تفسير سورة النّاس

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

تفسير سورة سورة الناس من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة الناس
مدنية، وهي ست آيات، وتقدمت مناسبتها.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ قل أعوذُ بربِّ الناس ﴾ مربّيهم ومُصلحهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا يُنجي من الوسوسة بالكلية إلاّ التحقُّق بمقام الفناء الكلي، وتعمير القلب بأنوار التجليات الملكوتية والأسرار الجبروتية، حتى يمتلئ القلب بالله، فحينئذ تنقلب وسوسته في أسرار التوحيد فكرةً ونظرةً، وشهوداً للذات الأقدس، كما قال الشاعر :
﴿ مَلِكِ الناس ﴾ مالكهم ومدبر أمورهم. وهو عطف بيان جيء به لبيان أنَّ تربيته تعالى ليست بطريق تربية سائر المُلاك لِما تحت أيديهم من ممالكهم ؛ بل بطريق المُلك الكامل، والتصرُّف التام، والسلطان القاهر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا يُنجي من الوسوسة بالكلية إلاّ التحقُّق بمقام الفناء الكلي، وتعمير القلب بأنوار التجليات الملكوتية والأسرار الجبروتية، حتى يمتلئ القلب بالله، فحينئذ تنقلب وسوسته في أسرار التوحيد فكرةً ونظرةً، وشهوداً للذات الأقدس، كما قال الشاعر :
إن كان للناس وسواس يوسوسهم فأنت والله وسواسي وخناسي

وكذا قوله تعالى :﴿ إِلهِ الناس ﴾ فإنه لبيان أنَّ مُلكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم، والقيام بتدبير أمور سياستهم، والمتولِّي لترتيب مبادئ حِفظهم وحمايتهم، كما هو قصارى أمر الملوك ؛ بل هو بطريق العبودية، المؤسَّسة على الألوهية، المقتضية للقدرة التامة على التصرُّف الكلي فيهم، إحياءً وإماتةً، وإيجاداً وإعداماً. وتخصيص الإضافة إلى الناس مع انتظام جميع العالَمين في سلك ربوبيته تعالى وملكوته وألوهيته للإرشاد إلى مناهج الاستعاذة المرضية عنده تعالى، الحقيقة بالإعاذة، فإنَّ توسل العبد بربه، وانتسابه إليه تعالى بالمربوبية والملكية والمعبودية، في ضمن جنس هو فرد من أفراده، من دواعي الرحمة والرأفة. أمره تعالى بذلك من دلائل الوعد الكريم بالإعاذة لا محالة، ولأنَّ المستعاذ منه شر الشيطان، المعروف بعداوتهم، مع التنصيص على انتظامه في سلك عبوديته تعالى وملكوته، رمز إلى إنجائهم من ملكة الشيطان وتسلُّطه عليهم، حسبما ينطق به قوله تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [ الإسراء : ٦٥ ] فمَن جعل مدارَ تخصيص الإضافة مجرد كون الاستعاذة من المضار المختصة بالنفوس البشرية فقد قصر في توفية المقام حقه. وتكرير المضاف إليه لمزيد الكشف والتقرير والتشريف. قاله أبو السعود.
والآية من باب الترقِّي، وذلك أنَّ الرب قد يُطلق على كثير من الناس، فتقول : فلان رب الدار، وشبه ذلك، فبدأ به لاشتراك معناه، وأمَّا المَلك فلا يُوصف به إلاَّ آحاد من الناس، وهم الملوك، ولا شك أنهم أعلى من سائر الناس، فلذلك جيء به بعد الرب، وأمَّا الإله فهو أعلى من المَلك، ولذلك لا يَدَّعي الملوكُ أنهم آلهة، وإنما الإله واحد لا شريك له ولا نظير، قاله ابن جزي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا يُنجي من الوسوسة بالكلية إلاّ التحقُّق بمقام الفناء الكلي، وتعمير القلب بأنوار التجليات الملكوتية والأسرار الجبروتية، حتى يمتلئ القلب بالله، فحينئذ تنقلب وسوسته في أسرار التوحيد فكرةً ونظرةً، وشهوداً للذات الأقدس، كما قال الشاعر :
إن كان للناس وسواس يوسوسهم فأنت والله وسواسي وخناسي

﴿ من شَرَّ الوسواس ﴾ أي : الموسوس، فالوسواس مصدر، كالزلزال، بمعنى اسم الفاعل، أو سمي به الشيطان مبالغةً، كأنه نفس الوسوسة، و﴿ الخناس ﴾ الذي عادته أن يخنس، أي : يتأخر عند ذكر الإنسان ربَّه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا يُنجي من الوسوسة بالكلية إلاّ التحقُّق بمقام الفناء الكلي، وتعمير القلب بأنوار التجليات الملكوتية والأسرار الجبروتية، حتى يمتلئ القلب بالله، فحينئذ تنقلب وسوسته في أسرار التوحيد فكرةً ونظرةً، وشهوداً للذات الأقدس، كما قال الشاعر :
إن كان للناس وسواس يوسوسهم فأنت والله وسواسي وخناسي

﴿ الذي يُوَسْوِسُ في صدور الناس ﴾ إذا غفلوا عن ذكر الله، ولم يقل : في قلوب الناس ؛ لأنَّ الشيطان محله الصدور، ويمدّ منقاره إلى القلب، وأمّا القلب فهو بيت الرب، وهو محل الإيمان، فلا يتمكن منه كل التمكُّن، وإنما يحوم في الصدر حول القلب، فلو تمكّن منه لأفسد على الناس كلهم إيمانهم.
قال ابن جزي : وسوسة الشيطان بأنواع كثيرة، منها : فساد الإيمان والتشكيك في العقائد، فإن لم يقدر على ذلك ثبّطه عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل الرياء في الطاعات ليُحبطها، فإن سَلِمَ من ذلك أدخل عليه العجب بنفسه، واستكثار عمله، ومن ذلك : أنه يُوقد في القلب نار الحسد والحقد والغضب، حتى يقود الإنسان إلى سوء الأعمال، وأقبح الأحوال.
وعلاج وسوسته بثلاثة أشياء، وهي : الإكثار من ذكر الله، والإكثار من الاستعاذة منه، ومن أنفع شيءٍ في ذلك : قراءة سورة الناس. ه.
قلت : لا يقلع الوسوسة من القلب بالكلية إلاّ صُحبة العارفين أهل التربية، حتى يُدخلوه مقامَ الفناء، وإلاَّ فالخواطر لا تنقطع عن العبد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا يُنجي من الوسوسة بالكلية إلاّ التحقُّق بمقام الفناء الكلي، وتعمير القلب بأنوار التجليات الملكوتية والأسرار الجبروتية، حتى يمتلئ القلب بالله، فحينئذ تنقلب وسوسته في أسرار التوحيد فكرةً ونظرةً، وشهوداً للذات الأقدس، كما قال الشاعر :
إن كان للناس وسواس يوسوسهم فأنت والله وسواسي وخناسي

ثم بَيّن الموسوِس بقوله :﴿ مِن الجِنة ﴾ أي : الجن ﴿ والناس ﴾ ووسواس النار أعظم ؛ لأنَّ وسواس الجن يذهب بالتعوُّذ، بخلاف وسوسة الناس، والمراد بوسوسة الناس : ما يُدخلون عليك من الشُبه في الدين، وخوض في الباطن، أو سوء اعتقاد في الناس، أو غير ذلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : لا يُنجي من الوسوسة بالكلية إلاّ التحقُّق بمقام الفناء الكلي، وتعمير القلب بأنوار التجليات الملكوتية والأسرار الجبروتية، حتى يمتلئ القلب بالله، فحينئذ تنقلب وسوسته في أسرار التوحيد فكرةً ونظرةً، وشهوداً للذات الأقدس، كما قال الشاعر :
إن كان للناس وسواس يوسوسهم فأنت والله وسواسي وخناسي

سورة الناس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الناس) من السُّوَر المكية، وتسمى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ)، ومحورها يدور حول تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليَحمِيَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخلق الظاهر والباطن، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كل صلاةٍ، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهلِ بيته قرأ عليه (المُعوِّذتَينِ)، وفيها الاستعاذة من الشيطان الذي يوسوس ليُفسِدَ الأعمال.

ترتيبها المصحفي
114
نوعها
مكية
ألفاظها
20
ترتيب نزولها
21
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
7

* سورة (النَّاس):

سُمِّيت سورة (النَّاس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ} [الناس: 1].

* وتُسمَّى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ):

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَتعوَّذُ مِن عينِ الجانِّ، وعينِ الإنسِ، فلمَّا نزَلتِ المُعوِّذتانِ، أخَذَ بهما، وترَكَ ما سِوى ذلك». أخرجه النسائي (٥٥٠٩).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهن:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذة بالله من شرِّ الخلق الباطن (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /481).

إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَتعوَّذَ من شرِّ الوسواس الذي يُفسِد الأعمالَ؛ فالله هو المُجِيرُ والحافظ من الشرور كلِّها.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /632)

إن كان للناس وسواس يوسوسهم فأنت والله وسواسي وخناسي