تفسير سورة المجادلة

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا وعَدَ مُؤْمني أهل الكتاب بما وعد وكان حكم الظِّهار في شرائعهم الفراق المؤبد، أمرهم بتحليله بالكفارة لينالوا ما وعد فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ﴾: خولة ﴿ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ ﴾: تراجعك ﴿ فِي زَوْجِهَا ﴾: أوس إذ قال لها: أنت علي كظهر أمي فكمت بتحريمها عليه ﴿ وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ ﴾: وحدتها وعجزها ﴿ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ ﴾: تراجعكما الكلام ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ ﴾: بنحو الصيغة المذكورة من تشبهها بجزء محرم أنثى لم تكن حلالا قط ﴿ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ﴾: حقيقة ﴿ إِنْ ﴾: أي: ما ﴿ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾: حقيقة ﴿ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ ﴾: بالظهار ﴿ لَيَقُولُونَ ﴾: شيئا ﴿ مُنكَراً ﴾: في الشرع ﴿ مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً ﴾: كذبا ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾: لما سلف منهم ﴿ وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ ﴾: يرجعون ﴿ لِمَا ﴾: أي: عما ﴿ قَالُواْ ﴾: بأن لا يطلقوها إلى زمن يمكنهم ذلك عند الشافعي وباستبحة استمتاعها عند الحنفية ولو بنظرة شهوة، وبالعزم على الجماع عند مالك ﴿ فَتَحْرِيرُ ﴾: أي: إعتاق ﴿ رَقَبَةٍ ﴾: مؤمنة سليمة عن مخل بالعمل لزمهم ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾: بوطء أو استمتاع ﴿ ذَلِكُمْ ﴾: الحكم ﴿ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ ﴾: الرقبة ﴿ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ﴾: عليه ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾: كما مر، ووطئها أثناءهما لا يقطع التتابع عندنا ﴿ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ ﴾: الصوم لنحو مرض وكبر وشدة شبق ﴿ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ﴾: علكيه من قبل أن يتماسا عندنا ﴿ ذَلِكَ ﴾: التعليم ﴿ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: برفق عادة الجاهلية ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ ﴾: بها ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ﴾: يعاندون ﴿ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ ﴾: خذلوا ﴿ كَمَا كُبِتَ ﴾: الكفار ﴿ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾: على صدق الرسول ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ ﴾: بها ﴿ عَذَابٌ مُّهِينٌ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ ﴾: توبيخا ﴿ أَحْصَاهُ ﴾: ضبطه ﴿ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾: مُطلعٌ ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾: تعلم ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ ﴾: فقي حالة هو بالعلم ﴿ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ ﴾: وتخصيص العددين لخصوص الواقعة ﴿ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ ﴾: توبيخا ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * أَلَمْ تَرَ ﴾: يا محمد ﴿ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ﴾: اليهود والمنافقون الذين كانوا يتناجون إغضابا للمؤمنين ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾: أي: عن النجوى ﴿ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ ﴾: للمؤمنين ﴿ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ ﴾: يا محمد ﴿ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ ﴾: بقولهم: السام عليك، وهو الموت، وقال تعالى﴿ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ﴾[النمل: ٥٩]: وقال تعالى ليلة المعراج: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وكان صلى الله عليه سلم يردهم بقوله: عليكم ﴿ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ ﴾: هلا: ﴿ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ له إن كان نبيا ﴿ حَسْبُهُمْ ﴾: كافيه ﴿ جَهَنَّمُ ﴾: عذاب ﴿ يَصْلَوْنَهَا ﴾: يدخلونها ﴿ فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾: جهنم ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ ﴾: كهؤلاء ﴿ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ ﴾: الطاعة ﴿ وَٱلتَّقْوَىٰ ﴾: العفاف عن المعاصي ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾: في القيامة ﴿ إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ ﴾: بالإثم ونحو ﴿ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ بتوهيمهم أنها في شرٍّ يصيبهم ﴿ وَلَيْسَ ﴾: الشيطان ﴿ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾: أي: إرادته ﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾: فلا يبالوا بنجواهم.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ ﴾: توسعوا ﴿ فِي ٱلْمَجَالِسِ ﴾: التي للخير حتى يجلس من جاءكم ﴿ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ﴾: في الدارين ﴿ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ ﴾: قوموا لطاعته ﴿ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ ﴾: في الدارين ﴿ وَ ﴾: يرفع الله ﴿ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾: منهم إذا عملوا به ﴿ دَرَجَاتٍ ﴾: في الحديث:" يشفع يوم اليامة ثلاثة، الأنبياء العلماء ثم الشهداء "﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ﴾: أي: أردتم أن تناجوا ﴿ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ ﴾: قبل ﴿ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ﴾: أمروا بها لكثرة مناجاتهم إياه بلا حاجة ﴿ ذَلِكَ ﴾: التصدق ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾: لذنوبكم ﴿ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾: رخصة للفقراء، ولم يعمل بذلك إلا علي رضي الله تعالى عنه، فلما انتهوا عنها نسخت بعد ساعة أو عشرة أيام بقوله: ﴿ ءَأَشْفَقْتُمْ ﴾: خفتم الفقر من ﴿ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ﴾: جمعها باعتبار المخاطبين ﴿ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ ﴾: المأمور ﴿ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ ﴾: تجاوز عن إشفاقكم المذكور ﴿ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: دوموا عليها ليَجْبر ذلك ﴿ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * أَلَمْ تَرَ إِلَى ﴾: المنافقين ﴿ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم ﴾: اليهود ﴿ مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ ﴾: أي: اليهود مذبذبون بين ذلك ﴿ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ ﴾: وهو إيمانهم أو عدم حبهم النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾: كذبهم، هذا مما يبطل قول الجاحظ ﴿ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ ﴾: الكاذبة ﴿ جُنَّةً ﴾: وقاية عن اظهور نفاقهم ﴿ فَصَدُّواْ ﴾: الناس ﴿ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾: بالتثبيط ﴿ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * لَّن تُغْنِيَ ﴾: تدفع ﴿ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ ﴾: أي: عذابه ﴿ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ ﴾: على عدم كفرهم ﴿ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ ﴾: بالكذب ﴿ عَلَىٰ شَيْءٍ ﴾: ينفعهم كما في الدنيا ﴿ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ * ٱسْتَحْوَذَ ﴾: استولى ﴿ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ﴾: يعاندون ﴿ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ﴾: جملة ﴿ ٱلأَذَلِّينَ * كَتَبَ ٱللَّهُ ﴾: في اللوح ﴿ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ ﴾: بالحجة أو بالسيف لمن بعث بالحَرْب ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾: غالب على أمره ﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ ﴾: يصادقون ﴿ مَنْ حَآدَّ ﴾: عاند ﴿ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: هذا إذا كان فيها إرادة منافعهم مع كفرهم، وأما نحو المعاملة والمعاشرة فجائز ﴿ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾: أقاربهم، فيه دليل معاداة القدرية كماقاله مالك وكذا كل ظالم كما قال القرطبي، بل روى الثوري نزولها فيمن يصحب السلطان والحديث يؤيد الثاني ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾: الغير الوادين ﴿ كَتَبَ ﴾: أثبت ﴿ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ ﴾: أفادخرج العمل من مفهومه ﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ ﴾: بنصر أو بنور في قلوبهم ﴿ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ أبدا ﴿ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾: فرحوا بعطائه: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ ﴾ أنصار دينه ﴿ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾: الفائزون بكل خير.
سورة المجادلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المجادلة) من السُّوَر المدنية، نزَلتْ لتحريم عادةٍ من عادات الجاهلية؛ وهي (الظِّهار)، وذلك في حادثةِ مظاهرة أوسِ بن الصامت مِن زوجِه خَوْلةَ، وقد جاءت السورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو إثبات علمِ الله، وإحاطتِه بكل شيء، ومِن كمال ألوهيته سبحانه: الحُكْمُ العدل فيما يصلُحُ لهم من الشرائع، وخُتمت السورة ببيان حال أعداء الله، وحالِ أوليائه.

ترتيبها المصحفي
58
نوعها
مدنية
ألفاظها
475
ترتيب نزولها
105
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
28

* قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيٓ إِلَى اْللَّهِ وَاْللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1]:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمْعُه الأصواتَ، لقد جاءت خَوْلةُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تشكو زوجَها، فكان يَخفَى عليَّ كلامُها؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اْللَّهُ قَوْلَ اْلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه النسائي (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨).

* قوله تعالى: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «إنَّ اليهودَ كانوا يقولون لرسولِ اللهِ ﷺ: سامٌ عليك! ثم يقولون في أنفسِهم: {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اْللَّهُ بِمَا نَقُولُۚ} [المجادلة: 8]؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اْللَّهُ} [المجادلة: 8] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه أحمد (٦٥٨٩).

* قوله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يدخُلُ عليكم رجُلٌ ينظُرُ بعينِ شيطانٍ، أو بعَيْنَيْ شيطانٍ»، قال: فدخَلَ رجُلٌ أزرَقُ، فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني -أو: شتَمْتَني، أو نحوَ هذا-؟ قال: وجعَلَ يَحلِفُ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ في المجادلةِ: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى اْلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14]، والآيةُ الأخرى». أخرجه أحمد (٢١٤٧).

قال محقِّقو "المسند" (4 /48): «قوله: «فقال: يا مُحمَّدُ، علامَ سبَبْتَني؟»؛ كذا جاء في جميع الأصول، وكذلك هو في "مسند البزار"، وزيادة: «يا محمد» - كما قال الشيخُ أحمد شاكر- خطأٌ ينافي السياق؛ فإن الذي نُسِب إليه السبُّ والشَّتم هنا هو المنافقُ الأزرق، ورسولُ الله يَسأله ويتَّهِمُه، وهو يَحلِف كاذبًا يَتبرَّأ من التُّهمة، وقد جاء في "تفسير الطبري" على الصواب بإسقاطِ هذه الزيادة، وسيأتي على الصواب أيضًا عند أحمد (2407)»، انظر السبب الآتي.

* قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اْللَّهُ جَمِيعٗا فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍۚ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ اْلْكَٰذِبُونَ} [المجادلة: 18]:

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ، أنَّ ابنَ عباسٍ رضي الله عنهما حدَّثه، قال: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ظلِّ حُجْرةٍ مِن حُجَرِه، وعنده نَفَرٌ مِن المسلمين، قد كاد يَقلِصُ عنهم الظِّلُّ، قال: فقال: «إنَّه سيأتيكم إنسانٌ ينظُرُ إليكم بعَيْنَيْ شيطانٍ، فإذا أتاكم، فلا تُكلِّموه»، قال: فجاء رجُلٌ أزرَقُ، فدعاه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكلَّمَه، قال: «علامَ تَشتِمُني أنتَ، وفلانٌ، وفلانٌ؟»، نَفَرٌ دعَاهم بأسمائهم، قال: فذهَبَ الرَّجُلُ، فدعَاهم، فحلَفوا باللهِ واعتذَروا إليه، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {فَيَحْلِفُونَ لَهُۥ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ ...} [المجادلة: 18] الآيةَ» أخرجه أحمد (2407).

* سورةُ (المجادلة):

سُمِّيت سورةُ (المجادلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقصَّة مجادلةِ امرأةِ أوس بن الصامت عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وتُسمَّى كذلك بـ (قَدْ سَمِعَ)؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الظِّهار وكفَّارته (١-٤).

2. خَسارة مَن عادى اللهَ، وتعدَّى حدوده (٥-١٩).

3. حال أعداء الله، ومدحُ أوليائه (٢٠-٢٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /34).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقصد السورةِ: «الحُكْمُ في قضيَّة مظاهرة أوسِ بن الصامت من زوجه خَوْلة.
وإبطالُ ما كان في الجاهلية من تحريم المرأة إذا ظاهَر منها زوجُها، وأن عملهم مخالفٌ لِما أراده الله، وأنه من أوهامهم وزُورِهم التي كبَتَهم اللهُ بإبطالها، وتخلَّصَ من ذلك إلى ضلالاتِ المنافقين؛ ومنها مناجاتُهم بمرأى المؤمنين ليَغِيظوهم ويحزُنوهم.
ومنها موالاتهم اليهودَ، وحَلِفُهم على الكذب، وتخلَّل ذلك التعرُّض لآداب مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم.

وشرع التصدُّق قبل مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

والثناء على المؤمنين في مجافاتهم اليهودَ والمشركين.

وأن اللهَ ورسوله وحِزْبَهما هم الغالبون». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /6).