ﰡ
﴿ والعصر ١ إن الإنسان لفي خسر ٢ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ﴾.
هذه السورة القصيرة في آياتها، القليلة في كلماتها، مثال على روعة القرآن وكمال معناه. لا جرم أن هذه السورة بعظيم اتساقها وترابطها، وقوة مبناها، وفخامة ألفاظها وحروفها، وحلاوة نظمها، وما هي عليه من سمو المعنى وجليل المقصود، لهي برهان ساطع يكشف عن حقيقة هذا الكتاب الحكيم، وأنه المعجز الفذ الذي لا يضاهى ولا يعارض.
لقد ذكر أن عمرو بن العاص- وكان مشركا - وفد على مسيلمة الكذاب بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة ؟ فقال : لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة. فقال : وما هي ؟ فقال :﴿ والعصر ١ إن الإنسان لفي خسر ٢ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ﴾ ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال : وقد أنزل علي مثلها، فقال له عمرو : وما هو ؟ فقال : يا وبر. إنما أنت أذنان وصدر. وسترك حفر نقر. ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب. والوبر، دويبة تشبه الهرّ أعظم شيء فيه أذناه، وصدره.
ذلك من هذيان هذا الكاذب الأفّاك مسيلمة، يريد به معارضة القرآن الكريم في كمال نظمه، وجمال أسلوبه، وسمو معناه، وإشراق كلماته وحروفه، لكن تخريصه المصطنع لم يرج على عمرو بن العاص إبان شركه وعبادته الأوثان في ذلك الزمان.
قوله :﴿ والعصر ﴾ يقسم الله بالعصر، وهو الدهر، أو الزمان بأيامه ولياليه، وما يجري خلاله من مختلف التصرفات والأحوال، وتبدل الظروف والأحداث، وفي ذلك من الدلالة على قدرة الصانع ما لا يخفى. وقيل : المراد بالعصر صلاة العصر.
قوله :﴿ وتواصوا بالحق ﴾ يعني حضّ بعضهم بعضا، وأوصى بعضهم بعضا بالحق. وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته، واتباع النور الذي أنزله على رسوله ﴿ وتواصوا بالصبر ﴾ يعني أوصى بعضهم بعضا بالصبر عن المعاصي وعلى فعل الطاعات والواجبات وما يتقربون به إلى الله١.