ﰡ
تفسير سورة المعارج عدد ٢٩ و ٧٩ و ٧٠
نزلت بمكة بعد الحاقة، وهي أربع وأربعون آية، ومئتان وأربع وعشرون كلمة، وتسعمئة وتسعة وعشرون حرفا. وتسمى سورة المواقع. ولا يوجد سورة مبدوءة بما بدئت به ولا مثلها في عدد الآي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ» ١ لما خوف حضرة الرسول قومه بعذاب الله وعظمه أمامهم إذا هم لم يؤمنوا ويكفوا عما يصمونه به من الشعر والكهانة المشار إليهما في السورة المارة، ولهذه المناسبة قد نزلت هذه بعدها، لأن ما بين كل سورة وأخرى لا بد من وجود مناسبة.مطلب اليوم مقداره خمسين ألف سنة ما هو وما هي:
قال بعضهم لبعض ما هو العذاب الذي يهددنا به ولمن يكون يا ترى، وهل يمكن الاتقاء منه أم لا؟ فأنزل الله هذه السورة معلنا أنه «لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ» ٢ إذا وقع لأنه «مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ» ٣ المصاعد والمراقي التي تصعد عليها الملائكة إلى السماء، فلو كان من غيره لأمكن أن يكون له دافع، أما هو فلا، كيف وهو الذي «تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ» جبريل عليه السلام وخصه بالذكر مع أنه داخل مع الملائكة لشرفه وفضله عليهم أجمع «إِلَيْهِ» جل شأنه على تلك المعارج «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» ٤ من سني الدنيا بحيث لو صعد غير الملك من منتهى أسفل الأرض إلى غاية علو تلقي أمر الله تعالى لما وصل
من قصر الليل إذا زرتني | أشكو وتشكين من الطول |
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما | بالطول والطول يا طوبى لو اعتدلا |
يجود بالطول ليلي كلما بخلت | بالطول ليلى وإن جادت به بخلا |
ويوم كظل الرمح قصّر طوله | دم الزقّ عنا واصطفاق المزاهر |
قال تعالى «يُبَصَّرُونَهُمْ» يشاهدونهم ويعرفونهم، ولكن لا يتكلمون معهم، ولشدة الفزع «يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ» ١١ زوجته التي لا يمكن أن يفتدي بها في الدنيا إلا أن يطلقها، أما في الآخرة فإنها تهون عليه وينسى الغيرة والمروءة «وَأَخِيهِ» ١٢ أيضا لو قدر أن يفدي نفسه به لفداها «وَفَصِيلَتِهِ» عشيرته «الَّتِي تُؤْوِيهِ» ١٣ بالدنيا مما يخاف ويأوي إليها عند الشدائد لو أمكن لفداها كلها بنفسه، بل «وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» لو كان في ملكه وأمكنه قبول الفداء بهم «ثُمَّ يُنْجِيهِ» ١٤ من عذاب الله لفعل، ولكن لا ينجيه شيء
«إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً» ٢٠ ٢١ وإذا أعطي المال لم ينفق، وإذا أصابه الفقر لم يصبر، ثم استثنى الله عز وجل من ذلك الجنس نوعا مخصوصا بقوله «إِلَّا الْمُصَلِّينَ» ٢٢ وهذا استثناء اجمع من الواحد الذي فيه معنى الجمع كالإنسان، ثم وصف المصلين بقوله «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» ٢٣ مواظبون على إقامتها «وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ» ٢٤ عندهم فرضوه على أنفسهم بحسب ما تجود به أنفسهم وأريحيتهم وخصصوه «لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» ٢٥ المتعفف عن السؤال الذي يظن به عدم الحاجة «وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ» ٢٦ يوم القضاء والجزاء «وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» ٢٧ خائفون وجلون «إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ» ٢٨ فلا يقدر أحد مهما كان على درجة عالية في الإخلاص أن يقطع بأمنه من عذاب الله، إذ لا يخلو من التقصير بحقه، والأعمال الصالحة مهما كثرت
«فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ» من الزوجات والإماء للرجال ومن الأزواج فقط للنساء «فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» ٣١ المتجاوزن ما أحلّ الله لهم إلى ما حرم عليهم، وقد فصلنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية ٦ من سورة المؤمنين المارة، وذكرنا أيضا بأنها ليست بناسخة لآية المتعة المزعومة الواردة في سورة النساء ج ٣ فراجعها، «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ» ٣٢ محافظون لا يخونون الأمانة ولا ينقضون العهد ولا يخلفون الوعد ولا يغدرون ولا ينكثون، راجع الآية ٨ من سورة المؤمنين المارة والآية ٣٤ من الإسراء في ج ١، «وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ» ٣٣ بها أمام الحكام لإظهار الحقوق بلا ميل ولا ترجيح بين القوي والضعيف والوضيع والشريف، راجع الآية ٣٢ من سورة الفرقان ج ١، وله صلة في الآية ٢٨٣ من سورة البقرة ج ٣، «وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ» ٣٤ على أوقاتها وشروطها وأركانها على أكمل وجه، راجع الآية ٨ من سورة المؤمنين المارة، ولها صلة في الآية ٢٣٨ من البقرة في ج ٣ أيضا، «أُولئِكَ» الجامعون لهذه الصفات الكريمة «فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ» ٣٥ عند ربهم، ويؤذن وصف المصلّين بما ذكر أن الصلاة وحدها ما لم تكن تلك الصفات منضمة إليها لا تكفي للخلاص من الله ولا تؤهل صاحبها دخول الجنة بانفرادها، وهو كذلك والله أعلم «فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا» أي شيء جرى لهم ما بالهم «قِبَلَكَ» يا سيد الرسل «مُهْطِعِينَ» ٣٦ مادي أعناقهم نحوك وهم مديمو النظر إليك متطلعون لحهتك «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ» ٣٧ جماعات وفرقا محلّقين بأطرافك، يستهزئون بك وبما أنزل عليك، نزلت هذه الآية في جماعة من قريش كانوا يحيطون بالنبي صلّى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه ولا يتأثرون منه، ويقولون إن دخل أصحاب محمد الجنة التي يذكرها ويصفها بقوله لندخلنها قبلهم،
«فَلا» ليس الأمر كذلك «أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ» مشرق كل يوم من السنة ومغربها «إِنَّا لَقادِرُونَ» ٤٠ على إهلاكهم جميعا بلحظة واحدة
و «عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ» فتخلق خلقا أحسن منهم طاعة وتصديقا كما أهلكنا القرون الأولى واستبدلنا بهم غيرهم وهو أهون علينا «وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ» ٤١ ولا عاجزين عن ذلك ولا مغلوبين عليه ولا يفوتنا أحد بذلك «فَذَرْهُمْ» يا سيد الرسل «يَخُوضُوا» في أباطيلهم «وَيَلْعَبُوا» في لهوهم «حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ» ٤٢ وهو «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ» القبور «سِراعاً» لإجابة الداعي يوم ينفخ في الصور النفخة الثانية «كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ» شيء منصوب كالعلم والراية وشبهها «يُوفِضُونَ»
٤٣ يستبقون إليه أيهم يصله قبل كما كانوا يتسابقون إلى أصنامهم في الدنيا ولكنهم
سورة المعارج
سورة (المعارج) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الحاقة)، وقد أكدت وقوعَ يوم القيامة بأهواله العظيمة، التي يتجلى فيها جلالُ الله وعظمته، وقُدْرتُه الكاملة على الجزاء، وأن مَن استحق النار فسيدخلها، ومَن أكرمه الله بجِنانه فسيفوز بذلك، وخُتمت ببيانِ جزاء مَن آمن، وتهديدٍ شديد للكفار؛ حتى يعُودُوا عن كفرهم.
ترتيبها المصحفي
70نوعها
مكيةألفاظها
217ترتيب نزولها
79العد المدني الأول
44العد المدني الأخير
44العد البصري
44العد الكوفي
44العد الشامي
43* سورة (المعارج):
سُمِّيت سورة (المعارج) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (المعارج) فيها؛ قال تعالى: {مِّنَ اْللَّهِ ذِي اْلْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]، قال ابنُ جريرٍ: «وقوله: {ذِي اْلْمَعَارِجِ} يعني: ذا العُلُوِّ، والدرجاتِ، والفواضلِ، والنِّعمِ». " جامع البيان" للطبري (29 /44).
1. المقدمة (١-٥).
2. مُنكِرو البعث (٦-٢١).
3. المؤمنون بالبعث (٢٢-٣٥).
4. هل يتساوى الجزاءانِ؟ (٣٦-٤١).
5. تهديدٌ شديد (٤٢-٤٤).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /343).
يقول ابن عاشور عن مقصدها: «تهديدُ الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثباتُ ذلك اليوم، ووصفُ أهواله.
ووصفُ شيء من جلال الله فيه، وتهويلُ دار العذاب - وهي جهنَّمُ -، وذكرُ أسباب استحقاق عذابها.
ومقابلةُ ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دارَ الكرامة، وهي أضدادُ صفات الكافرين.
وتثبيتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتسليتُه على ما يَلْقاه من المشركين.
ووصفُ كثيرٍ من خصال المسلمين التي بثها الإسلامُ فيهم، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخيرٍ منهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /153).