تفسير سورة يوسف

جهود الإمام الغزالي في التفسير

تفسير سورة سورة يوسف من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ إنا أنزلناه قرآنا عربيا ﴾.
٥٣٦- نقول : أما أن القرآن عربي فحق إذ نطق به القرآن، وأما أن القرآن قديم فحق إذ نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما أن عربية القرآن قديمة فهي مسألة ثالثة لم يرد فيها أنها قديمة، فلا يلزم القول بها، فعلى هذا الوجه يلجم العوام والحشوية عن التصرف فيه ونزمهم١ عن القياس والقول باللوازم. [ إلجام العوام عن علم الكلام ضمن رسائل الإمام الغزالي رقم ٤ : ١٠٩ ].
١ - زم الشيء يزمه زما فانزم : شده. ن اللسان (زمم)..
﴿ وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ﴾.
٥٣٧- قال صاحب الكشاف في تفسيرها : " يعني : معاني كتب الله وسنن الأنبياء- عليهم السلام- وما غمض واشتبه على الناس في أغراضها ومقاصدها تفسرها لهم وتشرحها، وتدلهم على مودعات حكمها " ١. [ كتاب الأربعين في أصول الدين : ١٠ ].
١ - ن الكشاف للزمخشري : ٢/٣٠٣..
﴿ إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم ﴾.
٥٣٨- ذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف عليه السلام، وعبر عما في قلوبهم بقوله تعالى :﴿ إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم ﴾ فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك وأحبوا زواله عنه غيبوه عنه. [ الإحياء : ٣/٢٠٢ ].
﴿ وما أنت بمؤمن لنا ﴾.
٥٣٩- أي بمصدق. [ نفسه : ١/١٣٨ ].
﴿ وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين ﴾.
٥٤٠- معناه : باعوه، فقد يطلق الشراء بمعنى البيع، ووصف إخوة يوسف بالزهد فيه ؛ إذ طمعوا أن يخلو لهم وجه أبيهم، وكان ذلك عندهم أحب إليهم من يوسف، فباعوه طمعا في العوض. [ نفسه : ٤/٢٣٠ ].
﴿ فلما رأيناه أكبرناه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ﴾.
٥٤١- الوجد : هو الشوق الغالب على قلب الطالب، وهذا الوجد بعد حصوله له أحوال :
الأول : الدهش، قال تعالى :﴿ فلما رأينه، أكبرنه وقطعن أيديهن ﴾ ! وحقيقة الدهش غيبة القلب عن إحساسه لما فاجأه من الأمر العظيم.
فمن استعمل جميع قواه على وجه التوصل بها إلى العلم والعمل، فقد تشبه بالملائكة، فحقيق بأني يلحق بهم، وجدير بأن يسمى ملكا ربانيا، وكما قال :﴿ إن هذا إلا ملك كريم ﴾ [ روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي رقم ٢ ص : ٥٥ ].
٥٤٢- من ارتفع إلى أفق الملائكة حتى تحلى بالعلوم والفضائل النفسية والأعمال الحسنة فهو ملك جسماني، لارتفاعه عن الإنسانية وعدم مشاركته للبشر إلا بالصورة التخطيطية، ولهذا قال تعالى :﴿ ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ﴾ [ ميزان العمل : ٢١٠ ].
﴿ وما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ﴾.
٥٤٣- إن قيل : فقد قال تعالى :﴿ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ﴾ ومعلوم أنهم ما كانوا يعبدون الألفاظ التي هي حروف مقطعة، بل كانوا يعبدون المسميات.
فنقول : إن المستدل بهذا لا يفهم وجه دلالته ما لم يقل : إنهم كانوا يعبدون المسميات دون الأسماء، فيكون في كلامه التصريح بأن الأسماء غير المسميات ؛ إذ لو قال القائل : العرب كانت تعبد الأسماء دون المسميات كان متناقضا، ولو قال : تعبد المسميات دون الأسماء كان مفهوما غير متناقض.
فلو كانت الأسماء هي المسميات لكان القول الأخير كالأول، ثم يقال أيضا : معناه : أن اسم الآلهة التي أطلقوها على الأصنام كانت اسما بلا مسمى، لأن المسمى هو المعنى الثابت في الأعيان من حيث دل عليه اللفظ، ولم تكن الأصنام آلهة ثابتة في الأعيان، ولا معلومة في الأذهان، بل كانت أساميها موجودة في اللسان، فكانت أسامي بلا معان، ومن سمي باسم الحكيم، ولم يكن حكيما، وفرح به قيل : فرح بالاسم، إذ ليس وراء الاسم معنى. وهذا هو الدليل على أن الاسم غير المسمى، لأنه أضاف الاسم إلى التسمية وأضاف التسمية إليهم، فجعلها فعلا لهم فقال :﴿ أسماء سميتموها ﴾ يعني : أسماء حصلت بتسميتهم وفعلهم، وأشخاص الأصنام لم تكن هي الحادثة بتسميتهم. [ المقصد الأسني : ٣٧ ]
﴿ قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ﴾.
٥٤٤- طلب المنزلة في قلبه بكونه حفيظا عليما، وكان محتاجا إليه وكان صادقا فيه. [ الإحياء : ٣/٣٠٢ ].
٥٤٥- قال عبد الله بن عباس في تفسير هذه الآية حكاية عن يوسف عليه السلام :﴿ اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ﴾ قال معناه : كاتب حاسب. [ التبر المسبوك في نصيحة الملوك : ٩٣ ].
﴿ واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ﴾.
٥٤٦- ﴿ واسأل القرية ﴾ أي : أهل القرية. [ المستصفى : ١/٣٤٧ ].
٥٤٧- إذ المسؤول بالحقيقة أهل القرية لا نفس القرية [ معيار العلم : ٥٩ ].
٥٤٨- قد يطلق بالمجاز ما يقتضي الحقيقة، وفي الإطلاق خلافه كقوله تعالى :﴿ واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ﴾ أي أهل العير، فالأهل فيهما محذوف مضمر. [ الإحياء : ١/٣٤٤ ].
٥٤٩- والمعنى : واسأل أهل القرية، وهذا النقصان اعتادته العرب فهو توسع وتجوز. ﴿ واسأل القرية ﴾ يصح في بعض الجمادات لإرادة صاحب القرية، ولا يقال : سل البساط والكوز، وإن كان قد يقال : سلل الطلل والربع لقربه من المجاز المستعمل. [ نفسه : ٤/٣١٠ ].
﴿ فصبر جميل ﴾ [ ٨٣ ]
٥٥٠- قيل في معنى قوله ﴿ فصبر جميل ﴾ لا شكوى فيه [ المستصفى : ١/٣٤٢ ].
﴿ سوف أستغفر لكم ربي ﴾.
٥٥١- قيل إن يعقوب صلى الله عليه وسلم إنما قال :﴿ سوف أستغفر لكم ربي ﴾ ليدعو في وقت السحر، فقيل : إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤمنون خلفه فأوحى الله عز وجل : إني قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء [ نفسه : ١/٣٦٢ ].
﴿ وسبحان الله ﴾.
٥٥٢- معناه في كلام العرب : التنزيه والسلب، فهي مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات الله تعالى وصفاته، فما كان من أسمائه سلبا فهو مندرج تحت هذه الكلمة كالقدوس : وهو الطاهر من كل عيب، والسلام : وهو الذي سلم من كل آفة. [ روضة الطالبين ضمن المجموعة : رقم ٢ ص : ٦٦ ].
سورة يوسف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (يوسُفَ) مِن السُّوَر المكية، وقد كان لها من اسمها الحظُّ الأكبر؛ فقد قامت السورةُ بأكملها على سرد قصة (يوسف) بالتفصيل، ولا يوجد في القرآن نظيرٌ لهذا السردِ والاختصاص؛ أن تَختصَّ سورةٌ بذكرِ قصة نبيٍّ من الأنبياء، وتُسمَّى باسمه. وقد بيَّنت هذه السورةُ قواعدَ التمكين في الأرض، ومُلئت بالعِبَر والعظات المستخلَصة من قصة يوسف؛ فهي مثال يحتذى في الصبر، والتحلِّي بمكارم الأخلاق، والخوف من الله في السِّر والعلن، وصِدْقِ التوكل على الله؛ فهو الذي بيده مقاليدُ كل شيء.

ترتيبها المصحفي
12
نوعها
مكية
ألفاظها
1794
ترتيب نزولها
53
العد المدني الأول
111
العد المدني الأخير
111
العد البصري
111
العد الكوفي
111
العد الشامي
111

* قوله تعالى: {الٓرۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ اْلْكِتَٰبِ اْلْمُبِينِ} [يوسف: 1] إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اْلْقَصَصِ} [يوسف: 3]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال : «أُنزِلَ القرآنُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتلا عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو قصَصْتَ علينا؛ فأنزَلَ اللهُ: {الٓرۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ اْلْكِتَٰبِ اْلْمُبِينِ} [يوسف: 1] إلى قولِه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اْلْقَصَصِ} [يوسف: 3]، فتلاها عليهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو حدَّثْتَنا؛ فأنزَلَ اللهُ: {اْللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ اْلْحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا} [الزمر: 23]». أخرجه ابن حبان (٦٢٠٩).

* سورة (يوسُفَ):

وسببُ تسميةِ سورة (يوسُفَ) بهذا الاسمِ واضحٌ جليٌّ؛ فإنَّ قصةَ (يوسُفَ) هي موضوعها الرئيسُ.

جاء الموضوع الرئيسُ للسورة عن قصَّة (يوسف) عليه السلام على التفصيل الآتي:

1. من أدلة إعجاز القرآن الكريم (١-٣).

2. رؤيا يوسف عليه السلام (٤-٦).

3. تآمُرُ إخوته عليه عليه السلام (٧-١٨).

4. محنة يوسف عليه السلام في مصر (١٩- ٣٤).

5. محنة يوسف عليه السلام في السِّجن (٣٥-٥٣).

6. تسلُّمُه عليه السلام الحُكْمَ بعد السجن (٥٤- ٥٧).

7. لقاؤه عليه السلام مع إخوته مرة ثانية (٥٩- ٩٨).

8. لقاء العائلة (٩٩-١٠٢).

9. تعقيبات على القصة (١٠٣- ١١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /503).

لم تأتِ قصةُ (يوسف) عليه السلام لمجردِ السَّرد والتسلية؛ إنما جاءت للعِبْرة والعِظة في كثيرٍ من الأمور؛ من ذلك: لطفُ الله بمَن يصطفيه من عباده، والاقتداءُ بصبر الأنبياء - مثل: يعقوب ويوسف عليهما السلام - على البلوى، وكيف تكون لهم العاقبةُ؛ ليَتسلَّى بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكلُّ من سار بطريق الدعوة، كما أبانت السورةُ عن قواعدِ التمكين في الأرض، وما تخلَّلَ ذلك من الحكمة في أقوال الصالحين؛ كقوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اْلْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]، وقوله: {إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ اْلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].

ينظر " التحرير والتنوير" لابن عاشور (12 /200)