تفسير سورة المعارج

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة المعارج من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة سأل سائل وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿سَأَلَ سَائل﴾ الْعَامَّةُ يَهْمِزُونَهَا مِنْ بَابِ السُّؤَالِ، قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا للنَّبِي صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم لِمَنْ هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي تَذْكُرُ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ الله: ﴿سَأَلَ سَائل بِعَذَاب﴾ أَيْ: عَنْ عَذَابٍ ﴿وَاقِعٌ لِلْكَافِرِينَ﴾ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا: (سَالَ سَيْلٌ) بِغَيْرِ همزٍ مِنْ بَابِ السَّيْل، وَقَالَ هُوَ وَادٍ مِنْ نارٍ يسيل، ﴿بِعَذَاب وَاقع﴾ للْكَافِرِينَ
﴿لَيْسَ لَهُ دَافع﴾ يَدْفَعهُ
﴿من الله ذِي المعارج﴾ ذِي الْمَرَاقِي إِلَى السَّمَاءِ
﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْم﴾ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ خمسين ألف سنة﴾ يَقُولُ هَذَا كَانَ مِقْدَارُهُ [لَوْ وَلِيَ] غَيْرُ اللَّهِ حِسَابَ الْخَلائِقِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَفْرَغُ مِنْهُمْ فِي مِقْدَار
34
(ل ٣٧٣) نِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾
35
﴿فاصبر صبرا جميلا﴾ لَيْسَ فِيهِ (جَزَعٌ) عَلَى تَكْذِيبِ الْمُشْركين لَك
﴿إِنَّهُم يرونه بَعيدا﴾ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُونَ: لَيْسَ بكائنٍ
﴿ونراه قَرِيبا﴾ جَائِيًا وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قريب.
﴿يَوْم تكون السَّمَاء﴾ أَيْ: ذَلِكَ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ ﴿كَالْمهْلِ﴾ كَعَكرِ الزَّيْت؛ فِي تَفْسِير زيد بن أسلم
﴿وَتَكون الْجبَال كالعهن﴾ كَالصُّوفِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ أَضْعَفُ الصُّوفِ، وَهِي فِي حرف ابْن مَسْعُود (كالصوف الْأَحْمَر المنفوش)
﴿وَلَا يسْأَل حميم حميما﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَا يَسْأَلُ قريبٌ قَرِيبَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ شَيْئًا؛ كَمَا كَانَ يَحْمِلُ بعضُهم فِي الدُّنْيَا عَنْ بَعْضٍ.
قَالَ محمدٌ: الْحَمِيمُ: الْقَرِيبُ، وَالْحَمِيمُ أَيْضا: المَاء الشَّديد الْحر. تَفْسِير سُورَة المعارج من آيه (١٠ - ١٨)
قَوْله: ﴿يبصرونهم﴾ يُبْصُرُ الرَّجُلُ قَرَابَتَهُ؛ أَيْ: يَعْرِفُهُمْ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ﴿يَوَدُّ المجرم﴾ يَعْنِي: الْمُشرك،
وَمعنى (فصيلته): عشيرته، وَمعنى (تؤويه): تنصره فِي الدُّنْيَا
﴿وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ ينجيه﴾ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. ﴿كَلَّا إِنَّهَا لظى﴾
﴿نزاعة﴾ يَعْنِي: أكالة ﴿للشوى﴾ يَعْنِي: الْهَامَّ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ
﴿تَدْعُو من أدبر﴾ عَن الْإِيمَان
35
﴿وَتَوَلَّى﴾ عَن طَاعَة الله
36
﴿وَجمع فأوعى﴾ يَعْنِي: جمع المَال فأوعاه. تَفْسِير سُورَة المعارج من آيَة (١٩ - ٣٥)
﴿إِن الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي الْمُشرك ﴿خلق هلوعا﴾ يَعْنِي: ضَجِرًا
﴿إِذا مَسّه الشَّرّ﴾ يَعْنِي: الشدَّة ﴿جزوعا﴾ لَمْ يَصْبِرْ لَيْسَتْ لَهُ فِيهَا حسبةٌ
﴿وَإِذا مَسّه الْخَيْر﴾ يَعْنِي: إِذَا أُعْطِيَ الْمَالَ ﴿مَنُوعًا﴾ أَيْ: يَمْنَعُ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ.
﴿إِلَّا الْمُصَلِّين﴾ يَعْنِي: الْمُسلمين
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ يَدُومُونَ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ
﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ وَهِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة
﴿للسَّائِل والمحروم﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: السَّائِلُ: الْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْمَحْرُومُ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ عَلَى حَالٍ فحُرم أَنْ يُعْطى عَنِ الْمَسْأَلَةِ؛ كَمَا يُعْطى السَّائِلُ، وَإِنْ أُعطي شَيْئا قَبِل
﴿وَالَّذين يصدقون بِيَوْم الدّين﴾ بِيَوْم الْحساب
﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مشفقون﴾ خائفون.
﴿فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك﴾ وَرَاءَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهم ﴿فَأُولَئِك هم العادون﴾ الزُّناة تعدَّوْا الْحَلالَ إِلَى الْحَرَامِ
﴿وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ﴾ يَعْنِي: مَا افْترض اللَّه عَلَيْهِم، وَالْأَمَانَاتُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ ﴿وَعَهْدهمْ﴾ مَا عَاهَدُوا
36
عَلَيْهِ ﴿رَاعُونَ﴾ حَافِظُونَ؛ يَعْنِي: يُؤَدُّونَ الْأَمَانَاتِ، وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ فِيمَا وَافق الْحق
37
﴿وَالَّذين هم بشهاداتهم قائمون﴾ وَهِيَ شَهَادَاتٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يقومُونَ بهَا إِذا كَانَت عِنْدهم
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ عَلَى وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها. تَفْسِير سُورَة المعارج من آيَة (٣٦ - ٤٤)
﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ يَعْنِي: مُنْطَلِقِينَ يَأْخُذُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، يَقُولُونَ: مَا يَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ؟:
﴿عزين﴾ أَيْ: مُتَفَرِّقِينَ - فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ - عَنِ النَّبِيِّ يُكَذِّبُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ.
قَالَ محمدٌ (مُهْطِعِينَ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَال، و (عزين) جمع عزَة والعِزَةُ: الْجَمَاعَة.
﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يدْخل جنَّة نعيم﴾ لقَوْل أحدهم: ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى﴾ لَلْجَنَّةَ إِنْ كَانَتْ جَنَّةٌ كَمَا يَقُولُونَ،
قَالَ الله: ﴿كلا﴾ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾
37
يَعْنِي: من النُّطَفِ.
38
﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ قَالَ قَتَادَة: للشمس ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ مشرقًا وثلاثمائة وَسِتُّونَ مَغْرِبًا ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَن نبدل خيرا مِنْهُم﴾ أَيْ: عَلَى أَنْ نُهْلِكَهُمْ بِالْعَذَابِ، وَنُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ آدَمِيِّينَ أَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْهُمْ ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ بِمَغْلُوبِينَ عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَرَدْنَاهُ
﴿ على أن نبدل خيرا منهم ﴾ أي : على أن نهلكهم بالعذاب، ونبدل خيرا منهم آدميين أطوع لله منهم ﴿ وما نحن بمسبوقين( ٤١ ) ﴾ بمغلوبين على ذلك إن أردناه.
﴿فذرهم يخوضوا﴾ فِي كفرهم ﴿ويلعبوا﴾ فَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ ﴿حَتَّى يلاقوا يومهم الَّذِي يوعدون﴾ يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَمَرَ بقتالهم.
﴿يَوْم يخرجُون من الأجداث﴾ الْقُبُور ﴿سرَاعًا﴾ إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَى نصب﴾ أَيْ: إِلَى عِلْمٍ مَنْصُوبٍ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِنَصْبِ النُّونِ وَإِسْكَان الصَّاد ﴿يوفضون﴾ [يسرعون]
﴿خاشعة أَبْصَارهم﴾ أَي: ذليلة ﴿ترهقهم﴾ تَغْشَاهُمْ ﴿ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي [كَانُوا يوعدون] (ل ٣٧٤﴾.
38
تَفْسِيرُ سُورَةِ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوْحًا وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة نوح من آيَة (١ - ١٢)
39
سورة المعارج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المعارج) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الحاقة)، وقد أكدت وقوعَ يوم القيامة بأهواله العظيمة، التي يتجلى فيها جلالُ الله وعظمته، وقُدْرتُه الكاملة على الجزاء، وأن مَن استحق النار فسيدخلها، ومَن أكرمه الله بجِنانه فسيفوز بذلك، وخُتمت ببيانِ جزاء مَن آمن، وتهديدٍ شديد للكفار؛ حتى يعُودُوا عن كفرهم.

ترتيبها المصحفي
70
نوعها
مكية
ألفاظها
217
ترتيب نزولها
79
العد المدني الأول
44
العد المدني الأخير
44
العد البصري
44
العد الكوفي
44
العد الشامي
43

* سورة (المعارج):

سُمِّيت سورة (المعارج) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (المعارج) فيها؛ قال تعالى: {مِّنَ اْللَّهِ ذِي اْلْمَعَارِجِ} [المعارج: 3]، قال ابنُ جريرٍ: «وقوله: {ذِي اْلْمَعَارِجِ} يعني: ذا العُلُوِّ، والدرجاتِ، والفواضلِ، والنِّعمِ». " جامع البيان" للطبري (29 /44).

1. المقدمة (١-٥).

2. مُنكِرو البعث (٦-٢١).

3. المؤمنون بالبعث (٢٢-٣٥).

4. هل يتساوى الجزاءانِ؟ (٣٦-٤١).

5. تهديدٌ شديد (٤٢-٤٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /343).

يقول ابن عاشور عن مقصدها: «تهديدُ الكافرين بعذاب يوم القيامة، وإثباتُ ذلك اليوم، ووصفُ أهواله.
ووصفُ شيء من جلال الله فيه، وتهويلُ دار العذاب - وهي جهنَّمُ -، وذكرُ أسباب استحقاق عذابها.
ومقابلةُ ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دارَ الكرامة، وهي أضدادُ صفات الكافرين.
وتثبيتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتسليتُه على ما يَلْقاه من المشركين.
ووصفُ كثيرٍ من خصال المسلمين التي بثها الإسلامُ فيهم، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخيرٍ منهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /153).