تفسير سورة المعارج

حومد

تفسير سورة سورة المعارج من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

﴿سَآئِلٌ﴾
(١) - اسْتَعْجَلَ سَائِلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ بِإِيقَاعِ العَذَابِ بِهِمْ، وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ فِي الآخِرَةِ لاَ مَحَالَةَ، فَلِمَاذَا يَطْلُبُونَهُ اسْتِهْزَاءً؟
(وَقِيلَ إِنَّ هَذَا السَّائِلَ بِوُقُوعِ العَذَابِ هُوَ النَّضْرُ بْنُ الحَارِثِ).
﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾
(٢) - وَهَذَا العَذَابُ الذِي سَيََقَعُ هُوَ مُرْصَدٌ لِلْكَافِرِينَ، وَمُعَدٌّ لَهُمْ، وَلاَ دَافِعَ لَهُ إِذَا أَرَادَ اللهُ وُقُوعَهُ بِهِمْ.
(٣) - وَلَيْسَ لِهَذَا العَذَابِ الصَّادِرِ عَنِ اللهِ دَافِعٌ مِنْ جِهَتِهِ إِذَا جَاءَ وَقْتُهُ، فَإِذَا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ تَعَالَى وُقُوعَهُ امْتَنَعَ أَلاَّ يَفْعَلَهُ. وَاللهُ سُبْحَانَهُ هُوَ صَاحِبُ النِّعَمِ والأَفْضَالِ التِي تَصِلُ إِلَى النَّاسِ عَلَى دَرَجَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ وَمَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ.
المَعَارِجِ - المَرَاتِبِ والدَّرَجَاتِ والمَصَاعِدِ.
﴿الملائكة﴾
(٤) - وَتَصْعَدُ المَلاَئِكَةُ وَجِبْرِيلُ فِي هَذِهِ المَعَارِجِ فِي زَمَنٍ قَلِيلٍ، مَعَ أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا لَوْ أَرَادُوالصُّعُودَ فِيهَا لاَقْتَضَاهُمْ ذَلِكَ زَمَناً طَوِيلاً (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ - وَقِيلَ إِنَّ ذِكْرَ الخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ لاَ يَعْنِي هُنَا زَمَناً مُحَدَّداً وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ طُولِ المُدَّةِ).
(وَقِيلَ إِنَّ المَقْصُودَ بِهَذَا اليَوْمِ هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ فَإِنَّهُ يَخِفُّ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَتَّى يَكُونَ أَخَفَّ مِنْ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ، يُصَلِّيهَا فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنٌ، وَيَشُقُّ عَلَى الكَافِرِينَ - كَمَا جَاءَ فِي الأَثَرِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ -). (رَوَاهُ أَحْمَدُ).
تَعْرُجُ - تَصْعَدُ فِي تِلْكَ المَعَارِجِ.
الرُّوحُ - جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
فِي يَوْمٍ - إِمَّا أَنْ يَكُونَ المَعْنَى مُدَّةَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَ القِيَامَةِ.
(٥) - فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلَى تَكْذِيبِ قَوْمِكَ لَكَ، وَعَلَى اسْتِعْجَالِهِم العَذَابَ اسْتِبْعَاداً لِوُقُوعِهِ، وَاحْتَمِلْ أَذِاهُمْ لَكَ بِلاَ جَزَعٍ وَلاَ شَكْوَى، لأَنَّ وُقُوعَ العَذَابِ بِهِمْ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ.
صَبْراً جَمِيلاً - لاَ شَكْوَى فِيهِ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى.
(٦) - إِنَّ الكَافِرِينَ يَرَوْنَ قِيَامَ السَّاعَةِ، وَوقُوعَ العَذَابِ أَمْراً مُسْتَبْعَداً.
﴿نَرَاهُ﴾
(٧) - وَيَعْتَقِدُ المُؤْمِنُونَ أَنَّهُ حَاصِلٌ قَرِيبُ الوُقُوعِ، وَإِنْ كَانَ مَوْعِدُ حُصُولِهِ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، لأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ قَرِيبٌ.
(أَوْ إِنَّ المَعْنَى - وَنَرَاهُ هَيِّناً فِي قُدْرَتِنَا، غَيْرَ مُتَعَذَّرٍ عَلَيْنَا).
(٨) - وَتَقُومُ السَّاعَةُ، وَيَقَعُ العَذَابُ بِالكَافِرِينَ حِينَمَا تُصْبحُ السَّمَاءُ كَعَكَرِ الزَّيْتِ.
المَهْلُ - عَكَرُ الزَّيْتِ، وَقِيلَ إِنَّهُ الفِضَّةُ الذَّائِبَةُ.
(٩) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ تُصْبِحُ الجِبَالُ هَشَّةً غَيْرَ مُتَمَاسِكَةٍ وَكَأَنَّهَا الصُّوفُ المَتْفُوشُ إِذَا لَعِبَتْ بِهِ الرِّيحُ.
العِهْنِ - الصُّوفِ المَنْفُوشِ أَوِ المَصْبُوغِ أَلْواناً.
﴿يَسْأَلُ﴾
(١٠) - وَلاَ يَسْأَلُ قَرِيبٌ مُشفِقٌ قَرِيباً مُشْفِقاً عَنْ حَالِهِ، وَلاَ يُكَلِّمُهُ، لأَنَّ كَلَّ وَاحِدٍ مِنَ الخَلْقِ مُنْشَغِلٌ بِمَا هُوَ فِيهِ.
الحَمِيمُ - القَرِيبُ المُشْفِقُ.
﴿يَوْمِئِذٍ﴾
(١١) - وَيُبْصِرُ الأَقَارِبُ بَعْضَهُمْ بَعْضاً، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَيَتَعَارَفُونَ، ثُمَّ يَفِرُّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَتَمَنَّى الكَافِرُ لَوْ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ ذَلِكَ اليَوْمِ بِأبْنَائِهِ، وَهُمْ أَعَزُّ النَّاسِ عَلَيْهِ، فَيْدْفَعُ بِهِمْ إِلَى العَذَابِ لِيَنْجُوَ هُوَ مِنْهُ.
يُبَصَّرُونَهُمْ - يَجْعَلُونَهُمْ يُبْصِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً.
﴿صَاحِبَتِهِ﴾
(١٢) - أَوْ أَنْ يُقَدِّم فِدَاءً عَنْهُ زَوْجَتَهُ أَوْ أَخَاهُ.
﴿تُؤْوِيهِ﴾
(١٣) - أَوْ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ أَفْرَادِ عَشِيرَتِهِ التِي تَضُمُّهُ إِلَيْهَا.
فَصِيلَتِهِ - عَشِيرَتِهِ الأَقْرَبِينَ.
(١٤) - أَوْ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ أَهْلِ الأَرْضِ فِدَاءً لَهُ لِيَخْلُصَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ العَذَابِ.
(١٥) - كَلاَّ لاَ يُقْبَلُ فِدَاءٌ مِنَ الكَافِرِ، وَلَوْ أَنَّهُ افْتَدَى بِجَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ، وَبِجَمِيعِ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ ذَهَبٍ وَمَالٍ، إِنَّهَا النَّارُ الشَّدِيدَةُ الحَرَارَةِ.
اللَّظَى - النَّارُ ذَاتُ اللَّهَبِ.
(١٦) - تَحْرُقُ كُلَّ شَيءٍ بَارِزٍ مِنْ جِسْمِ الإِنْسَانِ فَتُزِيلُهُ وَكَأَنَّهَا تَنْزِعُهُ انْتِزَاعاً.
الشَّوَى - الأَطْرَافُ البَارِزَةُ كَاليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ والرَّأْسِ. وَقِيلَ إِنَّهَا جِلْدَةُ الرَّأْسِ.
﴿تَدْعُواْ﴾
(١٧) - إِنَّهَا النَّارُ المُحْرِقَةُ تُنَادِي إِلَيهَا أَصْحَابَهَا مِنَ الكَفَرَةِ الذِينَ خَلَقَهُمُ اللهُ لَهَا، وَهُمُ الذِينَ تَوَلَّوْا حِينَمَا دَعَاهُمْ رُسُلَهُمْ إِلَى الإيْمَانِ بِاللهِ، وَوَلّوْا مُدْبِرِينَ.
(١٨) - وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ الذِي جَمَعَ المَالَ وَأَوْدَعَهُ فِي الأَوْعِيَةِ كَانِزاً لَهُ، وَلَمْ يُنْفِقْهُ فِي وُجُوهِ البِرِّ والطَّاعَاتِ والخَيْرِ.
أَوْعَى - أَوْدَعَ مَالَهُ فِي وِعَاءٍ حِرْصاً عَلَيْهِ.
﴿الإنسان﴾
(١٩) - إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ سَرِيعَ الانْفِعَالِ والتَّأَثُّرِ، فَهُوَ شَدِيدُ الجَزَعِ، إِذَا مَسَّهُ مَكْرُوهٌ، كَثِيرُ المَنْعِ، إِذَا نَزَلَتْ بِهِ نِعْمَةٌ.
نَاقَةٌ هَلُوعٌ - سَرِيعَةُ السَّيْرِ.
وَالهَلُوعُ - الكَثِيرُ الجَزَعِ الشَّدِيدُ الحِرْصِ.
(٢٠) - ثُمَّ فَسَّرَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ والتِي بَعْدَهَا مَعْنَى قَوْلِهِ (هَلُوعاً)، فَقَالَ: إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ والضُّرُّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الحُزْنُ، وَانْخَلَعَ قَلْبُهُ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ، وَيَئِسَ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيهِ خَيْرٌ بَعْدَهَا أَبَداً.
الجَزُوعُ - الكَثِيرُ الجَزَعِ.
(٢١) - وَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ بَخِلَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَمَنَعَ حَقَّ اللهِ فِيهَا.
المَنُوعُ - الكَثِيرُ المَنْعِ والإِمْسَاكِ.
(٢٢) - وَلاَ يَسْتَثْنِي اللهُ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ الإِنْسَانِ الذَمِيمَةِ، التِي تَتَمَثَّلُ بِالهَلَعِ وَالجَزَعِ وَالمَنْعِ، إِلاَّ المُؤْمِنِينَ الذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ إِلَى الخَيْرِ، وَهُمْ المُصَلُّونَ.
﴿دَآئِمُونَ﴾
(٢٣) - الذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا، لاَ يَشْغَلُهُمْ عَنْهَا شَاغِلٌ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِ المُدَاوَمَةِ عَلَى العِبَادَةِ.
﴿اأَمْوَالِهِمْ﴾
(٢٤) - وَالذِينَ يَجْعَلُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَصِيباً مُعَيَّناً يُنْفِقُونَهُ تَقَرُّباً مِنَ اللهِ، وَطَلَباً لِمْرَضَاتِهِ.
﴿لِّلسَّآئِلِ﴾
(٢٥) - يُنْفِقُونَهُ عَلَى ذَوِي الحَاجَاتِ والبَائِسِينَ الذِينَ يَسْأَلُونَهُمُ العَوْنَ.
المَحْرُومِ - مِنَ العَطَاءِ لِتَعَفُّفِهِ عَنِ السُّؤَالِ.
(٢٦) - وَالذِينَ يُؤْمِنُونَ بِيَوْمِ المَعَادِ وَالحِسَابِ فَيَعْمَلُونَ لَهُ وَتَظْهَرُ آثَارُ ذَلِكَ فِي أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ.
(٢٧) - وَالذِينَ هُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ مِنْ تَرْكِهِم الفُرُوضَ وَالوَاجِبَاتِ، وَمِنِ ارْتِكَابِ المَحْظُورَاتِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَباً فِي حِرْصِهِمْ عَلَى أَدَاءِ.
المَزِيدِ مِنَ الطَّاعَاتِ.
مُشْفِقُونَ - خَائِفُونَ اسْتِعَظَاماً للهِ.
(٢٨) - وَلاَ يَنْبَغِي لِعَاقِلِ أَنْ يَأَمَنَ عَذَابَ اللهِ، وَإِنْ زَادَ فِي الطَّاعَاتِ، وَلاَ يَأْمَنُهُ أَحَدٌ إِلاَّ بِأَمَانٍ مِنَ اللهِ.
﴿حَافِظُونَ﴾
(٢٩) - والذِينَ يَكُفُّونَ أَنْفُسَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّسَاءِ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى أَلاَّ يُقَارِفُوا مُحَرَّماً لَمْ يُبِحْهُ اللهُ لَهُمْ.
﴿أَزْوَاجِهِمْ﴾ ﴿أَيْمَانُهُمْ﴾
(٣٠) - وَلاَ يَقْرَبُونَ إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ اللهُ مِنْ أَزْوَاجٍ، أَوْ مِنْ إِمَاءٍ يَمْلِكُونَهُنَّ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَأْثَمُونَ، وَلاَ يُلاَمُونَ إِذَا أَتَوا نِسَاءَهُمْ وَإِمَاءَهُمْ.
﴿فأولئك﴾
(٣١) - وَمَنْ سَعَى إِلَى مُوَاقَعَةِ غَيْرِ مَنْ أَحَلَّهُنَّ اللهُ لَهُ مِنَ الأَزْوَاجِ وَالإِمَاءِ، فَهُوَ مُعْتَدٍ عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ، مُتَجَاوِزٌ حُدُودَهُ.
العَادُونَ - المُعْتَدُونَ المُتَجَاوِزُونَ الحَلاَلَ إِلَى الحَرَامِ.
﴿لأَمَانَاتِهِمْ﴾ ﴿رَاعُونَ﴾
(٣٢) - وَالذِينَ إِذَا ائْتُمِنُوا عَلَى أَمَانَةٍ رَدُّوهَا إِلَى أَصْحَابِهَا، وَلَمْ يَخُونُوا، والذِينَ إٍِذَا عَاهُدُوا عَهْداً رَاعَوْهُ وَوَفَوْا بِهِ، وَلَمْ يَغْدِرُوا، وَلَمْ يَتَأَوَّلُوا.
﴿بِشَهَادَاتِهِم﴾ ﴿قَائِمُونَ﴾
(٣٣) - وَالذِينَ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ، إِذَا دُعُوا إِلَى أَدَائِهَا عِنْدَ الحُكَّامِ، وَلاَ يَكْتمُونَهَا وَلاَ يُغَيِّرُونَهَا، والشَّهَادَةُ أَمَانَةٌ مِنَ الأَمَانَاتِ التِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَدَائِهَا عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ والصَّحِيحِ.
(٣٤) - والذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى أَدَاءِ صَلَواتِهِمْ فِي أَوْقَاتِهَا، يُؤَدُّونَهَا حَقَّ أَدَائِهَا، وَيُتمُّونَهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَخُشُوعِهَا، وَيَجْتِهِدُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ أَنْ يَسْتَبْعِدوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُلْهِيَهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَفَهْمِ مَا يَقْرَؤُونَ مِنَ القُرْآنِ وَإِدْرَاكِ مَا يَفْعَلُونَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، وَمِنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ.
﴿أولئك﴾ ﴿جَنَّاتٍ﴾
(٣٥) - وَهَؤُلاَءِ الذِينَ يَتَمَتَّعُونَ بِالصِّفَاتِ السَّالِفَةِ وَيَقُومُونَ بِالعِبَادَاتِ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ كَمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى يُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي جَنَّتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُؤَمِّنُهُمْ مِنْ هَوْلِ الفَزَعِ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، وَيُكْرِمُهُمْ بِفَيْضٍِ مِنَ الكَرَامَاتِ التِي اخْتَصَّ اللهُ بِهَا عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ المُخْلِصِينَ.
﴿فَمَالِ الَّذِينَ﴾
(٣٦) - فَمَا لِهَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ الذِينَ عِنْدَكَ يَا مُحَمَّدُ يَنْطِلقُونَ نَافِرِينَ مِنْكَ مُسْرِعِينَ؟ قِبَلَكَ - الذِينَ فِي زَمَنِكَ، أَو الذِينَ عِنْدَكَ. مُهْطِعِينَ - مُسْرِعِينَ وُهُمْ يَمُدُّونَ أَعْنَاقَهُمْ.
(٣٧) - يَمُرُّونَ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ، مُتَفَرِّقِينَ، مُعْرِضِينَ، وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِالرَّسُولِ الكَرِيمِ ﷺ.
عِزِينَ - مُتَفَرِّقِينَ.
﴿امرىء﴾
(٣٨) - فَهَلْ يَطْمَعُ هَؤُلاَءِ، وَهُمْ نَافِرُونَ مِنَ الرَّسُولِ الكَرِيمِ، مُعْرِضُونَ عَنْ سَمَاعِ الحَقِّ، أَنْ يَدْخُلُوا رَبِّهِمْ كَمَا يَدْخُلُهَا المُؤْمِنُونَ المُخْلِصُونَ؟. كَلاَّ لاَ مَطْمَعُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَا دَامُوا مُقِيمِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَاسْتْهْزَائِهِمْ.
﴿خَلَقْنَاهُم﴾
(٣٩) - كَلاَّ إِنَّهُمْ لَنْ يَدْخُلُوا الجَنَّةَ، وَسَيَدْخُلُونَ النَّارَ وَسَتَكُونُ مَأْوَاهُمْ وَمُسْتَقَرَّهُمْ، فَإِذَا كَانُوا يَسْتَبْعِدُونَ البَعْثَ وَالمَعَادَ، فَلْيَنْظُرُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَيْ شَيءٍ خَلَقَهُمُ اللهُ؟ إِنَّهُ خَلَقَهُمْ مِنْ نُطْفَةٍ مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بَعْدَ أَطْوَارٍ كَثِيرَةٍ بَشَراً يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ حِينَمَا تَحِينُ آجَالُهُمْ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَبْعَثُهُمْ مِنْ جِدِيدٍ، وَالإعَادَةُ أَهْوَنُ مِنَ البَدْءِ.
﴿المشارق﴾ ﴿المغارب﴾ ﴿لَقَادِرُونَ﴾
(٤٠) - يُقْسِمُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ الكَرِيمَةِ (وَهُوَ تَعَالَى رَبُّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ) عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مَنْ هُمْ أَمْثَلُ مِنْهُمْ، وَأَكْثَرُ طَاعَةً.
(٤١) - إِنَّهُ لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يُبَدِّلَ هَذَا الخَلْقَ الأَمْثَلَ بِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ، وأَنْ يَجْعَلَهُمْ يَسْتَمِعُونَ دَعْوَةَ الرُّسُلِ وَنُصْحَهُمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لاَ يُعْجِزُهُ ذَلِكَ، وَلاَ يَفُوتُهُ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ هَرَباً فِي الأَرْضِ.
(أَيْ إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْضَلَ وَأَمْثَلَ لِيَخْلُفُوهُمْ فِي الأَرْضِ).
مَسْبُوقِينَ - مَغْلُوبِينَ أَوْ عَاجِزِينَ.
﴿يُلاَقُواْ﴾
(٤٢) - فَدَعْهُمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ وَعِنَادِهِمْ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ، وَحِينَئِذٍ يَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ، وَسُوءَ مُنْقَلبَهِمْ، وَيَذُوقُونَ العَذَابَ بِمَا كَسبَتْ أَيْدِيهِمْ.
يَخُوضُوا - يَنْغَمِسُوا فِي أَبَاطِيلِهِمْ.
(٤٣) - وَفِي ذَلِكَ اليَومِ يَخْرُجُونَ مِنَ القُبُورِ سِرَاعاً، حِينَ يَدْعُوهُم الدَّاعِي، يُسَابِقُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، كَمَا كَانُوا يُهَرْوِلُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَى النُّصُبِ حِينَ يُعَايِنُونَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَلِمَهُ قَبْلَ غَيْرِهِ تَبَرُّكاً بِهِ.
يُوفِضُونَ - يُسَارِعُونَ.
﴿خَاشِعَةً﴾ ﴿أَبْصَارُهُمْ﴾
(٤٤) - وَتَكُونُ أَبْصَارُهُمْ خَاشِعَةً ذَلِيلَةً مِنْ هَوْلِ مَا تَحَقَّقُوهُ مِنْ سُوءِ المُنْقَلَبِ والمَصِيرِ، فَذَلِكَ اليَوْمُ الذِي كَانَ الرُّسُلُ يَعِدُونَهُمْ بِهِ فَلاَ يُصَدِّقُونَ، بَلْ كَانُوا يُكَذِّبُونَ، وَيَسْخَرُونَ مِنَ الرُّسُلِ، وَمِنْ هَذَا اليَومِ، فَلْيَذُوقُوا اليَومَ العَذَابَ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَيَكْفُرُونَ.
خَاشِعَةً - ذَلِيلَةً مُنْكَسِرَةً.
تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ - تَغْشَاهُمْ مَهَانَةٌ شَدِيدَةٌ.
سورة المعارج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المعارج) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الحاقة)، وقد أكدت وقوعَ يوم القيامة بأهواله العظيمة، التي يتجلى فيها جلالُ الله وعظمته، وقُدْرتُه الكاملة على الجزاء، وأن مَن استحق النار فسيدخلها، ومَن أكرمه الله بجِنانه فسيفوز بذلك، وخُتمت ببيانِ جزاء مَن آمن، وتهديدٍ شديد للكفار؛ حتى يعُودُوا عن كفرهم.

ترتيبها المصحفي
70
نوعها
مكية
ألفاظها
217
ترتيب نزولها
79
العد المدني الأول
44
العد المدني الأخير
44
العد البصري
44
العد الكوفي
44
العد الشامي
43

* سورة (المعارج):

سُمِّيت سورة (المعارج) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (المعارج) فيها؛ قال تعالى: {مِّنَ اْللَّهِ ذِي اْلْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]، قال ابنُ جريرٍ: «وقوله: {ذِي اْلْمَعَارِجِ} يعني: ذا العُلُوِّ، والدرجاتِ، والفواضلِ، والنِّعمِ». " جامع البيان" للطبري (29 /44).

1. المقدمة (١-٥).

2. مُنكِرو البعث (٦-٢١).

3. المؤمنون بالبعث (٢٢-٣٥).

4. هل يتساوى الجزاءانِ؟ (٣٦-٤١).

5. تهديدٌ شديد (٤٢-٤٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /343).

يقول ابن عاشور عن مقصدها: «تهديدُ الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثباتُ ذلك اليوم، ووصفُ أهواله.
ووصفُ شيء من جلال الله فيه، وتهويلُ دار العذاب - وهي جهنَّمُ -، وذكرُ أسباب استحقاق عذابها.
ومقابلةُ ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دارَ الكرامة، وهي أضدادُ صفات الكافرين.
وتثبيتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتسليتُه على ما يَلْقاه من المشركين.
ووصفُ كثيرٍ من خصال المسلمين التي بثها الإسلامُ فيهم، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخيرٍ منهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /153).