تفسير سورة الحجرات

جهود الإمام الغزالي في التفسير

تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ﴾( ٣ )
١٠٠٨- قيل نزع منها محبة الشهوات. ( الإحياء : ٣/٧١ )
﴿ يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ﴾( ٦ )
١٠٠٩- احتج الأشعري١ في إثبات خبر الواحد بقوله تعالى :﴿ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ﴾ قال : هذا يدل على أن العدل بخلافه... وقال جماعة من المتكلمين ومنهم القاضي وجماعة من حذاق الفقهاء ومنهم ابن شريح٢ : إن ذلك دلالة له هو الأوجه عندنا. ( المستصفى : ١/١٩١ )
١٠١٠- الفاسق مردود الشهادة، والكفر أعظم أنواع الفسق، وقد قال تعالى :﴿ إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا... ﴾ لأن الفاسق منهم بجرأته على المعصية. ( نفسه : ١/١٥٧ )
١ - هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري الصحابي المعروف، ولي البصرة لعمر ولعثمان، وله بها فتوح كثيرة، وروي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ٣٦٠ حديثا توفي سنة ٥٠هـ بالكوفة وقيل بمكة. ن: حلية الأولياء: ١/٢٥٦ وتهذيب الأسماء: ٢/٢٦٨..
٢ - هو الإمام شيخ القراء أبو عبد الله محمد بن شريح بن أحمد بن شريح مصنف كتاب "الكافي" كان رأسا في القراءات. بصيرا بالنحو والصرف. أخذ عن مكي وأجاز له. ت ٤٧٦هـ ن شذرات الذهب ٣/٣٥٤ وسير أعلام النبلاء: ١٨/٥٥٤..
﴿ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ﴾( ٩ )
١٠١١- ﴿ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ﴾ الإصلاح : نهي عن البغي وإعادة إلى الطاعة، فإن لم يفعل فقد أمر الله تعالى بقتاله :﴿ فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ﴾ وذلك هو النهي عن المنكر. ( الإحياء : ٢/٣٣٤ )
﴿ يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ﴾( ١١ )
١٠١٢- معنى السخرية : الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وإذا كان بحضرة المستهزإ به لم يسم ذلك غيبة، وفيه معنى الغيبة، قالت عائشة رضي الله عنها : حاكيت إنسانا، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم :( والله ما أحب أني حاكيت إنسانا ولي كذا وكذا ). ١ ( الإحياء : ٣/١٤٠ )
١ - أخرجه أبو داود في كتاب الأدب باب في الغيبة: ٤/٢٦٩ حديث رقم ٤٨٧٥..
﴿ يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحكم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله ثواب رحيم ﴾( ١٢ )
١٠١٣- الذين زعموا أن في الشرع ما يدل على رد القياس تمسكوا بقوله :﴿ إن بعض الظن إثم ﴾... قلنا : قوله تعالى :﴿ إن بعض الظن إثم ﴾ مقبول به عندنا فليوصف بعضه بخلافه. ( المنخول : ٣٢٨ )
١٠١٤- من ثمرات سوء الظن التجسس، فإن القلب لا يقنع بالظن ويطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس وهو أيضا منهي عنه، قال الله تعالى :﴿ ولا تجسسوا ﴾ فالغيبة وسوء الظن والتجسس منهي عنه في آية واحدة.
ومعنى التجسس : أن لا يترك عباد الله تحت ستر الله، فيتوصل إلى الاطلاع وهتك الستر حتى ينكشف له ما لو كان مستورا عنه كان أسلم لقلبه ودينه. ( الإحياء : ٣/١٦١ )
١٠١٥- يكفيك زجرا عن الغيبة قوله تعالى :﴿ ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ﴾ فقد شبهك الله بآكل لحم الميتة، فما أجدرك أن تحترز منها. ( بداية الهداية ضمن المجموعة رقم ٦ ص : ٦٣ )
١٠١٦- من عادات العرب في البيان التنبيه على الشيء بذكر نظيره وضرب مثل فيه، دون التعرض له في نفسه، وهو في الإفادة كالتعرض له كقوله تعالى :﴿ ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ﴾ يعني : أنه محرم كأكل لحم الغير. ( شفاء الغليل : ١٠٧ )
﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾( ١٣ )
١٠١٧- ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ﴾ أي لا تفاوت في أنسابكم لاجتماعكم في أصل واحد، ثم ذكر فائدة النسب فقال :﴿ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ﴾ ثم بين أن الشرف بالتقوى لا بالنسب فقال :﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ ولما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : من أكرم الناس ؟ من أكيس الناس ؟ لم يقل : من ينتمي إلى نسبي، ولكن قال :( أكرمهم أكثرهم للموت ذكرا وأشدهم له استعدادا ). ١
وإنما نزلت هذه الآية حين أذن بلال يوم الفتح على الكعبة، فقال : الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وخالد بن أسيد : هذا العبد الأسود يؤذن ؟. ( نفسه : ٣/٥٧ )
١ - قال الحافظ العراقي: أخرجه ابن ماجة من حديث ابن عمر دون قوله [أكرم الناس]] وهو بهذه الزيادة عند ابن أبي الدنيا في ذكر الموت آخر الكتاب. ن سنن ابن ماجة ٢/١٤٢٣ حديث رقم: ٤٢٥٩. ون المغني بهامش الإحياء: ٣/٣٩٥..
﴿ قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ﴾( ١٤ )
١٠١٩- ومعناه : استسلمنا في الظاهر، فأراد بالإيمان ههنا التصديق بالقلب فقط، وبالإسلام : الاستسلام ظاهرا باللسان والجوارح، وفي حديث جبرائيل عليه السلام لما سأله عن الإيمان فقال :( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالبعث بعد الموت، وبالحساب وبالقدر خيره وشره، فقال : فما الإسلام ؟ فأجاب بذكر الخصال الخمس١ فعبر بالإسلام عن تسليم الظاهر بالقول والعمل. ( نفسه : ١/١٣٨-١٣٩ )
١٠٢٠- طائفة نطقوا بالشهادتين من غير التفات إلى ما تنطوي عليه من المعنى ولا احتفاء بالوظائف كأجلاف الأعراب والأعاجم، لكنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا، فلهم حكم المشيئة، وهم المرادون بقوله تعالى :﴿ قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ﴾ والسيف عند هؤلاء أصدق أنباء من الكتب، وهو أحد ما يساسون به. ( معراج السالكين ضمن المجموعة رقم ١ ص : ٨١ )
١ - أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، ومسلم من حديث عمر دون ذكر [[الحساب]] ن صحيح البخاري كتاب الإيمان ١/١٨ حديث رقم ٥٠ وصحيح مسلم كتاب الإيمان ١/٣٦ حديث رقم ١..
﴿ إنما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ﴾( ١٥ )
١٠٢١- الإيمان بالله وبرسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين، وهو ثمرة العقل ومنتهى الحكمة، والمجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة، والمجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل وحد الاعتدال، فقد وصف الله تعالى الصحابة فقال :﴿ أشداء على الكفار رحماء بينهم ﴾١ إشارة إلى أن للشدة موضعا، فليس الكمال في الشدة بكل حال، ولا في الرحمة بكل حال. ( الإحياء : ٣/٦٠ )
١٠٢٢- فدل ب " الإيمان بالله ورسوله " على نفي الارتياب وعلى العلم اليقيني والحكمة التي لا يتصور حصولها إلا بإصلاح قوة الفكر.
ودل بالمجاهدة بالأموال على العفة والجود اللذين هما تابعان بالضرورة لإصلاح الشهوة.
ودل بالمجاهدة بالنفس على الشجاعة والحلم، اللذين هما تابعان لإصلاح الحمية وإسلامها للدين والعقل حتى تنبعث مهما انبعثا، وتسكن مهما سكنا، وعليه دل قوله تعالى :﴿ خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين ﴾٢. ( ميزان العمل : ٢٣٤-٢٣٥ )
١ - الفتح: ٢٩..
٢ - الأعراف: ١٩٩..
سورة الحجرات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحُجُرات) من السُّوَر المدنية، جاءت ببيانِ أحكامٍ وتشريعات كثيرة، على رأسها وجوبُ الأدبِ مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيرِه، كما أمرت السورةُ الكريمة بمجموعةٍ من الأخلاق والمبادئ التي تبني مجتمعًا متماسكًا؛ من تركِ السماع للشائعات، والنهيِ عن التنابُزِ بالألقاب، والتحذيرِ من الغِيبة والنميمة، وتصويرِ فاعلها بأبشَعِ صورة.

ترتيبها المصحفي
49
نوعها
مدنية
ألفاظها
353
ترتيب نزولها
106
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَۚ إِنَّ اْللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} [الحجرات: 1]:

عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عبدَ اللهِ بن الزُّبَيرِ أخبَرَهم: «أنَّه قَدِمَ رَكْبٌ مِن بني تَمِيمٍ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكرٍ: أمِّرِ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدٍ، وقال عُمَرُ: بل أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بكرٍ: ما أرَدتَّ إلى - أو إلَّا - خِلافي، فقال عُمَرُ: ما أرَدتُّ خِلافَك، فتمارَيَا حتى ارتفَعتْ أصواتُهما؛ فنزَلَ في ذلك: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اْللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ} [الحجرات: 1] حتى انقَضتِ الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٨٤٧).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اْلنَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُواْ لَهُۥ بِاْلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2]:

عن عبدِ اللهِ بن أبي مُلَيكةَ، قال: «كادَ الخَيِّرانِ أن يَهلِكَا: أبو بكرٍ وعُمَرُ رضي الله عنهما، رفَعَا أصواتَهما عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قَدِمَ عليه رَكْبُ بني تَمِيمٍ، فأشارَ أحدُهما بالأقرَعِ بنِ حابسٍ أخي بَني مُجَاشِعٍ، وأشارَ الآخَرُ برجُلٍ آخَرَ - قال نافعٌ: لا أحفَظُ اسمَه -، فقال أبو بكرٍ لِعُمَرَ: ما أرَدتَّ إلا خِلافي، قال: ما أرَدتُّ خِلافَك، فارتفَعتْ أصواتُهما في ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُوٓاْ أَصْوَٰتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيةَ، قال ابنُ الزُّبَيرِ: فما كان عُمَرُ يُسمِعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيةِ حتى يستفهِمَه، ولم يذكُرْ ذلك عن أبيه؛ يَعني: أبا بكرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٤٥).

* قوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قيل للنبيِّ ﷺ: لو أتَيْتَ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فانطلَقَ إليه النبيُّ ﷺ، ورَكِبَ حِمارًا، فانطلَقَ المسلمون يمشون معه، وهي أرضٌ سَبِخةٌ، فلمَّا أتاه النبيُّ ﷺ، فقال: إليك عنِّي، واللهِ، لقد آذاني نَتْنُ حِمارِك، فقال رجُلٌ مِن الأنصارِ منهم: واللهِ، لَحِمارُ رسولِ اللهِ ﷺ أطيَبُ رِيحًا منك، فغَضِبَ لعبدِ اللهِ رجُلٌ مِن قومِه، فشتَمَه، فغَضِبَ لكلِّ واحدٍ منهما أصحابُه، فكان بَيْنَهما ضَرْبٌ بالجَريدِ والأيدي والنِّعالِ، فبلَغَنا أنَّها أُنزِلتْ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ اْقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَاۖ} [الحجرات: 9]». أخرجه البخاري (٢٦٩١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]:

عن أبي جَبِيرةَ بن الضَّحَّاكِ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ منَّا يكونُ له الاسمانِ والثلاثةُ، فيُدْعَى ببعضِها، فعسى أن يَكرَهَ، قال: فنزَلتْ هذه الآيةُ: {وَلَا تَنَابَزُواْ بِاْلْأَلْقَٰبِۖ} [الحجرات: 11]». سنن الترمذي (٣٢٦٨).

* سورةُ (الحُجُرات):

سُمِّيت سورةُ (الحُجُرات) بذلك؛ لأنَّه جاء فيها لفظُ (الحُجُرات)؛ قال تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ اْلْحُجُرَٰتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4].

1. القيادة للرسول الكريم، والأدب معه (١-٣).

2. بناء المجتمع الأخلاقي، أسسٌ ومحاذيرُ (٤-١٣).

3. الأساس الإيماني، نموذجٌ وإرشاد (١٤-١٧).

4. علمُ الغيب لله وحده (١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسورة القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /341).

مقصودُ سورة (الحُجُرات) الأعظم هو توقيرُ النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلُ ذلك علامةً للإيمان، وكذلك بناءُ مجتمع أخلاقي متماسكٍ؛ من خلال التحذير من شائنِ الأخلاق، والأمرِ بزَيْنِها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /6).