تفسير سورة النّاس

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة الناس من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٥٤٦- مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :{ إذا نودي للصلاة، أدبر الشيطان، له ضراط، حتى لا يسمع النداء. فإذا قضي النداء، أقبل. حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه. ويقول : اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى " ١. ( ت : ١٨/٣٠٥ )
٥٤٧- إن هذا الحديث عندي يخرج في التفسير المسند في قول الله عز وجل :﴿ ومن شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ﴾، لم يختلف أهل التفسير وأهل اللغة أن الوسواس : الشيطان يوسوس في صدور الناس وقلوبهم، أي يلقي في قلوبهم الريب، ويحرك خواطر الشكوك، ويذكر من أمر الدنيا بما يشغل عن ذكر الله. وأصل الوسواس في اللغة : صوت حركة الحلي، وقوله :﴿ الخناس ﴾ ؛ لأنه يخنس عند ذكر العبد لله، ومعنى يخنس أي يرجع ناكصا٢.
ذكر معمر عن قتادة، قال : الوسواس الخناس، هو الشيطان إذا ذكر اللهَ العبدُ خنس.
وذكر حجاج، عن ابن جريج، عن عثمان بن عطاء، عن عكرمة، قال : الوسواس : محله الفؤاد، فؤاد الإنسان، وفي عينيه، وذكره ؛ ومحله من المرأة في عينيها إذا أقبلت، وفي فرجها ودبرها إذا أدبرت، فهذه مجالسه منها٣.
وذكر وكيع، عن سفيان، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال : ما من مولود يولد إلا وعلى قلبه وسواس، فإذا عقل فذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس٤.
وقال ابن قتيبة : " خنس " أي كف وأقصر.
وقال اليزيدي٥ : يسوس ثم يخنس، أي يتوارى. ( ت : ١٨/٣٠٦-٣٠٨ )
١ الموطأ، كتاب الصلاة، باب ما جاء في النداء للصلاة: ٤٥..
٢ من نكص ينكص وينكص، ونكص فلان عن الأمر. أي أحجم، ونكص على عقبيه: رجع عما كان عليه من الخير، ولا يقال ذلك إلا في الرجوع عن الخير خاصة. اللسان مادة "نقص": ١٥/١٠١..
٣ أورده في الدر المنثور: ٨/٦٩٤-٦٩٥..
٤ أسنده ابن جرير إلى ابن عباس. انظر جامع البيان: ٣٠/٣٥٥..
٥ هو محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد، يحيى اليزيدي أبو عبد الله البغدادي. حدث ببغداد عن أبي عمرو ابن العلاء، وابن جريج، وروى الحروف وجادة عن كتاب أبيه عن أبي عبد الرحمان عبد الله بن أبي محمد اليزيدي. وعنه أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عمرو الدوري. وروى القراءة عنه ابن مجاهد وأبو طاهر الفصحاء. انظر تاريخ بغداد: ١٤/١٤٦-١٤٨. وغاية النهاية في طبقات القراء: ٢/١٥٨..
سورة الناس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الناس) من السُّوَر المكية، وتسمى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ)، ومحورها يدور حول تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليَحمِيَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخلق الظاهر والباطن، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كل صلاةٍ، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهلِ بيته قرأ عليه (المُعوِّذتَينِ)، وفيها الاستعاذة من الشيطان الذي يوسوس ليُفسِدَ الأعمال.

ترتيبها المصحفي
114
نوعها
مكية
ألفاظها
20
ترتيب نزولها
21
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
7

* سورة (النَّاس):

سُمِّيت سورة (النَّاس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ} [الناس: 1].

* وتُسمَّى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ):

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَتعوَّذُ مِن عينِ الجانِّ، وعينِ الإنسِ، فلمَّا نزَلتِ المُعوِّذتانِ، أخَذَ بهما، وترَكَ ما سِوى ذلك». أخرجه النسائي (٥٥٠٩).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهن:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذة بالله من شرِّ الخلق الباطن (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /481).

إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَتعوَّذَ من شرِّ الوسواس الذي يُفسِد الأعمالَ؛ فالله هو المُجِيرُ والحافظ من الشرور كلِّها.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /632)