تفسير سورة النّاس

التفسير المظهري

تفسير سورة سورة الناس من كتاب التفسير المظهري
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الناس
مدنية، وهي ست آيات.

﴿ قل ﴾ يا محمد :﴿ أعوذ برب الناس ﴾ خالقهم ومربيهم، ومصلح أمورهم.
﴿ ملك الناس ٢ ﴾ مالكهم ومدبر أمورهم.
﴿ إلاه الناس ٣ ﴾ معبودهم.
هما عطف بيان لرب الناس، فإن المربي قد يطلق على الوالد ورب الدار، ويطلق على المالك، وهو لا يكون ملكا ولا معبودا، والملك قد يطلق على السلطان، وهو لا يكون معبودا مستحقا للعبادة.
واللام في الناس للعهد، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وتخصيصهم بالذكر مع كونه تعالى ربا وملكا وإلها لكل شيء لإظهار شرفهم، ولأن المقصود بإنزال السورتين دفع شر السحر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أتباعه ؛ لأن من حق الرب والملك والإله حفظ المربوب والمملوك والعائد عن الشر، قال غوث الثقلين :
أيدركني ضيم وأنت ظهري أأظلم في الدنيا وأنت نصري
فعار على حامي الحمى وهو قادر إذا ضاع في البيداء عقال بعيري
والكفار وإن كانوا مربوبين مملوكين لكن لعدم اعترافهم به غير مستحقين للحماية، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب :" الله مولانا ولا مولى لكم ".
وتكرير الناس بالإظهار من غير إضمار ؛ لأن عطف البيان موضوع للبيان، وفي الإظهار زيادة البيان، وللإشعار بشرف النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
وقال البيضاوي : ولما كانت الاستعاذة في السورة المتقدمة من المضار البدنية هي تعم الإنسان وغيره، والاستعاذة في هذه السورة من الإضرار التي تعرض النفوس البشرية وتخصها، عمم الإضافة ثمة وخصصها بالناس ها هنا، فكأنه قال : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم.
وقيل : وجه تكرير لفظ الناس أن المراد بالناس الأول الأطفال، ومعنى الربوبية يدل عليه، وبالثاني الشباب المجاهدين في سبيل الله، ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل عليه، وبالثالث الشيوخ المنقطعين إلى الله تعالى، ولفظ الإله المنبئ عن العبادة يدل عليه، وبالرابع الصالحون ؛ إذ الشيطان حريص على عداوتهم، وبالخامس المفسدون لعطفه على معوذ منه، وفي ذكر أطفال المؤمنين والرجال الصالحين استجلاب للرحمة واستدفاع للعذاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لولا رجال ركع وأطفال رضع وبهائم رتع نصب عليكم صبا " رواه أبو يعطى والبزار والبيهقي من حديث أبي هريرة، وله شاهد مرسل أخرجه أبو نعيم عن الزهري، وقال الله تعالى :﴿ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ﴾١ الآية.
قال البيضاوي : في هذا النظم دلالة على أنه تعالى حقيق بالإعادة، قادر عليها، غير منوع عنها، وإشعار على مراتب الناظر في العارف، فإنه يعلم أو لا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له رباً، ثم بعد النظر يتحقق أنه غني عن الكل ذوات كل شيء ملكه، ومصارف أمورهم منه، فهو الملك الحق، ثم يستدل على أنه هو المستحق للعبادة.
١ سورة الفتح، الآية: ٢٥..
﴿ من شر الوسواس ﴾ الوسواس اسم بمعنى الوسوسة، وهو الصوت الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع كالزلزال، والمراد ها هنا الموسوس، يعني الشيطان على طريقة المبالغة، أو بتقدير المضاف، أي ذي الوسواس، كذا قال الزجاج.
﴿ الخنّاس ﴾ صفة للوسواس، يعني الشيطان ؛ لأن عادته أن يخنس، أي تأخر عند ذكر الله تعالى.
عن عبد الله بن شفيق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من آدمي إلا بقلبه بيتان : في أحدهما الملك، وفي الآخر الشيطان، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره في قلبه ووسوس له "، رواه أبو يعلى، وروى أبو يعلى عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم نحوه.
﴿ الذي يوسوس في صدور الناس ٥ ﴾ إذا لم يذكر الله. والموصول في محل الجر على أنه صفة بعد صفة للوسواس، وجاز أن يكون منصوبا على الذم، أو مرفوعا على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي هو ﴿ يقول أهلكت مالا لّبدا ٦ ﴾ بيان الوسواس، أو الذي، فالوسوسة فعل من الجنة والناس جميعا، قال الله تعالى :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ﴾١ الآية.
١ سورة الأنعام، الآية: ١١٢..
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شر الجن والإنس جميعا. فإن قيل : الناس لا يوسوسون في صدور الناس، إنما هي فعل الجن ؟ قلنا : الناس أيضا يوسوسون، بمعنى يليق بهم، يقولون أقوالا يرتكز في صدور الناس منها الوسوسة، أو هو متعلق بيوسوس، أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة والناس. قال الكلبي : هو بيان للناس، من قوله ﴿ في صدور الناس ﴾، وأراد بالناس هناك ما يعم القبيلتين الجن ناسا كما سموا رجالا في قوله تعالى :﴿ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ﴾١. قال البغوي : فقد ذكر من بعض العرب أنه قال وهو يحدث : جاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل : من أنتم ؟ قالوا : أناس من الجن، وهذا معنى الفراء، وجاز أن يكون من الجنة بيانا للوسواس، ويكون الناس ها هنا معطوفا على الوسواس، والمعنى : أعوذ برب الناس من شر الشيطان الموسوس من الجنة، ومن شر الناس.
١ سورة الجن، الآية: ٦..
سورة الناس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الناس) من السُّوَر المكية، وتسمى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ)، ومحورها يدور حول تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليَحمِيَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخلق الظاهر والباطن، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كل صلاةٍ، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهلِ بيته قرأ عليه (المُعوِّذتَينِ)، وفيها الاستعاذة من الشيطان الذي يوسوس ليُفسِدَ الأعمال.

ترتيبها المصحفي
114
نوعها
مكية
ألفاظها
20
ترتيب نزولها
21
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
7

* سورة (النَّاس):

سُمِّيت سورة (النَّاس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ} [الناس: 1].

* وتُسمَّى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ):

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَتعوَّذُ مِن عينِ الجانِّ، وعينِ الإنسِ، فلمَّا نزَلتِ المُعوِّذتانِ، أخَذَ بهما، وترَكَ ما سِوى ذلك». أخرجه النسائي (٥٥٠٩).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهن:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذة بالله من شرِّ الخلق الباطن (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /481).

إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَتعوَّذَ من شرِّ الوسواس الذي يُفسِد الأعمالَ؛ فالله هو المُجِيرُ والحافظ من الشرور كلِّها.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /632)