تفسير سورة يوسف

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة يوسف من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة يوسف وهي مكية كلها

قَوْلُهُ: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾ يَعْنِي: هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ ﴿الْمُبِينِ﴾ الْبَين
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا﴾ أَيْ: بلسانٍ عَرَبِيٍّ ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لِكَيْ تَعْقِلُوا مَا فِيهِ فَتُؤْمِنُوا
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ، وَأُمُورِ اللَّهِ السَّالِفَةِ فِي الأُمَمِ ﴿بِمَا أَوْحَينَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن﴾ أَيْ: بِوَحْيِنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ﴿وَإِن كنت من قبله﴾ أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْك الْقُرْآن ﴿لمن الغافلين﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان﴾.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٤) إِلَى الْآيَة (٦).
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عشر كوكبا﴾ الآيَةَ، فَتَأَوَّلَهَا يَعْقُوبُ أَنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ - وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلا - وأبويه سيسجدون لَهُ.
﴿فيكيدوا لَك كيدا﴾ أَي: يحسدونك
﴿وَكَذَلِكَ يجتبيك رَبك﴾ أَيْ: يَخْتَارُكَ لِلنُّبُوَّةِ ﴿وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: عَوَاقِبَ الأُمُورِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلا بِوَحْيِ نُبُوَّةٍ ﴿وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آل يَعْقُوب﴾ وَكَانَ اللَّهُ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ سَيُعْطِي ولد يَعْقُوب كلهم النُّبُوَّة.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٧) إِلَى الْآيَة (١٧).
﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَات للسائلين﴾ أَيْ: عِبْرَةٌ لِمَنْ كَانَ سَائِلا عَن حَدِيثهمْ
﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ جَمَاعَةٌ ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبين﴾ أَيْ: مِنَ الرَّأْيِ، لَيْسَ يَعْنُونَ: ضَلَالَة فِي الدّين ﴿مُبين﴾ بَين
﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يخل لكم وَجه أبيكم﴾ وَلَمْ يَكُونُوا يَوْمَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَنْبِيَاءَ ﴿وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قوما صالحين﴾ يَعْنُونَ: تَصْلُحُ مَنْزِلَتُكُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْنُونَ: تَتُوبُونَ مِنْ بَعْدِ قَتْلِهِ
﴿قَالَ قَائِل مِنْهُم﴾ هُوَ رُوبِيلُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ ﴿لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَاتِ الْجُبِّ﴾ أَيْ: بَعْضُ نَوَاحِيهَا.
قَالَ محمدٌ: كُلُّ شيءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهُوَ غَيَابَةٌ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ يحيى (غيابة الْجب).
﴿يلتقطه بعض السيارة﴾ أَيْ: بَعْضُ مَنْ يَمُرُّ فِي الطَّرِيق.
﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ قَالَ محمدٌ: قَرَأَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ﴿يرتع﴾ بِالْيَاءِ وَكسر الْعين، ﴿ويلعب﴾ بِالْيَاءِ أَيْضًا؛ الْمَعْنَى: كَأَنَّهُمْ قَالُوا: يَرْعَى مَاشِيَتَهُ وَيَلْعَبُ فِي جَمْعِ السعَة وَالسُّرُور.
﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عصبَة إِنَّا إِذا لخاسرون﴾ قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: الْعُصْبَةُ مِنَ الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين.
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غيابات الْجب﴾ أَيْ: اتَّفَقُوا وَأَلْقَوْهُ
317
فِي الْجُبِّ ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بأمرهم هَذَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: أَتَاهُ وَحْيُ اللَّهِ وَهُوَ فِي الْبِئْرِ بِمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلُوا بِهِ ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بِمَا أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ يُوسُفَ من أَمرهم.
318
﴿وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ﴾ قَالَ محمدٌ: (عشَاء) مَنْصُوب على الظّرْف.
﴿وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا﴾ بِمُصَدِّقٍ لَنَا ﴿وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ أَيْ: وَلَوْ صَدَّقْنَاكَ.
قَالَ محمدٌ: قيل: الْمَعْنى: (ل ١٥٣) وَلَوْ كُنَّا عِنْدَكَ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالصِّدْقِ لاتَّهَمْتَنَا فِي يُوسُفَ؛ لِمَحَبَّتِكَ فِيهِ، وَظَنَنْتَ أَنَّا قَدْ كذبناك.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (١٨) إِلَى الْآيَة (٢١).
﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ لَطَخُوا قَمِيصَهُ بِدَمٍ سخلةٍ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: دمٌ مكذوبٌ فِيهِ.
﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أمرا﴾ أَيْ: زَيَّنَتْ ﴿أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ أَيْ: لَيْسَ فِيهِ جزعٌ.
318
قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ يَعْقُوبُ قَدْ عَلِمَ بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّ يُوسُفَ حيٌّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَيْن هُوَ؟
قَالَ محمدٌ: (صبرٌ جميل) مرفوعٌ عَلَى مَعْنَى: فَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ: صبرٌ جَمِيلٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَعْنَى: ﴿فَصَبْرِي صبرٌ جَمِيلٌ﴾.
319
﴿وَجَاءَت سيارة فأرسلوا واردهم﴾ الْوَارِدُ: الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ؛ لَيَسْتَقِيَ للْقَوْم ﴿فأدلى دلوه﴾ فِي الْجُبِّ؛ وَهِيَ بِئْرُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ؛ إِذَا أَرْسَلْتُهَا لِتَمْلأَهَا، وَدَلَوْتُهَا؛ إِذَا أَخْرَجْتُهَا.
قَالَ قَتَادَةُ: فَلَمَّا أَدْلَى دَلْوَهُ تَشَبَّثَ بِهَا يُوسُفُ، فَقَالَ الَّذِي أَدْلَى دَلْوَهُ: (يَا بُشْرَايَ) يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: مَا الْبُشْرَى؟ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: مَا وَرَاءَكَ؟ أَوْ مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: ﴿هَذَا غلامٌ﴾ فأخرجوه ﴿وأسروه بضَاعَة﴾ قَالَ مجاهدٌ: صَاحِبُ الدَّلْوِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ قَالُوا لأَصْحَابِهِمْ: إِنَّمَا اسْتَبْضَعْنَاهُ خِيفَةَ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِيهِ.
﴿وشروه﴾ أَي: باعوه ﴿بثمنٍ بخسٍ﴾ أَيْ: حَرَامٌ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ بَيْعه.
﴿دَرَاهِم معدودةٍ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: بَاعُوهُ بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا.
﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ الْتَقَطُوهُ، وَزِهَادَتُهُمْ فِيهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مَنْزِلَتَهُ مِنَ اللَّهِ؛ فَبَاعُوهُ مِنْ مَلِكِ مصر.
﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَته أكرمي مثواه﴾ أَيْ: مَنْزِلَتَهُ (عَسَى أَنْ
319
ينفعنا أَو نتخذه ولدا} أَيْ: نَتَبَنَّاهُ. قَالَ اللَّهُ: ﴿وَكَذَلِكَ مكنا ليوسف فِي الأَرْض﴾ يَعْنِي: أَرض مصر، وَمَا أعطَاهُ الله.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٢٢) إِلَى الْآيَة (٢٩).
320
﴿وَلما بلغ أشده﴾ يُقَالُ: بَلَغَ عِشْرِينَ سَنَةً ﴿آتَيْنَاهُ حكما وعلماً﴾ يَعْنِي: الرسَالَة.
﴿وَقَالَت هيت لَك﴾ أَي: هَلُمَّ لَك.
وتقرأ: (هيت لَك) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَسْكِينِ الْيَاءِ.
320
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: هَيْتَ فلانٌ بِفُلانٍ؛ إِذَا صَاحَ بِهِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
(قَدْ رَابَنِي أَنَّ الْكَرِيَّ أَسْكَتَا... لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهَا لَهَيَّتَا) ﴿قَوْلُهُ﴾ (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّه رَبِّي} أَيْ: سَيِّدِي - يَعْنِي: الْعَزِيزَ ﴿أَحْسَنَ مثواي﴾ أَيْ: أَكْرَمَ مَنْزِلَتِي.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ: أَوَّلُ مَا قَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ مَا أَحْسَنَ شَعْرَكَ! قَالَ: أَمَّا إِنَّهُ أول شيءٍ يبْلى مني.
321
﴿وَلَقَد هَمت بِهِ﴾ يَعْنِي: مَا أَرَادَتْهُ حِينَ اضْطَجَعَتْ لَهُ ﴿وهم بهَا﴾ يَعْنِي: حَلَّ سَرَاوِيلَهُ ﴿لَوْلا أَنْ رأى برهَان ربه﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: مُثِّلَ لَهُ يَعْقُوبُ فَاسْتَحْيَى مِنْهُ، فَصَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَذْهَبَ كُلَّ شهوةٍ كَانَتْ فِي مَفَاصِلِهِ.
321
قَالَ اللَّهُ: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء﴾ الْآيَة، فولى هَارِبا واتبعته
322
﴿واستبقا الْبَاب﴾ فَسَبَقَهَا إِلَيْهِ لِيَخْرُجَ ﴿وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ من دبر﴾ أَيْ: شَقَّتْهُ مِنْ خَلْفِهِ. ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدهَا﴾ أَي: زَوجهَا ﴿لَدَى الْبَاب﴾ عِنْد الْبَاب.
﴿وَشهد شَاهد من أَهلهَا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: رَجُلٌ حَكِيمٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا؛ قَالَ: الْقَمِيصُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا؛ إِنْ كَانَ قُدَّ مِنْ قبلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دبرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِن كيدكن عَظِيم﴾
ثُمَّ قَالَ لِيُوسُفَ: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَن هَذَا﴾ أَيْ: لَا تَذْكُرْهُ: احْبِسْهُ، وَقَالَ لَهَا: ﴿استغفري لذنبك﴾ مِنْ زَوْجِكِ، وَاسْتَعْفِيهِ أَلا يُعَاقِبَكِ ﴿إِنَّك كنت من الخاطئين﴾ يَعْنِي: الْخَطِيئَةَ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: خَطِئَ الرَّجُلُ يَخْطَأُ خِطْئًا؛ إِذَا تَعَمَّدَ الذَّنْبُ فَهُوَ خَاطِئٌ، وَالْخَطِيئَةُ مِنْهُ: أَخْطَأَ يُخْطِئُ؛ إِذَا لَمْ يتَعَمَّد، وَالِاسْم مِنْهُ: الْخَطَأ.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٣٠) إِلَى الْآيَة (٣٢).
322
(ل ١٥٤)
323
﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيز﴾ يَعْنِي: عِزَّ الْمُلْكِ ﴿تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: دَخَلَ حُبُّهُ فِي شِغَافِهَا. قَالَ الْكَلْبِيُّ: الشِّغَافُ: حِجَابُ الْقَلْبِ ﴿إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضلال مُبين﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: فِي خسرانٍ بَين من حب يُوسُف.
﴿فَلَمَّا سَمِعت بمكرهن﴾ أَي: بغيبتهن ﴿أرْسلت إلَيْهِنَّ﴾ وَأَرَادَتْ أَنْ تُوقِعَهُنَّ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ ﴿وأعتدت﴾ أَي: أعدت ﴿لَهُنَّ مُتكئا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَجْلِسًا وَتَكْأَةً.
قَالَ يحيى: وَهِيَ تُقْرَأُ (مُتْكًا) قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الأُتْرُجُ.
قَالَ محمدٌ: (الْمُتَّكَأُ) بِالتَّثْقِيلِ: هُوَ مَا اتَّكَأْتَ لحديثٍ، أَوْ طَعَامٍ، أَوْ شَرَابٍ.
﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سكينا﴾ لِيُقَطِّعْنَ وَيَأْكُلْنَ، وَقَالَتْ لِيُوسُفَ: ﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رأينه أكبرنه﴾ أَيْ: أَعْظَمْنَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبشر. ﴿وقطعن أَيْدِيهنَّ﴾ أَيْ: حَزَزْنَ لَا يَعْقِلْنَ مَا يصنعن ﴿وقلن حاش لله﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: مَعَاذَ اللَّهِ ﴿مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا ملك﴾ من مَلَائِكَة الله ﴿كريم﴾ عَلَى اللَّهِ.
323
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: حَاشَ لِلَّهِ، وَحَاشَى لِلَّهِ - بِيَاءٍ وَبِغَيْرِ يَاءٍ -، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْبَرَاءَةُ؛ أَيْ قَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَانْتَصَبَ (بَشَرًا) بِخَبَرِ (مَا) لأَنَّ (مَا) فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ مَعْنَاهُ مَعْنَى (لَيْسَ) فِي النَّفْيِ.
324
﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ أَي: امْتنع.
﴿وليكوناً من الصاغرين﴾ أَي: من الأذلاء.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٣٣) إِلَى الْآيَة (٣٥).
﴿وَإِلَّا تصرف عني كيدهن﴾ قَالَ الْحَسَنُ: قَدْ كَانَ مِنَ النِّسْوَةِ عَوْنٌ لَهَا عَلَيْهِ ﴿أَصْبُ إلَيْهِنَّ﴾ أَيْ: أُتَابِعُهُنَّ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَمِلْ إِلَيْهِنَّ مَيْلَ جهلٍ وَصَبًا؛ يُقَالُ: صَبَا فلانٌ إِلَى اللَّهْوِ يَصْبُو صَبًا؛ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ. قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ.
﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الْآيَات﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: قَدَّ الْقَمِيصِ مِنْ دبرٍ.
﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ:
بَلَغَنَا أَنَّهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا: صَدَّقْتَهُ وَكَذَّبْتَنِي، وَفَضَحْتَنِي فِي الْمَدِينَةِ، فَأَنَا غَيْرُ سَاعِيَةٍ فِي رِضَاكَ إِنْ لَمْ تَسْجُنْ يُوسُفَ، وَتُسَمِّعْ بِهِ وَتَعْذُرْنِي؛ فَأَمَرَ بِيُوسُفَ يُحْمَلُ عَلَى حِمَارٍ، ثُمَّ ضُرِبَ بِالطَّبْلِ: هَذَا يُوسُفُ الْعِبْرَانِيُّ، أَرَادَ سَيِّدَتَهُ عَلَى نَفْسِهَا فَطَوَّفَ بِهِ أَسْوَاقَ مِصْرَ كُلَّهَا، ثُمَّ أُدْخِلَ السجْن.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٣٦) إِلَى الْآيَة ٤٢).
﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خمرًا﴾ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَعْصِرُ عِنَبًا).
﴿وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا﴾ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ (ثَرِيدًا) أَيْ: قَصْعَةً مِنْ ثَرِيدٍ.
﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ إِحْسَانُهُ - فِيمَا بَلَغَنَا - أَنَّهُ كَانَ يُدَاوِي جَرْحَاهُمْ، وَيُعَزِّي حَزِينَهُمْ، وَرَأَوْا مِنْهُ إِحْسَانًا فَأَحَبُّوهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَكَانَ الَّذِي قَالَ: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا سَاقِيَ الْمَلِكِ عَلَى شِرَابِهِ، وَكَانَ الَّذِي قَالَ: إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأس خُبْزًا خَبَّازَ الْمَلِكِ عَلَى طَعَامِهِ.
﴿قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نبأتكما بتأويله﴾ أَيْ: بِمَجِيئِهِ ﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا﴾ أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ﴿ذلكما مِمَّا عَلمنِي رَبِّي﴾ أَيْ: بِمَا يُطْلِعُنِي اللَّهُ عَلَيْهِ
﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا﴾ يَعْنِي: النُّبُوَّةَ الَّتِي أَعْطَاهُمْ ﴿وَعَلَى النَّاس﴾ أَيْ: وَفَضْلَهُ عَلَى النَّاسِ؛ يَعْنِي: الإِسْلامَ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يشكرون﴾ لَا يُؤمنُونَ
﴿يَا صَاحِبي السجْن﴾ يَعْنِي: الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ سُجِنُوا مَعَهُ ﴿أأرباب متفرقون﴾ يَعْنِي: الأَوْثَانَ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ صغيرٍ وَكَبِيرٍ ووسطٍ ﴿خير أم الله﴾ أَيْ: أَنَّ اللَّهَ خيرٌ مِنْهُمْ
﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان﴾ من حجَّة
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ (ل ١٥٥﴾ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} قَالَ لِسَاقِي الْمَلِكِ: أَمَّا أَنْتَ فَترد على عَمَلك. وَقَالَ للخبار: وَأَمَّا أَنْتَ فَتُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِكَ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ:
لَمَّا عَبَّرَ لَهُمَا الرُّؤْيَا قَالَ الْخَبَّازُ: يَا يُوسُفُ، لمْ أَرَ شَيْئًا! قَالَ:
326
﴿قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾ أَيْ: كَالَّذِي (قُلْتُهُ) كَذَلِكَ (يُقْضَى) لَكمَا.
327
﴿وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْد رَبك﴾ أَيْ: اذْكُرْ أَمْرِي عِنْدَ سَيِّدِكَ - يَعْنِي: الْمَلِكَ ﴿فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ ربه﴾ يَعْنِي: يُوسُفَ حِينَ رَغِبَ إِلَى السَّاقِي أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ الْمَلِكِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا لَبِثَ فِي السِّجْنِ خَمْسَ سِنِينَ يَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُوهُ ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بضع سِنِين﴾ قَالَ قَتَادَةُ: لَبِثَ فِي السِّجْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ سَبْعَ سِنِينَ عُقُوبَةً لِقَوْلِهِ ذَلِكَ.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٤٣) إِلَى الْآيَة (٤٩).
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ يَعْنِي: سَبْعَ بَقَرَاتٍ عِجَافٍ ﴿وَسَبْعَ سنبلات خضر﴾ أَيْ: وَرَأَيْتُ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ﴿وَأُخْرَى يابسات﴾ أَي: وَسبعا يابسات
﴿قَالُوا أضغاث أَحْلَام﴾ أَيْ: أَخْلاطُ أَحْلامٍ.
قَالَ محمدٌ: الأَضْغَاثُ وَاحِدُهَا: ضغثٌ؛ وَهِيَ الْحِزْمَةُ مِنَ النَّبَاتِ يَجْمَعُهَا الرَّجُلُ فَيَكُونُ فِيهَا ضروبٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ الْمَعْنَى: رُؤْيَاكَ أخلاطٌ لَيْسَتْ بِرُؤْيَا بَيِّنَةٍ، وَلَيْسَ للرؤيا المختلطة عندنَا تَأْوِيل.
﴿وَقَالَ الَّذِي نجا مِنْهُمَا﴾ أَيْ: مِنَ السِّجْنِ ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أمة﴾ يَقُولُ: ذَكَرَ يُوسُفَ بَعْدَ حِينٍ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: بَعْدَ نِسْيَانٍ: ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فأرسلون﴾ وَفِيه إِضْمَار، فَأرْسلهُ الْملك
فَأَتَى يُوسُفَ فِي السِّجْنِ فَقَالَ: ﴿يُوسُف أَيهَا الصّديق﴾ يَعْنِي: الصَّادِقَ ﴿أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بقرات﴾ أَيْ: أَخْبِرْنَا عَنْ سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ، الآيَةَ؛ فَأَجَابَهُ يُوسُفُ فَقَالَ: أَمَّا السَّبْعُ الْبَقَرَاتُ السِّمَانُ، وَالسَّبْعُ السُّنْبُلاتُ الْخُضْرُ فَهِيَ سَبْعُ سِنِينَ تُخْصِبُ، وَأَمَّا السَّبْعُ الْبَقَرَاتُ الْعِجَافُ وَالسَّنَابِلُ الْيَابِسَاتُ فَهِيَ سَبْعُ سِنِينَ مجدبةٌ
﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ﴾ أَرَادَ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي السُّنْبُلِ كَانَ أَبْقَى لَهُ.
قَالَ محمدٌ: الدَّأَبُ: الْمُلازَمَةُ لِلشَّيْءِ وَالْعَادَةُ؛ يُقَالُ مِنْهُ: دَأَبْتُ أَدْأَبُ دَأَبًا.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سبع شَدَّاد﴾ يَعْنِي: سَبْعَ سِنِينَ مجدبةٍ ﴿يَأْكُلْنَ مَا قدمتم لَهُنَّ﴾ فِي السِّنِينَ الْمُخْصَبَاتِ ﴿إِلا قَلِيلا مِمَّا تحصنون﴾ أَي: تدخرون.
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يعصرون﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: يَعْصِرُونَ الْعِنَبَ وَالزَّيْتُونَ.
قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: ﴿فِيهِ يغاث النَّاس﴾ مِنْ جَعْلِهِ مِنَ الْغَيْثِ فَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ: غَاثَ اللَّهُ الْبِلادَ يَغِيثُهَا، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنَ التَّلاقِي وَالتَّدَارُكِ فَهُوَ مِنْ أَغَثْتُ فُلانًا أَغِيثُهُ إِغَاثَةً.
وَقِيلَ أَنْ (يَعْصِرُونَ) مَعْنَاهُ: يُنْجُونَ، الْعُصْرَةُ فِي اللُّغَةِ: النَّجَاةُ. قَالَ: فَلَمَّا أُخْبِرَ الْمَلِكُ أَنَّ يُوسُفَ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ الرُّؤْيَا قَالَ ائْتُونِي بِهِ.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٥٠) إِلَى الْآيَة (٥٣).
﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول﴾ قَالَ لَهُ يُوسُفُ: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبك﴾ أَيْ: سَيِّدِكَ؛ هَذَا كَانَ كَلامُهُمْ يومئذٍ ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ﴾ الآيَةَ، قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ أَلا يَخْرُجَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ عذرٌ. فَأرْسل إلَيْهِنَّ الْملك
329
فدعاهن
330
﴿قَالَ مَا خطبكن﴾ مَا حُجَّتُكُنَّ ﴿إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ: مِنْ زِنًا ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحق﴾ تبين ذَلِك
﴿لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ لَمَّا بَلَغَ يُوسُفَ ذَلِكَ قَالَ: ﴿ذَلِك ليعلم﴾ الْعَزِيزُ ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ وَكَانَ الْمَلِكُ فَوْقَ الْعَزِيزِ ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الزُّنَاةِ، فَلَمَّا قَالَ هَذَا يُوسُفُ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ - فِيمَا ذُكِرَ مِنْ (هَمِّهِمْ) يَا يُوسُفُ، فَمَا فَعَلْتَ السَّرَاوِيلَ؟ فَقَالَ يُوسُفُ: ﴿وَمَا (ل ١٥٦﴾ أبرئ نَفسِي} الْآيَة.
330
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٥٤) إِلَى الْآيَة (٥٧).
331
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ قال ما خطبكن ﴾ ما حجتكن ؟ ﴿ إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ﴾ قال السدي : أي : من زنا ﴿ قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق ﴾ تبين ذلك ﴿ ليعلم أني لم أخنه بالغيب ﴾ لما بلغ يوسف ذلك قال :﴿ ذلك ليعلم ﴾ العزيز ﴿ أني لم أخنه بالغيب ﴾ وكان الملك فوق العزيز ﴿ وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ﴾ قال السدي : يعني : لا يصلح عمل الزناة، فلما قال هذا يوسف، قال له جبريل، فيما ذكر من ( همهم ) يا يوسف، فما فعلت السراويل ؟ فقال يوسف :﴿ وما ل أبرئ نفسي... ﴾ الآية.
﴿إِنَّك الْيَوْم لدينا﴾ عندنَا ﴿مكين﴾ فِي الْمنزلَة ﴿امين﴾ مِنَ الأَمَانَةِ، فَوَلاهُ الْمَلِكُ، وَعَزَلَ الْعَزِيز
﴿قَالَ﴾ يُوسُفُ: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ يَعْنِي: أَقْوَاتَ أَرْضِ مِصْرَ ﴿إِنِّي حفيظ﴾ لما وليت ﴿عليم﴾ بِمَا يصلحهم من ميرتهم
﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ﴾ يَعْنِي: أَرْضَ مِصْرَ ﴿يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء﴾ أَيْ: يَنْزِلُ. قَالَ السُّدِّيُّ: بَاعَ مِنْهُمْ قُوتَهُمْ عَامًا بِكُلِّ ذهبٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِكُلِّ فضةٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِكُلِّ نحاسٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِكُلِّ رصاصٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِكُلِّ حديدٍ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ بَاعَهُمْ عَامًا بِرِقَابِ أَنْفُسِهِمْ؛ فَصَارَتْ رِقَابُهُمْ وَأَمْوَالهُمْ كُلُّهَا لَهُ
﴿وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ يَقُولُ: مَا يُعْطِي اللَّهُ فِي الآخِرَةِ أَوْلَيَاءَهُ خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٥٨) إِلَى الْآيَة (٦٥).
﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ فأنزلهم وَأكْرمهمْ
﴿فَلَمَّا جهزهم بجهازهم﴾ مِنَ الْمِيرَةِ ﴿قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لكم من أبيكم﴾ قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ بِنْيَامِينُ أَخُو يُوسُف من أَبِيه وَأمه
﴿وَقَالَ لفتيانه﴾ يَعْنِي غِلْمَانِهِ ﴿اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رحالهم﴾ أَيْ: دَرَاهِمَهُمْ فِي مَتَاعِهِمْ ﴿لَعَلَّهُمْ يرجعُونَ﴾ يَقُولُ: إِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِمْ بِضَاعَتُهُمْ، كَانَ أَحْرَى أَنْ يَرْجِعُوا إِلَيَّ
﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ منا الْكَيْل﴾ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ؛ إِنْ لَمْ نَأْتِهِ بأخينا
﴿ونمير أهلنا﴾ إِذَا أَرْسَلْتَهُ مَعَنَا ﴿وَنَزْدَادُ كَيْلَ بعير﴾ وَكَانَ يُوسُفُ وَعَدَهُمْ - فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ - إِنْ هُمْ جَاءُوا بِأَخِيهِمْ أَنْ يَزِيدَهُمْ حِمْلَ بَعِيرٍ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَالْبَعِيرُ - فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ -: الْحِمَارُ؛ قَالَ: وَهِيَ لغةٌ لِبَعْضِ الْعَرَب ﴿ذَلِك كيل يسير﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: سَرِيعًا لَا حَبْسَ فِيهِ.
قَالَ الْحَسَنُ: وَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ يَأْتُونَهُ لِلْمِيرِ، فَيُحْبَسُونَ الزَّمَان حَتَّى يُكَال لَهُم.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٦٦) إِلَى الْآيَة (٦٨).
﴿إِلَّا أَن يحاط بكم﴾ أَيْ: تُغْلَبُوا عَلَيْهِ.
﴿فَلَمَّا آتَوْهُ موثقهم﴾ عَهْدَهُمْ ﴿قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نقُول وَكيل﴾ أَي: حفيظٌ لهَذَا الْعَهْد.
﴿وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا من بَاب وَاحِد﴾ قَالَ قَتَادَةُ: خَشِيَ عَلَى بَنِيهِ الْعَيْنَ، وَكَانُوا ذَوِي صورةٍ وَجَمَالٍ.
﴿مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شيءٍ إِلا حَاجَةً فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا﴾ يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَة﴾.
قَالَ محمدٌ: (إِلا حَاجَةً) يَعْنِي: لَكِنْ حَاجَةً؛ يَقُولُ: لَوْ قُدِّرَ أَنْ تُصِيبَهُمُ الْعَيْنُ لأَصَابَتْهُمْ وَهُمْ مُفْتَرِقُونَ؛ كَمَا تُصِيبُهُمْ مُجْتَمِعِينَ، لَكِنْ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا.
﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: لِمَا آتَيْنَاهُ من النُّبُوَّة.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٦٩) إِلَى الْآيَة (٧٧).
﴿آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾ أَيْ: ضَمَّهُ ﴿فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَا تَغْتَمَّ بِمَا كَانَ من أَمرك
﴿فَلَمَّا جهزهم بجهازهم﴾ يَعْنِي: الْمِيرَةَ، وَوَفَّى لَهُمُ الْكَيْلُ ﴿جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ﴾ وَالسِّقَايَةُ: إِنَاءُ الْمَلِكِ الَّذِي كَانَ يُسْقَى فِيهِ؛ وَهُوَ الصُّوَاعُ، وَخَرَجَ إِخْوَةُ يُوسُفَ وَأَخُوهُمْ مَعَهُمْ وَسَارُوا ﴿ثمَّ أذن مُؤذن﴾ نَادَى منادٍ.
﴿أيتها العير﴾ يَعْنِي: أَهْلَ الْعِيرِ ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾.
﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ مِنَ الطَّعَامِ ﴿وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ كَفِيل.
﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْله فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ أَيْ: يُؤْخَذُ بِهِ عَبْدًا، وَكَذَلِكَ كَانَ الْحَكْمُ بِهِ عِنْدَهُمْ؛ أَنْ يُؤْخَذَ بِسَرِقَتِهِ عَبْدًا يُسْتَخْدَمُ عَلَى قَدْرِ سَرِقَتِهِ، وَكَانَ قَضَاءُ أَهْلِ مِصْرَ أَنْ يُغَرَّمَ السَّارِقُ ضِعْفَيْ مَا أَخَذَ، ثُمَّ يُرْسَلُ؛ فَقَضَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِقَضَاءٍ أَرْضِهِمْ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لِيُوسُفَ؛ فَذَاكَ قَوْلُهُ: ﴿كَذَلِك كدنا ليوسف﴾ أَيْ: صَنَعْنَا لَهُ ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ أَيْ: عَلَى قَضَاءِ
334
مَلِكِ مِصْرَ [... ] الْقَضَاءُ إِلَيْهِ ﴿إِلا أَن يَشَاء الله﴾.
قَالَ محمدٌ: قِيلَ: يَعْنِي: إِلا بعلة كادها الله لَهُ (ل ١٥٧) اعْتَلَّ بِهَا يُوسُفُ.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي علم عليم﴾ قَالَ الْحَسَنُ: أَجَلْ وَاللَّهِ لَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عليمٌ؛ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعِلْمُ إِلَى الَّذِي جَاءَ بِهِ وَهُوَ اللَّهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ يُوسُفَ مِنْ أَمْرِ أَخِيهِ إِنَّمَا هُوَ شيءٌ قَبِلَهُ عَنِ الله.
335
﴿ كذلك كدنا ليوسف ﴾ أي : صنعنا له ﴿ ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ﴾ أي : على قضاء ملك مصر [. . . . ]١ القضاء إليه ﴿ إلا أن يشاء الله ﴾.
قال محمد : قيل : يعني : إلا بعلة كادها الله له اعتل بها يوسف.
﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾ قال الحسن : أجل والله لفوق كل ذي علم عليم ؛ حتى ينتهي العلم إلى الذي جاء به وهو الله، وكل شيء فعله يوسف من أمر أخيه إنما هو شيء قبله عن الله.
١ مات بين المعكوفين طمس في الأصل..
﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخ لَهُ من قبل﴾ يَعْنُونَ: يُوسُفَ، وَكَانَ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ؛ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: يَا يُوسُفُ، اذْهَبْ فَخُذِ الْقُفَّةَ الَّتِي فِيهَا أَوْثَانُ أَبِي فَفَعَلَ وَجَاءَ بِهَا إِلَى أُمِّهِ، فَتِلْكَ سَرِقَتُهُ الَّتِي أَرَادُوا ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا﴾ مِمَّنْ قُلْتُمْ لَهُ هَذَا، قَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانا﴾ هِيَ الَّتِي أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ وَهَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلامِ ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تصفون﴾ أَي: إِنَّه كذبٌ.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٧٨) إِلَى الْآيَة (٨٣).
﴿قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ يُوسُفَ كَانَ الْعَزِيزَ بَعْدَ الْعَزِيزِ سَيِّدِهِ الَّذِي ملكه.
﴿فَخذ أَحَدنَا مَكَانَهُ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي احْبِسْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ.
﴿فَلَمَّا استيئسوا مِنْهُ﴾ يَئِسُوا مِنْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ أَخَاهُم ﴿خلصوا نجيا﴾ أَيْ: جَعَلُوا يَتَنَاجَوْنَ وَيَتَشَاوَرُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ.
قَالَ محمدٌ: نجي لفظٌ واحدٌ فِي مَعْنَى جَمِيعٍ؛ الْمَعْنَى: اعتزلوا متناجين.
﴿قَالَ كَبِيرهمْ﴾ وَهُوَ رُوبِيلُ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: كَبِيرَهُمْ فِي الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ أَكْبَرَهُمْ فِي السِّنِّ.
﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ﴾ يَعْنِي: أَرْضَ مِصْرَ ﴿حَتَّى يَأْذَنَ لي أبي﴾ فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ ﴿أَوْ يَحْكُمَ الله لي﴾ بِالْمَوْتِ.
﴿وَمَا كُنَّا للغيب حافظين﴾.
قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: مَا كُنَّا نرى أَن يسرق
﴿واسأل الْقرْيَة﴾ أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ ﴿الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ يَعْنِي: أْهَلَ مِصْرَ ﴿وَالْعِيرَ الَّتِي أَقبلنَا فِيهَا﴾ أَي: أهل العير.
﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ﴾ أَي: زينت ﴿أمرا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ يَعْنِي: يُوسُف وأخاه وروبيل.
336
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٨٤) إِلَى الْآيَة (٨٧).
337
﴿وَتَوَلَّى عَنْهُم﴾ أَعْرَضَ عَنْهُمْ ﴿وَقَالَ يَا أَسَفَى على يُوسُف﴾ أَيْ: يَا حُزْنًا ﴿وَابْيَضَّتْ عَيناهُ﴾ أَيْ: عَمِيَ مِنَ الْحُزْنِ، وَقَدْ عَلِمَ بِمَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَنَّ يُوسُفَ حيٌّ، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ حَيْثُ هُوَ ﴿وَهُوَ كظيم﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ: كَمِيدٌ.
قَالَ محمدٌ: (كظيم) هُوَ مِثْلَ كَاظِمٌ، وَالْكَاظِمُ: الْمُمْسِكُ عَلَى حُزْنِهِ لَا يُظْهِرُهُ وَلا يشكوه.
﴿قَالُوا تالله﴾ قسمٌ ﴿تفتأ تذكر يُوسُف﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ ﴿حَتَّى تَكُونَ حرضا﴾ أَيْ: تَبْلَى ﴿أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾ أَيْ: تَمُوتَ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: أحرضه الْحزن إِذا أدقعه.
﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بثي﴾ هَمِّي (وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ من الله مَا لَا
337
تَعْمَلُونَ} قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: أَعْلَمُ أَنَّ يُوسُف حيٌّ
338
﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُف وأخيه﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي تَبْحَثُوا عَنْ خبرهما ﴿وَلَا تيئسوا من روح الله﴾ يَعْنِي: رَحْمَة الله.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٨٨) إِلَى الْآيَة (٩٥).
﴿فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي: رَجَعُوا إِلَى مِصْرَ، فَدَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ ﴿قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز مسنا وأهلنا الضّر﴾ يَعْنِي: الْحَاجَةَ ﴿وَجِئْنَا ببضاعةٍ مزجاةٍ﴾ أَيْ: قَلِيلَةٍ ﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ﴾ ببضاعتنا ﴿وَتصدق علينا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: تَصَدَّقْ عَلَيْنَا بأخينا.
قَوْله: ﴿إِذْ أَنْتُم جاهلون﴾ أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْكُمْ بِجَهَالَةٍ، وَلَمْ يَكُونُوا حِينَ أَلْقَوْهُ فِي الْجب أَنْبيَاء
﴿قَالُوا أئنك لأَنْت يُوسُف﴾ عَلَى الاسْتِفْهَامِ (قَالَ أَنَا يُوسُفُ.
﴿قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ قَالَ محمدٌ: لَا تَعْيِيرَ، وَأَصْلُ
338
التثريب: الْإِفْسَاد.
339
﴿فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا﴾ أَيْ: يَرْجِعُ.
قَالَ: وَلَوْلا أَنَّ ذَلِكَ عِلْمُهُ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ عِلْمٌ.
﴿وَلما فصلت العير﴾ أَيْ: خَرَجَتِ الرُّفْقَةُ مِنْ مِصْرَ بِالْقَمِيصِ وَجَدَ يَعْقُوبُ رِيحَ يُوسُفَ، قَالَ: ﴿إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: وَجَدَ رِيحَهُ حِينَ خَرجُوا (ل ١٥٨) بِالْقَمِيصِ مِنْ مِصْرَ، وَهُوَ بِأَرْضِ كَنْعَانَ، وَبَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ فَرْسَخًا ﴿لَوْلا أَن تفندون﴾ يَقُولُ: لَوْلا أَنْ تَقُولُوا: قَدْ هَرَمَ، وَاخْتَلَطَ عَقْلُهُ؛ فَتُسَفِّهُونِي؛ أَيْ: تجهلوني
﴿قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيم﴾ يَعْنُونَ: خُسْرَانَكَ مِنْ حُبِّ يُوسُفَ.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (٩٦) إِلَى الْآيَة (١٠٣).
﴿قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تعلمُونَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: مِنْ فَرَجِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ أخبرهُ أَنه حيٌّ.
﴿قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ﴾ أخر ذَلِك إِلَى السحر.
﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: أَبُوهُ وَأُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ.
قَالَ محمدٌ: تَقُولُ: آوَيْتُ فُلانًا؛ إِذَا ضَمَمْتَهُ إِلَيْكَ، وَأَوَيْتُ - بِلا مَدٍّ - إِلَى فلانٍ إِذَا انضممت إِلَيْهِ.
﴿وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش﴾ أَيْ: عَلَى سَرِيرِهِ؛ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَة ﴿وخروا لَهُ سجدا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ السُّجُودُ تَحِيَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَأَعْطَى اللَّهُ هَذِهِ الأُمَّةَ السَّلامَ؛ وَهُوَ تَحيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
﴿وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ البدو﴾ وَكَانُوا بِأَرْض كنعان.
﴿توفني مُسلما وألحقني بالصالحين﴾ يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ، قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وَأَقَرَّ عَيْنَهُ، ذَكَرَ الآخِرَةَ فَاشْتَاقَ إِلَيْهَا؛ فَتَمَنَّى [الْمَوْتَ] وَلَمْ يَتَمَنَّهُ نَبِيٌّ قبله.
﴿ذَلِك من أنباء الْغَيْب﴾ يَعْنِي: مَا قُصَّ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ قِصَّتِهِمْ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ ﴿وَمَا كُنْتَ لديهم﴾ عِنْدَهُمْ ﴿إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يمكرون﴾ بِيُوسُف.
340
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (١٠٤) إِلَى الْآيَة (١٠٧).
341
﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ يَعْنِي: عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ أجرٍ، فَيَحْمِلَهُمْ عَلَى تَرْكَهِ الْغُرْمُ ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذكر للْعَالمين﴾ يذكرُونَ بِهِ الْجنَّة وَالنَّار.
﴿وكأين من آيَة﴾ أَيْ: وَكَمْ مِنْ علامةٍ وَدَلِيلٍ ﴿فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ أَي: فِي خلق السَّمَوَات وَالأَرْضِ تَدُلُّهُمْ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ ﴿يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ أَي: لَا يتعظون بهَا.
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وهم مشركون﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قَالَ: إِيمَانُهُمْ أَنَّكَ لَا تَسْأَلُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلا أَنْبَأَكَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ؛ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مشركٌ فِي عِبَادَتِهِ:
﴿أفأمنوا﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ من عَذَاب الله﴾ يَقُولُ هَذَا عَلَى الاسْتِفَهَامِ؛ أَيْ: بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِآمِنِينَ ﴿أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَة بَغْتَة﴾ فَجْأَة ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَيْ: غَافِلُونَ؛ يَعْنِي: الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِم السَّاعَة بِالْعَذَابِ.
سُورَة يُوسُف من الْآيَة (١٠٨) إِلَى الْآيَة (١١١).
﴿قل هَذِه سبيلي﴾ أَيْ: مِلَّتِي ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ على بَصِيرَة﴾ على يَقِين ﴿وَسُبْحَان الله﴾ أَمَرَهُ أَنْ يُنَزِّهَ اللَّهَ عَمَّا قَالَ الْمُشْركُونَ.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقرى﴾ قَالَ الْحَسَنُ: لمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَلا مِنَ النِّسَاءِ، وَلا مِنَ الْجِنِّ.
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قبلهم﴾ يَقُولُ: قَدْ سَارُوا فِي الأَرْضِ، فَرَأَوْا آثَارَ الَّذِينَ أَهْلَكُهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِم، ثمَّ صيرهم إِلَى النَّارِ؛ يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يُنَزِّلَ بِهِمْ مَا نَزَّلَ بِالْقُرُونِ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ خير لَهُم.
﴿حَتَّى إِذا استيئس الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ كَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا بِالتَّثْقِيلِ (كُذِّبُوا) وَتَفْسِيرُهَا: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ؛ أَيْ: يَئِسَ الرُّسُلُ أَنْ يُجِيبَهُمْ قَوْمُهُمْ لشيءٍ قَدْ عَلِمُوهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَظَنُّوا؛ أَيْ: عَلِمُوا؛ يَعْنِي: الرُّسُلَ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، التَّكْذِيبُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ الْقَوْمُ بَعْدَهُ أَبَدًا، اسْتَفْتَحُوا عَلَى قَوْمِهِمْ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ؛ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ فَأَهْلَكَهُمْ.
وَكَانَ ابْنُ عباسٍ يَقْرَؤُهَا (كُذِبُوا) خَفِيفَةً، وَتَفْسِيرُهَا: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ
342
الرُّسُلَ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنْ يُؤْمِنُوا، وَظَنَّ قَوْمَهُمْ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ كذبُوا ﴿جَاءَهُم نصرنَا﴾ عذابنا.
﴿فنجي من نشَاء﴾ يَعْنِي: النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ ﴿وَلا يُرَدُّ بأسنا﴾ عذابنا ﴿عَن الْقَوْم الْمُجْرمين﴾ الْمُشْركين.
343
﴿لقد كَانَ فِي قصصهم﴾ يَعْنِي: يُوسُف وَإِخْوَته ﴿عِبْرَة﴾ مُعْتَبر ﴿لأولي الْأَلْبَاب﴾ الْعُقُولِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
﴿مَا كَانَ حَدِيثا يفترى﴾ أَيْ: يُخْتَلَقُ وَيُصْنَعُ؛ هَذَا جَوَابٌ لقَوْل الْمُشْركين: (ل ١٥٩) ﴿إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ﴾ أَيْ: كذبٌ اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ.
﴿وَلَكِنْ تَصْدِيق الَّذين بَين يَدَيْهِ﴾ من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿وتفصيل﴾ أَي: تَبْيِين ﴿كل شيءٍ﴾ مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ وَالأَحْكَامِ.
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ ﴿تَصْدِيق﴾ بِالنَّصْبِ، فَعَلَى مَعْنَى مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى، وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.
﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿لقوم يُؤمنُونَ﴾ يُصَدِّقُونَ.
343
تَفْسِيرُ سُورَةِ الرَّعْدِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا إِلا آيَةً وَاحِدَةً وَهِيَ ﴿وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا﴾ إِلَى آخرهَا.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (١) إِلَى الْآيَة (٣).
344
سورة يوسف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (يوسُفَ) مِن السُّوَر المكية، وقد كان لها من اسمها الحظُّ الأكبر؛ فقد قامت السورةُ بأكملها على سرد قصة (يوسف) بالتفصيل، ولا يوجد في القرآن نظيرٌ لهذا السردِ والاختصاص؛ أن تَختصَّ سورةٌ بذكرِ قصة نبيٍّ من الأنبياء، وتُسمَّى باسمه. وقد بيَّنت هذه السورةُ قواعدَ التمكين في الأرض، ومُلئت بالعِبَر والعظات المستخلَصة من قصة يوسف؛ فهي مثال يحتذى في الصبر، والتحلِّي بمكارم الأخلاق، والخوف من الله في السِّر والعلن، وصِدْقِ التوكل على الله؛ فهو الذي بيده مقاليدُ كل شيء.

ترتيبها المصحفي
12
نوعها
مكية
ألفاظها
1794
ترتيب نزولها
53
العد المدني الأول
111
العد المدني الأخير
111
العد البصري
111
العد الكوفي
111
العد الشامي
111

* قوله تعالى: {الٓرۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ اْلْكِتَٰبِ اْلْمُبِينِ} [يوسف: 1] إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اْلْقَصَصِ} [يوسف: 3]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال : «أُنزِلَ القرآنُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتلا عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو قصَصْتَ علينا؛ فأنزَلَ اللهُ: {الٓرۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ اْلْكِتَٰبِ اْلْمُبِينِ} [يوسف: 1] إلى قولِه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اْلْقَصَصِ} [يوسف: 3]، فتلاها عليهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو حدَّثْتَنا؛ فأنزَلَ اللهُ: {اْللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ اْلْحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا} [الزمر: 23]». أخرجه ابن حبان (٦٢٠٩).

* سورة (يوسُفَ):

وسببُ تسميةِ سورة (يوسُفَ) بهذا الاسمِ واضحٌ جليٌّ؛ فإنَّ قصةَ (يوسُفَ) هي موضوعها الرئيسُ.

جاء الموضوع الرئيسُ للسورة عن قصَّة (يوسف) عليه السلام على التفصيل الآتي:

1. من أدلة إعجاز القرآن الكريم (١-٣).

2. رؤيا يوسف عليه السلام (٤-٦).

3. تآمُرُ إخوته عليه عليه السلام (٧-١٨).

4. محنة يوسف عليه السلام في مصر (١٩- ٣٤).

5. محنة يوسف عليه السلام في السِّجن (٣٥-٥٣).

6. تسلُّمُه عليه السلام الحُكْمَ بعد السجن (٥٤- ٥٧).

7. لقاؤه عليه السلام مع إخوته مرة ثانية (٥٩- ٩٨).

8. لقاء العائلة (٩٩-١٠٢).

9. تعقيبات على القصة (١٠٣- ١١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /503).

لم تأتِ قصةُ (يوسف) عليه السلام لمجردِ السَّرد والتسلية؛ إنما جاءت للعِبْرة والعِظة في كثيرٍ من الأمور؛ من ذلك: لطفُ الله بمَن يصطفيه من عباده، والاقتداءُ بصبر الأنبياء - مثل: يعقوب ويوسف عليهما السلام - على البلوى، وكيف تكون لهم العاقبةُ؛ ليَتسلَّى بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكلُّ من سار بطريق الدعوة، كما أبانت السورةُ عن قواعدِ التمكين في الأرض، وما تخلَّلَ ذلك من الحكمة في أقوال الصالحين؛ كقوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اْلْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]، وقوله: {إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ اْلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].

ينظر " التحرير والتنوير" لابن عاشور (12 /200)

(صَبَا مَا صَبَا حَتَّى عَلا الشَّيْبُ رَأْسَهُ فَلَمَّا عَلاهُ قَالَ لِلْبَاطِلِ أبعد}