.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (لاتحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام) قال منسوخ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج، تقلد من السمر، فلم يعرض له أحد. وإذا رجع تقلد قلادة شعر، لم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لايصد عن البيت، فأمروا ألا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت، فنسخها قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) التوبة.
قال البخاري: حدثنا أحمد بن محمد أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان قالا: خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذى الحليفة قلّد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدى وأشعر وأحرم بالعمرة.
(صحيح البخاري ٣/٦٣٤ ح ١٦٩٤، ١٦٩٥- ك الحج، ب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم... ).
وقال البخارى: حدثنا أبو نعيم حدثنا أفلح عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: فَتَلتُ قلائد بُدنِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي، ثم قلدها وأشعرها وأهداها، فما حرُم عليه شيء كان أحِلّ له.
(صحيح البخاري ٣/٦٣٤ ح ١٦٩٦-ك الحج، ب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم... ).
قال مسلم: حدثنا أحمد بن يونس. حدثنا زهير. حدثنا أبو الزبير عن جابر.
قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تذبحوا إلا مُسنة. إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن".
(صحيح مسلم ٣/١٥٥٥ ح ١٩٦٣- ك الأضاحي، ب سن الأضحية).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ولا القلائد) قال: (القلائد) اللحاء في رقاب الناس والبهائم، أمْن لهم.
قوله تعالى (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا)
قال: يبتغون الأجر والتجارة.
قوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا)
قال الشيخ الشنقيطي: يعني إن شئتم، فلا يدل هذا الأمر على إيجاب الاصطياد عند الإحلال، ويدل له الاستقراء في القرآن، فإن كل شىء كان جائزاً ثم حُرِّم لموجب، ثم أمر به بعد زوال ذلك الموجب، فإن ذلك الأمر كله في
قوله تعالى (ولا يجرمنكم شنئان قوم أن عدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) الآية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ولا يجرمنكم شنئان قوم) يقول: لا يحملنكم بغض قوم.
قال الشيخ الشنقيطي: لم يبين حكمة هذا الصد، ولم يذكر أنهم صدوا معهم الهدي معكوفا أن يبلغ محله، وذكر في سورة الفتح أنهم صدوا معهم الهدي، وأن الحكمة في ذلك المحافظة على المؤمنين والمؤمنات، الذين لم يتميزوا عن الكفار في ذلك الوقت، بقوله: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) وفي هذه الآية دليل صريح على أن الإنسان عليه أن يعامل من عصى الله فيه، بأن يطيع الله فيه.
قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
قال مسلم: حدثنى محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا ابن مهدى، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن البر والإثم؟ فقال: "البر حسن الخلق، والإثم ماحاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
(الصحيح ٤/١٩٨٠ ح ٢٥٥٣ - ك البر والصلة، في تفسير البر والإثم).
(المسند ٤/١٩٤)، وأخرجه الطبراني في (الكبير ٢٢/٢١٨ ح ٥٨٢) من طريقين عن عبد الله ابن العلاء به، وقال الهيثمى عنه: رجاله ثقات (مجمع الزوائد ١/١٧٥-١٧٦)، وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير ٣/٢١٨ ح ٣١٩٨)، وصححه الألباني (صحيح الجامع ح ٢٨٧٨).
قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا معتمر، عن حميد عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً". قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تأخذ فوق يديه".
(الصحيح ٥/١١٨ ح ٢٤٤٤- ك المظالم، ب أعن أخاك ظالما أو مظلوما).
قال الترمذى: حدثنا أحمد بن محمد، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر النهشلى عن مرزوق أبي بكر التيْمي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من ردّ عن عِرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة".
(السنن٤/٣٢٧ ح ١٩٣١ - ك البر والصلة، ب ما جاء في الذب عن عرض المسلم)، وأخرجه أحمد (المسند ٦/٤٥٠) عن علي بن إسحاق عن ابن المبارك به، قال الترمذي: حديث حسن. وصححه الألباني، ونقل عن المنذرى تحسينه (صحيح الجامع ح ٦١٣٨).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وتعاونوا على البر والتقوى)، (البر) ماأمرت به (والتقوى) ما نهيت عنه.
قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة والدم)
قال مسلم: حدثنا أحمد بن يونس. حدثنا زهير. حدثنا أبو الزبير عن جابر.
ح وحدثناه يحيى بن يحيى. أخبرنا أبو خيثمة عن أبي الزبير، عن جابر. قال:
فأقامها. ثم رحل أعظم بعير معنا. فمرّ من تحتها. وتزوّدنا من لحمه وشائق.
فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فذكرنا ذلك له. فقال: "هو رزق وأخرجه الله لكم. فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ " قال: فأرسلنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منه. فأكله.
(صحيح مسلم ٣/١٥٣٥-١٥٣٦ ح ١٩٣٥- ك الصيد والذبائح، ب إباحة ميتات البحر)، وأخرجه البخاري (الصحيح ح ٥٤٩٤- الصيد، ب وأحل لكم صيد البحر).
والخبط: ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط خبط بالتحريك، وهو من علف الإبل. النهاية لابن الأثير ٢/٧.
وانظر حديث ابن ماجة المتقدم تحت الآية رقم (١٧٣) من سورة البقرة.
وهو حديث: "أحلت لنا ميتتان... ".
قوله تعالى (والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والمنخنقة) التي تخنق فتموت.
قلتُ: فإن أكل؟ قال: "فلا تأكل، فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه". قلتُ: أرسِل كلبي فأجد معه كلباً أخر؟ قال: "لا تأكل، فإنك إنما سميت علي كلبك، ولم تسمّ على الآخر".
(صحيح البخاري ٩/٥١٨ ح ٥٤٧٦ - ك الذبائح والصيد، ب صيد المِعراض)، (صحيح مسلم رقم ١- ك الصيد).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والموقوذة) قال: الموقوذة، التي تضرب بالخشب حتى توقذ بها فتموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (والمتردية) قال: التي تتردى من الجبل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (والنطيحة) قال: الشاة تنطح شاة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وما أكل السبع) يقول: ما أخذ السبع.
قوله تعالى (إلا ما ذكيتم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إلا ماذكيتم) يقول: ما أدركت ذكاته من هذا كله، يتحرك له ذنب، أو تطرف له عين، فاذبح واذكر اسم الله عليه، فهو حلال.
قال البخاري: حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد -أو سعد بن معاذ- أخبره أنّ جارية لكعب بن مالك
(صحيح البخاري ٩/٥٤٨ ح ٥٥٠٥ - ك الذبائح والصيد، ب ذبيحة المرأة والأمة).
انظر حديث مسلم عن رافع بن خديج الآتى عند الآية (٤) من السورة نفسها، وكذا عند الآية (١٢١) من سورة الأنعام وهو هناك من رواية البخاري
وهو حديث: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل... ".
قال أحمد: ثنا يزيد بن عبد الله قال: ثنا محمد بن حرب قال: ثنا الزبيدي عن يونس بن سيف الكلاعي (ثم مريم) عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فصعد في النظر ثم صوبه فقال: "نويبتة" قلت: يارسول الله نويبتة خير أو نويبتة شر؟ قال: "بل نويبتة خير". قلت: يا رسول الله أنا في أرض صيد فأرسل كلبي المعلم فمنه ما أدرك ذكاته ومنه مالا أدرك ذكاته وأرمي بسهمي فمنه ما أدرك ذكاته ومنه مالا أدرك ذكاته. فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل ماردَّت عليك يدك وقوسك وكلبك المعلم ذكياً وغير ذكى".
(المسند ٤/١٩٥)، وأخرجه أبوداود (السنن ٣/١١٠ ح ٢٨٥٦- ك الصيد، ب في الصيد) من طريق بقية عن الزبيدي به، والنسائي (السنن ٧/١٨١- ك الصيد والذبائح، ب صيد الكلب الذي ليس بمعلم) من طريق ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني بنحوه. قال: ابن كثير: وهذان إسنادان جيدان (التفسير ٣/٣٢).
قوله تعالى (وماذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله: (النصب) قال: الحجارة حول الكعبة يذبح عليها أهل الجاهلية، ويبدلونها إذا شاؤوا بحجارة أعجب إليهم منها.
والمنيحة هي الناقة أو الشاة المعارة.
قوله تعالى (ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ذلكم فسق) يعني: من أكل من ذلك كله فهو فسق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) قال: أن ترجعوا إلى دينهم أبداً.
قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم)
قال البخاري: حدثى محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن قيس عن طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرءون آية لو نزلت فينا لا تخذناها عيداً. فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أنزلت: يوم عرفة، وإنا والله بعرفة. قال: سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا (اليوم أكملتُ لكم دينكم).
(صحيح البخاري ٨/١١٩ ح ٤٦٠٦ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآيه)، (صحيح مسلم ٤/٢٣١٢ - ك التفسير).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) وهو الإسلام أخبر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الايمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبداً، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبداً.
قوله تعالى (وأتممت عليكم نعمتي)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان المشركون والمسلمون يحجون جميعاً، فلما نزلت (براءة) فنفى المشركين عن البيت وحج المسلمون لايشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين فكان ذلك من تمام النعمة: (وأتممت عليكم نعمتي).
قوله تعالى (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمن اضطر في مخمصة) يعني: في مجاعة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فمن اضطر في مخمصة غر متجانف لإثم) يعني: إلى ماحُرم، مما سمي في صدر هذه الآية (غير متجانف لإثم) يقول: غير متعمد لإثم.
قوله تعالى (يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه)
قال مسلم: وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبي. حدثنا زكريا عن عامر، عن عدي بن حاتم. قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيد المِعراض؟
فقال: "ما أصاب بحده فكُله. وما أصاب بعرضه فهو وقيذ". وسألته عن صيد الكلب؟ فقال: "ما أمسك عليك ولم يأكل منه فكله. فإن ذكاته أخذه فإن وجدت عنده كلباً أخر، فخشيت أن يكون أخذه معه، وقد قتله، فلا تأكل.
إنما ذكرت اسم الله علي كلبك. ولم تذكره على غيره".
(صحيح مسلم ٣/١٥٣٠ بعد رقم ١٩٢٩ - ك الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، ب الصيد بالكلاب المعلمة)، (صحيح البخاري ٩/٦٣١ ح ٥٥٠٣).
حدثني أبي عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن رافع بن خديج. قلتُ: يارسول الله إنا لاقو العدوّ غداً. وليست معنا مُدى. قال: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أعجل أو أرني. ما أنهر الدم، وذكر اسم الله فكل. ليس السن والظفر. وسأحدثك أما السن فعظم. وأما الظفر فمُدى الحبشة". قال: وأصبنا نهْب إبل وغنم. فندّ منها بعير. فرماه رجل بسهم فحبسه. فقال: رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش. فإذا غلبكم منها شيء، فاصنعوا به هكذا".
(صحيح مسلم ٣/١٥٥٨ ح ١٩٦٨- ك الأضاحي، ب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم)، وأخرجه البخاري (الصحيح ٩/٦٣١ ح ٥٥٠٣).
قال مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا جرير عن منصور، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عدي بن حاتم. قال: قلتُ: يارسول الله إني أُرسل الكلاب المعلمة. فيُمسكن عليّ. وأذكر اسم الله عليه. فقال: "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه، فكل". قلتُ: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن. ما لم يشركها كلب ليس معها". قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب. فقال: "إذا رميت بالمعراض فخزق. فكله. وإن أصابه بعرضه، فلا تأكله".
(صحيح مسلم ٣/١٥٢٩ح ١٩٢٩- ك الصيد والذبائح، ب الصيد بالكلاب المعلمة).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا ابن فضيل عن بيان، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم. قال: سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلتُ: إنا قوم نصيد بهذه الكلاب. فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرتَ اسم الله عليها، فكل مما أمسكن عليك، وإن قتلن. إلا أن يأكل الكلب. فإن أكل فلا تأكل.
فإنى أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه. وإن خالطها كلاب من غيرها، فلا تأكل".
(صحيح مسلم ٣/١٥٢٩ - ك الصيد والذبائح، ب الصيد بالكلاب المعلمة)، (صحيح البخاري ١/٣٣٥ و٩/٥٩٩ رقم ٥٤٧٥).
قال البخاري: حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت: قالوا يارسول الله: إن هنا أقواماً حديثاً عهدهم بشرك يأتونا بلحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا.
قال: "اذكروا أنتم اسم الله وكلوا".
تابعه محمد بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد وأسامة بن حفص.
(صحيح البخاري ١٣/٣٩١ ح ٧٣٩٨ - ك التوحيد، ب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها).
قال مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن أبي التياح.
سمع مطرف بن عبد الله عن ابن المغفل قال: أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتل الكلاب. ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب"؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم.
(صحيح مسلم ٣/١٢٠٠-١٢٠١ ح ١٥٧٣- ك المساقاة، ب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فكلوا مما أمسكن عليكم) يقول: كلوا مما قتلن. إن قتل وأكل فلا تأكل وإن أمسك فأدركته حَياً فذكِّه.
قوله تعالى (... واذكروا اسم الله عليه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (واذكروا اسم الله عليه) يقول: إذا أرسلت جوارحك فقل "بسم الله" وإذا نسيت فلا حرج.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب. قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، عن أبي حذيفة، عن حذيفة قال: كنا إذا حضرنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طعاما لم نضع أيدينا، حتى يبدأ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيضع يده، وإنّا حضرنا
(الصحيح ٣/١٥٩٧ ح ٢٠١٧ - ك الأشربة، ب آداب الطعام والشراب وأحكامهما).
قال أبوداود: حدثنا مؤمل بن هشام: ثنا إسماعيل، عن هشام -يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي- عن بديل، عن عبد الله بن عبيد، عن امرأة منهم يقال: لها أم كلثوم، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره".
(السنن ٣/٣٤٧ ح ٣٧٦٧- ك الأطعمة، ب التسمية على الطعام)، وأخرجه الترمذي (السنن ٤/٢٨٨ ح ١٨٥٨ - ك الأطعمة، ب ماجاء في التسمية على الطعام) من طريق وكيع. والحاكم (المستدرك ٤/١٠٨ - ك الأطعمة) من طريق عفان، كلاهما، عن هشام الدستوائي به، وعند الترمذي زيادة وهي: قصة الأعرابى الذي أكل طعام السته بلقمتين. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال ابن القيم. حديث صحيح (زاد المعاد ٢/٣٩٧) وصححه السيوطي (الجامع الصغير فيض القدير١/٢٩٦ ح ٤٧٦) وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذي ح ١٥١٣، ١٥١٤).
قوله تعالى (وطعام الذين آوتوا الكتاب حل لكم)
انظر حديث إهداء اليهود الشاة المسمومه للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سورة البقرة آية (٨٠).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) قال: ذبائحهم.
قال البخاري: حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام، حدثنا قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: ولقد رهن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرعه بشعير، ومشيت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخبزِ شعيرٍ وإهالة سنخة. ولقد سمعته يقول: "ما أصبح لآل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا صاع ولا أمسى، وإنهم لتسعة أبيات".
(الصحيح ٥/١٦٦ ح ٢٥٠٨- ك الرهن، ب في الرهن في الحضر). والأهالة السنخة هي:
كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به إهالة | والسنخة المتغيرة الريح (النهاية ١/٨٤). |
ومن يأتي الأمور على اضطرار | فليس كمثل آتيها اختيار |
قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله تعالى (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم) قال: المنافقون، في مصانعة اليهود ومناجاتهم، واسترضاعهم أولادهم إياهم وقول الله تعالى ذكره (نخشى أن تصيبنا دائرة) قال يقول: نخشى أن تكون الدائرة لليهود.
انظر سورة البقرة آية (١٠) عند قوله تعالى (في قلوبهم مرض).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن قتادة (فعسى الله أن يأتي بالفتح) قال: بالقضاء.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (فعسى الله أن يأتي بالفتح) قال: فتح مكة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) من موادتهم اليهود، ومن غشهم للإسلام وأهله.
قوله تعالى (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم انهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين)
قال الشيخ الشنقيطي: وبين الله تعالى في موضع أخر أن سبب حلفهم بالكذب للمسلمين أنهم منهم، إنما هو الفرق أي الخوف، وأنهم لو وجدوا محلاً
المنافقين ونظيرها قوله: (اتخذوا أيمانهم جنة). وبين تعالى في موضع آخر، أنهم يحلفون تلك الأيمان ليرضى عنهم المؤمنون وأنهم إن رضوا عنهم، فإن الله لا يرضى عنهم وهو قوله (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لايرضى عن القوم الفاسقين).
قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
قال ابن كثير: يقول الله تعالى مخبرا عن قدراته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) وقوله تعالى (إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) أي: بممتنع ولا صعب.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) الآية، وعيد من الله أنه من ارتد منكم أنه سيستبدل خيراً منهم.
قال الحاكم أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد، ثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا وهب بن جرير وسعيد بن عامر (قالا) ثنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت عياضاً الاشعري يقول: لما نزلت (فسوف يأتي الله لقوم يحبهم ويحبونه) قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هم قومك يا أبا موسى". وأومى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيده إلى أبي موسى الأشعري.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (المستدرك ٢/٣١٣) وصححه الذهبي وابن الملقن، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ١٧/٣٧١ ح ١٠١٦)، وأبو بكر ابن أبي شيبة في مسنده - كما في إتحاف الخيرة (١/١٦٣ ح ١٠٣)، الطبري في (تفسيره ١/٤١٤-٤١٥ ح ١٢١٨٨، ١٢١٩٢)، وابن حاتم في (تفسيره ٥/١٦٩ ح ٢٦٦) كلهم من طريق شعبة به. وعزاه الهيثمي إلى الطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد ٧/١٦)، وقال البوصيري في الإتحاف: هذا إسناد رواته ثقات.
قوله تعالى (ولا يخافون لومة لائم)
قال ابن ماجة: حدثنا عمران بن موسى، أنبأنا حماد بن زيد، ثنا على بن زيد ابن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام خطيباً، فكان فيما قال: "ألا، لا يمنعنَّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه". قال: فبكى أبو سعيد، وقال: قد والله رأينا أشياء، فهبنا.
(السنن ح ٤٠٠٧ - ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وأخرجه الترمذي (السنن ح ٢١٩١ - ك الفتن، ب ما جاء ما أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما هو كائن إلى يوم القيامة) بإسناد ابن ماجة نفسه في حديث طويل وفيه موضع الشاهد. قال أبوعيسى: حديث حسن صحيح. وصححه الشيخ الألباني (صحيح ابن ماجه رقم ٣٢٣٧) وقد توبع علي بن زيد على إسناد هذا الحديث، فأخرجه أحمد (المسند ٣/٥) من طريق سليمان بن طرخان، و (٣/٤٤) من طريق أبي سلمة، و (٣/٤٦-٤٧) من طريق المستمر بن الريان، كلهم عن أبي نضرة به. وأخرجه أحمد (المسند ٣/٨٧)، وابن حبان في صحيحه (الإحسان ١/٥٠٩ح ٢٧٥) من طرق عن خالد بن عبد الله، عن الجريري عن أبي نضرة به. وخالد بن عبد الله هو الواسطي، وقد أخرج البخاري ومسلم روايته عن الجريرى. قال محقق الإحسان: إسناده صحيح، رجاله رجال مسلم إلا الجريري وقد أخرجه أبو يعلى في مسنده (٢/٥٣٦ ح ١٤١١) ضمن حديث طويل، من طريق الحسن عن أبي سعيد، وفيه قوله: حدثنا أبو سعيد، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال صحيح (مجمع الزوائد ٧/ ٢٧٤).
قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا... )
قال أحمد: ثنا يزيد بن عبد ربه قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا الأوزاعي، عن عبد الله بن فيروز الديلمي، عن أبيه أنهم أسلموا أو كان فيمن أسلم فبعثوا وفدهم إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ببيعتهم وإسلامهم فقبل ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم فقالوا يا رسول الله نحن من قد عرفت وجئنا من حيث قد علمت وأسلمنا فمن ولينا؟ قال: "الله ورسوله". قالوا: حسبنا رضينا.
(المسند ٤/٢٣٢)، وأخرجه أبو يعلى في (مسنده ١٢/٢٠٣ ح ٦٨٢٥) من طريق الأوزاعي، والطبراني في (الكبير ١٨/٣٢٩ ح ٨٤٦) مطولا من طريق إسماعيل بن عياش، كلاهما عن يحيى السيبانى عن ابن الديلمي به. وعزاه الهيثمي لأحمد وأبى يعلى والطبراني، وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن فيروز وهو ثقة (مجمع الزوائد ٩/٤٠٦) وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى.
قوله تعالى (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي قال: أخبرهم يعني الرب تعالى ذكره من الغالب فقال: لا تخافوا الدولة والدائرة فقال (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) و (الحزب) هم الأنصار.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس: قال كان رفاعة بن زيد في التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله فيهما (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء) إلى قوله تعالى (والله أعلم بما كانوا يكتمون).
قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون)
أخرج الطبري بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق عن ابن عباس قال: أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب، ورافع بن أبي رافع، وعازر، وزيد، وخالد، وأزار بن أبي أزار، وأشيع، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال: أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا: لا نؤمن بمن آمن به. فأنزل الله فيهم: (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب (واللفظ لأبي بكر). قالا: حدثنا وكيع، عن مسعر، عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد الله اليشكري، عن المعرور بن سويد، عن عبد الله، قال: قالت أم حبيبة، زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللهم أمتعني بزوجي، رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبأبي أبي سفيان، وبأخي، معاوية قال: فقال: النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة. لن يُعجِّل شيئاً قبل حله. أو يؤخر شيئاً عن حله. ولو كنتِ سألتِ الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر كان خيراً وأفضل".
قال: وذُكرتْ عنده القردة. قال مسعر: وأُراه قال: والخنازير من مسخ.
فقال: " إن الله لم يجعل لمسخِ نسلاً ولا عقباً. وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك".
(الصحيح ٤/٢٠٥٠- ٢٠٥١ ح ٢٦٦٣ - ك القدر، ب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرهما لا تزيد ولا تنقص... ).
أخرج آدم ابن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (وجعل منهم القردة والخنازير) قال: مسخت من يهود.
قوله تعالى (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا له والله أعلم بما كانوا يكتمون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة في قوله (وإذا جاؤوكم قالوا آمنا) الآية، أناس من اليهود، كانوا يدخلون على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذى جاء به، وهم متمسكون بضلالتهم والكفر، وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي نحوه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي في قوله (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان) قال: (الإثم)، الكفر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان) وكان هذا في حكام اليهود بين أيديكم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة في قوله (وأكلهم السحت) قال: الرشا.
قوله تعالى (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الأثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) يعنى: الربانيين، أنهم: لبئس ما كانوا يصنعون.
قوله تعالى (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا)، قال: ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة، ولكنهم يقولون: إنه بخيل أمسك ما عنده، تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً.
قوله تعالى (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء)
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام، حدثنا أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن يمين الله ملأى لا يفيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلقَ السماوات والأرض فإنه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الفيض -أو القبض- يرفع ويخفِض".
(صحيح البخاري ١٣/٤١٤ ح ٧٤١٩ - ك التوحيد، ب (وكان عرشه على الماء..)، (وصحيح مسلم ٢/٦٩٠ - ك الزكاة، ب الحث على النفقة، من طريق الأعرج عن أبي هريرة بنحوه).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) حملهم حسد محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والعرب على أن كفروا به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم.
قوله تعالى (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً) أولئك أعداء الله اليهود، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله، لقد جاء الإسلام حين جاء، وهم تحت أيدي المجوس أبغض خلقه إليهم.
قوله تعالى (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا) يقول: آمنوا بما أنزل الله، واتقوا ما حرم الله (لكفرنا عنهم سيئاتهم).
قوله تعالى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة... )
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم) يعني: لأرسل السماء عليهم مدراراً (ومن تحت أرجلهم) تخرج الأرض بركتها.
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم) ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الكتاب لو أطاعوا الله، وأقاموا كتابهم باتباعه، والعمل بما فيه ليسر الله لهم الأرزاق وأرسل عليهم المطر، وأخرج لهم ثمرات الأرض. وبين في مواضع أخر أن ذلك ليس خاصاً بهم كقوله عن نوح وقومه (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل
قال ابن ماجة: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئاً، فقال: "ذاك عند أوان ذهاب العلم" قلتُ: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويُقرئه أبناؤنا أبناهم، إلى يوم القيامة؟ قال: "ثكلتك أمك، زياد إن كنتُ لأراكَ من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟ ".
(السنن ٢/١٣٤٤ ح ٤٠٤٨ - ك الفتن، ب ذهاب القرآن والعلم)، وأخرجه أحمد (المسند ٤/١٦٠) عن وكيع عن الأعمش به. وذكره ابن كثير في تفسيرة (٣/١٤٠) وقال: هذا إسناد صحيح. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة ح ٣٢٧٢).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قال الله (منهم أمة مقتصدة) يقول: على كتابه وأمره، ثم ذم أكثر القوم فقال: (وكثير منهم ساء ما يعملون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (منهم أمة مقتصدة) يقول: مؤمنة.
قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية. أمر تعالى في هذه الآية نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتبليغ ما أنزل إليه، وشهد له بالامتثال في آيات متعددة، كقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم) وقوله: (وما على الرسول إلا البلاغ)، وقوله: (فتول عنهم فما أنت بملوم) ولو كان يمكن أن يكتم شيئاً لكتم قوله تعالى (وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه)، فمن زعم أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كتم حرفاً مما أنزل عليه، فقد أعظم الافتراء على الله، وعلى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(صحيح البخاري ٨/١٢٤ ح ٤٦١٢ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية)، وأخرجه مسلم في (الصحيح ١/١٥٩ ح ١٧٧ مطولاً - ك الإيمان، ب معنى قوله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى)).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)، يعني إن كتمت آية مما أنزل عليك من ربك، لم تبلغ رسالاتي.
قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)
قال مسلم: حدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة، عن جابر. ح وحدثني أبو عمران، محمد بن جعفر بن زياد (واللفظ له). أخبرنا إبراهيم (يعني ابن سعد) عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي، عن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غزوة قِبل نجد، فأدركنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها، قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن رجلاً أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظتُ وهو قائم على رأسي فلم أشَعر إلا والسيِف صَلتاً في يده، فقال لي: من يمنعك منّي؟ قال: قلتُ: "الله". ثم قال في الثانية: من يمنعك مني؟.
قال: قلت: "الله". قال: " فَشَام السيف، فها هو ذا جالس" ثم لم يعرِض له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(صحيح مسلم ٤/١٧٨٦ ح ٨٤٣ - ك الفضائل، ب توكله على الله تعالى، وعصمة الله تعالى له من الناس)، وأخرجه البخاري في (الصحيح ٦/٩٦ ح ٢٩١٠ - ك الجهاد، ب من علق سيفه بالشجر).
(الصحيح ٦/٩٥ ح ٢٨٨٥ - ك الجهاد والسير، ب الحراسة في الغزو في سبيل الله)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٤/١٨٧٥ ح ٢٤١٠ - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص).
قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة قال: سمعت أبا إسرائيل قال: سمعت جعدة قال: سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورأى رجلا سمينا فجعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئ إلى بطنه بيده ويقول: "لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك". قال: وأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برجل فقالوا: هذا أراد أن يقتلك فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لم ترع لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله على".
(المسند ٣/٤٧١)، وأخرجه الطبراني في (الكبير ٢/٣١٩ ح ٢١٨٣) من طريق علي بن الجعد، عن شعبة به مختصراً، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير أبي إسرائيل الجشمي، وهو ثقة (مجمع الزوائد ٨/٢٢٧). وصحح إسناده الحافظ ابن حجر. (تهذيب التهذيب ٢/٨١).
قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كنا إذا نزلنا طلبنا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم شجرة وأظلها، فنزل تحت شجرة فجاء رجل فأخذ سيفه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ قال: "الله". فأنزل الله (والله يعصمك من الناس).
وهذا إسناد حسن (الفتح ٦/٩٨).
قال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث ابن عبيد عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشهَ قالت: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحرس حتى نزلت هذه الآية (والله يعصمك من الناس) فأخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأسه من القبة، فقال لهم: "يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله".
حدثنا نصر بن علي حدثنا مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد نحوه.
قوله تعالى (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين)
قال ابن حجر: وقد روى ابن أبي حاتم أن الآية نزلت في سبب خاص، فأخرج بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء مالك بن الصيف وجماعة من الأحبار فقالوا: يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وتؤمن بما في التوراة وتشهد أنها حق؟ قال: بلى، ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه، فأنا أبرأ مما أحدثتموه. قالوا: فإنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن لك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية.
(الفتح ٨/٢٦٩).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (فلا تأس) قال: فلا تحزن.
قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيراً منهم والله بصير بما يعملون) الآية.
ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن بني إسرائيل عموا وصموا مرتين تتخللهما توبة من الله عليهم، وبين تفصيل ذلك في قوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين) الآية. فبين جزاء عماهم وصممهم في المرة الأولى بقوله: (فإذا جاء وعد أولاهما، بعثنا عليكم عباداً لنا، أولي بأس
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وحسبوا ألا تكون فتنة) الآية يقول: حسب القوم أن لا يكون بلاء (فعموا وصموا) كلما عرض بلاء ابتلوا به هلكوا فيه.
انظر سورة البقرة آية (١٨) عند قوله تعالى (صم بكم عمي).
قوله تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة)
بيانه في قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا) النساء: ١١٦.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
(صحيح مسلم ١/٧٤ ح ٥٤ - ك الإيمان، ب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون... ).
قوله تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، قال: قالت النصارى هو والمسيح وأمه، فذلك قول الله تعالى (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله).
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) ذكر في هذه الآية الكريمة أن عيسى وأمه كانا يأكلان الطعام، وذكر في مواضع أخر، أن جميع الرسل كانوا كذلك، كقوله: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام) الآية، وقوله: (وقالوا مالهذا الرسول يأكل الطعام) الآية.
قوله تعالى (وضلوا عن سواء السبيل)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى (وضلوا عن سواء السبيل) قال: يهود.
قوله تعالى (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكان يعتدون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) يقول: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى بن مريم، ولعنوا في الزبور على لسان داود.
قوله تعالى (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) قال: المنافقون.
قوله تعالى (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشهدين)
قال الطبري: حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بمكة
قال لهم: ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قال: يقول: هو عبد الله، وكلمة من الله ألقاها إلى مريم، وروح منه. ويقول في مريم: إنها العذراء البتول.
قال: فأخذ عوداً من الأرض فقال: ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم قدر هذا العود. فكره المشركون قوله، وتغيَّرت وجوههم. قال لهم: هل تعرفون شيئاً مما أنزل عليكم؟ قالوا: نعم. قال: اقرأوا فقرءوا، وهنالك منهم قسيسون ورهبان وسائر النصارى، فعرفت كل ما قرءوه وانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق. قال الله تعالى ذكره: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول) الآية.
(التفسير ١٠/٤٩٩-٥٠٠ ح ١٢٣١٧)، وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - سورة المائدة آية ٨٣ ح ٤٢٨) عن أبيه عن عبد الله بن صالح به، ولفظه أخصر من لفظ الطبري. وإسناده جيد محتج به، وتقدم الكلام عليه عند الآية ٢٩ من سورة النساء.
قال البخاري: حدثنا عمرو بن عون، حدثنا خالد عن إسماعيل عن قيس عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا نغزو مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخّص بنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب.
ثم قرأ (يا أيها الذين آمنوا لا تُحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم).
(صحيح البخاري ٨/١٢٦ ح ٤٦١٥ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية). (صحيح مسلم ٢/١٠٢٢ ح ١٤٠٤ - ك نكاح، ب نكاح المتعة وبيان انه ابيح ثم نسخ).
قال الحافظ ابن حجر: أخرج الثوري في جامعه وابن المنذر من طريقه بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جيء عنده بطعام فتنحى رجل فقال: إني حرمته أن لا آكله. فقال: ادن فكل وكفر عن يمينك ثم تلا هذه الآية إلى قوله: (ولا تعتدوا).
(الفتح ١١/٥٧٥)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/٣١٣-٣١٤).
قال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرنا حميد ابن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسألون عن عبادة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأينَ نحنُ من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أُفطر.
وقال أخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
(الصحيح ٩/٥-٦ ح ٥٠٦٣ - ك النكاح، ب الترغيب في النكاح)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٢/١٠٢٠ ح ١٤٠١ - ك النكاح، ب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) فهو الرجل يحلف على أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله، فيرى الذي هو خير منه، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير وقال مرة أخرى قوله: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) إلى قوله: (بما عقدتم الأيمان) قال: واللغو من الأيمان، هي التي تكفر، لا يؤاخذ الله بها. ولكن من أقام على تحريم ما أحل الله له، ولم يتحول عنه، ولم يكفر عن يمينه، فتلك التي يؤخذ بها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة عن الحسن (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) يقول: ما تعمدت فيه المأثم، فعليك فيه الكفارة.
قوله تعالى (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحه عن ابن عباس: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) قال: إن كنت تشبع أهلك فأشبع المساكين، وإلا فعلى ما تطعم أهلك بقدره.
قال ابن ماجة: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان ابن عيينة عن سليمان بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه سعة، وكان الرجل يقوت أهله قوتاً فيه شدة فنزلت الآية (من أوسط ما تطعمون أهليكم).
(السنن - الكفارات، ب من أوسط ماتطعمون أهليكم)، وصحح إسناده البوصيري (مصباح الزجاجة ٢/١٣٥)، وكذا الألباني في (صحيح سنن ابن ماجة ح ١٧١٧).
انظر حديث معاوية بن الحكم المتقدم عند الآية (٢٣٨) من سورة البقرة.
وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اعتقها فإنها مؤمنة".
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن أبي عباس قوله: (رجس من عمل الشيطان) يقول: سخط.
قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلى، أخبرنا عيسى وابن إدريس عن أبي حيّان عن الشعبي عن ابن عمر قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - على منبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحِنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل".
(صحيح البخاري ٨/١٢٦ ح ٤٦١٩- ك التفسير- سورة المائدة).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة".
(صحيح البخاري ١٠/٣٣ ح ٥٥٧٥ - ك الأشربة، ب قول الله تعالى (إنما الخمر والميسر والأنصاب)).
قال مسلم: حدثنا سُويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة (رجل من أهل مصر)، أنه جاء عبد الله بن عباس. ح وحدثنا أبو الطاهر (واللفظ له)، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس وغيره عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن وعلة السبأي (من أهل مصر)، أنه سأل عبد الله بن عباس عمّا يُعصر من العنب؟ فقال ابن عباس: إن رجلا أهدى لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - راوية خمر. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل علمت أن الله قد حرمها؟ "قال: لا. فسارَّ إنساناً. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بِم ساررته؟ ".
فقال: أمرته ببيعها. فقال: "إن الذي حرم شُربها حرّم بيعها". قال: ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها.
(صحيح مسلم ٣/١٢٠٦ ح ١٥٧٩ - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر).
(صحيح مسلم ١٤/١٨٧٧ ح ١٧٤٨ - ك فضائل الصحابة، ب في فضل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -).
(صحيح مسلم ٣/١٥٨٧ ح ٢٠٠٢ - ك الأشربة، ب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام).
قال الترمذي: حدثنا عبد الله بن منير قال: سمعت أبا عاصم، عن شبيب بن بشر، عن أنس بن مالك قال: لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له.
(السنن ٣/٥٨٠ ح ١٢٩٥ - ك البيوع، ب النهي أن يتخد الخمر خلا) وقال: حديث غريب، وأخرجه ابن ماجة (السنن ٢/١١٢٢ ح ٣٣٨١ - ك الأشربة، ب التجارة في الخمر) من طريق محمد بن سعيد التستري عن أبي عاصم به. وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح الترمذي ٢/٢٧) وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة ٦/١٨١-١٨٣) من طرق عن شبيب بن بشر به، وحسن محققه أسانيدها).
انظر حديث عمر المتقدم في سورة البقرة عند الآية (٢١٩).
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن عمر القواريري، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ابن همام، حدثنا سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب بالمدينة قال؟ "يا أيها الناس: إن الله تعالى يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمراً، فمن كان عنده شيء فليبعه ولينتفع به". قال: فما لبثنا إلا يسيراً حتى قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده شيء فلا يشرب ولا يبع". قال: فاستقبل الناس بما كان عنده منها في طريق المدينة، فسفكوها.
(الصحيح ٣/١٢٠٥ ح ١٥٧٨ - ك المساقاة، ب تحريم بيع الخمر).
(السنن ٤/١٦٤ ح ٤٤٨٤ - ك الحدود، ب إذا تتابع في شرب الخمر)، وأخرجه النسائي (السنن ٨/٣١٤ - ك الأشربه، ب ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر)، وابن ماجة (السنن ٢/٨٥٩ ح ٢٥٧٢ - ك الحدود، ب في شرب الخمر مراراً) كلاهما من طريق شبابة، عن ابن أبي ذئب به. وأخرجه أحمد (المسند ح ٧٨٩٨، ١٠٥٥٤) عن يزيد عن ابن أبي ذئب به. والحديث صحيح أفاض الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند في تصحيحه وذكر شواهده. وصححه كذلك الألباني (السلسلة الصحيحة ح ١٣٦٠).
وانظر حديث أبي داود عن أبي موسى الأشعري المتقدم تحت الآية رقم (٢١٩) من سورة البقرة.
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من لعب بالنردشير، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه".
(الصحيح ٤/١٧٧٠ ح ٢٢٦٠ - ك الشعر، ب تحريم اللعب بالنردشير).
قال النسائي: أنا محمد بن عبد الرحيم صاعقة، أنا حجاج بن منهال، نا ربيعة ابن كلثوم بن جبير عن أبيه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا حتى إذا نهلوا عبث بعضهم ببعض، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته
فيقول: قد فعل هذا بي أخي - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا فوقعت في قلوبهم الضغائن فأنزل الله عز وجل: (إنما الخمر والميسر) إلى قوله: (فهل أنتم منتهون) فقال ناس: هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد فأنزل الله عز وجل (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات).
قوله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا)
قال البخاري: حدثنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا ثابت عن أنس - رضي الله عنه -: إن الخمر التي أهريقت الفضيخ. وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديا منادى، فقال أبو طلحة: اخرُج فانظر ما هذا الصوت، قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي: ألا إن الخمر قد حُرّمت. فقال لي: اذهب فأهرقها. قال: فجرت في سكك المدينة. قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ، فقال: بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا).
(صحيح البخاري ٨/١٢٨ ح ٤٦٢٠ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية)، (صحيح مسلم ٣/١٥٧٠ - ك الأشربة، ب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر).
قال مسلم: حدثنا منجاب بن الحارث التميمي وسهل بن عثمان وعبد الله ابن عامر بن زرارة الحضرمي وسُويد بن سعيد والوليد بن شجاع (قال سهل ومنجاب: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا) على بن مسهر عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا) المائدة: ٩٣ إلى آخر الآية. قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قيل لي: أنت منهم".
(صحيح مسلم ٤/١٩١٠ ح ٢٤٥٩ - ك فضائل الصحابة، ب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه رضي الله عنهما).
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: (تناله أيديكم ورماحكم) قال: النبل (رماحكم) تنال كبير الصيد (وأيديكم) تنال صغير الصيد، أخذ الفرخ والبيض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (أيديكم ورماحكم) قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلى الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم، حتى لو شاؤوا نالوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم)
قال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) هذه الآية الكريمة يفهم من دليل خطابها أي مفهوم مخالفتها أنهم إن حلوا من إحرامهم، جاز لهم قتل الصيد، وهذا المفهوم مصرح به في قوله تعالى (وإذا حللتم فاصطادوا) يعني: إن شئتم كما تقدم إيضاحه في أول هذه السورة الكريمة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) قال: إن قتله متعمدا أو ناسيا حكم عليه، وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة، إلا أن يعفو الله.
قوله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) قال: إذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه، فإن قتل ظبيا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد، فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل إيّلا أو نحوه، فعليه بقرة، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل.
انظر سورة البقرة آية (٤٨) عند قوله تعالى (ولا يؤخذ منها عدل).
قوله تعالى (ومن عاد فينتقم الله منه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم، حكم عليه فيه مرة واحدة، فإن عاد يقال له: ينتقم الله منكم، كما قال الله عز وجل.
قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم... )
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد أخبرنا سفيان عن عمرو قال: سمعت جابراً يقول: بعثنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة نرصُدُ عيراً لقريش، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط، فسمي جيش الخبط، وألقى البحر حوتاً يقال له العنبر، فأكلنا نصف شهر، وادَّهنا بودكه حتى صلحت أجسامنا، قال: فأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه فنصبه فمر الراكب تحته، وكان فينا رجل، فلمّا اشتد الجوع نحر ثلاث جزائر، ثم ثلاث جزائر، ثم نهاه أبو عبيدة.
(صحيح البخاري ٩/٥٣٠ ح ٥٤٩٤ - ك الذبائح والصيد، ب قوله تعالى (أحل لكم صيد البحر)).
قال الطبري: حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد ابن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم" قال: طعامه ما لفظه ميتاً فهو طعامه.
(التفسير ١١/٧٠ ح ١٢٧٢٩) قال الشيخ محمود شاكر: إسناد صحيح، ورجاله ثقات حفاظ).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (وطعامه متاعا لكم) يعني: بطعامه، مالحه، وما قذف البحر منه، مالحه.
قوله تعالى (وحرّم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، حدثنا عثمان -هو ابن موهب- قال: أخبرني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال: خذوا
(صحيح البخاري ٤/٣٥ ح ١٨٢٤ -ك جزاء الصيد- ب لا يشير المحرم إلى الصيد لكى يصطاده الحلال).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حماراً وحشياً وهو بالأبواء -أو بودان- فردّه عليه فلمّا رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حُرُم".
(صحيح البخاري ٤/٣٨ ح ١٨٢٥ - ك جزاء الصيد، ب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل).
قال الطبري: حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال: حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا سعيد قال: حدثنا قتادة، أن سعيد بن المسيب حدثه، عن أبي هريرة أنه سئل عن صيد صاده حلال، أيأكله المحرم؟ قال: فأفتاه هو بأكله، ثم لقي عمر ابن الخطاب رحمه الله فأخبره بما كان من أمره، فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك.
(وصححه أحمد شاكر. التفسير ح ١٢٧٥٤).
قال مسلم: وحدثنا يحيى، قال: قرأت على مالك عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خمس من الدواب، ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة والكلب العقور".
(كتاب الحج ح ١١٩٩، ب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرام).
(صحيح البخاري ٤/٤٢ ح ١٨٢٩ - ك جزاء الصيد، ب ما يقتل المحرم من الدواب).
قوله تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد) يعنى: قياما لدينهم، ومعالم لحجهم.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)
قال البخاري: حدثني الفضل بن سهل قال: حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو خيثمة حدثنا أبو الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قوم يسألون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضلُّ ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) حتي فرغ من الآية كلها.
(صحيح البخاري ٨/١٣٠ ح ٤٦٢٢ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية).
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سعيد، حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يُحرم فحرّم من أجل مسألته".
(صحيح البخاري ١٣/٢٧٨ - ك الاعتصام، ب ما يكره من كثرة السؤال ح ٧٢٨٩).
قال مسلم: حدثنا محمود بن غيلان ومحمد بن قدامة السلمي ويحيى بن محمد اللؤلؤي. وألفاظهم متقاربة (قال محمود: حدثنا النضر بن شميل. وقال الآخران:
قال: فما أتى على أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أشدّ منه. قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين. قال: فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، قال: فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال: "أبوك فلان". فنزلت: (يا أيها الذين ءامنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم).
(صحيح مسلم ٤/١٨٣٢ ح ٢٣٥٩ - ك الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، وأخرجه البخاري بنحوه الصحيح - الفتن باب التعوذ من النفاق ح ٧٠٨٩ ح ٧٢٩٥).
قال البخاري: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم".
(صحيح البخاري ١٣/٢٦٤ ح ٧٢٨٨ - ك الاعتصام بالكتاب والسنة، ب الإقتداء بسنن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، (صحيح مسلم ٤/١٨٣٠ - ك الفضائل، ب توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك إكثار سؤاله عمالا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف ومالا يقع، ونحو ذلك ح ١٣٣٧ نحوه).
قوله تعالى (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: البَحيرة التي يُمنع درّها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: كانوا يسيّبونها لآلهتهم فلا يُحمل عليها شيء. قال: وقال أبو هريرة: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيت عمرو ابن عامر الخزاعى يجرّ قصبه في النار، كان أول من سيّب السوائب". والوصيلة: الناقة البكر تبَكر في أول نِتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يُسيّبونهم
ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (صحيح البخاري ٨/١٣٢-١٣٣ ح ٤٦٢٣ -ك التفسير- سورة المائدة)، (صحيح مسلم ٤/٢١٩٢ ح ٥١ - ك الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء. نحوه).
قال البخاري: حدثني محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا، ورأيت عَمْراً يَجُر قصبه، وهو أول من سيب السوائب".
(صحيح البخاري ٨/١٣٢-١٣٣ ح ٤٦٢٤ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية). ابن عمرو بن لي قمعه (انظر السيرة النبوية لابن هشام ١/٧٨، والمستدرك ٤/٦٠٥).
قال أحمد: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنا قشف الهيئة فقال: هل لك مال؟ قال: قلت: نعم. قال: من أي المال؟ قال: قلت: من كل المال؛ من الإبل والرقيق والخيل والغنم. فقال: إذا آتاك الله مالا فلير عليك. ثم قال: هل تنتج إبل قومك صحاحاً آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر وتشقها أو تشق جلودها وتقول: هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم. قال: فإن ما آتاك الله عز وجل لك وساعد الله أشد وموسى الله أحدّ. وربما قال: ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك. قال: فقلت: يا رسول الله أرأيت رجلاً نزلت به فلم يكرمني ولم يقرني ثم نزل بي أجزيه بما صنع أم أقريه؟ قال: أقره.
(المسند ٣/٤٧٣)، وأخرجه الحاكم (المستدرك ٤/١٨١) من طريق وهب بن جرير كلاهما عن شعبة به، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وعزاه الهيثمي للطبراني في الصغير وقال: رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٥/١٣٣)، وصححه الألباني بشواهده في (غاية المرام ح ٧٥).
قوله تعالى (وأكثرهم لا يعقلون).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (وأكثرهم لا يعقلون) يقول: تحريم الشيطان الذي حرم عليهم، إنما كان من الشيطان، ولا يعقلون.
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)
قال الشيخ الشنقيطي: قد يتوهم الجاهل من ظاهر هذه الآية الكريمة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن نفس الآية فيها الإشارة إلى أن ذلك فيما إذا بلغ جهده فلم يقبل منه المأمور، وذلك في قوله (إذا اهتديتم) لأن من ترك الأمر بالمعروف لم يهتد. ومما يدل على أن تارك الأمر بالمعروف غير مهتد؛ أن الله تعالى أقسم أنه في خسر في قوله تعالى (والعصر. إن الإنسان لفى خسر. إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). فالحق وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد أداء الواجب لا يضر الآمر ضلال من ضل. وقد دلت الآيات كقوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) والأحاديث على أن الناس إن لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهو عن المنكر، عمهم الله بعذاب من عنده.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة كلاهما عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب. وهذا حديث أبي بكر. قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
(الصحيح ١/٦٩ ح ٤٩ - ك الإيمان، في بيان كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الإيمان... ).
(السنن ح ٤٠٠٩ - الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وأخرجه أحمد وأبو داود من طريقين عن جرير به نحوه (المسند ٤/٣٦١، ٣٦٣، ٣٦٤، ٣٦٦)، (السنن٤/١٢٢ - الملاحم، ب الأمر والنهي)، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق كذلك، وصححه ابن حبان (الإحسان ١/٢٥٩ ح ٣٠٠)، وأيضاً صححه الألباني (صحيح الجامع رقم ٥٧٤٩)، وحسنه السيوطي (الجامع الصغير مع فيض القدير ٥/٤٩٣ ح ٨٠٨٥).
قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، عن خالد. ح وثنا عمرو بن عون، أخبرنا هشيم المعني، عن إسماعيل، عن قيس، قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال عن خالد: وإنا سمعنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب". وقال عمرو عن هشيم: وإني سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب".
قال أبو داود: ورواه كما قال خالد أبو أسامة وجماعة، وقال شعبة فيه: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله".
(السنن ٤/١٢٢ ح ٤٣٣٨ - ك الملاحم، ب الأمر والنهي)، وأخرجه الترمذى (السنن ٥/٢٥٧ ح ٣٠٥٧ - ك التفسير، ب ومن سورة المائدة) والضياء في (المختارة ١/١٤٦-١٤٧) من طريق يزيد بن هارون. وابن ماجة (السنن ٢/١٣٢٧ ح ٤٠٠٥ - ك الفتن، ب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من طريق ابن نمير وأبى أسامة، كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد به، وأخرجه أحمد (المسند ١/٢) عن ابن نمير به، قال محققه: إسناد صحيح (المسند ١/١٦٠)، وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١/٢٦١ ح ٣٠٤)، وأبو يعلى في (مسند ١/١١٨ ح ١٢٨) كلاهما من طريق شعبة، عن إسماعيل به. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الألباني: صحيح (صحيح الترمذى ح ٢٤٤٨)، وصحح إسناده محقق مسند أبي يعلى.
(التفسير ١١/١٤٠ ح ١٢٨٥٤)، ورجاله ثقات وإسناده صحيح.
قال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا محمد بن فضيل، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، أبو طوالة، ثنا نهار العبدي، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقّن الله عبداً حجته، قالا: يارب رجوتك، وفرِقْتُ من الناس".
(السنن ٢/١٣٣٢ ح ٤٠١٧ - ك الفتن، ب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)، وأخرجه أحمد (المسند ٣/٧٧) من طريق وهب، عن يحيى بن سعيد به. قال العراقي: رواه ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري، بإسناد جيد. (تخريج الإحياء ٣/١٢٧٣ ح ١٩٢٦) وقال البوصيرى: إسناد صحيح... (مصباح الزجاجة ٢/٣٠٠) وقال الألباني: هذا إسناد جيد (السلسلة الصحيحة ح ٩٢٩).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم) يقول: أطيعوا أمري، واحفظوا وصيتي.
قال البخاري: وقال لي على بن عبد الله: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعديّ بن بدّاء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلمّا قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوّصاً من ذهب، فأحلفهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم وُجد الجام بمكة فقالوا: ابتعناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت).
(صحيح البخاري ٥/٤٨٠ ح ٢٧٨٠ - ك الوصايا، ب قوله الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت..)). وقد حسنه علي بن المديني، كما نقله المزي في (تهذيب الكمال ١٨/٣١٢).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم) إلى قوله: (ذوا عدل منكم) فهذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين. ثم قال: (أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت) فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره الله تعالى ذكره بشهادة رجلين من غير المسلمين. فإن ارتيب في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: لم نشتر بشهادتنا ثمنا قليلا. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد. فذلك قوله: (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) يقول: إن اطلع على الكافرين كذبا
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قال: سمعت ابن المسيب يقول: (اثنان ذوا عدل منكم) أى: مسلمين (أوآخران من غيركم) أهل الكتاب.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر في هذه الآية الكريمة أن كاتم الشهادة أثم وبين في موضع آخر أن هذا الإثم من الآثام القلبية وهو قوله: (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) ومعلوم أن منشأ الآثام والطاعات جميعاً من القلب، لأنه إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله.
قوله تعالى (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا) إلا علم أنت أعلم به منا.
انظر حديث الحاكم عن أبي أمامة المتقدم تحت الآية (٣١) من سورة البقرة.
وهو حديث: "كم كانت الرسل؟... ").
قوله تعالى (تكلم الناس في المهد)
انظر حديث البخاري عن أبي هريرة المتقدم عند الآية (٤٦) من سورة آل عمران. وهو حديث: "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة... ").
قوله تعالى (وإذ تخرج الموتى بإذني)
قال الشيخ الشنقيطي: معناه إخراجهم من قبورهم أحياء بمشيئة الله، وقدرته كما أوضحه بقوله: (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله).
قال الشيخ الشنقيطي: لم يذكر هنا كيفية كفه إياهم عنه، ولكنه بينه في موضع آخر كقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) وقوله: (وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه) الآية. وقوله: (ومطهرك من الذين كفروا).
قوله تعالى (وإذ أوحيت إلى الحواريين)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن السدي: (وإذ أوحيت إلى الحواريين) يقول: قذفت في قلوبهم.
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: الحواري: الوزير.
قوله تعالى (مائدة من السماء)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره (مائدة من السماء) قال: مائدة عليها طعام، أتوا بها، حين عرض عليهم العذاب إن كفروا. ألوان من طعام ينزل عليهم.
قوله تعالى (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله: (تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا) قال: أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
قوله تعالى (فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه)
قال أحمد: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة، عن عمران أبي الحكم السلمي عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ادع لنا ربك يصبح لنا الصفا ذهبة، فإن أصبحت ذهبة اتبعناك وعرفنا أن ما قلت كما قلت. فسأل ربه عز وجل، فأتاه جبريل فقال: إن شئت أصبحت لهم هذه الصفا ذهبة، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحنا لهم أبواب التوبة.
قال: "يا رب لا، بل افتح لهم أبواب التوبة".
(المسند ١/٣٤٥)، وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير (١٢/١٥٢ ح ١٢٧٣٦)، والحاكم في (المستدرك ١/٥٣ و٢/٣١٤ و٤/٢٤٠) من طريق سفيان به مثله. ووقع عند الإمام أحمد (١/٢٤٢)
قوله تعالى (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق)
قال الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوُس عن أبي هريرة قال: تلقّى عيسى حُجّته ولقاه الله في قوله: (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمّي إلهين من دون الله) قال أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلقاه الله: (سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) الآية كلها.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (سنن الترمذى ٥/٢٦٠ - ك التفسير، سورة المائدة ح /٣٠٦٢)، وأخرج النسائي في (التفسير ١/٤٦٨ ح ١٨٢)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٥/٤٧٤ ح ٩٩٢) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به. وصححه الألبانى في (صحيح سنن الترمذى ٣/٤٨-٤٩).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) متى تكون؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم).
قوله تعالى (وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم)
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أيها الناس، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً". ثم قال: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) إلى أخر الآية. ثم
(صحيح البخاري ٨/١٣٥ ح ٤٦٢٥ -ك التفسير- سورة المائدة، ب الآية) و (١١/٣٨٥- ك الرقاق، ب الحشر)، (صحيح مسلم ٤/٢١٩٤ - ك الجنه وصفة نعيمها وأهلها، ب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة).
أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة: (كنت أنت الرقيب عليهم) قال: الحفيظ عليهم.
قوله تعالى (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)
قال مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث؛ أن بكر بن سوادة حدّثه عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني) إبراهيم: ٣٦، الآية.
وقال عيسى عليه السلام: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت
العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي". وبكى. فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسلْه ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله. فأخبره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما قال. وهو أعلم.
فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
(صحيح مسلم ١/١٩١ ح ٢٠٢ - ك الأيمان، ب دعاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته وبكائه شفقة عليهم).
قوله تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه)
انظر حديث البخاري عن أبي سعيد المتقدم عند الآية (١٥) من آل عمران.
سورة المائدة
إنَّ شأنَ هذه السورةِ عظيمٌ كشأنِ أخواتِها السَّبْعِ الطِّوال؛ لِما اشتملت عليه من أحكامٍ كثيرة؛ فقد بُدِئت بالأمرِ بالوفاء بالعقود والالتزام بالمواثيق، واشتملت على ذِكْرِ المُحرَّمات من الأطعمة، وجاءت على ذكرِ عقوبة الحِرابةِ والسرقة، وغيرِها من الأحكام التي تُوضِّحُ المعاملاتِ بين الناس؛ استكمالًا لشرائعِ الله، كما ذكَرتْ قصَّةَ بني إسرائيل وطلَبِهم المائدةَ، وخُتِمتْ بالحوارِ الذي يَجري بين الله وبين عيسى عليه السلام لإقامةِ الحُجَّةِ على بني إسرائيلَ، ولعلَّ ما صحَّ في الحديثِ مِن أنَّ الدابَّةَ لم تستطِعْ تحمُّلَها وقتَ نزولِها على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كان لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ وتشريعات.
ترتيبها المصحفي
5نوعها
مدنيةألفاظها
2837ترتيب نزولها
112العد المدني الأول
122العد المدني الأخير
122العد البصري
123العد الكوفي
120العد الشامي
122* قوله تعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: 39]:
عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما: «أنَّ امرأةً سرَقتْ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، فجاءَ بها الذين سرَقتْهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذه المرأةَ سرَقتْنا، قال قومُها: فنحن نَفدِيها - يعني أهلَها -، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اقطَعُوا يدَها»، فقالوا: نحن نَفدِيها بخَمْسِمائةِ دينارٍ، قال: «اقطَعُوا يدَها»، قال: فقُطِعتْ يدُها اليمنى، فقالت المرأةُ: هل لي مِن توبةٍ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «نَعم، أنتِ اليومَ مِن خطيئتِكِ كيَوْمَ ولَدَتْكِ أمُّكِ»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل في سورةِ المائدةِ: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعْدِ ظُلْمِهِۦ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: 39] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٦٥٧).
* قوله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلظَّٰلِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]:
عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «مُرَّ على النبيِّ ﷺ بيهوديٍّ مُحمَّمًا مجلودًا، فدعَاهم ﷺ، فقال: «هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكم؟!»، قالوا: نَعم، فدعَا رجُلًا مِن علمائِهم، فقال: «أنشُدُك باللهِ الذي أنزَلَ التَّوراةَ على موسى؛ أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكم؟!»، قال: لا، ولولا أنَّك نشَدتَّني بهذا لم أُخبِرْك، نجدُه الرَّجْمَ، ولكنَّه كثُرَ في أشرافِنا، فكنَّا إذا أخَذْنا الشريفَ ترَكْناه، وإذا أخَذْنا الضعيفَ أقَمْنا عليه الحدَّ، قلنا: تعالَوْا فَلْنجتمِعْ على شيءٍ نُقِيمُه على الشريفِ والوضيعِ، فجعَلْنا التَّحْميمَ والجَلْدَ مكانَ الرَّجْمِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اللهمَّ إنِّي أوَّلُ مَن أحيا أمرَك إذ أماتوه»، فأمَرَ به فرُجِمَ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ اْلَّذِينَ يُسَٰرِعُونَ فِي اْلْكُفْرِ﴾ [المائدة: 41] إلى قولِه: ﴿إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ﴾ [المائدة: 41]، يقولُ: ائتُوا محمَّدًا ﷺ، فإن أمَرَكم بالتَّحْميمِ والجَلْدِ فخُذُوه، وإن أفتاكم بالرَّجْمِ فاحذَرُوا؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْكَٰفِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلظَّٰلِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اْللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]؛ في الكفَّارِ كلُّها». أخرجه مسلم (١٧٠٠).
* قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ﴾ [المائدة: 93]:
عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «كنتُ ساقيَ القومِ في منزلِ أبي طَلْحةَ، وكان خَمْرُهم يومئذٍ الفَضِيخَ، فأمَرَ رسولُ اللهِ ﷺ مناديًا ينادي: ألَا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمتْ، قال: فقال لي أبو طَلْحةَ: اخرُجْ، فأهرِقْها، فخرَجْتُ فهرَقْتُها، فجَرَتْ في سِكَكِ المدينةِ، فقال بعضُ القومِ: قد قُتِلَ قومٌ وهي في بطونِهم؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿لَيْسَ عَلَى اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ﴾ [المائدة: 93] الآيةَ». أخرجه البخاري (٢٤٦٤).
* قوله تعالى: ﴿لَا تَسْـَٔلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]:
عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «خطَبَ رسولُ اللهِ ﷺ خُطْبةً ما سَمِعْتُ مِثْلَها قطُّ، قال: «لو تَعلَمون ما أعلَمُ، لَضَحِكْتم قليلًا، ولَبَكَيْتم كثيرًا»، قال: فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ وجوهَهم، لهم خَنِينٌ، فقال رجُلٌ: مَن أبي؟ قال: فلانٌ؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿لَا تَسْـَٔلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101]». أخرجه البخاري (٤٦٢١).
* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اْلْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «خرَجَ رجُلٌ مِن بني سَهْمٍ مع تميمٍ الدَّاريِّ وعَدِيِّ بنِ بَدَّاءٍ، فماتَ السَّهْميُّ بأرضٍ ليس بها مسلمٌ، فلمَّا قَدِمَا بتَرِكَتِهِ، فقَدُوا جامًا مِن فِضَّةٍ مُخوَّصًا مِن ذهَبٍ، فأحلَفَهما رسولُ اللهِ ﷺ، ثم وُجِدَ الجامُ بمكَّةَ، فقالوا: ابتَعْناه مِن تميمٍ وعَدِيٍّ، فقام رجُلانِ مِن أوليائِهِ، فحلَفَا لَشَهادتُنا أحَقُّ مِن شَهادتِهما، وإنَّ الجامَ لِصاحبِهم، قال: وفيهم نزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اْلْمَوْتُ﴾ [المائدة: 106]». أخرجه البخاري (٢٧٨٠).
سُمِّيتْ سورةُ (المائدةِ) بذلك؛ لاشتمالِها على قصَّةِ نزولِ (المائدة) على بني إسرائيلَ، كما أُطلِق عليها اسمُ سورةِ (العُقُودِ)؛ لافتتاحِها بهذا اللفظِ، ولكثرةِ ما فيها من أحكامٍ ومعاملات بين الناس.
* أنَّها تُعادِلُ - مع أخواتِها السَّبْعِ الطِّوال - التَّوراةَ:
عن واثلةَ بنِ الأسقَعِ اللَّيْثيِّ أبي فُسَيلةَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبْعَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبُورِ المِئينَ، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المَثَانيَ، وفُضِّلْتُ بالمُفصَّلِ». أخرجه أحمد (١٦٩٨٢).
* لم تستطِعِ الدابَّةُ تحمُّلَ ثِقَلِها لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ:
فعن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «أُنزِلتْ على رسولِ اللهِ ﷺ سورةُ المائدةِ وهو راكبٌ على راحلتِهِ، فلم تستطِعْ أن تَحمِلَهُ، فنزَلَ عنها». أخرجه أحمد (٦٦٤٣).
* مَن أخَذها مع السَّبْعِ الطِّوالِ عُدَّ حَبْرًا:
عن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).
اشتمَلتْ سورةُ (المائدةِ) على عِدَّةِ موضوعاتٍ على هذا الترتيبِ:
العهود والمواثيق مع أمَّة محمَّد عليه السلام (١-٨).
المواثيق والجزاء (٩-١٠).
البلاء وصرفُه عن المسلمين (١١).
ميثاقه مع اليهود والنصارى (١٢-١٦).
فساد عقيدة أهل الكتاب (١٧-١٩).
سُوء أدب اليهود (٢٠-٢٦).
جرائمُ وعقوبات (٢٧-٣٢).
عقوبة الحِرابة (٣٣-٣٤).
التقوى نجاة من النار (٣٥-٣٧).
حد السرقة (٣٨-٤٠).
تلاعُبُ أهل الكتاب بأحكام الله (٤١-٤٥).
رسالة عيسى عليه السلام (٤٦-٤٧).
القرآن (٤٨-٥٠).
المفاصَلة بين المسلمين وأهل الكتاب (٥١-٥٦).
الدِّين بين المستهزئين به والكارهين له (٥٧-٦٣).
سبُّ اليهود للمولى عز وجل (٦٤).
لو أنهم آمنوا (٦٥-٦٦).
عصمة الرسول (٦٧-٦٩).
طبيعة بني إسرائيل (٧٠-٧٧).
لعنة الأنبياء على الكفرة من بني إسرائيل (٧٨-٨١).
مَن يُوادُّ ويُعادي أهل الإيمان (٨٢-٨٦).
النهي عن الغلوِّ في الدِّين (٨٧-٨٨).
اليمين وكفارتها (٨٩).
خمس مُحرَّمات (٩٠-٩٦).
مِن نِعَم الله على عباده (٩٧-١٠٠).
تحريم السؤال عن ما يضر (١٠١-١٠٥).
الإشهاد والقَسَامة (١٠٦-١٠٨).
عيسى بين يَدَيِ الله تعالى في القيامة (١٠٩-١١١).
المائدة (١١٢-١١٥).
التبرؤ من التأليه (١١٦-١١٨).
كلمة الحق والختام (١١٩-١٢٠).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /290).
مِن أجلِّ مقاصدِ هذه السُّورة: إيضاحُ المعاملات بين الناس؛ لذا بدأت بالأمرِ بالوفاء بالعقود، فجاءت استكمالًا لشرائعِ الإسلام، ومِن مقاصدها بيانُ الحلال والحرام من المأكولات، وكذا حفظُ شعائرِ الله في الحجِّ والشهر الحرام، والنَّهي عن بعض المُحرَّمات من عوائدِ الجاهليَّة، وتبيين الكثير من الشرائع الأخرى.
وخُتِمتْ بمقصدٍ عظيم؛ وهو التذكيرُ بيومِ القيامة، وشَهادةُ الرُّسل على أُمَمهم، وشَهادة عيسى على النصارى، وتمجيد الله تعالى.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (6 /74).