تفسير سورة المعارج

أوضح التفاسير

تفسير سورة سورة المعارج من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير.
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ هو النضربن الحارث؛ حيث قال مستهزئاً «اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم»
﴿مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾ السماوات التي تعرج منها وإليها الملائكة، أو هي المصاعد التي تصعد بها الملائكة لتلقي أوامر ربها
﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ أي تصعد الملائكة وأرواح الخلائق، أو «الروح» جبريل عليه السلام ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ هو بيان لغاية ارتفاع تلك المعارج؛ على منهاج التمثيل والتخييل؛ أي إنهم يصعدون في اليوم الواحد: ما لا يستطاع بلوغه في خمسين ألف سنة. أو هو يوم القيامة يراه الكافر - لكثرة عذابه وشدة بلائه - كخمسين ألف سنة
﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمد على أذى قومك ﴿صَبْراً جَمِيلاً﴾ لا جزع فيه، ولا تضجر منه
﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ﴾ أي يوم القيامة ﴿بَعِيداً﴾ أي مستحيلاً
﴿وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾ واقعاً لا محالة
﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَآءُ كَالْمُهْلِ﴾ كالمعدن المذاب أو كدردي الزيت، أو كالقطران
﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ أي كالصوف المنفوش
﴿وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾ أي لا يطلب صاحب من صاحبه شيئاً؛ وإن طلب فلا يجاب؛ لانشغال كل واحد بما هو فيه. والحميم: القريب والصديق
﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ أي يبصر القريب قريبه، والصديق صديقه، لكنه لا يستطيع أن يسأله شفاعة أو أمراً من الأمور ﴿لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾
﴿وَصَاحِبَتِهِ﴾ زوجته
﴿وَفَصِيلَتِهِ﴾ عشيرته ﴿الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ تضمه وتكلؤه
﴿ثُمَّ يُنجِيهِ﴾ ذلك الافتداء
﴿كَلاَّ﴾ لن يكون شيء مما أراده
-[٧٠٩]- ﴿إِنَّهَا لَظَى﴾ لظى: علم للنار؛ من اللظى: وهو اللهب
﴿نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى﴾ والشوى: جلدة الرأس؛ تحترق وتعود ثانية. وخصها بالذكر لأنها أشد الجسم حساسية وتأثراً بالنار
﴿تَدْعُو﴾ أي تنادى النار وتأخذ ﴿مَنْ أَدْبَرَ﴾ عن سماع القرآن ﴿وَتَوَلَّى﴾ عن الإيمان
﴿وَجَمَعَ﴾ المال ﴿فَأَوْعَى﴾ أمسكه فلم ينفق منه حيث أمره الله تعالى. أو «فأوعى» أي جعله محفوظاً في وعائه؛ فلم يخرج منه شيئاً. أو هو من الوعي؛ أي جمعه وحفظه. ومن عجب أن يجمع الإنسان خشية العدم؛ وهو في نفس الوقت يسلم نفسه للعدم. قال الشاعر:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعل الفقر
﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾ الهلع: سرعة الجزع ويفسره ما بعده
﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ الفقر
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ﴾ الغنى
﴿إِلاَّ الْمُصَلِّينَ﴾ المؤمنين؛ فإنهم بخلاف ذلك: لا يجزعون بل يصبرون، ولا يمنعون بل ينفقون
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ﴾ المقصود بالدوام هنا: الذي لا يتخلله انقطاع. جعلنا الله تعالى ممن يداوم على طاعته، ويحافظ على مرضاته
﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ يوم الجزاء؛ وهو يوم القيامة
﴿وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾ أي خائفون
﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ لا يأمنه العاصي، ولا الطائع. جاء في الحديث الشريف، عن الصادق المصدوق؛ صلوات الله تعالى وسلامه عليه «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ فيسبق عليه الكتاب: فيعمل بعمل أهل النار: فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع؛ فيسبق عليه الكتاب: فيعمل بعمل أهل الجنة: فيدخلها».
فلا بد للمؤمن أن يكون في خشية دائمة من ربه، وهذه الخشية يجب أن تكون مصحوبة بالحب والأمل، فإنه جل شأنه عند ظن عبده به:
إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ فلا يزنون
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ﴾ طلب غير الذي أحله الله تعالى ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ المعتدون على حرماته. (انظر آية ٧ من سورة المؤمنون)
﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ﴾ قال تعالى: ﴿وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ وقال جل شأنه: ﴿وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ وقال عز من قائل: ﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾
﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ﴾ نحوك
-[٧١٠]- ﴿مُهْطِعِينَ﴾ مسرعين؛ أو دائمي النظر إليك
﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ جماعات، أو فرقاً شتى. أصلها عزة؛ وهي الفرقة. قائلين استهزاء بالمؤمنين: لئن دخل هؤلاء الجنة؛ لندخلنها قبلهم، فنحن أحق بها منهم؛ لنسبنا وغنانا. قال تعالى رداً عليهم
﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ﴾ لن يدخلها أحد منهم، ولن يشم ريحها
﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ﴾ أي من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة؛ فليس لهم فضل على غيرهم يستوجبون به الجنة؛ إنما الفضل بالأعمال والتقوى. فمن اتقى دخل الجنة، ومن عصى دخل النار
﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ أي أقسم ﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ مشارق الشمس والقمر وسائر الكواكب، ومغاربها. وسر القسم بها: لفت النظر لعظمها وعظمة خالقها وموجدها، وتمهيد لذكر قدرته تعالى على كل شيء {إِنَّا لَقَادِرُونَ *
عَلَى أَن} نهلكهم، و ﴿نُّبَدِّلَ﴾ خلقاً آخر ﴿خَيْراً مِّنْهُمْ﴾ إيماناً وتصديقاً وطاعة ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ بعاجزين عن أن نفعل ذلك، أو «بمسبوقين» إلى هذا الخلق والتبديل؛ بأن سبقنا أحد إليه
﴿فَذَرْهُمْ﴾ دعهم في كفرهم وباطلهم ﴿حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ﴾ يوم القيامة ﴿الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ فيه بالعذاب ﴿الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ للبعث
﴿مِنَ الأَجْدَاثِ﴾ القبور ﴿سِرَاعاً﴾ مسرعين ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ﴾ النصب: هو كل ما نصب، وعبد من دون الله تعالى ﴿يُوفِضُونَ﴾ يسرعون
﴿تَرْهَقُهُمْ﴾ تغشاهم.
710
سورة نوح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

710
سورة المعارج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المعارج) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الحاقة)، وقد أكدت وقوعَ يوم القيامة بأهواله العظيمة، التي يتجلى فيها جلالُ الله وعظمته، وقُدْرتُه الكاملة على الجزاء، وأن مَن استحق النار فسيدخلها، ومَن أكرمه الله بجِنانه فسيفوز بذلك، وخُتمت ببيانِ جزاء مَن آمن، وتهديدٍ شديد للكفار؛ حتى يعُودُوا عن كفرهم.

ترتيبها المصحفي
70
نوعها
مكية
ألفاظها
217
ترتيب نزولها
79
العد المدني الأول
44
العد المدني الأخير
44
العد البصري
44
العد الكوفي
44
العد الشامي
43

* سورة (المعارج):

سُمِّيت سورة (المعارج) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (المعارج) فيها؛ قال تعالى: {مِّنَ اْللَّهِ ذِي اْلْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]، قال ابنُ جريرٍ: «وقوله: {ذِي اْلْمَعَارِجِ} يعني: ذا العُلُوِّ، والدرجاتِ، والفواضلِ، والنِّعمِ». " جامع البيان" للطبري (29 /44).

1. المقدمة (١-٥).

2. مُنكِرو البعث (٦-٢١).

3. المؤمنون بالبعث (٢٢-٣٥).

4. هل يتساوى الجزاءانِ؟ (٣٦-٤١).

5. تهديدٌ شديد (٤٢-٤٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /343).

يقول ابن عاشور عن مقصدها: «تهديدُ الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثباتُ ذلك اليوم، ووصفُ أهواله.
ووصفُ شيء من جلال الله فيه، وتهويلُ دار العذاب - وهي جهنَّمُ -، وذكرُ أسباب استحقاق عذابها.
ومقابلةُ ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دارَ الكرامة، وهي أضدادُ صفات الكافرين.
وتثبيتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتسليتُه على ما يَلْقاه من المشركين.
ووصفُ كثيرٍ من خصال المسلمين التي بثها الإسلامُ فيهم، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخيرٍ منهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /153).