ﰡ
أحدهما : إنا أنزلنا الكتاب قرآناً عربياً بلسان العرب، وهو قول الجمهور. الثاني : إنا أنزلنا خبر يوسف قرآناً، أي مجموعاً عربياً أي يعرب عن المعاني بفصيح من القصص وهو شاذ.
﴿ لعلكم تعقلون ﴾.
(............... ترى الأكم فيه سُجّداً للحوافر)
(وللأحبة أيام تذكّرُها | وللنوى قبل يوم البيْن تأويل) |
(ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالثٍ | إلى ذاك ما قد غيبتني غيابيا) |
(لئن كنت في جب ثمانين قامة | ورقيت أسباب السماء بسلم) |
﴿ ونحن عصبة ﴾ وفي العصبة أربعة أقاويل :
أحدها : أنها ستة أو سبعة، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أنها من عشرة إلى خمسة عشر، قاله مجاهد.
الثالث : من عشرة إلى أربعين، قاله قتادة
الرابع : الجماعة، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ إن أبانا لفي ضلال مبين ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لفي خطأ من رأيه، قاله ابن زيد.
الثاني : لفي جور من فعله، قاله ابن كامل.
الثالث : لفي محبة ظاهرة، حكاه ابن جرير.
وإنما جعلوه في ضلال مبين لثلاثة أوجه :
أحدها : لأنه فضّل الصغير على الكبير.
الثاني :[ لأنه فضل ] القليل على الكثير.
الثالث :[ لأنه فضل ] من لا يراعي ما له على من يراعيه.
واختلف فيهم هل كانوا حينئذ بالغين ؟ فذهب قوم إلى أنهم كانوا بالغين مؤمنين ولم يكونوا أنبياء بعد لأنهم قالوا :﴿ يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ﴾ وهذه حالة لا تكون إلا من بالغ، وقال آخرون : بل كانوا غير بالغين لأنهم قالوا :﴿ أرسله معنا غداً نرتع ونلعب ﴾١ وإنما استغفروه بعد البلوغ.
الثاني : ليبعد عن أبيه.
﴿ يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم أرادوا صلاح الدنيا لا صلاح الدين، قاله الحسن.
الثاني : أنهم أرادوا صلاح الدين بالتوبة، قاله السدي.
ويحتمل ثالثاً : أنهم أرادوا صلاح الأحوال بتسوية أبيهم بينهم من غير أثرة ولا تفضيل. وفي هذا دليل على أن توبة القاتل مقبولة لأن الله تعالى لم ينكر هذا القول منهم.
أحدها : أنه روبيل وهو أكبر إخوة يوسف وابن خالته، قاله قتادة.
الثاني : أنه شمعون، قاله مجاهد.
الثالث : أنه يهوذا، قاله السدي.
﴿ وألقُوه في غيابة الجُبِّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني قعر الجب وأسفله.
الثاني : ظلمه الجب التي تغيّب عن الأبصار ما فيها، قاله الكلبي. فكان رأس الجب ضيقاً وأسفله واسعاً.
أحدهما : لأنه يغيب فيه خبره. وفي تسميته
﴿ غيابة الجب ﴾ وجهان :
الثاني : لأنه يغيب فيه أثره، قال ابن أحمر١ :
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالثٍ | إلى ذاك ما قد غيبتني غيابيا |
أحدهما : أنه اسم بئر في بيت المقدس، قاله قتادة.
الثاني : أنه بئر غير معينة، وإنما يختص بنوع من الآبار. قال الأعشى :
لئن كنت في جب ثمانين قامة | ورقيت أسباب السماء بسلّم |
أحدهما : أنه ما عظم من الآبار سواء كان فيه ماء أو لم يكن.
الثاني : أنه ما لا طيّ له من الآبار، قاله الزجاج. وقال : سميت جبًّا لأنها قطعت في الأرض قطعاً ولم يحدث فيها غير القطع.
﴿ يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين ﴾ معنى يلتقطه يأخذه، ومنه اللقطة لأنها الضالة المأخوذة.
وفي ﴿ السيارة ﴾ قولان :
أحدهما : أنهم المسافرون سُموا بذلك لأنهم يسيرون.
الثاني : أنهم مارة الطريق، قاله الضحاك.
(راحت بمسلمة البغالُ مودعاً | فارعي فزارة لا هناك المرتع) |
(أكُفراً بعد رَدّ الموت عنّي | وبعد عطائك المائة الرِّتاعا) |
أحدها : نلهو ونلعب١، قاله الضحاك.
الثاني : نسعى وننشط، قاله قتادة.
الثالث : نتحارس فيحفظ بعضنا بعضاً ونلهو، قاله مجاهد.
الرابع : نرعى ونتصرف، قاله ابن زيد، ومنه قول الفرزدق.
راحت بمسلمة البغالُ مودعاً | فارعي فزارة لا هناك المرتع |
أكُفراً بعد رَدّ الموت عنّي | وبعد عطائك المائة الرِّتاعا |
ولم ينكر عليهم يعقوب عليه السلام اللعب لأنهم عنوا به ما كان مباحاً.
٢ هو القطامي واسمه عمير بن شييم وهو ابن أخت الأخطل. من قصيدة له يمدح فيها زفر بن الحارث الكلابي. انظر شرح ابن عقيل وشرح الأشموني على ألفيه ابن مالك..
أحدها : معناه ننتضل، من السباق في الرمي، قاله الزجاج.
الثاني : أنهم أرادوا السبق بالسعي على أقدامهم.
الثالث : أنهم عنوا استباقهم في العمل الذي تشاغلوا به من الرعي والاحتطاب.
الرابع : أي نتصيد وأنهم يستبقون على اقتناص الصيد.
﴿ وتركنا يوسف عند متاعنا ﴾ يحتمل أن يعنوا بتركه عند متاعهم إظهار الشفقة عليه، ويحتمل أن يعنوا حفظ رحالهم.
﴿ فأكله الذئب ﴾ لما سمعوا أباهم يقول : وأخاف أن يأكله الذئب أخذوا ذلك من فيه وتحرّموا به لأنه كان أظهر المخاوف عليه.
﴿ وما أنت بمؤمن لنا ﴾ أي بمصدق لنا.
﴿ ولو كنا صادقين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه لم يكن ذلك منهم تشكيكاً لأبيهم في صدقهم وإنما عنوا : ولو كنا أهل صدق ما صدقتنا، قاله ابن جرير.
الثاني : معناه وإن كنا قد صدقنا، قاله ابن إسحاق.
قال الحسن : لما جاءُوا بقميص يوسف فلم ير يعقوب فيه شقاً قال : يا بني والله ما عهدت الذئب حليماً أيأكل ابني ويبقي على قميصه. ومعنى قوله :﴿ بدم كذب ﴾ أي مكذوب فيه، ولكن وصفه بالمصدر فصار تقديره بدم ذي كذب.
وقرأ الحسن :﴿ بدم كذب ﴾ بالدال غير معجمة، ومعناه١ بدم متغير، قاله الشعبي.
وفي القميص ثلاث آيات٢ : حين جاءُوا عليه بدم كذب، وحين قُدَّ قميصه من دُبر، وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيراً.
﴿ قال بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بل أمرتكم أنفسكم، قاله ابن عباس.
الثاني : بل زينت لكم أنفسكم أمراً، قاله قتادة.
وفي ردّ يعقوب عليهم وتكذيبه لهم ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كان ذلك بوحي من الله تعالى إليه بعد فعلهم.
الثاني : أنه كان عنده علم بذلك قديم أطلعه الله عليه.
الثالث : أنه قال ذلك حدساً بصائب رأيه وصدق ظنه.
قال ترضية لنفسه :﴿ فصبر جميل ﴾ فاحتمل ما أمر به نفسه من الصبر وجهين : أحدهما : الصبر على مقابلتهم على فعلهم فيكون هذا الصبر عفواً عن مؤاخذتهم.
الثاني : أنه أمر نفسه بالصبر على ما ابتُلي به من فقد يوسف.
وفي قوله :﴿ فصبرٌ جميل ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه بمعنى أن من الجميل أن أصبر.
الثاني : أنه أمر نفسه بصبر جميل.
وفي الصبر الجميل وجهان : أحدهما : أنه الصبر الذي لا جزع فيه، قاله مجاهد.
الثاني : أنه الصبر الذي لا شكوى فيه.
روى حباب٣ بن أبي حبلة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى :﴿ فصبر جميل ﴾ فقال :" صبر لا شكوى فيه، ومن بث لم يصبر ".
﴿ والله المستعان على ما تصفون ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : والله المستعان على الصبر الجميل.
الثاني : والله المستعان على احتمال ما تصفون.
الثالث : يعني على ما تكذبون، قاله قتادة.
قال محمد بن إسحاق : ابتلى الله يعقوب في كبره، ويوسف في صغره، لينظر كيف عزمهما.
٢ نقل القرطبي قول المؤلف في آيات القميص انظر تفسير القرطبي ٩/١٤٩ حيث يقول وهذا مردود لأن القمصان مختلفة. أي أنه كان في كل حالة من الحالات الثلاث قميص مختلف..
٣ حباب بن أبي حبلة: هكذا جاء في الأصول، وفي تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر قال أخرجه الطبري من طريق حيان بن أبي حثلة، وهذا مرسل..
(وشريت برداً ليتني... من بعدِ بُرْدٍ كنت هامه)
واسم البيع والشراء يطلق على كل واحد من البائع والمشتري لأن كل واحد منهما بائع لما في يده مشتر لما في يد صاحبه. وفي بائعه قولان: أحدهما: أنهم إخوته باعوه على السيارة حين أخرجوه من الجب فادّعوه عبداً، قاله ابن عباس والضحاك ومجاهد. الثاني: أن السيارة باعوه عن ملك مصر، قاله الحسن وقتادة. ﴿بثمن بخس﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن البخس ها هنا الحرام، قاله الضحاك، قال ابن عطاء: لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها فكان ثمنه وإن جَلّ بخساً، وما هو وإن باعه أعداؤه بأعجب منك في بيع نفسك بشهوةٍ ساعةٍ من معاصيك. الثاني: أنه الظلم، قاله قتادة. الثالث: أنه القليل، قاله مجاهد والشعبي. ﴿دراهم معدودة﴾ اختلف في قدرها على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه بيع بعشرين درهماً اقتسموها وكانوا عشرة فأخذ كل واحد منهم درهمين، قاله ابن مسعود وابن عباس وقتادة وعطية والسدي. الثاني: باثنين وعشرين درهماً، كانوا أحد عشر فأخذ كل واحد درهمين، قاله مجاهد. الثالث بأربعين
وشريت برداً ليتني *** من بعدِ بُرْدٍ كنت هامه
واسم البيع والشراء يطلق على كل واحد من البائع والمشتري لأن كل واحد منهما بائع لما في يده مشتر لما في يد صاحبه.
وفي بائعه قولان :
أحدهما : أنهم إخوته باعوه على السيارة حين أخرجوه من الجب فادّعوه عبداً٢، قاله ابن عباس والضحاك ومجاهد.
الثاني : أن السيارة باعوه عن ملك مصر، قاله الحسن وقتادة.
﴿ بثمن بخس ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن البخس ها هنا الحرام، قاله الضحاك، قال ابن عطاء : لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها فكان ثمنه وإن جَلّ بخساً، وما هو وإن باعه أعداؤه بأعجب منك في بيع نفسك بشهوةٍ ساعةٍ من معاصيك.
الثاني : أنه الظلم، قاله قتادة.
الثالث : أنه القليل، قاله مجاهد والشعبي.
﴿ دراهم معدودة ﴾ اختلف في قدرها على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه بيع بعشرين درهماً اقتسموها وكانوا عشرة فأخذ كل واحد منهم درهمين، قاله ابن مسعود وابن عباس وقتادة وعطية والسدي.
الثاني : باثنين وعشرين درهماً، كانوا أحد عشر فأخذ كل واحد درهمين، قاله مجاهد.
الثالث : بأربعين درهما، قاله عكرمة وابن إسحاق.
وكان السدي يقول : اشتروا بها خفافاً ونِعالاً.
وفي قوله تعالى :﴿ دراهم معدودة ﴾ وجهان :
أحدهما : معدودة غير موزونة لزهدهم فيه.
الثاني : لأنها كانت أقل من أربعين درهماً، وكانوا لا يَزِنُون أقل من أربعين درهماً، لأن أقل الوزن عندهم كان الأوقية، والأوقية أربعون درهماً.
﴿ وكانوا فيه من الزاهدين ﴾ وفي المعنيّ بهم قولان :
أحدهما : أنهم إخوة يوسف كانوا فيه من الزاهدين حين صنعوا به ما صنعوا.
الثاني : أن السيارة كانوا فيه من الزاهدين حين باعوه بما باعوه به.
وفي زهدهم فيه وجهان :
أحدهما : لعلمهم بأنه حرٌّ لا يبتاع.
الثاني : أنه كان عندهم عبداً فخافوا أن يظهر عليه مالكوه فيأخذوه.
وفيه وجه ثالث : أنهم كانوا في ثمنه من الزاهدين لاختبارهم له وعلمهم بفضله، وقال عكرمة أعتق يوسف حين بيع.
العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامه.
٢ قيل أن يهوذا أخا يوسف رأي من بعيد أن يوسف أخرج من الجب فأخبر إخوته، فجاؤوا وباعوه من الواردة. وقيل بل عادوا بعد ثلاث إلى البئر يتعرفون الخبر فرأوا أثر السيارة فاتبعوهم وقالوا: هذا عبدنا أبق منا فباعوه منهم.
.
(أريد ثواءً عندها وأظُنُّها | إذا ما أطَلْنا عندها المكث ملَّت) |
(أخو خمسين مجتمع أشُدّي | وتجذّني مداورة الشئون) |
أحدها : ببلوغ الحلم، قاله الشعبي وربيعة وزيد بن أسلم.
الثاني : ثماني عشرة سنة، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : عشرون سنة، قاله٢ ابن عباس والضحاك.
الرابع : خمس وعشرون سنة، قاله عكرمة٣.
الخامس : ثلاثون سنة، قاله السدي.
السادس : ثلاث وثلاثون سنة. قاله الحسن ومجاهد وقتادة.
هذا أول الأشد، وفي آخر الأشد قولان :
أحدهما : أنه أربعون سنة، قاله الحسن. الثاني : أنه ستون سنة، حكاه ابن جرير الطبري، وقال سُحَيْم بن وثيل الرياحي٤ :
أخو خمسين مجتمع أشُدّي | وتجذّني مداورة الشئون٥ |
أحدهما : عشرون سنة، قاله الضحاك.
الثاني : ثلاثون سنة، وهو قول مجاهد.
﴿ آتيناه حكماً وعلماً ﴾ في هذا الحكم الذي آتاه خمسة أوجه :
أحدها : العقل، قاله مجاهد.
الثاني : الحكم على الناس.
الثالث : الحكمة في أفعاله.
الرابع : القرآن، قاله سفيان.
الخامس : النبوة، قاله السدي. وفي هذا العلم الذي آتاه وجهان :
أحدهما : الفقه، قاله مجاهد.
الثاني : النبوة، قاله ابن أبي نجيح.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أنه العلم بتأويل الرؤيا.
﴿ وكذلك نجزي المحسنين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : المطيعين.
الثاني : المهتدين، قاله ابن عباس.
والفرق بين الحكيم والعالم أن الحكيم هو العامل بعلمه، والعالم هو المقتصر على العلم دون العمل.
٢ سقط من ك..
٣ وبه قال أبو حنيفة..
٤ شاعر خنديد شريف مشهور الأمر في الجاهلية والإسلام، جيد الموضع في قومه، غلبت عليه البداوة والخشونة. تناحر (تباري في نحر الذبائح) مع غالب بن معصمة أبي الفرزدق بالكوفة أيام على بن أبي طالب وهو القائل:
أن ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني..
٥ رجل منجد بالدال والدال: جرب الأمور وعرفها وأحكمها. ومداورة الشؤون: مداولة الأمور ومعالجتها..
(قد رابني أن الكرى أسكتا | لو كان معنياً بها لهيتا) |
(هممت بهمِّ من بثينة لو بدا | شفيت غليلات الهوى من فؤاديا) |
(لعمرك إنما خطئي وصوبي | عليّ وإنما أهلكت مالي) |
﴿ وشهد شاهد من أهلها ﴾ لأنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد يعلم به صدق الصادق منهما من الكاذب، فشهد شاهد من أهلها، أي حكم حاكم من أهلها لأنه حكم منه وليس شهادة.
وفيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه صبي أنطقه الله تعالى في مهده، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن وسعيد بن جبير والضحاك.
الثاني : أنه خلق من خلق الله تعالى ليس بإنس ولا جن، قاله مجاهد.
الثالث : أنه رجل حكيم من أهلها، قاله قتادة. قال السدي وكان ابن عمها.
الرابع : أنه عنى شهادة القميص المقدود، قاله مجاهد أيضاً.
﴿ إن كان قميصُه قد مِن قُبل فصدقت وهو من الكاذبين ﴾
وهذه إحدى الآيات الثلاث في قميصه : إن كان قُدَّ من دبر فكان فيه دليل على صدقه، وحين جاءوا على قميصه بدم كذب، وحين ألقي على وجه أبيه فارتدّ بصيراً.
وفي الكيد هما وجهان :
أحدهما : يعني به كذبها عليه.
الثاني : أنه أراد السوء الذي دعته إليه.
وفي قائل ذلك قولان :
أحدهما : أنه الزوج، قاله محمد بن إسحاق.
الثاني : أنه الشاهد، حكاه علي بن عيسى.
أحدهما : أعرض عن هذا الأمر، قال قتادة : على وجه التسلية له في ارتفاع الإثم.
الثاني : أعرض عن هذا القول، قاله ابن زيد على وجه التصديق له في البراءة من الذنب.
﴿ واستغفري لذنبك ﴾ هذا قول الملك لزوجه [ وهو القائل ] ليوسف [ أعرض عن هذا ]. وفيه قولان :
أحدهما : أنه لم يكن غيوراً فلذلك كان ساكتاً.
الثاني : أن الله تعالى سلبه الغيرة وكان فيه لطف بيوسف حتى كفى بادرته وحلم عنها فأمرها بالاستغفار من ذنبها توبة منه وإقلاعاً عنه١.
﴿ إنك كنت من الخاطئين ﴾ يعني من المذنبين، يقال لمن قصد الذنب خَطِىءَ، ولمن لم يقصده أخطأ، وكذلك في الصوب والصواب، قال الشاعر٢ :
لعمرك إنما خطئي وصوبي٣ | عليّ وإنما أهلكت مالي |
٢ الصوب والصواب بمعنى واحد هنا.
ومن معاني الصوب الجهة. والبيت لاوس بن غلفاء وروايته في اللسان:
دعيني إنما خطئي وصـــوبي على وإنما أهلكت مالــي
وقبله: إلا قالت أمامة يوم غول تقطع بابن غلفاء الحبال.
٣ في ك: الحيوان وهو خطأ..
(درة غاص عليها تاجر | جلبت عند عزيز يوم طل) |
(فلا وجْدَ إلا دُون وجْدٍ وجَدته | أصاب شغافَ القلب والقلبُ يشغف) |
(نشرب الإثم بالصُّواع جهارا | وترى المتك بيننا متسعارا) |
(نأتي النساء على أطهارهن ولا | نأتي النساء إذا أكبرن إكباراً) |
نشرب الإثم بالصُّواع جهارا | وترى المتك٤ بيننا متسعارا |
الثالث : أنه كل ما يجز بالسكين وهو قول عكرمة لأنه في الغالب يؤكل على متكأ.
الرابع : أنه كل الطعام والشراب على عمومه، وهو قول سعيد بن جبير وقتادة.
﴿ وآتت كلَّ واحدة منهن سكيناً وقالت اخرج عليهن ﴾ وإنما دفعت ذلك إليهن في الظاهر معونة على الأكل، وفي الباطن ليظهر من دهشتهن ما يكون شاهداً عليهن. قال الزجاج : كان [ يوسف ] كالعبد لها فلم تمكنه أن يخرج إلا بأمرها.
﴿ فلما رأينه أكبرنه ﴾ وفيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه أعظمنه، قاله ابن عباس.
الثاني : معناه وجدن شأنه في الحسن والجمال كبيراً، قال ابن بحر.
الثالث : معناه : حضن عند رؤيته، وهو قول رواه عبد الصمد بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس٥.
وقيل : إن المرأة إذا جزعت أو خافت حاضت، وقد يسمى الحيض إكباراً، قال الشاعر :
نأتي النساء على أطهارهن ولا | نأتي النساء إذا أكبرن إكباراً٦ |
وفي قطع أيديهن وجهان :
أحدهما : أنهن قطعن أيديهن حتى بانت.
الثاني : أنهن جرحن أيديهن حتى٧ دميت، من قولهم قطع فلان يده إذا جرحها.
﴿ وقلن حاش لله ﴾ بالألف في قراءة أبي عمرو ونافع في رواية الأصمعي وقرأ الباقون حاش لله بإسقاط الألف، ومعناهما واحد.
وفي تأويل ذلك وجهان :
أحدهما : معاذ الله، قاله مجاهد.
الثاني : معناه سبحان الله، قاله ابن شجرة.
وفي أصله وجهان : أحدهما : أنه مأخوذ من قولهم كنت في حشا فلا أي في ناحيته٨.
والثاني : أنه مأخوذ من٩ قولهم حاش فلاناً أي اعزله في حشا يعني في ناحية. ﴿ ما هذا بشراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما هذا أهلاً للمباشرة.
الثاني : ما هذا من جملة البشر. وفيه وجهان :
أحدهما : لما علمهن من عفته وأنه لو كان من البشر لأطاعها.
الثاني : لما شاهدن من حسنه البارع وجماله البديع ﴿ إن هذا إلا ملك كريم ﴾ وقرئ ما هذا بشراً ( بكسر الباء والشين ) أي ما هذا عبداً مشترى إن هذا إلا ملك كريم، مبالغة١٠ في تفضيله في جنس الملائكة تعظيماً لشأنه.
٢ قال الفراء: حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المتك مخففا هو الزماوود. والزماورد الرقاق محشو باللحم وغيره وقيل هو شيء يشبه الأترج..
٣ الأترج أو الترنج ثمر من حنس الليمون يستعمل في صنع الحلوى ويزرع شجره على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، والعامة في سورية وفلسطين تسميه الكباد..
٤ رواية اللسان المشك. وقاله رجل في مجلس أبي العباس (اللسان ـ إثم)..
٥ أنكر أبو عبيدة وغيره هذا القول وقالوا ليس ذلك في كلام العرب.
وقال الزجاج: يقال أكبرنه ولا يقل حضنه فليس الإكبار هنا بمعنى الحيض. وقيل أكبرنه بمعنى أمنين وأمذين من الدهش..
٦ لم ينسبه اللسان..
٧ هذا الوجه هو الأرجح والعقل يؤيده..
٨ سقط من ق..
٩ سقط من ك..
١٠ من هنا إلى بيت الشعر: وهند مثلها يصبى سقط من ق..
ويحتمل وجهين :
أحدهما : أنه أراد امرأة العزيز فيما دعته إليه من الفاحشة وكنى عنها بخطاب الجمع إما تعظيماً لشأنها في الخطاب وإما ليعدل عن التصريح إلى التعريض.
الثاني : أنه أراد بذلك جماعة النسوة اللاتي قطعن أيديهن حين شاهدنه لاستحسانهن له واستمالتهن لقلبه١.
﴿ وإِلاَّ تصرف عني كيدهن ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ما دعي إليه من الفاحشة إذا أضيف ذلك إلى امرأة العزيز.
الثاني : استمالة قلبه إذا أضيف ذلك إلى النسوة.
﴿ أصْبُ إِليهن ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أتابعهن، قاله قتادة.
الثاني : أمل إليهن، ومنه قول الشاعر :
إلى هند صبا قلبي *** وهند مثلها يصبي٢
٢ البيت لزيد بن ضبة..
ويحتمل وجهاً آخر ذلك من فضل الله علينا في أن برأنا من الزنا، وعلى الناس من أن خلصهم من مأثم القذف.
أحدها : ذلك الدين المستقيم، قاله السدي. الثاني : الحساب البيّن، قاله مقاتل بن حيان.
الثالث : يعني القضاء الحق، قاله ابن عباس.
٨٩ (كضغث حلم عُزَّ منه حالمُه.} ٩
وروى هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب). وفي تقارب الزمان وجهان: أحدهما: أنه استواء الليل والنهار لأنه وقت اعتدال تنفتق فيه الأنوار وتطلع فيه الثمار فكان أصدق الزمان في تعبير الرؤيا. الثاني: أنه آخر الزمان وعند انتهاء أمده. والأضغاث جمع واحده ضغث والضغث الحزمة من الحشيش المجموع بعضه إلى بعض وقيل هو ملء الكف، ومنه قوله تعالى: ﴿خذ بيدك ضغثاً﴾ وقال ابن مقبل.
(خَوْذٌ كَأَنَّ فِرَاشَهَا وُضِعَتْ بِهِ | أَضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالِ) |
(صادياً يستغيث غير مغاث | ولقد كان عُصْرَة المنجود) |
(لو كان في أملاكنا ملك | يعصر فينا مثل ما تعصر) |
أحدها : يعني أخلاط أحلام، قاله معمر وقتادة.
الثاني : ألوان أحلام، قاله الحسن.
الثالث : أهاويل أحلام١، قاله مجاهد.
الرابع : أكاذيب أحلام، قاله الضحاك.
وفيه خامس : شبهة أحلام، قاله ابن عباس.
قال أبو عبيدة : الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا، ومنه قول الشاعر :
كضغث حلم عُزَّ منه حالمُه٢. ***
وروى هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب " ٣.
وفي تقارب الزمان وجهان :
أحدهما : أنه استواء الليل والنهار لأنه وقت اعتدال تنفتق فيه الأنوار وتطلع فيه الثمار فكان أصدق الزمان في تعبير الرؤيا.
الثاني : أنه آخر الزمان وعند انتهاء أمده٤.
والأضغاث جمع واحده ضغث والضغث الحزمة من الحشيش المجموع بعضه إلى بعض وقيل هو ملء الكف، ومنه قوله تعالى :﴿ خذ بيدك ضغثاً ﴾ وقال ابن مقبل.
خَوْذٌ كَأَنَّ فِرَاشَهَا وُضِعَتْ بِهِ | أَضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالِ٥ |
﴿ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ﴾ فدل ذلك على أنه ليس التأويل الأول مما تؤول به الرؤيا هو الحق المحكوم به لأن يوسف عرفهم تأويلها بالحق، وإنما قال يوسف للغلامين ﴿ قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ﴾ لأنه منه نذير نبوة. ويجوز أن يكون الله تعالى صرف هؤلاء عن تفسير هذه الرؤيا لطفاً بيوسف ليتذكر الذي نجا منهما حاله فتدعوهم الحاجة إليه فتكون سبباً لخلاصه.
٢ لم أعثر على البيت بتمامه..
٣ رواه الستة إلا النسائي وأبو داود، كما رواه الدارمي..
٤ سقط من ق..
٥ الخود: الفتاة الشابة الحسنة الخلق وقيل الجارية الناعمة، والجمع خود وخودات ولا فعل له..
أحدها : يعني بعد حين، قاله ابن عباس.
الثاني : بعد نسيان، قاله عكرمة.
الثالث : بعد أمة من الناس، قاله الحسن.
قال الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة وجمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة.
وقرئ ﴿ وادّكر بعد أمَةٍ ﴾ بفتح الألف وتخفيف الميم، والأمه : بالتخفيف النسيان١.
﴿ أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ﴾ أي أخبركم بمن عنده علم بتأويله ثم لم يذكره لهم.
قال ابن عباس : لم يكن السجن بالمدينة فانطلق إلى يوسف حين أذن له وذلك بعد أربع سنين بعد فراقه.
أحدهما : لصدقه في تأويل رؤياهما.
الثاني : لعلمه بنبوته. والفرق بين الصادق والصديق أن الصادق في قوله بلسانه، والصديق من تجاوز صدقه لسانه إلى صدق أفعاله في موافقة حاله لا يختلف سره وجهره، فصار كل صدّيق صادقاً وليس كل صادق صدّيقاً٢.
﴿ أفتنا في سبع بقرات سمان ﴾ قال قتادة : هي السنون المخصبات.
﴿ يأكلهن سبع عجافٌ ﴾ قال قتادة : هي السنون المجدبات.
﴿ وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات ﴾ والخضر الخصب لأن الأرض بنباتها خضراء، واليابسات هي الجدب لأنّ الأرض فيه يابسة، كما أن ماشية الخصب سمان، وماشية الجدب عجاف.
﴿ لعلي أرجع إلى الناس ﴾ أي لكي أرجع إلى الناس وهو الملك وقومه، ويحتمل أن يريد الملك وحده فعبر عنه بالناس تعظيماً له.
﴿ ولعلهم يعلمون ﴾ لأنه طمع أن يعلموا وأشفق أن لا يعلموا، فلذلك قال :﴿ لعلهم يعلمون ﴾ يعني تأويلها. ولم يكن ذلك منه شكاً في علم يوسف. لأنه قد وقر في نفسه علمه وصدقه، ولكن تخوف أحد أمرين إما أن تكون الرؤيا كاذبةً، وإما ألاّ يصدقوا تأويلها لكراهتهم له فيتأخر الأمر إلى وقت العيان.
٢ سقط من ق..
أحدهما : يعني تباعاً متوالية.
الثاني : يعني العادة المألوفة في الزراعة.
﴿ فما حصدتم فذروه في سُنْبُلهِ إلا قليلاً مما تأكلون ﴾ يعني فيخرج من سنبله لأن ما في السنبل مدخر لا يؤكل، وهذا القول منه أمر، والأول خبر، ويجوز لكونه نبياً أن يأمر بالمصالح، ويجوز أن يكون القول الأول أيضاً أمراً وإن كان الأظهر منه أنه خبر.
وحكى زيد بن أسلم عن أبيه أن يوسف كان يصنع طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه ويدع نصفه، حتى إذا كان يوماً قربه له فأكله كله، فقال يوسف : هذا أول يوم السبع الشداد.
﴿ يأكلن ما قدمتم لهن ﴾ يعني تأكلون فيهن ما ادخرتموه لهن.
﴿ إلا قليلاً مما تحصنون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مما تدخرون، قاله قتادة.
الثاني : مما تخزنون في الحصون.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : إلا قليلاً مما تبذرون لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات١.
أحدهما : يغاثون بنزول الغيث، قاله ابن عباس.
الثاني : يغاثون بالخصب، حكاه ابن عيسى.
﴿ وفيه يعصرون ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعصرون العنب والزيتون من خصب الثمار، قاله مجاهد وقتادة.
الثاني : أي فيه يجلبون المواشي من خصب المراعي، قاله ابن عباس.
الثالث : يعصرون السحاب بنزول الغيث وكثرة المطر، من قوله تعالى
﴿ وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجَّاجاً ﴾١. قاله عيسى بن عمر الثقفي.
الرابع : تنجون، مأخوذ من العُصْرة وهي المنجاة، قاله أبو عبيدة والزجاج، ومنه قول الشاعر٢ :
صادياً يستغيث غير مغاث | ولقد كان عُصْرَة المنجود٣ |
لو كان في أملاكنا ملك | يعصر فينا مثل ما تعصر |
٢ هو أبو زبيد قال ذلك في رثاء ابن أخته وقد كان مات عطشا في طريق مكة..
٣ المنجود: الفزع..
٤ هو طرفة بن العبد. وفي اللسان: واحد بدلا من ملك..
(ألا مبلغ عني خداشاً فإنه | كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم) |
وفي قوله :﴿ راودتن ﴾ وإن كانت المراودة من إحداهن وجهان :
أحدهما : أن المراودة كانت من امرأة العزيز وحدها فجمعهن في الخطاب وإن توجه إليها دونهن احتشاماً لها.
الثاني : أن المراودة ١ كانت من كل واحدة منهن٢. ﴿ قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوءٍ ﴾ فشهدن له بالبراءة من السوء على علمهن لأنها شهادة على نفي، ولو كانت شهادتهن على إثبات لشهدن قطعاً، وهكذا حكم الله تعالى في الشهادات أن تكون على العلم في النفي، وعلى القطع في الإثبات.
﴿ قالت امرأة العزيز الآنَ حصحص الحق ﴾ معناه الآن تبين الحق ووضح، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
وأصله مأخوذ من قولهم حَصّ شعره إذا استأصل قطعه فظهرت مواضعه ومنه الحصة من الأرض إذا قطعت منها. فمعنى حصحص الحق أي انقطع عن الباطل بظهوره وبيانه. وفيه زيادة تضعيف دل عليها الاشتقاق مثل قوله :( كبوا، وكبكبوا ) قاله الزجاج. وقال الشاعر :
ألا مبلغ عني خداشاً فإنه | كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم |
٢ سقط من ق..
٣ نقل القرطبي هذه الفقرة حرفيا انظر تفسير ٩/٢٠٨..
أحدها : أنه قول امرأة العزيز عطفاً على ما تقدم، ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب، يعني الآن في غيبه بالكذب عليه وإضافة السوء إليه لأن الله لا يهدي كيد الخائنين، حكاه ابن عيسى.
الثاني : أنه قول يوسف بعد أن علم بظهور صدقه، وذلك ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب عنه في زوجته، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي.
﴿ وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ﴾ معناه وأن الله لا يهدي الخائنين بكيدهم.
﴿ فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ﴾ لأنه استدل بكلامه على عقله، وبعصمته على أمانته فقال :﴿ إنك اليوم لدينا مكين أمين ﴾ وهذه منزلة العاقل العفيف.
وفي قوله ﴿ مكين ﴾ وجهان : أحدهما : وجيه، قاله مقاتل.
الثاني : متمكن في المنزلة الرفيعة. وفي قوله ﴿ أمين ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه بمعنى آمن لا تخاف العواقب، قاله ابن شجرة.
الثاني : أنه بمعنى مأمون ثقة، قاله ابن عيسى.
الثالث١ : حافظ، قاله مقاتل.
أحدهما : هو قول بعض١ المتعمقة أن الخزائن ها هنا الرجال، لأن الأفعال والأقوال مخزونة فيهم فصاروا خزائن لها.
الثاني : وهو قول أصحاب الظاهر أنها خزائن الأموال، وفيها قولان : أحدهما : أنه سأله جميع الخزائن، قاله ابن زيد.
الثاني : أنه سأله خزائن الطعام، قاله شيبة بن نعامة الضبي.
وفي هذا دليل على جواز أن يخطب الإنسان عملاً يكون له أهلاً وهو بحقوقه وشروطه قائم.
فيما حكى ابن سيرين عن أبي هريرة قال : نزعني عمر بن الخطاب عن عمل البحرين ثم دعاني إليها فأبيت، فقال : لم ؟ وقد سأل يوسف العمل.
فإن كان المولي ظالماً فقد اختلف الناس في جواز الولاية من قبله على قولين :
أحدهما : جوازها إن عمل بالحق فيما تقلده، لأن يوسف عليه السلام ولي من قبل فرعون، ولأن الاعتبار في حقه بفعله لا بفعل غيره.
الثاني : لا يجوز ذلك له لما فيه من تولي الظالمين بالمعونة لهم وتزكيتهم بتنفيذ أعمالهم.
وأجاب من ذهب إلى هذا القول عن ولايته من قبل فرعون بجوابين :
أحدهما : أن فرعون يوسف كان صالحاً، وإنما الطاغي فرعون موسى.
الثاني : أنه نظر له في أملاكه دون أعماله فزالت عنه التبعة فيه.
والأصح من إطلاق هذين القولين أن يفصل ما يتولاه من جهة الظالم على ثلاثة أقسام :
أحدها : ما يجوز لأهله فعله من غير اجتهاد في تنفيذه كالصدقات والزكوات فيجوز توليته من جهة الظالمين لأن النص على مستحقيه قد أغنى عن الاجتهاد فيه، وجواز تفرد أربابه به قد أغنى عن التنفيذ.
والقسم الثاني : ما لا يجوز أن يتفردوا به ويلزم الاجتهاد في مصرفه كأموال الفيء فلا يجوز توليته من جهة الظالم لأنه يتصرف بغير حقٍ ويجتهد فيما لا يستحق.
والقسم الثالث : ما يجوز أن يتولاه أهله وللاجتهاد فيه مدخل كالقضايا والأحكام، فعقد التقليد فيه محلول، فإن كان النظر تنفيذاً لحكم بين متراضيين أو توسطاً بين مجبورين جاز، وإن كان إلزام إجبار لم يجز٢.
﴿ إني حفيظ عليم ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني، قاله ابن زيد.
الثاني : حفيظ بالكتاب، عليم بالحساب، حكاه ابن سراقة، وأنه أول من كتب في القراطيس٣.
الثالث : حفيظ بالحساب، عليم بالألسن، قاله الأشجع عن سفيان.
الرابع : حفيظ لما وليتني، قاله قتادة، عليم بسني المجاعة، قاله شيبة الضبي. وفي هذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم وفضل، وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات ولكن مخصوص فيما اقترن بوصلة أو تعلق بظاهر من مكسب وممنوع منه فيما سواه لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو تنزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله، فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله ولما يرجوه من الظفر بأهله.
قوله عز وجل :﴿ وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ﴾ قال ابن جرير الطبري : استخلصه الملك الأكبر الوليد بن الريان على عمل إظفير وعزله. قال مجاهد : وأسلم على يده. قال ابن عباس : ملك بعد سنة ونصف. فروى مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لو أن يوسف قال : إني حفيظ عليم إن شاء الله لملك في وقته ذلك ".
٢ نقل القرطبي هذا التفصيل بأقسامه الثلاثة. والحق أن الماوردي صاحب الأحكام السلطانية وأدب القاضي قد فصل هذه المسألة تفصيلا ليس بعده من مزيد. انظر تفسير القرطبي ٩/٢١٥ حيث نقل الصفحة كلها.
.
٣ هذا القول في حاجة إلى دليل وقد سقط من ق هو والقول الرابع..
أحدهما : ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا من أجر الدنيا، لأن أجر الآخرة دائم، وأجر الدنيا منقطع.
الثاني : ولأجر الآخرة خير ليوسف من التشاغل بملك الدنيا ونعيمها لما فيه من التبعة.
﴿ قال ائتوني بأخٍ لكم من أبيكم ﴾ قال قتادة : يعني بنيامين وكان أخا يوسف لأبيه وأمه.
قال السدي : أدخلهم الدار وقال : قد استربت بكم تنكر عليهم فأخبروني من أنتم فإني أخاف أن تكونوا عيوناً، فذكروا حال أبيهم وحالهم وحال يوسف وحال أخيه وتخلفه مع أبيه، فقال : إن كنتم صادقين فائتوني بهذا الأخ الذي لكم من أبيكم، وأظهر لهم أنه يريد أن يستبريء به أحوالهم. وقيل : بل وصفوا له أنه أحَبُّ إلى أبيهم منهم، فأظهر لهم محبة رؤيته.
﴿ ألا تروْن أني أوفي الكيلَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه أرخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل.
الثاني : أنه كال لهم بمكيال واف.
﴿ وأنا خير المنزلين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني خير المضيفين، قاله مجاهد.
الثاني : وهو محتمل، خير من نزلتم عليه من المأمونين. فهو على التأويل الأول مأخوذ من النزل وهو الطعام، وعلى التأويل الثاني مأخوذ من المنزل وهو الدار١.
﴿ ولا تقربون ﴾ أي لا أنزلكم عندي منزلة القريب. ولم يُرد أن يبعدوا منه ولا يعودوا إليه لأنه على العود حثهم.
قال السدي : وطلب منهم رهينة حتى يرجعوا، فارتهن شمعون عنده. قال الكلبي : إنما اختار شمعون منهم لأنه يوم الجُبّ كان أجملهم قولاً وأحسنهم رأياً١.
أحدهما : وإنا لفاعلون مراودة أبيه وطلبه منه.
الثاني : وإنا لفاعلون للعود إليه بأخيهم، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل : كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه ؟
قيل عن هذا أربعة أجوبة :
أحدها : يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ابتلاء ليعقوب ليُعظم له الثواب فاتّبع أمره فيه.
الثاني : يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف.
الثالث : لتضاعف المسرة ليعقوب برجوع ولديه عليه.
والرابع : ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته لميله إليه١.
أحدهما : أنهم غلمانه، قاله قتادة.
الثاني : أنهم الذين كالوا لهم الطعام، قاله السدي.
وفي بضاعتهم قولان :
أحدهما : أنها وَرِقهم٢ التي ابتاعوا الطعام بها.
الثاني : أنها كانت ثمانية جُرُب فيها سويق٣ المقل، قاله الضحاك.
وقال بعض العلماء : نبه الله تعالى برد بضاعتهم إليهم على أن أعمال العباد تعود إليهم فيما يثابون إليه من الطاعات ويعاقبون عليه من المعاصي.
﴿ لعلهم يعرفونها ﴾ أي ليعرفوها.
و﴿ إذا انقلبوا إلى أهلهم ﴾ يعني رجعوا إلى أهلهم، ومنه قوله تعالى :﴿ فانقلبوا بنعمة من الله ﴾ [ آل عمران : ١٧٤ ].
﴿ لعلهم يرجعون ﴾ أي ليرجعوا.
فإن قيل : فلم فعل ذلك يوسف ؟
قيل : يحتمل أوجهاً خمسة :
أحدها : ترغيباً لهم ليرجعوا، على ما صرّح به.
الثاني : أنه علم منهم لا يستحلّون إمساكها، وأنهم يرجعون لتعريفها.
الثالث : ليعلموا أنه لم يكن طلبه لعودهم طمعاً في أموالهم.
الرابع : أنه خشي أن لا يكون عند أبيه غيرها للقحط الذي نزل به.
الخامس : أنه تحرج أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن قوتهم مع شدة حاجتهم.
٢ الورق: الدراهم المضروبة..
٣ سويق المقل: دقيق ثمر الدوم..
﴿ فالله خير حافظاً ﴾ قرأ حمزة والكسائي وحفص ﴿ حافظاً ﴾١ يعني منكم لأخيكم.
﴿ وهو أرحم الراحمين ﴾ يحتمل وجهين : أحدهما : أرحم الراحمين في حفظ ما استودع٢.
والثاني : أرحم الراحمين فيما يرى من حزني.
٢ سقط من ك..
(بعثتك مائراً فمكثت حولاً | متى يأتي غياثك من تغيث.) |
أحدها : أنه إشهادهم الله على أنفسهم.
الثاني : أنه حلفهم بالله، قاله السدي.
الثالث : أنه كفيل يتكفل بهم
﴿ لتأتنني به إلاَّ أن يحاط بكم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني إلا أن يهلك جميعكم، قاله مجاهد.
الثاني : إلا أن تُغلَبوا على أمركم، قاله قتادة.
﴿ إلاَّ حاجة في نفس يعقوب قضاها ﴾ وهو حذر المشفق وسكون نفس بالوصية أن يتفرقوا خشية العين.
﴿ وإنه لذو علم لما علمناه ﴾ فيه ثلاثة أوجه.
أحدها : إنه لعامل بما علم، قاله قتادة.
الثاني : لمتيقن بوعدنا، وهو معنى قول الضحاك.
الثالث : إنه لحافظ لوصيتنا، وهو معنى قول الكلبي.
(نشرب الخمر بالصواع جهاراً | وترى المتك بيننا مستعارا) |
﴿ ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ﴾ وهذه جعالة بذلت للواحد.
وفي حمل البعير وجهان :
أحدهما : حمل جمل، وهو قول الجمهور.
الثاني : حمل حمار، وهو لغة، قاله مجاهد.
واختلف في هذا البذل على قولين١ :
أحدهما : أن المنادي بذله عن نفسه لأنه قال :﴿ وأنا به زعيم ﴾ أي كفيل ضامن.
فإن قيل : فكيف ضمن حمل بعير وهو مجهول، وضمان المجهول لا يصح ؟ قيل عنه جوابان :
أحدهما : أن حمل البعير قد كان عندهم معلوماً كالسوق فصح ضمانه.
الثاني : أنها جعالة وقد أجاز بعض الفقهاء فيها في الجهالة، ما لم يُجزْه في غيرها كما أجاز فيها ضمان ما لم يلزم، وإن منع منه في غيرها.
﴿ كذلك نِجزي الظالمين ﴾ أي كذلك نفعل بالظالمين إذا سرقوا وكان هذا من دين يعقوب.
﴿ ثم استخرجها من وعاء أخيه ﴾ قيل عنى السقاية فلذلك أنّث، وقيل عنى الصاع، وهو يذكر ويؤنث في قول الزجاج. ﴿ كذلك كدنا ليوسُف ﴾١ فيه وجهان :
أحدهما : صنعنا ليوسف، قاله الضحاك.
والثاني : دبّرنا ليوسف، قاله ابن عيسى.
﴿ ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في سلطان الملك، قاله ابن عباس.
والثاني : في قضاء الملك، قاله قتادة.
والثالث : في عادة الملك، قال ابن عيسى : ولم يكن في دين الملك استرقاق من سرق. قال الضحاك : وإنما كان يضاعف عليه الغرم.
﴿ إلا أن يشاء الله ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا أن يشاء الله أن يُسْتَرقّ من سرق.
والثاني : إلا أن يشاء الله أن يجعل ليوسف عذراً فيما فعل.
﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ قال زيد بن أسلم : يعني في الدنيا بالعلم.
﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾ أي فوق كل عالم من هو أعلم منه حتى ينتهي ذلك إلى الله تعالى، قاله قتادة. وقال عكرمة : علم الله فوق كل ذي علم.
فإن قيل : فلم عرض [ يوسف ] أخاه أن يكون متهما بالسرقة ؟
قيل عن هذا ثلاثة أجوبة : أحدها أنه أراد أن ينتزعه منهم بواجب عندهم فلم يجد إلى ذلك سبيلا ما صنع. والثاني أن أخاه كان يعلم بالحال فلم يقع ذلك منه موقعا مؤلما ولم يكن على يوسف في ذلك حرج. والثالث أنه لما كان جعل بضاعتهم في رحالهم وهم لا يشعرون تنبيها على أنه قد يجوز أن يجعل الصواع في رحل أخيهم وهم لا يعلمون جعل لهم مخرجا من هذه التهمة، فزال عنه الحرج.
(أقول لها بالشعب إذ يأسرونني | ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم) |
﴿ وما شهدنا إلا بما علمنا ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : وما شهدنا عندك بأن ابنك سرق إلا بما علمنا من وجود السرقة في رحله، قاله ابن إسحاق.
الثاني : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يُسترقّ إلا بما علمنا من دينك، قاله ابن زيد.
﴿ وما كنا للغيب حافظين ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما كنا نعلم أن ابنك يسرق، قاله قتادة.
الثاني : ما كنا نعلم أن ابنك يسترقّ، وهو قول مجاهد.
﴿ والعير التي أقبلنا فيها ﴾ وفي ﴿ العير ﴾ وجهان :
أحدهما : أنها القافلة، وقافلة الإبل تسمى عيراً على التشبيه.
الثاني : الحمير، قاله مجاهد، والمعنى أهل العير.
وقيل فيه وجه ثالث : أنهم أرادوا من أبيهم يعقوب أن يسأل القرية وإن كانت جماداً، أو نفس العير وإن كانت حيواناً بهيماً لأنه نبي، والأنبياء قد سخر لهم الجماد والحيوان بما يحدث فيهم من المعرفة إعجازاً لأنبيائه، فأحالوه على سؤال القرية والعير ليكون أوضح برهاناً١.
﴿ وإنا لصادقون ﴾ أي يستشهدون بصدْقنا أن ابنك سرق.
(فيا أسفا للقلب كيف انصرافُه | وللنفس لما سليت فتسلّتِ) |
(فيا أسفا ما وارت الأرض واستوت | عليه وما تحت السلام المنضد) |
(فإن أك كاظماً لمصاب شاسٍ | فإني اليوم منطلق لساني) |
(فحضضت قومي واحتسبت قتالهم | والقوم من خوفِ المنايا كظم) |
(فما فتئت خيل تثوبُ وتدّعي | ويلحق منها لاحق وتقطّعُ) |
(إني امرؤلجّ بي حُبٌّ فأحرضني | حتى بَليتُ وحتى شفّني السقم) |
أحدهما : معناه واجزعاه١ قاله مجاهد، ومنه قول كثير :
فيا أسفا للقلب كيف انصرافُه | وللنفس لما سليت٢ فتسلّتِ |
فيا أسفا ما وارت الأرض واستوت | عليه وما تحت السلام٣ المنضد |
أحدهما : أنه أراد به الشكوى إلى الله تعالى ولم يرد به الشكوى منه رغباً إلى الله تعالى في كشف بلائه.
الثاني : أنه أراد به الدعاء، وفيه قولان :
أحدهما : مضمر وتقديره يا رب ارحم أسفي على يوسف٥.
﴿ وابيضت عَيْنَاه من الحزن ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه ضعف بصره لبياض حصل فيه من كثرة بكائه.
الثاني : أنه ذهب بصره، قاله مجاهد.
﴿ فهو كظيم ﴾ فيه أربعة أوجه٦ :
أحدها : أنه الكمد، قاله الضحاك.
الثاني : أنه الذي لا يتكلم٧، قاله ابن زيد.
الثالث : أنه المقهور، قاله ابن عباس، قال الشاعر :
فإن أك كاظماً لمصاب شاسٍ٨ | فإني اليوم منطلق لساني |
فحضضت قومي واحتسبت٩ قتالهم | والقوم من خوفِ المنايا كظم |
٢ في ك سيلت والتصويب من ق..
٣ السلام: الحجارة..
٤ من هنا إلى: وابيضت عيناه سقط من ق..
٥ لم يذكر القول الثاني..
٦ في ق: فيه وجهان أحدهما..
٧ سقط من ق..
٨ في الأصل كاظما المصاب شاس، والصواب ما أثبته..
٩ في ك واستحسنت وهو تحريف..
فما فتئت خيل تثوبُ وتدّعي | ويلحق منها لاحق وتقطّعُ١ |
﴿ حتى تكون حرضاً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها٢ : يعني هرماً، قاله الحسن.
والثاني : دنفاً من المرض، وهو ما دون الموت، قاله ابن عباس ومجاهد.
والثالث : أنه الفاسد العقل، قاله محمد بن إسحاق. وأصل الحرض فساد الجسم والعقل من مرض أو عشق، قال العرجي٣.
إني امرؤ لجّ بي حُبٌّ فأحرضني | حتى بَليتُ وحتى شفّني السقم |
فإن قيل : فكيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكاً متمكناً بمصر، وأبوه بحرّان من أرض الجزيرة ؟ وهلاّ عجّل استدعاءه ولم يتعلل بشيء بعد شيء ؟
قيل يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : أن يكون فعل ذلك عن أمر الله تعالى، ابتلاء له لمصلحة علمها فيه لأنه نبيّ مأمور.
الثاني : أنه بلي بالسجن، فأحب بعد فراقه أن يبلو نفسه بالصبر.
الثالث : أن في مفاجأة السرور خطراً وأحب أن يروض نفسه بالتدريج.
الرابع : لئلا يتصور الملك الأكبر فاقة أهله بتعجيل استدعائهم حين ملك.
وتدعى: بدعو بعضهم بعضا. ويلحق: يسبق. وتقطع: أي تنقطع وينقطع بعضها عن بعض. وقد صور الحرب في هذا البيت.
.
٢ من هنا إلى: وقال الشاعر عدي بن الرقاع سقط من ك وهو نحو ورقة..
٣ هو عبد الله بن عمرو بن عمرو بن عثمان بن عفان، لقب بالعرجى لأنه كان يسكن عرج الطائف.
وكان من شعراء قريش وممن شهر بالغزل حبسه محمد بن هشام لأنه شبب بأمه وزوجته.
مكث في السجن تسع سنين ومات إليه..
أحدهما : همّي، قاله ابن عباس.
الثاني : حاجتي، حكاه ابن جرير. والبث تفريق الهم بإظهار ما في النفس. وإنما شكا ما في نفسه فجعله بثاً وهو مبثوث.
﴿ وأعلم من الله ما لا تعلمون ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني ساجد له، قاله ابن عباس.
والثاني : أنه أحست نفسه حين أخبروه فدعا الملك وقال : لعله يوسف، وقال لا يكون في الأرض صدّيق إلا نبي، قاله السدّي.
وسبب قول يعقوب ﴿ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ﴾ ما حكي أن رجلاً دخل عليه فقال : ما بلغ بك ما أرى ؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه : يا يعقوب تشكوني ؟ فقال : خطيئة أخطأتها فاغفرها لي. وكان بعد ذلك يقول ﴿ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ﴾.
(فإنْ حَييتَ فلا أحسسك في بلدي | وإن مرضت فلا تحسِسْك عُوّادِي) |
(تزجي أغَنّ كأن إبرَة روقِهِ | قلمٌ أصاب من الدواة مدادها) |
(ومرسل برسول غير متّهم | وحاجة غير مزجاة من الحاج) |
(تصدّق علينا يا ابن عفان واحتسب | وأمر علينا الأشعري لياليا) |
تزجي أغَنّ كأن إبرَة روقِهِ | قلمٌ أصاب من الدواة مدادها٣ |
أحدها : أنها كانت دراهم، قاله ابن عباس.
الثاني : متاع الأعراب، صوف وسمن، قاله عبد الله بن الحارث.
الثالث : الحبة الخضراء وصنوبر، قاله أبو صالح.
الرابع : سويق المقل. قاله الضحاك٥.
الخامس : خلق الحبْل والغرارة، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
وفي المزجاة ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنها الرديئة، قاله ابن عباس.
والثاني : الكاسدة، قاله الضحاك.
الثالث : القليلة٦، قاله مجاهد. قال ابن إسحاق٧ : وهي التي لا تبلغ قدر الحاجة ومنه قول الراعي٨ :
ومرسل برسول غير متّهم | وحاجة غير مزجاة من الحاج |
﴿ فأوف لنا الكيل ﴾ فيه قولان :
أحدهما٩ : الكيل الذي كان قد كاله لأخيهم، وهو قول ابن جريج.
الثاني : مثل كيلهم الأول لأن بضاعتهم الثانية أقل، قاله السدي.
﴿ وتصدق علينا ﴾ فيه أربعة أقاويل١٠ :
أحدهما : معناه تفضل علينا بما بين الجياد والرديئة١١، قاله سعيد بن جبير والسدي والحسن، وذلك لأن الصدقة تحرم١٢ على جميع الأنبياء.
الثاني : تصدق علينا بالزيادة على حقنا، قاله سفيان بن عيينة. قال مجاهد : ولم تحرم الصدقة إلا على محمد صلى الله عليه وسلم وحده.
الثالث : تصدق علينا برد أخينا إلينا، قاله ابن جريج، وكره للرجل أن يقول في دعائه١٣ : اللهم تصدّق عَليّ، لأن الصدقة لمن يبتغي الثواب.
الرابع : معناه تجوّز عنا، قاله ابن شجرة وابن زيد١٤ واستشهد بقول الشاعر :
تصدّق علينا يا ابن عفان واحتسب | وأمر علينا الأشعري لياليا |
٢ هو شاعر إسلامي عده ابن سلام في الطبقة السابعة..
٣ وبعد هذا البيت يقول:
وإذا القرينة لم تزل في شدة من قرنها سئم القرين قيادها.
٤ في ق أربعة أقاويل..
٥ سقط من ق..
٦ في ك العلية..
٧ سقط من ق..
٨ هو الراعي النميري وقد ورد الشطر الثاني من هذا البيت في اللسان ـ زجا..
٩ في ق يعنون الكيل..
١٠ في ق ثلاثة تأويلات..
١١ في ق بما بين الجياد الرديئة وفيها سقوط..
١٢ في ك قال وكم تحرم..
١٣ سقط من ك..
١٤ سقط من ق..
(والله أسماك سُمًّا مباركاً | آثرك الله به إيثارَكاً) |
(فعفوت عنهم عفو غير مثربٍ | وتركتهم لعقاب يومٍ سرمد) |
﴿ قد مَنّ الله علينا ﴾ يعني بالسلامة ثم بالكرامة، ويحتمل بالاجتماع بعد طول الفرقة١.
﴿ إنه مَنْ يتّق ويصبرْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يتقي الزنى ويصبر على العزوبة، قاله إبراهيم.
الثاني : يتقي الله تعالى ويصبر على بلواه. وهو محتمل.
﴿ فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ﴾ فيه قولان :
أحدهما : في الدنيا.
الثاني : في الآخرة.
والله أسماك سُمًّا مباركاً | آثرك الله به إيثارَكاً١ |
أحدهما : آثمين.
الثاني : مخطئين. والفرق بين الخاطئ والمخطئ أن الخاطئ آثم.
فإن قيل : فقد كانوا عند فعلهم ذلك به صغاراً ترفع عنهم الخطايا.
قيل٢ لما كبروا واستداموا إخفاء ما صنعوا صاروا حينئذ خاطئين.
٢ سقط من ق..
أحدها : لا تغيير عليكم، وهو قول سفيان ابن عيينة.
الثاني : لا تأنيب فيما صنعتم، قاله ابن إسحاق.
الثالث : لا إباء عليكم في قولكم، قاله مجاهد.
الرابع : لا عقاب عليكم وقال الشاعر٢ :
فعفوت عنهم عفو غير مثربٍ | وتركتهم لعقاب يومٍ سرمد |
أحدهما : لتوبتهم بالاعتراف والندم.
الثاني : لإحلاله لهم بالعفو عنهم.
﴿ وهو أرحم الراحمين ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : في صنعه بي حين جعلني ملكاً.
الثاني : في عفوه عنكم عما تقدم من ذنبكم٣.
٢ هو بشر وقبل تبع كما اللسان ـ شرب..
٣ سقط من ق..
(إلا سليمان إذ قال المليكُ له | قم في البرية فا جددها عن الفنَد) |
(هل في افتخار الكريم من أود | أم هل لقول الصديق من فند) |
(يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي | فليس ما فات من أمري بمردود) |
(يا عاذليَّ دعا الملامة واقصِرا | طال الهوى وأطلْتُما التفنيدا) |
(تمنى أن تلاقي آل سلمى | بحطمة والمنى طرف الضِّلال) |
﴿ قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها أمارات شاهدة وعلامات قوى ظنه بها، فكانت هي الريح التي وجدها ليوسف، مأخوذ من قولهم تنسمت رائحة كذا وكذا إذا قرب منك ما ظننت أنه سيكون.
والقول الثاني : وهو قول الجمهور أنه شم ريح يوسف التي عرفها.
قال جعفر بن محمد رضي الله عنه : وهي ريح الصبا. ثم اعتذر١ فقال :﴿ لولا أن تفندّون ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : لولا أن تسفهون، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه قول النابغة الذبياني٢ :
إلا سليمان إذ قال المليكُ له | قم في البرية فاحددها عن الفنَد |
الثاني : معناه لولا أن تكذبون، قاله سعيد بن جبير والضحاك، ومنه قول الشاعر :
هل في افتخار الكريم من أود٣ | أم هل لقول الصديق من فند |
الثالث : لولا أن تضعّفون، قاله ابن إسحاق. والتفنيد : تضعيف الرأي، ومنه قول الشاعر :
يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي | فليس ما فات من أمري بمردود |
الرابع : لولا٤ أن تلوموني، قاله ابن بحر.
ومنه قول جرير :
يا عاذليَّ دعا الملامة واقصِرا | طال الهوى وأطلْتُما التفنيدا |
أحدها : أنه وجدها من مسافة عشرة أيام. قاله أبو الهذيل.
الثاني : من مسيرة ثمانية أيام، قاله ابن عباس.
الثالث : من مسيرة ستة أيام، قاله مجاهد. وكان يعقوب بأرض كنعان ويوسف بمصر وبينهما ثمانون فرسخاً٥، قاله قتادة٦.
٢ البيت من معلقته التي مطلعها:
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأبد
وقد جاء قبل قوله: إلا سليمان... هذا البيت.
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه ولا أحاشي من الأقوام من أحد.
سليمان هو سيدنا سليمان عليه السلام. واليرية المخلوقات. واحدها: أمنعها..
٣ أود: عوج..
٤ سقط من ك..
٥ الفرسخ حوالي خمسة كيلو مترات ونصف فتكون المسافة ٤٤٠ كيلو مترا وهي موافقة للواقع بمقاييسنا..
٦ سقط من ق..
أحدها : أي في خطئك القديم، قاله ابن عباس وابن زيد.
الثاني : في جنونك القديم، قاله سعيد بن جبير. قال الحسن : وهذا عقوق.
الثالث : في محبتك القديمة، قاله قتادة وسفيان.
الرابع : في شقائك القديم، قاله مقاتل، ومنه قول لبيد :
تمنى أن تلاقي آل سلمى | بحطمة والمنى طرف الضِّلال |
أحدهما : بنوه، ولم يقصدوا بذلك ذماً فيأثموا.
والثاني : بنو١ نبيه وكانوا صغاراً.
أحدهما : أنهم أدخلوا عليه من آلام الحزن ما لا يسقط المأثم عنه إلا بإجلاله.
الثاني : أنه نبيُّ تجاب دعوته ويعطى مسألته، فروى ابن وهب عن الليث بن سعد أن يعقوب وإخوة يوسف قاموا عشرين سنة يطلبون التوبة فيما فعل إخوة يوسف بيوسف لا يقبل ذلك منهم حتى لقي جبريل يعقوب فعلمه هذا الدعاء : يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي، ويا غوث المؤمنين أغثني، ويا عَوْن المؤمنين أعني، ويا مجيب١ التّوابين تُبْ عليَّ فاستجيب لهم.
فإن قيل : قد تقدمت المغفرة لهم بقول يوسف من قبل ﴿ لا تثريب عليكم ﴾ الآية، فلمَ سألوا أباهم أن يستغفر لهم ؟
فعن ذلك ثلاثة أجوبة :
أحدها : لأن لفظ يوسف عن مستقبل صار وعداً، ولم يكن عن ماض فيكون خبراً.
الثاني : أن ما تقدم من يوسف كان مغفرة في حقه، ثم سألوا أباهم أن يستغفر لهم في حق نفسه.
الثالث : أنهم علموا نبوة أبيهم فوثقوا بإجابته، ولم يعلموا نبوة أخيهم فلم يثقوا بإجابته.
أحدهما : أنه أخره دفعاً عن التعجيل ووعداً من بعد، فلذلك قال عطاء : طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألا ترى إلى قول يوسف :﴿ لا تثريب عليكم اليوم ﴾ وإلى قول يعقوب :﴿ سوف أستغفر لكم ربي ﴾.
الثاني : أنه أخّره انتظاراً لوقت الإجابة وتوقعاً لزمان الطلب.
وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : عند صلاة الليل، قاله عمرو بن قيس.
الثاني : إلى السحَر، قاله ابن مسعود وابن عمر. روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" أخرهم إلى السحر لأن دعاء١ السحر مستجار ".
الثالث : إلى ليلة الجمعة قاله ابن عباس ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً.
وإنما سألوه٢ عن الاستغفار لهم وإن كان المستحق في ذنوبهم التوبة منها دون الاستغفار لهم ثلاثة أمور :
أحدها : للتبرك بدعائه واستغفاره. الثاني : طلباً لاستعطافه ورضاه. الثالث : لحذرهم من البلوى والامتحان في الدنيا
٢ سقط من ق..
(وأنتِ التي حَبَبْتِ شغباً إلى بَدَا | إليّ وأوطاني بلادٌ سِواهما) |
وفي أبويه قولان :
أحدهما : أنهما أبوه وخالته راحيل، وكان أبوه قد تزوجها بعد أمه فسميت أُماً، وكانت أمه قد ماتت في نفاس أخيه بنيامين، قاله وهب والسدي.
الثاني : أنهما أبوه وأمه وكانت باقية إلى دخول مصر، قاله الحسن وابن إسحاق.
﴿ وخرّوا له سجداً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم سجدوا ليوسف تعظيماً له، قال قتادة : وكان السجود تحية من قبلكم وأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة.
وقال الحسن : بل أمرهم الله تعالى بالسجود له لتأويل الرؤيا.
وقال محمد بن إسحاق : سجد له أبواه وإخوته الأحد عشر.
والقول الثاني : أنهم سجدوا لله عز وجل، قاله ابن عباس، وكان يوسف في جهة القبلة فاستقبلوه بسجود، وكان سجودهم شكراً، ويكون معنى قوله :﴿ وخروا ﴾ أي سقطوا، كما قال تعالى :﴿ فخرّ عليهم السقف مِنْ فوقهم١ ﴾ أي سقط.
والقول الثالث : أن السجود هاهنا الخضوع والتذلل، ويكون معنى قوله تعالى :﴿ خروا ﴾ أي بدروا٢.
﴿ وقال يا أبَتِ هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً ﴾ واختلف العلماء فيما بين رؤياه وتأويلها على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه كان بيهما ثمانون سنة، قاله الحسن وقتادة.
الثاني : كان بينهما أربعون سنة، قاله سليمان.
الثالث : ست وثلاثون سنة، قاله سعيد بن جبير.
الرابع : اثنتان وعشرون سنة.
والخامس : أنه كان بينهما ثماني عشرة سنة، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل : فإن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا صادقة فهلاّ وثق بها يعقوب وتسلى ؟ ولم ﴿ قال يا بُني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً ﴾ وما يضر الكيد مع سابق القضاء ؟
قيل عن هذا جوابان :
أحدهما : أنه رآها وهو صبي فجاز أن تخالف رؤيا الأنبياء المرسلين. الثاني : أنه حزن لطول المدة في معاناة البلوى وخاف كيد الإخوة في تعجيل الأذى.
﴿ وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ﴾ فإن قيل فلم اقتصر من ذكر ما بُلي به على شكر إخراجه من السجن دون الجب وكانت حاله في الجب أخطر ؟
قيل عنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه كان في السجن مع الخوف من المعرة [ ما ] لم يكن في الجب فكان ما في نفسه من بلواه أعظم فلذلك خصه بالذكر والشكر.
الثاني : أنه قال ذلك شكراً لله عز وجل على نقله من البلوى إلى النعماء، وهو إنما انتقل إلى الملك من السجن لا من الجب، فصار أخص بالذكر والشكر إذ صار بخروجه من السجن ملكاً، وبخروجه من الجب عبداً.
الثالث : أنه لما عفا عن إخوته بقوله :﴿ لا تثريب عليكم اليوم ﴾ أعرض عن ذكر الجب لما فيه من التعريض بالتوبيخ٣
وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله :﴿ وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ﴾ أي من سجن السخط إلى فضاء الرضا٤.
وفي قوله :﴿ وجاء بكم من البدو ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم كانوا في بادية بأرض كنعان أهل مواشٍ وخيام، وهذا قول قتادة.
الثاني : أنه كان قد نزل " بدا " وبنى تحت جبلها مسجداً ومنها قصد، حكاه الضحاك عن ابن عباس. قال جميل :
وأنتِ التي حَبَبْتِ شغباً إلى بَدَا | إليّ وأوطاني بلادٌ سِواهما٥ |
الثالث : لأنهم جاءُوا في البادية وكانوا سكان مدن، ويكون بمعنى في.
واختلف من قال بهذا في البلد الذي كانوا يسكنونه٦ على ثلاثة أقاويل.
أحدها : أنهم كانوا من أهل فلسطين، قاله علي بن أبي طلحة.
الثاني : من ناحية حران من أرض الجزيرة، ولعله قول الحسن.
الثالث : من الأولاج من ناحية الشعب، حكاه ابن إسحاق٧.
﴿ من بَعْدِ أن نَزَغَ الشيطانُ بيني وبين إخوتي ﴾ وفي نزغه وجهان :
أحدهما : أنه إيقاع الحسد، قاله ابن عباس.
الثاني : معناه حرّش وأفسد، قاله ابن قتيبة.
﴿ إن ربي لطيف لما يشاء ﴾ قال قتادة : لطيف بيوسف بإخراجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع عن يوسف نزغ الشيطان.
٢ سقط من ق..
٣ وقيل: لأن دخوله السجن كان باختياره بقوله: "رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه" وكان في الجب بإرادة الله تعالى له.
وقيل لأنه كان في السجن مع اللصوص والعصاة، وفي الجب مع الله. والمنة في النجاة من السجن كانت أكبر لأنه دخله بسبب أمرهم به..
٤ سقط من ق..
٥ بدا اسم موضع. وشغب: بين المدينة والشام..
٦ جاء في ق وفي مسكنهم قولان: أحدهما..
٧ سقط من ق..
أحدها : أنه قول المشركين الله ربنا وآلهتنا ترزقنا، قاله مجاهد.
الثاني : أنه في المنافقين يؤمنون في الظاهر رياء وهم في الباطن كافرون بالله تعالى، قاله الحسن.
الثالث : هو أن يشبه الله تعالى بخلقه، قاله السدي.
الرابع : أنه يشرك في طاعته كقول الرجل لولا الله وفلان لهلك فلان، وهذا قول أبي جعفر.
الخامس : أنهم كانوا يؤمنون بالله تعالى ويكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلا يصح إيمانهم حكاه ابن الأنباري.
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، ومدنية في قول الكلبي ومقاتل. وقال ابن عباس مدنية إلا آيتين منها وهما قوله تعالى: ﴿ولو أن قرآناً سيرتت به الجبال﴾ إلى آخرهما. بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ ما كان حديثاً يفترى ﴾ أن يختلف ويتخرّص، وفيه وجهان :
أحدهما : يعني القرآن، قاله قتادة.
الثاني : ما تقدم من القصص، قاله ابن إسحاق١.
﴿ ولكن تصديق الذي بين يديه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مصدِّق لما قبله من التوراة والإنجيل وسائر كتب الله تعالى، وهذا تأويل من زعم أنه القرآن.
الثاني : يعني ولكن يصدّقه ما قبله من كتب الله تعالى، وهذا قول من زعم أنه القصص.
﴿ وهُدًى ورحمة لقومٍ يؤمنون ﴾ والله أعلم٢.
تمت سورة يوسف.
بحمد الله وعونه وحسن توفيقه٣
٢ ليس في ق وقد أخذناه من ك..
٣ ليس في ق وقد أخذناه من ك..
سورة يوسف
سورةُ (يوسُفَ) مِن السُّوَر المكية، وقد كان لها من اسمها الحظُّ الأكبر؛ فقد قامت السورةُ بأكملها على سرد قصة (يوسف) بالتفصيل، ولا يوجد في القرآن نظيرٌ لهذا السردِ والاختصاص؛ أن تَختصَّ سورةٌ بذكرِ قصة نبيٍّ من الأنبياء، وتُسمَّى باسمه. وقد بيَّنت هذه السورةُ قواعدَ التمكين في الأرض، ومُلئت بالعِبَر والعظات المستخلَصة من قصة يوسف؛ فهي مثال يحتذى في الصبر، والتحلِّي بمكارم الأخلاق، والخوف من الله في السِّر والعلن، وصِدْقِ التوكل على الله؛ فهو الذي بيده مقاليدُ كل شيء.
ترتيبها المصحفي
12نوعها
مكيةألفاظها
1794ترتيب نزولها
53العد المدني الأول
111العد المدني الأخير
111العد البصري
111العد الكوفي
111العد الشامي
111* قوله تعالى: {الٓرۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ اْلْكِتَٰبِ اْلْمُبِينِ} [يوسف: 1] إلى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اْلْقَصَصِ} [يوسف: 3]:
عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال : «أُنزِلَ القرآنُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فتلا عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو قصَصْتَ علينا؛ فأنزَلَ اللهُ: {الٓرۚ تِلْكَ ءَايَٰتُ اْلْكِتَٰبِ اْلْمُبِينِ} [يوسف: 1] إلى قولِه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ اْلْقَصَصِ} [يوسف: 3]، فتلاها عليهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو حدَّثْتَنا؛ فأنزَلَ اللهُ: {اْللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ اْلْحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا} [الزمر: 23]». أخرجه ابن حبان (٦٢٠٩).
* سورة (يوسُفَ):
وسببُ تسميةِ سورة (يوسُفَ) بهذا الاسمِ واضحٌ جليٌّ؛ فإنَّ قصةَ (يوسُفَ) هي موضوعها الرئيسُ.
جاء الموضوع الرئيسُ للسورة عن قصَّة (يوسف) عليه السلام على التفصيل الآتي:
1. من أدلة إعجاز القرآن الكريم (١-٣).
2. رؤيا يوسف عليه السلام (٤-٦).
3. تآمُرُ إخوته عليه عليه السلام (٧-١٨).
4. محنة يوسف عليه السلام في مصر (١٩- ٣٤).
5. محنة يوسف عليه السلام في السِّجن (٣٥-٥٣).
6. تسلُّمُه عليه السلام الحُكْمَ بعد السجن (٥٤- ٥٧).
7. لقاؤه عليه السلام مع إخوته مرة ثانية (٥٩- ٩٨).
8. لقاء العائلة (٩٩-١٠٢).
9. تعقيبات على القصة (١٠٣- ١١١).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /503).
لم تأتِ قصةُ (يوسف) عليه السلام لمجردِ السَّرد والتسلية؛ إنما جاءت للعِبْرة والعِظة في كثيرٍ من الأمور؛ من ذلك: لطفُ الله بمَن يصطفيه من عباده، والاقتداءُ بصبر الأنبياء - مثل: يعقوب ويوسف عليهما السلام - على البلوى، وكيف تكون لهم العاقبةُ؛ ليَتسلَّى بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكلُّ من سار بطريق الدعوة، كما أبانت السورةُ عن قواعدِ التمكين في الأرض، وما تخلَّلَ ذلك من الحكمة في أقوال الصالحين؛ كقوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اْلْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]، وقوله: {إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ اْلْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90].
ينظر " التحرير والتنوير" لابن عاشور (12 /200)