تفسير سورة النّاس

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني

تفسير سورة سورة الناس من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني.
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ النَّاسِ
مدنية، ست آيات.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)
بسيّدهم المتولي أمورهم، المتصرف فيهم.
(مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلَهِ النَّاسِ (٣) عطف بيان على طريقة الترقي؛ لأنَّ الرب قد لا يكون سلطاناً، وهو أعمّ من أن يكون إلهاً يستحق العبادة. " وتكرير " الناس " مظهراً؛ لأنه أكمل في البيان.
(مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ... (٤) الموسوس، اسم المصدر، أطلق على الفاعل مبالغة. والوسوسة: حديث النفس بالشر، أصله صوت الحلي. قال الأعشى:
تَسمَعُ لِلحَلي وَسواساً إِذا انصرَفت
روى الترمذي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - قال: " إنَّ للشيطان بابن آدم لمة يوعده بالشر وتكذيب الحق ". (الْخَنَّاسِ) المنسوب إلى الخنوس وهو التأخر؛ لأنه كلما سمع ذكر اللَّه تأخر.
(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) روى البخاري ومسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - قال: " تجاوز اللَّه عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تكلم أو تعمل به ". ويجوز في محل الموصول الحركات الثلاث: الجر على الصفة، والرفع والنصب على الشتم.
(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦) بيان لـ " الذي يوسوس " على أنَّ الشيطان يعمّ القبيلين؛ لقوله. (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ)، ويجوز أن يكون " من " ابتدائية أي: من جهة هذين النوعين.
466
فإن قلت: الوسوسة: حديث النفس وذلك مختص بشيطان الجن، فكيف أسند إلى الإنس؟ قلت: المراد بالوسوسة: الدلالة على الشر وإلقاؤه في النفس فهي تتحدّث به سواء كان بطريق ظاهر أو خفي؛ ولذلك قيل: شيطان الإنس أشدّ إغواء من شيطان الجن؛ لأنه يخنس عند ذكر اللَّه تعالى دون شيطان الإنس، ولما كان شأن الديانة أهم وأولى أفرد الاستعاذة له بعدما كان داخلاً في عموم شرّ ما خلق.
روى مسلم عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أنَّ رسول اللَّه - ﷺ - قال: " ألم تر آيات أنزلت الليلة، لم ير مثلهن قط، قل أعوذ بربِّ الفلق، وقل أعوذ بربِّ الناس ".
وروى البخارى ومسلم عن عائشة رضي اللَّه عنها: " كان إذا أوى إلى فراشه كلّ ليلة جمع كفيه وقرأ: قل هو اللَّه أحد، والمعوذتين، ونفث فيهما، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده ".
هذا وأنا أعوذ بهما من شر نفسي وشر كل ما ذرأ وبرأ، وأستغفر اللَّه من خطرات الأوهام وعثرات الأقلام، وأسأله العفو والمغفرة لي ولوالدي ولمشايخي الكرام ولكافة المسلمين.
467
هذا آخر ما أوردته من تفسير كلام الملك العلَّام، مع انحطاط رتبتي عن هذا المقام، ولكن للمجتهد الأجر وإن حُرم إصابة المرام وقصَّر عن شَأْو الكرام.
والحمد للَّه المفضل المنعم أولاً وآخراً، والصلاة على أكمل خلقه ترغيماً للشيطان، وعلى إخوانه من المرسلين وسائر الأنبياء، والصالحين من آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين.
فرغ مؤلفه من تأليفه يوم الخميس الثالث من رجب الفرد، الواقع في سنة سبع وستين وثمانمائة، وكان الابتداء به في أواخر سنة ستين وثمانمائة في المسجد الأقصى، تجاه باب الجنة تفاؤلاً، واللَّه خير مأمول ومسؤول.
أتم حامداً للَّه تعالى، وعلى نبيه مصلياً. قد وقع الفراغ من تحرير هذا التفسير الشريف من شهر أواسط شوال المبارك سنة أربع وثمانين وثمانمائة، على يد العبد الضعيف النحيف الأسيف، المحتاج إلى رحمة ربه العفو الغفور اللطيف، الفقير المعتصم بالصمد إبراهيم بن أحمد بن خليل السينائي الحنفي عاملهم اللَّه تعالى بلطفه الخفي.
* * *
468
سورة الناس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الناس) من السُّوَر المكية، وتسمى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ)، ومحورها يدور حول تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليَحمِيَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخلق الظاهر والباطن، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كل صلاةٍ، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهلِ بيته قرأ عليه (المُعوِّذتَينِ)، وفيها الاستعاذة من الشيطان الذي يوسوس ليُفسِدَ الأعمال.

ترتيبها المصحفي
114
نوعها
مكية
ألفاظها
20
ترتيب نزولها
21
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
7

* سورة (النَّاس):

سُمِّيت سورة (النَّاس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ} [الناس: 1].

* وتُسمَّى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ):

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَتعوَّذُ مِن عينِ الجانِّ، وعينِ الإنسِ، فلمَّا نزَلتِ المُعوِّذتانِ، أخَذَ بهما، وترَكَ ما سِوى ذلك». أخرجه النسائي (٥٥٠٩).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهن:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذة بالله من شرِّ الخلق الباطن (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /481).

إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَتعوَّذَ من شرِّ الوسواس الذي يُفسِد الأعمالَ؛ فالله هو المُجِيرُ والحافظ من الشرور كلِّها.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /632)