ﰡ
قوله: ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ في الضميرِ المنصوبِ وجهان، أظهرُهما: أنَّه للأمرِ، فإنَّه هو المُحَدَّثُ عنه. والثاني: أنه لله، أي: فلا تستعجلوا عذابَه.
قوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ يجوز أن تكونَ «ما» مصدريةً فلا عائدَ عند الجمهور، أي: عن إشراكِهم به غيرَه، وأن تكونَ موصولةً اسميةً.
وقرأ العامَّةُ: ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ بالتاء خطاباً للمؤمنين أو للكافرين. وابنُ جبير بالياء من تحتُ عائداً على الكفار أو المؤمنين.
قوله: «بالرُّوْحِ» يجوز أن يكونَ متعلقاً بنفس الإِنزال، وأن يكونَ متعلقاً بمحذوفٍ على أنه حالٌ من الملائكة «، أي: ومعهم الروحُ.
قوله: ﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ حالٌ من» الرُّوحِ «. و» مِنْ «: إمَّا لبيانِ الجنسِ، وإمَّا للتبعيضِ.
فإن قلنا: إنها المفسِّرةُ فلا مَحَلَّ لها، وإنْ قلنا: إنها المخففةُ أو الناصبةُ ففي محلِّها وثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها مجرورةُ المحلِّ بدلاً من» الرُّوح «؛ لأنَّ التوحيدَ رُوْحٌ تَحْيا به النفوسُ. الثاني: أنها في محلِّ جرٍّ على إسقاطِ الخافضِ كما هو مذهبُ الخليل. والثالث: أنها في محل نصب على إسقاطه وهو مذهبُ سيبويه، والأصلُ: بأَنْ أَنْذِروا، فلمَّا حُذِفَ الجارُّ جَرَى الخلافُ المشهورُ.
قوله: ﴿أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ﴾ هو مفعولُ الإِنذار والإِنذار قد يكونُ بمعنى الإِعلامِ. يقال: نَذَرْتُه وأَنْذَرته بكذا، أي: أَعْلِمُوهم التوحيدَ. وقوله» فاتَّقونِ «التفاتٌ إلى التكلمِ بعد الغَيْبة.
قوله: ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾ عَطَفَ هذه الجملةَ على ما قبلَها. فإن قيل: الفاءُ تدلُّ على التعقيب، ولا سيما وقد وُجِدَ معها «إذا» التي تقتضي المفاجَأةَ، وكونُه خصيماً مبيناً لم يَعْقُبْ خَلْقَه مِنْ نُطْفة، إنما توسَّطَتْ بينهما وسائطُ كثيرةٌ. فالجوابُ من وجهين، أحدُهما: أنه من باب التعبير عن حال الشيءِ بما يَؤُول إليه، كقولِه تعالى: ﴿أَعْصِرُ خَمْراً﴾ [يوسف: ٣٦]. والثاني: أنه أشار بذلك إلى سُرْعَةِ نِسْيانهم مَبْدَأَ خَلْقِهم. وقيل: ثَمَّ وسائِطُ محذوفةٌ. والذي يظهر أنَّ قولَه «خَلَقَ» عبارةٌ عن إيجاده وتربيتِه إلى أن يبلغَ حدَّ هاتين الصفتين.
و «خصيم» فَعِيْل، مثالُ مبالغةٍ مِنْ خَصَم بمعنى اختصم، ويجوز أن يكونَ مُخاصِم كالخَلِيط والجَلِيس.
قوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ يجوز أن يَتَعَلَّقَ «لكم» ب «خَلَقَها»، أي: لأجلِكم ولمنافعِكم، ويكون «فيها» خبراً مقدماً، «ودِفْءٌ» مبتدأً مؤخراً. ويجوز أن يكونَ «لكم» هو الخبر، و «فيها» متعلِّقٌ بما تعلَّقَ به الخبرُ، أو يكونَ «فيها» حالاً من «دِفْء» لأنه لو تاخَّر لكان صفةً له، أو يكونَ «فيها» هو الخبرَ، و «لكم» متعلِّقٌ بما تعلَّق به، أو يكونَ حالاً مِنْ «دِفْء» قاله أبو البقاء. ورَدَّه الشيخ بأنه إذا كان العاملُ في الحال معنوياً فلا يتقدَّم على الجملةِ بأسرها، لا يجوز: «قائماً في الدار زيدٌ» فإنْ تأخَّرَتْ نحو: «زيدٌ في الدار قائماً» جازَ بلا خلافٍ، أو توسَّطَتْ/ فخلافٌ، أجازه الأخفشُ، ومنعه غيرُه.
قلت: ولقائلٍ أن يقولَ: لَمَّا تقدَّمَ العاملُ فيها وهي معه جاز تقديمُها عليه بحالها، إلاَّ أنْ يقولَ: لا يَلْزَمُ مِنْ تقديمِها عليه وهو متأخرٌ تقديمُها عليه وهو متقدمٌ، لزيادةِ القبح.
وقال أبو البقاء أيضاً: «ويجوز أَنْ يرتفعَ» دِفْء «ب» لكم «أو ب» فيها «والجملةُ كلُّها حالٌ من الضمير المنصوب». قال الشيخ: «
والدِّفْء اسمٌ لِما يُدْفَأُ به، أي: يُسْخَنُ، وجمعُه أدْفاء، ودَفِئَ يومُنا فهو دَفِىءٌ، ودَفِئَ الرجلُ يَدْفَأُ دَفاءَةً ودَفَاءً فهو دَفْآنُ، وهي دَفْأَى، كسَكْران وسَكْرى. والمُدْفَأة بالتخفيفِ والتشديد: الإِبلُ الكثيرةُ الوبرِ والشحمِ. قيل: الدِّفْءُ: نِتاجُ الإِبل وألبانُها، وما يُنْتفع به منها.
وقرأ زيدُ بنُ عليّ» دِفٌ «بنَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى الفاء، والزهريُّ كذلك، إلا أنه شَدَّدَ الفاء، كأنه أجرى الوَصْلَ مُجْرى الوقفِ نحو قولِهم:» هذا فَرُخّْ «بالتشديد وقفاً. وقال صاحب» اللوامح «:» ومنهم مَنْ يُعَوِّضُ من هذه الهمزةَ فَيُشَدِّد الفاءَ، وهو أحدُ وجهَيْ حمزةَ بنِ حبيب وقفاً «. قلت: التشديد وَقْفاً لغةٌ مستقلةٌ، وإن لم يكن ثَمَّ حَذْفٌ من الكلمةِ الموقوفِ عليها.
قوله: ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ » مِنْ «هنا لابتداء الغاية، والتبعيض هنا ضعيفٌ. قال الزمخشري: فإن قلت: تقديمُ الظرفِ مُؤْذِنٌ بالاختصاصِ، وقد يُؤْكَلُ مِنْ غيرِها. قلت: الأكل منها هو الأصلُ الذي يعتمده الناسُ، وأمَّا غيرُها مِن البَطِّ والدَّجاج ونحوِها من الصَّيْد فكغيرِ المُعْتَدِّ به».
وقرأ عكرمةُ والضحاكُ «حينا» بالتنوين على أنَّ الجملةَ بعدَه صفةٌ له، والعائدُ محذوفٌ، أي: حيناً تُرِيْحون فيه، وحيناً تَسْرحُون فيه، كقولِه تعالى: ﴿واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢٨١].
وقُدِّمَتْ الإِراحةُ على السَّرْحِ؛ لأنَّ الأنعامَ فيها أجملُ لِمَلْءِ بطونِها وتَحَفُّلِ ضُروعِها.
والجَمالُ: مصدرُ جَمُلَ بضمِّ الميم يَجْمُل فهو جميل، وهي جميلة. وحكى الكسائيُّ جَمْلاء كَحَمْراء، وأنشد:
٢٩٥ - ٧- فهِيَ جَمْلاءُ كَبَدْرٍ طالعٍ | بَذَّتِ الخَلْقَ جميعاً بالجَمالْ |
٢٩٥ - ٨- أبى اللهُ إلا أنَّ سَرْحَةَ مالكٍ | على كلِّ افنانِ العِضاهِ تَرُوْقُ |
٢٩٥ - ٩- بَطَلٌ كأن ثيابَه في سَرْحةٍ | يُحْذَى نِعالَ السَّبْتِ ليس بتوْءَم |
٢٩٦ - ٠-... سُرُحُ اليَدَيْن........... | .............................. |
والعامَّةُ على كسرِ الشين. وقرأ أبو جعفر، ورُوِيَتْ عن نافع وأبي عمرو بفتحها. فقيل: هما مصدران بمعنىً واحدٍ، أي: المَشَقَّة، فمِنَ الكسر قولُه:
٢٩٦ - ١- رأى إبِلاً تَسْعى، ويَحْسِبُها له | أخي نَصَبٍ مِنْ شِقِّها ودُؤْوْبِ |
٢٩٦ - ٢-....................... | يَجُور بها الملاَّحُ طَوْراً ويَهْتدي |
٢٩٦ - ٣- ومن الطريقةِ جائرٌ وهُدىً | قَصْدُ السبيلِ ومنه ذُو دَخْلِ |
٢٩٤ - ٦- أسنِمَة الآبالِ في رَبابَهْ... أي: في سَحابة، يعني به المطرَ الذي يَنْبُتُ به الكلأُ الذي تأكلُه الإِبِلُ فَتَسْمَنُ اَسْنِمَتُها.
وقال أبو بكر بن الأنباري: «هو على حذف مضاف إمَّا من الأول، يعني
والشَّجَرُ هنا: كلُّ نباتٍ من الأرض حتى الكَلأُ، وفي الحديث: «لا تأكُلوا الشجرَ فإنه سُحْتٌ» يعني الكلأ، ينهى عن تحجُّر المباحاتِ المحتاجِ إليها بشدة. وقال:
٢٩٦ - ٥- نُطْعِمُها اللحمَ إذا عَزَّ الشجَرْ | وهو مجازٌ؛ لأنَّ الشجرَ ما كان له ساقٌ. |
٢٩٦ - ٦- رأيتَ ذوي الحاجاتِ حولَ بيوتِهمْ | قَطِيناً لهم حتى إذا أَنْبَتَ البَقْلُ |
وقرأ أبو بكر «نُنْبِتُ» بنون العظمة، / والزهري «نُنَبِّتُ» بالتشديد. والظاهر أنه تضعيف المتعدي. وقيل: بل للتكرير. وقرأ أُبَي «يَنْبُت» بفتحِ الياءِ وضم الباء، «الزَّرعُ» وما بعده رفعٌ بالفاعلية.
و «طَرِيّاً» فَعِيْل مِنْ طَرُوَ يَطْرُوْ طَراوةً كسَرُوَ يَسْرُوْ سَراوَةً. وقال الفراء: «بل يقال: طَرِيَ يَطرَى طَراوةً وطَراءً مثل: شَقِيَ يَشْقَى شَقَاوَةً وشَقاءً». والطَّراوةُ ضد اليَبُوسة، أي: غَضاً جديداً. ويُقال: الثيابُ المُطَرَّاة. والإِطراء: مَدْحٌ تَجَدَّد ذِكْرُه، وأمَّا «طَرَأَ» بالهمز فمعناه طَلَع.
قوله: «حِلْيةً» الحِلْيَةُ: اسمٌ لِما يُتَحَلَّى به، وأصلُها الدلالةُ على الهيئة كالعِمَّة والخِمْرَة. و «تَلْبَسُونها» صفةٌ. و «منه» يجوز فيه ما جاز في «منه» قبله. وقوله «تَرَى» جملةٌ معترضةٌ بين التعليلين وهما «لتأكلوا» و «لِتَبْتَغُوا»، وإنما كانَتْ اعتراضاً لأنها خطابٌ لواحد بين خطابين لجمعٍ.
قوله: «فيه» يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب «ترى»، وأَنْ يتعلَّقَ ب «مواخِرَ» لأنها
و «مَواخِر» جمع ماخِرة، والمَخْرُ: الشَّقُّ، يُقال: مَخَرَتِ السفينةُ البحرَ، أي: شَقَّتْه، تَمْخُره مَخْراً ومُخُوراٌ. ويقال للسُّفُنِ: بناتُ مَخْرٍ وبَخْرٍ بالميم، والباءُ بدل منها. وقال الفراء: «هو صوتُ جَرْيِ الفُلْكِ». وقيل: صوتُ شدَّةِ هُبوبِ الريحِ. وقيل: «بناتُ مَخْرٍ» لسَحابٍ ينشَأُ صَيْفاً، وامْتَخَرْتُ الريحَ واسْتَمْخَرْتُها، أي: استقبلْتَها بأنفك. وفي الحديث: «اسْتَمْخِروا الريحَ، وأَعِدُّوا النُّبَلَ» يعني في الاستنجاء، والماخُور: الموضع الذي يُباع فيه الخمرُ. و «ترى» هنا بَصَريَّةٌ فقط.
قوله: «ولِتَبْتَغُوا» فيه ثلاثةُ أوجهٍ: عطفُه على «لتأكلوا»، وما بينهما اعتراضٌ -كما تقدَّم- وهذا هو الظاهرُ. ثانيها: أنه عطفٌ على علةٍ محذوفةٍ تقديره: لتنتفعوا بذلك ولتبتَغُوا، ذكره ابن الأنباري، ثالثُها: أنه متعلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ، أي: فَعَل ذلك لتبتغوا، وفيهما تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه.
قوله: «وأنهاراً» عطفٌ على «رَواسي» لأنَّ الإِلقاءَ بمعنى الخَلْقَ. وادِّعاءُ ابنِ عطية أنه منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ، أي: وجَعَل فيها أنهاراً، ليس كما ذكره. وقدَّره أبو البقاء: «وشَقَّ فيها أنهاراً» وهو مناسِبٌ، و «سُبُلاً»، أي: وذَلَّل، أو: وجعل فيها طُرُقاً.
قوله تعالى: ﴿وبالنجم﴾ متعلِّق ب «يهتدون». والعامَّةُ على فتحِ النونِ وسكونِ الجيمِ بالتوحيدِ فقيل: المرادُ به كوكبٌ بعينه كالجَدْيِ أو الثُّرَيَّا. وقيل: بل هو اسمُ جنسٍ. وقرأ ابن وثاب بضمِّهما، والحسنُ بضمِّ النون فقط، وعَكَسَ بعضُهم النَّقْلَ عنهما.
فأمَّا قراءةُ الضمتين ففيها تخريجان، أظهرُهما: أنها جمعٌ صريحٌ لأنَّ فَعْلاً يُجْمع على فُعُل نحو: سَقْف وسُقُف، ورَهْن ورُهُن. / والثاني: أنَّ أصلَه النجومُ، وفَعْل يُجمع على فُعُول نحو: فَلْس وفُلُوس، ثم خُفِّف بحَذْفِ الواوِ كما قالوا: أَسَد وأُسُود وأُسُد. قال أبو البقاء: «وقالوا في خِيام: خِيَم، يعني أنه نظيرُه، من حيث حَذَفوا منه حرفَ المدِّ. وقال
٢٩٦ - ٧- إنَّ الي قَضَى بذا قاضٍ حَكَمْ... أن تَرِدَ الماءَ إذا غابَ النُّجُمْ
يريد: النحوم، كقوله:
٢٩٦ - ٨- حتى إذا ابْتَلَّتْ حَلاقِيْمُ الحُلُقْ... يريد الحُلُوق.
وأمَّا قراءةُ الضمِّ والسكونِ ففيها وجهان، أحدهما: أنها تخفيفٌ من الضم. والثاني: أنها لغةٌ مستقلة.
وتقديمُ كلٍّ من الجار والمبتدأ يفيد الاختصاصَ. قال الزمشخري:» فإن قلت: قوله: ﴿وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ مُخْرَجٌ عن سَنَنِ الخِطاب، مقدَّم فيه النجم، مُقْحَمٌ فيه [هم]، كأنه قيل: وبالنجمِ خصوصاً هؤلاء خصوصاً يهتدونَ، فَمَنْ المرادُ بهم؟ قلت: كأنَّه أراد قريشاً، كان لهم اهتداءٌ بالنجوم في مسائرِهم، وكان لهم به عِلْمٌ لم يكنْ لغيرِهم فكان الشكرُ عليهم أوجبَ ولهم أَلْزَمَ «.
٢٩٦ - ٩- بَكَيْتُ إلى سِرْبِ القَطا إذْ مَرَرْنَ بي | فقلتُ ومِثْلي بالبكاءِ جديرُ |
أسِرْبَ القَطا هل مَنْ يُعيرُ جناحَه | لعلِّي إلى مَن قد هَوَيْتُ أطيرُ |
قال الزمخشريُّ: «فإن قلتَ: هو إلزامٌ للذين عَبَدوا الأوثانَ ونحوَها، تشبيهاً بالله تعالى، وقد جعلوا غيرَ الخالقِ مثلَ الخالق، فكان حَقُّ الإِلزامِ أن يُقال لهم: أَفَمَنْ لا يَخْلُق كَمَنْ يَخْلق؟ قلت: حين جعلوا غيرَ الله مِثْلَ اللهِ لتسميتِهم باسمِه، والعبادةِ له، جعلوا من جنس المخلوقات وشبيهاً
قوله: ﴿غَيْرُ أَحْيَآءٍ﴾ يجوزُ فيه ما تقدم، ويكون تأكيداً. وقال أبو البقاء: «ويجوزُ أَنْ يكونَ قصد بها أنهم في الحال غيرُ أحياءٍ ليَرْفَعَ به توهُّمَ أنَّ قولَه» أمواتٌ «فيما بعد إذ قال تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠]. قلت: وهذا لا يُخْرِجُه عن التأكيدِ الذي ذكره قبلَ ذلك.
قوله: ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ » أيَّان «منصوبٌ بما بعده لا بما قبلَه لأنه استفهامٌ،
والقائمُ مَقامَ فاعلِ» قيل «الجملةُ مِنْ قولِه ﴿مَّاذَآ أَنْزَلَ﴾ لأنها المَقُولَةُ، والبصريون يَأْبَوْنَ ذلك، ويجعلون القائمَ مقامَه ضميرَ المصدرِ؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونُ فاعلةً ولا قائمةً مقامَ الفاعلِ، والفاعلُ المحذوفُ: إمَّا المؤمنون، وإمَّا بعضُهم، وإمَّا المقتسِمون.
وقرئ:» أساطيرَ «بالنصب، على تقدير: أَنْزَلَ أساطيرَ على سبيل التهكُّم، أو ذكرتُمْ أساطيرَ، والعامَّةُ، برفعِه على خبر مبتدأ مضمرٍ، أي: المنزَّلُ أساطيرٌ على سبيل التهكُّم، أو المذكورُ أساطيرُ. وللزمخشريِّ هنا عبارةٌ فظيعةٌ يقف منها الشَّعْرُ.
٢٩٧ - ٠- لِدُوا للموتِ وابْنُوا للخرابِ | ................................... |
٢٩٧ - ١- نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبوا بالنارِ جارتَهمْ | ولا يُعَذِّبَ إلا الله بالنارِ |
الثالث: أنه يتعلَّقَ بأَرْسَلْنا أيضاً، إلا أنه نيةِ التقديمِ قبل أداةِ الاستثناءِ تقديرُه: وما أرسلْنا مِنْ قبلك بالبيناتِ والزبر إلا رجالاً، حتى لا يكونَ ما بعد» إلا «معمولَيْنِ متأخِّرَيْنِ لفظاً ورتبةً داخلَيْنِ تحت الحصرِ لِما قبل» إلا «، حكاه ابنُ عطية.
الرابع: أنَّه متعلقٌ ب» نُوحِي «كما تقول:» أُوْحي إليه بحق «، ذكره الزمخشري وأبو البقاء. الخامس: أن الباءَ مزيدةٌ في» «بالبيِّنات» وعلى هذا فيكون «بالبيِّنات» هو القائمَ مَقامَ الفاعل لأنها هي المُوْحاة. السادس: أن الجارِّ متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنَ القائمِ مَقامَ الفاعل، وهو «إليهم»
السابع: أَنْ يتعلَّق ب «لا تعلمون» على أنَّ الشرطَ/ في معنى التبكيتِ والإِلزام، كقولِ الأجير: «إن كنتُ عَمِلْتُ لك فَأَعْطِني حقي». قال الزمخشري: «وقوله:» فاسْألوا أهلَ «اعتراضٌ على الوجوه المتقدِّمة» ويعني بقوله «فاسألوا» الجزاءَ وشرطَه، وأمَّا على الوجهِ الأخير فعدَمُ الاعتراضِ واضحٌ.
الثامن: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ جواباً لسؤالٍ مقدر، كأنه قيل: بم أُرْسِلوا؟ فقيل: أُرْسِلوا بالبينات والزُّبُر. كذا قدَّره الزمخشري، وهو أحسنُ مِنْ تقديرِ أبي البقاء: «بُعِثوا»، لموافقتِه للدالِّ عليه لفظاً ومعنىً.
والتخوُّفُ: التنقُّص. حكى الزمخشري أن عمر بن الخطاب سألهم على المِنْبر عنها فسكتوا، فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا: التخوُّفُ: التنقُّصُ قال: فهل تعرف [العربُ] ذلك في أشعارِها؟ قال: نعم. قال شاعرُنا وأنشد:
٢٩٧ - ٢- تَخَوَّف الرَّحْلُ منها تامِكاً قَرِداً | كما تَخَوَّفَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ |
قلت: وكان الزمخشريُّ نَسَبَ البيتَ قبل ذلك لزهيرٍ، وكأنه سهوٌ، فإنَّه لأبي كبير الهذلي، ويؤيد ذلك قول الرجل: «قال شاعرنا»، وكان هُذَلِيَّاً كما حكاه هو. وقيل: التخوُّفُ: الخوفُ.
فأمَّا توجيهُ الأولى فقد تقدَّم، وأمَّا الخطابُ في الثانية فَجَرْياً على قوله ﴿والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ [النحل: ٧٨]. وأمَّا الغيبةُ فَجَرْياً على قوله ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ [النحل: ٧٣]. وأمَّا تفرقَةُ الكسائيِّ وابنِ عامرٍ بين الموضعين فجمعاً بين الاعتبارين وأنَّ كلاً منهما صحيحٌ.
قوله: ﴿مِن شَيْءٍ﴾ هذا بيانٌ لِما في قوله: ﴿مَا خَلَقَ الله﴾ فإنها موصولةٌ بمعنى الذي. فإن قلتَ: كيف يُبَيِّنُ الموصولُ -وهو مبهمٌ- ب «شيء» وهو مبهمٌ، بل أَبْهَمُ ممَّا قبله؟ فالجواب أنَّ شيئاً قد اتضح وظهر بوصفِه بالجملة بعدَه، وهي ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ﴾.
قال الزمخشري: «وما موصولة ب ﴿خَلَقَ الله﴾ وهو مبهمٌ، بيانُه ﴿مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ﴾. وقال ابن عطية:» وقولُه ﴿مِن شَيْءٍ﴾ لفظٌ عامٌّ في كل ما اقتضَتْه الصفةُ مِنْ قوله ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ﴾ فظاهر هاتين العبارتين أنَّ جملةَ ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ﴾ صفة لشيء، وأمَّا غيرُهما فإنه قد صَرَّح بعدمِ كونِ الجملةِ صفةً فإنه قال: «والمعنى: من شيءٍ له ظِلٌ من
والتفيُّؤُ: تَفَعَّل مِنْ فاء يَفِيْءُ، أي: رَجَع، و «فاء» قاصرٌ، فإذا أُريد تعديتُه عُدِّي بالهمزة كقوله تعالى: ﴿مَّآ أَفَآءَ/ الله على رَسُولِهِ﴾ [الحشر: ٧] أو بالتضعيف نحو: فَيَّأ اللهُ الظلَّ فَتَفَيَّأ. وَتَفَيَّأ مطاوِعٌ فهو لازمٌ. ووقع في شعر أبي تمام متعدياً في قوله:
٢٩٧ - ٣- طَلَبَتْ ربيعَ ربيعةَ المُمْرَى لها | وتفيَّأَتْ ظلالَه مَمْدودا |
٢٩٧ - ٥- فلا الظِلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحى تَسْتطيعُه | ولا الفيْءُ من بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوْقُ |
٢٩٧ - ٥- تَيَمَّمَتِ العينَ التي عند ضارِجٍ | يَفِيْءُ عليها الظِّلُّ عَرْمَضُها طامِ |
وقرأ أبو عمرو «تَتَفَيَّأ» بالتاءِ مِنْ فوقُ مراعاةٍ لتأنيث الجمع، وبها قرأ يعقوب، والباقون بالياء لأنه تأنيثٌ مجازي.
وقرأ العامَّة «ظلالُه» جمع ظِلّ، وعيسى بن عمر «ظُلَلُهُ» جمع «
قوله: «عن اليمين» فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها تتعلَّقُ ب «يتفيَّأ»، ومعناها المجاوزةُ، أي: تتجاوز الظلالُ عن اليمينِ إلى الشِّمائل. الثاني: أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ على أنها حالٌ من «ظلالُه». الثالث: أنها اسمٌ بمعنى جانب، فعلى هذا تَنْتَصِبُ على الظرف.
وقوله: ﴿عَنِ اليمين والشمآئل﴾ فيه سؤالان، أحدهما: ما المراد باليمين والشَّمائل؟ والثاني: كيف أفرد الأولَ وجوع الثاني؟ وأُجيب عن الأول بأجوبةٍ، أحدُها: أنَّ اليمينَ يمينُ الفَلَك وهو المشرقُ، والشَّمائلُ شمالُه وهي المغرب، وخُصَّ هذان الجانبان لأنَّ أقوى الإِنسانِ جانباه وهما يمينُه وشماله، وجعل المشرقَ يميناً؛ لأن منه تظهر حركةُ الفَلَكِ اليومية.
الثاني: البلدةُ التي عَرْضُها أقلُّ مِنْ مَيْل الشمس تكون الشمس صيفاً عن يمينِ البلدِ فيقع الظلُّ عن يمينهم.
الثالث: أنَّ المنصوبَ للعِبْرة: كلُّ جِرْمٍ له ظِلٌّ كالجبل والشجر، والذي يترتَّبُ فيه الأيْمان والشَّمائل إنما هو البشرُ فقط، لكنَّ ذِكْرَ الأَيْمانِ والشَّمائلِ هنا على سبيل الاستعارة.
وأُجِيْب عن الثاني بأجوبةٍ، أحدُها: أن الابتداءَ يقع من اليمين وهو شيءٌ واحدٌ، فلذلك وَحَّد اليمينَ ثم يَنْتَقِصُ شيئاً فشيئاً، حالاً بعد حال/ فهو بمعنى الجمعِ، فَصَدَق على كلِّ حالٍ لفظةُ «الشمال»، فَتَعَدَّدَ بتعدُّدِ الحالات. وإلى قريبٍ منه نحا أبو البقاء.
والثاني: قال الزمخشري: «واليمين بمعنى الأَيْمان» يعني أنه مفردٌ قائمٌ مقامَ الجمع، وحينئذٍ فهما في المعنى جمعان كقوله
﴿وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ [القمر: ٤٥]، أي: الأدبار.
الثالث: قال الفراء: «كأنه إذا وَحَّد ذَهَبَ إلى واحدٍ من ذواتِ الظلال، وإذا جَمَع ذَهَب إلى كلِّها، لأنَّ قولَه ﴿مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ﴾ لفظُه واحدٌ ومعناه الجمعُ، فعبَّر عن أحدِهما بلفظِ الواحدِ كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ [الأنعام: ١] وقوله: ﴿خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: ٧].
الخامس: قال الكرماني:» يُحتمل أَنْ يُراد بالشمائل الشِمالُ والخَلْفُ والقُدَّامُ؛ لأنَّ الظِّلَّ يفيءُ من الجهاتِ كلِّها، فبُدِئ باليمينِ لأنَّ ابتداءَ التفيُّؤِ منها أو تَيَمُّناً بذِكرها، ثم جَمَع الباقي على لفظ الشِّمال لما بين اليمين واليسار مِنَ التَّضادِّ، ونَزَّلَ القُدَّام والخلفَ منزلةَ الشَّمائل لِما بينهما وبين اليمينِ من الخلافِ «.
السادس: قال ابن عطية:» وما قال بعضُ الناس: مِنْ أنَّ اليمينَ أولُ وَقْعَةٍ للظلِّ بعد الزوالِ ثم الآخر الغروبُ هي عن الشِّمائل، ولذلك جَمَعَ الشمائل وأَفْرد اليمين، فتخليطٌ من القول، ويَبْطُل مِنْ جهات. وقال ابن عباس: «إذا صَلَّيْتَ الفجرَ كان ما بين مَطْلَعِ الشمس ومَغْرِبِها ظِلاًّ ثم بَعَثَ الله عليه الشمسَ دليلاً، فقبضَ إليه الظلَّ، فعلى هذا فأوَّلُ ذُرُوْرِ الشمس فالظِّلُّ عن يمينِ مستقبِلِ الجنوب، ثم يبدأ الانحرافُ فهو عن الشَّمائل؛ لأنه حركاتٌ كثيرة وظلالٌ متقطعةٌ فهي شمائلُ كثيرةُ، فكان الظلُّ عن اليمينِ متصلاً واحداً عامّاً لكلِّ شيء».
قوله: «سُجَّداً» حالاٌ مِنْ «ظلالُه» و «سُجَّداً» جمع ساجِد كشاهِد وشُهَّد، وراكِع ورُكَّع.
قوله: ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ في هذه الجملة ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنها حالٌ من الهاءِ في «ظلالُه». قال الزمخشري: «لأنه في معنى الجمع، وهو ما خلق اللهُ مِنْ شيءٍ له ظِلٌّ وجُمِع بالواوِ والنون؛ لأنَّ الدُّخورَ من أوصافِ العقلاء، أو لأن في جملة ذلك مَنْ يَعْقِل فَغُلِّبَ».
وقد رَدَّ الشيخُ هذا: بأن الجمهور لا يُجيزون مجيءَ الحال من المضافِ إليه، وهو نظيرُ: «جاءني غلامُ هندٍ ضاحكةً» قال: «ومَنْ أجاز مجيئَها منه إذا كان المضافُ جزءاً أو كالجزء جوَّز الحاليةَ منه هنا، لأنَّ الظِّلَّ كالجزءِ إذ هو ناشِئٌ عنه».
الثاني: أنها حالٌ من الضميرِ المستتر في «سُجَّدا» فهي حالٌ متداخلِةٌ.
ثم لك في هذه الواو اعتباران، أحدُهما: أن تجعلَها عاطفةً حالاً على مثلِها فهي عاطفةٌ، وليست بواوِ حال، وإن كان خُلُوُّ الجملةِ الاسميةِ الواقعةِ حالاً من الواو قليلاً أو ممتنعاً على رأيٍ. وممَّن صَرَّح بأنها عاطفةٌ أبو البقاء. والثاني: أنها واوُ الحال، وعلى هذا فيقال: كيف يقتضي العاملُ حالين؟ فالجوابُ أنه جاز ذلك لأنَّ الثانيةَ بدلٌ مِن الأولى، فإن أُريد بالسجودِ التذلُّلُ والخضوعُ فهو/ بدلُ كلٍ من كل، وإن أُريد به حقيقته فهو بدلُ اشتمالٍ؛ إذ السجودُ مشتملٌ على الدُّخور، ونظير ما نحن فيه: «جاء زيد ضاحكاً وهو شاكٍ» فقولك «وهو شاكٍ» يحتمل الحاليةَ من «زيد» أو من ضمير «ضاحكاً».
والدُّخور: التواضعُ قال:
٢٩٧ - ٦- فلم يَبْقَ إلا داخِرٌ في مُخَيَّسٍ | ومُنْجَحِرٌ في غير أرضِكَ في جُحْرِ |
قال الشيخ: «وظاهرُ السؤالِ تسليمُ أنَّ» مَنْ «قد تشمل العقلاءَ وغيرَهم على جهةِ التغليبِ، وظاهرُ الجوابِ تخصيصُ» مَنْ «بالعقلاء، وأنَّ الصالحَ للعقلاء [وغيرِهم] » ما «دون» مَنْ «وهذا ليس بجواب؛ لأنه أورد السؤالَ على التسليم، ثم أورد الجوابَ على غير التسليم، فصار المعنى: أنَّ» مَنْ «يُغَلَّبُ بها والجوابَ لا يُغَلَّبُ بها، وهذا في الحقيقةِ ليس بجوابٍ».
قوله: ﴿وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يجوز أن تكونَ الجملةُ استئنافاً أخبر عنهم بذلك، وأن تكونَ حالاً مِنْ فاعلِ «يَسْجُدُ».
قوله: ﴿مِّن فَوْقِهِمْ﴾ يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن تتعلَّقَ ب «يَخافون»، أي: يخافون عذابَ ربهم كائناً مِنْ فوقهم؛ لأنَّ العذابَ إنما ينزل مِنْ فوقُ. الثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من «ربهم» أي يخافون ربَّهم عالياً عليهم، قاهراً لهم، كقولِه تعالى: ﴿وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨].
والثاني: أنَّ «اثنين» مفعولٌ أولُ، وإنما أُخِّر، والأصلُ: لا تَتِّخذوا اثنين إلهين، وفيه بُعْدٌ.
وقال أبو البقاء: «هو مفعولٌ ثانٍ» وهذا كالغلط إذ لا معنى لذلك البتةَ، وكلامُ الزمخشري هنا يُفْهِم أنه ليس بتأكيدٍ فإنه قال: «فإنْ قلتَ: إنما جمعوا بين العددِ والمعدودِ فيما وراء الواحدِ والاثنين، فقالوا: عندي رجالٌ ثلاثةٌ وأفراسٌ أربعةٌ؛ لأنَّ المعدودَ عارٍ عن العدد الخاص، فأمَّا رجل ورجلان وفَرَسٌ وفرسان فمعدودان فيهما دلالةً على العدد، فلا حاجةَ على أَنْ يقال: رجل واحد، ورجلان اثنان، فما وجه قوله تعالى ﴿إلهين اثنين﴾ ؟ قلت: الاسمُ الحاملُ لمعنى الإِفرادِ أو التثنيةِ دَلَّ على شيئين: على الجنسيةِ والعددِ المخصوصِ، فإذا أُريدت الدلالةُ على أن المعنيَّ به منهما والذي يُساق إليه الحديثُ هو العددُ شُفِع بما يؤكِّد العددَ، فدلَّ به على القصدِ إليه والعنايةِ به، ألا ترى أنك لو قلْتَ: إله، ولم تؤكِّده بواحدٍ لم يَحْسُنْ، وخُيِّل أنك تُثْبِتُ الإِلهيةَ لا الوَحْدانية».
وقال الشيخ: «لمَّا كان الاسمُ الموضوع للإِفراد والتثنية قد يُتَجَوَّزُ به فَيُراد به الجنسُ نحو: نِعم الرجلُ زيدٌ، ونِعْم الرجلان الزيدان، وقول
٢٩٧ - ٧- فإنَّ النارَ بالعُوْدَيْنِ تُذْكَى | وإنَّ الحربَ أَوَّلُها الكلامُ |
قوله: «فإيَّايَ» منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ مقدرٍ بعدهن يُفَسِّره هذا الظاهرُ، أي: إياي ارهبوا فارْهَبون. وقدَّر ابنُ عطية «ارهَبوا إيَّاي فارهبون». قال الشيخ: «وهو ذُهولٌ عن القاعدةِ النحوية، وهي أنَّ المفعولَ إذا كان ضميراً منفصلاً والفعلُ متعدٍّ لواحد وَجَبَ تأخيرُ الفعلِ نحو: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] ولا يجوزُ أن يتقدَّمَ إلا في ضرورةٍ كقوله:
٢٩٧ - ٨- إليك حتى بَلَغَتْ إيَّاكا... وهذا قد مَرَّ تقريرُه في أولِ البقرة. وقد يُجاب عن ابنِ عطية: بأنه لا يَقْبُحُ في الأمور التقديرية ما يقبح في [الأمورِ] اللفظيةِ. وفي قوله:» فإيَّايَ «التفاتٌ من غَيْبة وهي قولُه ﴿وَقَالَ الله﴾ إلى تكلُّمٍ وهو قوله» فإيَّاي «ثم التفت إلى الغِيْبة أيضاً في قوله: ﴿وَلَهُ مَا فِي السماوات﴾.
٢٩٧ - ٩- غَيَّرَتْهُ الريحُ تَسْفِي بِهِ | وهَزِيْمٌ رَعْدُهُ واصِبُ |
٢٩٨ - ٠- لا أبتغيْ الحَمْدَ القليلَ بقاؤُه | يوماً بِذَمِّ الدهرِ أَجْمَعَ واصِبا |
٢٩٨ - ١-............................ | ...... أضحى فؤادي به فاتِنا |
وقال ابن عطية: والواوُ في قوله: ﴿وَلَهُ مَا فِي السماوات﴾ عاطفةٌ على قولِه ﴿إله وَاحِدٌ﴾، ويجوزُ أن تكونَ واوَ ابتداء «. قال الشيخ:» ولا يُقال واوُ ابتداءٍ إلا لواوِ الحال، ولا تظهر هنا الحالُ «. قلت: وقد يُطْلِقون واوَ
والثاني: أنها شرطية، وفعلُ الشرطِ بعدها محذوفٌ وإليه نحا الفراء، وتبعه الحوفيُّ وأبو البقاء. قال الفراء: «التقدير: وما يكنْ بكم». وقد رُدَّ هذا بأنه لا يُحْذَفُ فعلٌ إلا بعد «إنْ» خاصةً، في موضعين، أحدُهما: أن يكون في باب الاشتغال نحو: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك﴾ [التوبة: ٦] لأنَّ المحذوفَ في حكمِ المذكورِ. والثاني: أن تكونَ «إنْ» متلوَّةً ب «لا»
٢٩٨ - ٢- فطلِّقْها فَلَسْتَ لها بكُفْءٍ | وإلاَّ يَعْلُ مَفْرِقَك الحُسامُ |
٢٩٨ - ٣- قالَتْ بناتُ العمِّ يا سَلْمَى وإنْ... كان غنياً مُعْدِماً قالت: وإنْ
أي: وإن كان غنياً رَضِيْتُه. ومثالُ الثاني:
٢٩٨ - ٤- صَعْدَة نابتةٌ في حائرٍ | اَيْنَما الريحُ تُمَيِّلْها تَمِلْ |
٢٩٨ - ٥- فمتى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّو | هـ وتُعْطَفْ عليه كأسُ الساقي |
٢٩٨ - ٦-
يُراوِحُ مِنْ صلواتِ المَلِي | كِ طَوْراً سُجوداً وطَوْراً جُؤاراً |
٢٩٨ - ٧- جَآَّرُ ساعاتِ النيامِ لربِّه | .......................... |
وقرأ الزهري: «تَجَرون» بحذفِ الهمزةِ وإلقاء حركتها على الساكنِ قبلَها، كما قرأ نافع «رِدَّاً» في «رِدْءاً».
وقرأ قتادة «كاشَفَ» على فاعَلَ. قال الزمخشري: «بمعنى فَعَل، وهو أقوى مِنْ» كَشَفَ «لأنَّ بناءَ المغالبةِ يدلُّ على المبالغة».
قوله: «منكم» يجوز أن يكونَ صفةً ل «فريق» و «مِنْ» للتبعيض، ويجوز أن تكونَ للبيان. قال الزمخشري: «كأنه قال: إذا فريقٌ كافرٌ، وهم أنتم».
وقرأ أبو العالية - ورواها مكحول عن أبي رافع مولَى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَيُمْتَعُوا» بضمِّ الياء مِنْ تحتُ، ساكنَ الميم مفتوحَ التاء، مضارعَ مُتِع مبنياً للمفعول. ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ بالياءِ مِنْ تحتُ أيضاً. وهذا المضارع في هذه القراءةِ يجوز أن يكونَ حَذْفُ النونِ فيه: إمَّا للنصبِ عطفاً على «ليكفروا» إنْ كانت لامَ كي، أو للصيرورة، وإمَّا للنصبِ أيضاً، ولكنْ على جوابِ الأمر إنْ كانت اللامُ للأمر. ويجوز أن يكونَ حَذْفُها للجزم عَطْفاً على «لِيَكْفُروا» إن كانت للأمر أيضاً.
قال الشيخ: «وقد ذَهَلُوا عن قاعدةٍ نحوية: وهو أنه لا يتعدَّى فِعْلُ المضمرِ المتصلِ إلى ضميره المتصل إلا في باب ظنَّ وفي عَدَمِ وفَقَد، ولا فرقَ بين أن يتعدَّى الفعلُ بنفسِه أو بحرفِ الجر، فلا يجوز:» زيدٌ ضربه «، أي: ضربَ نفسَه، ولا» زيدٌ مَرَّ به «، أي: مرَّ بنفسه، ويجوز: زيدٌ ظنَّه قائماً»، و «زيدٌ فَقَده» و «عَدِمه»، أي: ظنَّ نفسَه قائماً وفَقَد نفسه وعَدِمها. إذ تقرَّر هذا فَجَعْلُ «ما» منصوبةً عطفاً على «البنات» يؤدِّي إلى تعدَّي فِعْلِ المضمرِ المتصل وهو واو / «يَجْعَلون» إلى ضميرِه المتصل،
وما ذكره يحتاج إلى إيضاحٍ أكثرَ مِنْ هذا فأقول فيها مختصراً: اعلمْ أنه لا يجوز تَعَدَّي فِعْلِ المضمرِ المتصلِ ولا فعلِ الظاهرِ إلى ضميرِهما المتصلِ، إلا في بابِ ظَنَّ وأخواتِها من أفعال القلوب، وفي فَقَد وعَدَمِ، فلا يجوز: «زيد ضربه» ولا «ضربه زيد»، أي: ضربَ نفسه. ويجوز: «زيد ظنَّه قائماً»، وظنَّه زيدٌ قائماً، و «زيد فَقَده وعَدِمه»، و «فَقَدَه وعَدِمَه زيد»، ولا يجوز تَعَدَّي فِعْلِ المضمر المتصل إلى ظاهره في بابٍ من الأبواب، لا يجوز «زيداً ضرب»، أي: ضربَ نفسَه.
وفي قولي: «إلى ضميرِهما المتصلِ» قيدان أحدُهما: كونُه ضميراً فلو كان ظاهراً كالنفس لم يمتنع نحو: «زيدٌ ضَرَبَ نفسَه» و «ضَرَبَ نفسَه زيدٌ». والثاني: كونُه متصلاً، فلو كان منفصلاً جاز نحو: «زيدٌ ما ضربَ إلا إياه»، و «ما ضرب زيدٌ إلا إياه»، وعِلَلُ هذه المسألةِ وأدلتُها موضوعُها غيرُ هذا الموضوعِ، وقد أَتْقَنْتُها في «شرح التسهيل».
وقال مكي: «وهذا لا يجوزُ عند البصريين، كما لا يحوز جعلتُ لي طعاماً، إنما يجوز: جعلتُ لنفسي طعاماً، فلو كان لفظُ القرآن» ولأنفسِهم ما يَشْتَهون «جاز ما قال الفراء عند البصريين. وهذا أصلٌ يحتاج إلى تعليلٍ وبَسْطٍ كثير».
قلت: ما أشارَ إليه من المَنْعِ قد عَرفْتَه ولله الحمدُ مما قدَّمْتُه لك.
وقد يُقال: وَجْهُ النظرِ الممتنعُ تعدَّي ذلك الفعلِ، أي: وقوعُه على ما جُرَّ بالحرف نحو: «زيدٌ مَرَّ به» فإن المرورَ واقعٌ بزيد، وأمَّا ما نحن فيه فليس الجَعْلُ واقعاً بالجاعِلِين، بل بما يَشْتهون، وكان الشيخُ يَعْترض دائماً على القاعدةِ المتقدمةِ بقوله تعالى: ﴿وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة﴾ [مريم: ٢٥] ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ [القصص: ٣٢] والجوابُ عنهما ما تقدَّم: وهو أنَّ الهَزَّ والضَّمَّ ليسا واقعين بالكاف، وقد تقدَّم لنا هذا في مكانٍ آخرَ، وإنما أَعَدْتُه لصعوبتِه وخصوصيةِ هذا بزيادةِ فائدةٍ.
قوله: «كَظِيم» يجوز ان يكونَ بمعنى فاعِل، وأن يكونَ بمعنى مَفْعول كقوله ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ [القلم: ٤٨]. والجملة حال من الضمير في «ظَلَّ»، أو مِنْ «وجهه»، أو من الضمير في «ظَلَّ». وقال أبو البقاء هنا: «فلو قُرِئ» مُسْوَدٌّ «يعني بالرفع لكان مستقيماً، على أن تَجْعَلَ اسمَ» ظَلَّ «مضمراً، والجملةُ خبرها». وقال في سورة الزخرف: «ويُقرآن بالرفع على أنه مبتدأٌ وخبر في موضعِ خبرِ» ظلَّ «.
قوله: ﴿مِنَ القوم مِن سواء﴾ يُعَلِّق هنا جارَّان بلفظٍ واحدٍ لاختلافِ معناهما؛ فإنَّ الأولى للابتداء، والثانية للعلة، أي: من أجلِ سُوْءِ ما بُشِّر به.
قوله ﴿أَيُمْسِكُهُ﴾. قال أبو البقاء: «في موضع الحال تقديرُه: يَتَوارى متردِّداً. هل يُمْسكه أم لا»، وهذا خطأٌ عن النَّحْويين؛ لأنهم نَصُّوا على أن
والعامَّةُ على تذكير الضمائر اعتباراً بلفظ «ما» وقرأ / الجحدريُّ ﴿أَيُمْسِكُها﴾، ﴿أَمْ يَدُسُّها﴾ مُراعاةً للأنثى أو لمعنى «ما». وقُرِئ ﴿أَيُمْسِكُهُ أَمْ يَدُسُّهُ﴾.
والجحدريُّ وعيسى قرآ على «هَوان» بزنة «قَذَالٍ»، وفرقةٌ على «هَوْنٍ» بفتح الهاء، وهي قَلِقَةٌ هنا؛ لأن «الهَوْن» بالفتح الرِّفقُ واللين، ولا يناسب معناه هنا، وأمَّا «الهَوان» فبمعنى هُوْن المضمومة.
قوله: ﴿على هُونٍ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنه حالٌ مِنَ الفاعلِ، وهو مَرْوِيٌّ عن ابن عباس فإنه قال: يُمْسِكه مع رضاه بهوانِ وعلى رغمِ أنفِه.
والثاني: أنه حالٌ من المفعولِ، أي: يُمْسِكها ذليلةً مُهانةً.
والدَّسُّ: إخفاءُ الشيءِ وهو هنا عبارةٌ عن الوَأْد.
والأَلْسِنَةُ جمع «لِسان» مراداً به التذكير فجُمِع كما يُجْمَعُ فِعال المذكر نحو: حِمار وأَحْمِرة، وإذا أُريد به التأنيثُ جُمِعَ جمعَ أفْعُل كذِراع وأَذْرُع.
وقرأ معاذ بن جبل «الكُذُبُ» بضمِّ الكاف والذال ورفعِ الباء، على أنه جَمْعُ كَذُوب كصَبُور وصُبُر، وهو مقيسٌ، وقيل: جمع كاذِب نحو: شارِف وشُرُف، كقولها:
٣٩٨ - ٨- ألا يا حَمْزُ للشُّرُفِ النَّواءِ | ………...................... |
قوله: ﴿وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ﴾ قرأ نافع بكسرِ الراءِ اسمَ فاعلٍ مِنْ أَفْرَطَ
٢٩٨ - ٩- واسْتَعْجَلُونْا وكانوا مِنْ صحابَتِنا | كما تَعَجَّلَ فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ |
وقرأ أبو جعفر - في روايةٍ - «مُفَرِّطون» بتشديدِ الراءِ مكسورةً مِنْ
وقرأ عيسى بن عمر والحسن «لا جَرَمَ إنَّ لهم النارَ وإنهم» بكسرِ «إنَّ فيهما على أنَّها جوابُ قسمٍ أَغْنَتْ عنه» لا جَرَمَ «.
وجَوَّز الزمخشريُّ أن يعودَ على قريش، فيكونَ حكايةَ حالٍ في الحال لا ماضيةٍ ولا آتيةٍ، وجوَّز أن يكون عائداً على «أمم» ولكنْ على حَذْفِ مضافٍ تقديره: فهو وَلِيٌّ أمثالِهم اليومَ. واستبعده الشيخُ، وكأنَّ الذي حمله على ذلك قولُه «اليومَ» فإنه ظرفٌ حالِيٌّ، وقد تقدَّم أنه على حكايةِ الحالِ الماضية أو الآتية.
وهذا معنى قولِ الزمخشري فإنه قال: «معطوفان على محلِّ» لِتُبَيِّنَ «إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعولٌ لهما، لأنَّهما فِعْلُ الذي أَنْزَلَ الكتابَ، ودخلت اللامُ على» لتبيِّنَ «لأنه فِعْلُ المخاطبِ لا فِعْلُ المُنَزِّلِ، وإنما ينتصبُ مفعولاً له ما كان فعلَ الفاعلِ الفعل المعلل». قال الشيخ: «قوله: معطوفان على محل» لتبيِّنَ «ليس بصحيح؛ لأنَّ مَحَلَّه ليس نصباً فيُعطفَ منصوبٌ [عليه]، ألا ترى أنه لو نصبه لم يَجُزْ لاختلافِ الفاعل».
قلت: الزمخشريُّ لم يجعلِ النصبَ لأجل العطفِ على المحلِّ، إنما جَعَله بوصولِ الفعلِ إليهما لاتحادِ الفاعلِ كما صَرَّح به فيما حكيْتُه عنه آنفاً، وإنما جَعَلَ العطفَ لأجل التشريكِ في العِلِّيَّةِ لا غير، يعني أنهما علتان، كما أنَّ «لتبيِّنَ» علةٌ. ولَئِنْ سَلَّمْنا أنه نُصِب عطفاً على المحلِّ فلا يَضُرُّ ذلك. قوله: «لأنَّ محلَّه ليس نصباً» ممنوعٌ، وهذا ما لا خلافَ فيه: مِنْ أنَّ محلَّ الجارِّ والمجرورِ النصبُ لأنه فَضْلَةٌ، إلا أنْ يقومَ مقامَ مرفوعٍ، ألا ترى إلى تخريجِهم قولَه ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] في قراءة النصبِ على العطف على محلِّ «
وقرأ نافع وابنُ عامر وأبو بكر» نَسْقيكم «بفتح النون هنا وفي المؤمنين. والباقون بضمَّها فيهما. واختلف الناس: هل سَقَى وأَسْقى لغتان، بمعنىً واحدٍ أم بينهما فرقٌ؟ خلافٌ مشهور. فقيل: هما بمعنىً، وأنشد جمعاً بين اللغتين:
٢٢٩ - ٠- سَقَى قومي بني مَجْدٍ وأسْقَى | نُمَيْراً والقبائلَ من هلالِ |
وقال الفارسي:» سَقَيْتُه ختى رَوِيَ، وأَسْقَيْتُه نهراً، أي: جَعَلْتُه له شِرْباً «. وقيل» سَقاه إذا ناوله الإِناءَ ليشربَ منه، ولا يُقال مِنْ هذا: أَسْقاه.
وقرأ أبو رجاء «يُسْقِيْكم» بضمِّ الياء من أسفلَ وفي فاعلِه وجهان، أحدُهما: هو الله تعالى، الثاني: أنه ضميرُ النَّعَمِ المدلولُ عليه بالأنعامِ، أي: نَعَماً يُجْعَلُ لكم سُقْيا. وقُرئ «تًسْقيكم» بفتح التاء من فوق. قال ابن عطية: «وهي ضعيفةٌ». قال الشيخ: «وضَعْفُها عنده - والله أعلمُ - أنه أنَّثَ في» تِسْقِيْكم «، وذَكَّر في قوله ﴿مِّمَّا فِي بُطُونِهِ﴾، ولا ضَعْفَ مِنْ هذه الجهةِ؛ لأنَّ التذكيرَ والتأنيثَ باعتبارين». قلت «وضَعْفُها عنده من حيث المعنى: وهو أنَّ المقصودَ الامتنانُ على الخَلْقِ فنسبةُ السَّقْيِ إلى اللهِ تعالى هو الملائِمُ، لا نِسْبتُه إلى الأنعام.
قوله: ﴿مِّمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ يجوز أن تكونَ» مِنْ «للتبعيض، وأن تكونَ لابتداءِ الغاية. وعاد الضميرُ هنا على الأنعام مفرداً مذكراً. قال
٢٩٩ - ١- في كل عام نَعَمٌ تَحْوُوْنَهُ | يَلْقِحُه قومٌ وتَنْتِجُونَهْ |
قال الشيخ: أمَّا ما ذَكَره عن سيبويه ففي كتابه في:» هذا بابُ ما كان مِثال مَفاعِل ومفاعِيل ما نصُّه: «وأمَّا أَجْمال وفُلُوس فإنها تَنْصَرِفُ وما أشبهها؛ لأنها ضارَعَتْ الواحد / ألا ترى أنك تقول: أَقْوال وأقاويل، وأعراب وأعاريب وأَيْدٍ وأيادٍ، فهذه الأحرفُ تَخْرُج إلى مثال مفاعِل
قال:» والذي ذكر سيبويهِ هو الفرق بين مَفاعِل ومفاعِيل وبين أفعال وفُعول، وإن كان الجميعُ أبنيةً للجمع من حيث إنَّ مفاعِل ومفاعِيل لا يُجْمعان وأَفْعالاً وفُعولاً قد يَخْرُجان إلى بناءٍ يُشبِه مَفَاعِل أو مفاعيل، فلمّا كانا قد يَخْرُجان إلى ذلك انصرفا، ولم يَنصَرِفْ مَفَاعِل ومفاعيل لشِبْه ذَيْنك بالمفردِ؛ من حيث إنه يمكن جمعُها وامتناعُ هذين من الجمع، ثم قَوِيَ شَبَهُهما بالمفرد بأنَّ بعض العرب يقول في أُتِيّ: «أُتِيّ» بضمِّ الهمزة، يعني أنه قد جاءَ نادراً فُعول من غير المصدرِ للمفرد، وبأنَّ بعضَ العربِ قد يُوْقعُ أفعالاً للمفرد من حيث أفرد الضميرَ فيقول: «هو الأنعامُ»، وإنما يعني أنَّ ذلك على سبيل المجاز؛ لأن الأنعامَ في
٢٩٩ - ٢- تَرَكْنا الخيلَ والنَّعَمَ المُفَدَّى | وقلنا للنساءِ بها أَقيمي |
قلتُ: الذي ذكره الزمخشريُّ هو ظاهرُ عبارةِ سيبويه وهو كافٍ في تسويغ عَوْد الضمير مفرداً، وإن كان أَفْعال قد يقع موقعَ الواحد مجازاً فإنَّ ذلك ليس بضائرٍ فيما نحن بصددِه، ولم يُحَرِّفْ لفظَه، ولم يَفْهَمْ عنه غيرَ مرادِه، لِما ذكرْتُه من هذا المعنى الذي قَصَدَه.
وقيل: إنما ذَكَّر الضميرَ لأنه يعودُ على البعض وهو الإِناث؛ لأنَّ الذكورَ
٢٩٩ - ٣- فيها خطوطٌ مِنْ سوادٍ وبَلَقْ | كأنه في الجِلدِ تَوْليْعُ البَهَقْ |
٢٩٩ - ٤- مثل الفراخِ نُتِفَتْ حواصِلُهْ... وقيل: أنه يَسُدُّ مَسَدَّه واحدٌ يُفْهِم الجمعَ، فإنه يَسُد مَسَدَّه «نَعَم»، و «نَعَم» يُفْهِم الجمعَ ومثلُه قولُه:
٢٩٩ - ٥-
وذكر أبو البقاء ستةَ أوجهٍ، تقدَّم منها في غضون ما ذكرْتُه خمسةٌ. والسادس: أنه يعود على الفحل؛ لأن اللبن يكون مِنْ طَرْقِ الفحلِ الناقةَ، فأصلُ اللبنِ [ماءُ] الفحلِ قال: «وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ اللبن وإن نُسِب إلى الفحلِ فقد جَمَعَ البطون، وليس فحلُ الأنعام واحداً ولا للواحد بطونٌ. فإن قال: أراد الجنسَ فقد ذُكِر». يعني أنه قد تقدَّم أن التذكيرَ باعتبارِ جنسِ الأنعام فلا حاجة إلى تقدير عَوْدِه على «فَحْل» المرادِ به الجنسُ. قلت: وهذا القولُ نقله مكي عن إسماعيل القاضي ولم يُعْقِبْه بنكير.
قوله: ﴿مِن بَيْنِ فَرْثٍ﴾ يجوز فيه أوجهٌ، أحدها: أنه متعلقٌ بالسَّقْي، على أنها لابتداءِ الغاية، فإن جَعَلْنا ما قبلها كذلك تَعَيَّن أن يكونَ مجرورُها بدلاً مِنْ مجرور «مِنْ» الأولى؛ لئلا يتعلَّقَ عاملان متحدان لفظاً ومعنىً بعاملٍ واحد وهو ممتنعٌ. وهو مِنْ بدلِ الاشتمالِ؛ لأن المكانَ مشتمِلٌ على ما حَلَّ فيه. وإن جعلْتَها للتبعيض هان الأمرُ.
الثاني: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ «لَبَناً» ؛ إذْ لو تأخَّرَتْ
الثالث: أنَّها مع مجرورِها حالٌ من الموصولِ قبلها.
والفَرْث: فُضالةُ ما يَبْقى مِنَ العَلَفِ في الكِرْش، وكثيفُ ما يبقى من الأكل في المَعِيّ. ويقال: فَرَثَ كّبِدَه، أي: فتَّتها، وأَفْرث فلانٌ فلاناً: أوقعه في بَليَّةٍ تجري مجرى الفَرْث.
قوله: «لَبَنا» هو المفعولُ الثاني لنُسْقي. وقرئ «سَيِّغاً» بتشديد الياء بزِنة «سَيِّد»، وتصريفُه كتصريفِه. وخَفَّفه عيسى بن عمر نحو: مَيْت وهَيْن. ولا يجوز أن يكون فَعْلاً؛ إذ كان يجب أن يكونَ «سَوْغاً» كقَوْل.
الثاني: أنه متعلِّقٌ ب» تَتَّخذون «و» منه «تكريرٌ للظرف توكيداً نحو:» زيدٌ في الدارِ فيها «قاله الزمخشريٌّ. وعلى هذا فالهاءُ في» منه «فيها ستةُ أوجهٍ. أحدها: أنها تعودُ على المضافِ المحذوفِ الذي هو العصيرُ، كما رَجَعَ في قوله ﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ [الأعراف: ٤] إلى الأهلِ المحذوفِ. الثاني: أنها تعود على معنى الثمراتِ لأنها بمعنى الثَّمَر. الثالث: أنها تعودُ على النخيل. الرابع: أنها تعودُ على الجنس. الخامس: أنها تعودُ على البعض. السادس: أنها تعود على المذكور.
الثالث من الأوجهِ الأُوَلِ: أنه معطوفٌ على قولِه ﴿فِي الأنعام﴾، فيكونُ في المعنى خبراً عن اسمِ» إنَّ «في قوله: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً﴾، التقدير: وإنّ لكم في الأنعام ومن ثمرات النخيل لَعِبْرَةً، ويكونُ قوله» تتخذون «بياناً وتفسيراً للعِبْرة كما وقع» نُسْقِيكم «تفسيراً لها أيضاً.
قال: فَحُذِفَتْ «» مَنْ «لدلالةِ» مِنْ «عليها في قوله» وما مِنَّا «. ولما قدَّر الزمخشري الموصوفَ قدَّره: ثَمَرٌ تتخذون، ونظَّره بقول الشاعر:
٢٩٩ - ٦- يَرْمي بكفِّيْ كان مِنْ أَرْمى البشر... تقديرُه: بكفَّيْ رجل، إلاَّ أنَّ الحذفَ في البيت شاذٌّ لعدم» مِنْ «: ولمَّا ذكر أبو البقاء هذا الوجهَ قال:» وقيل: هو صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: شيئاً تتخذون منه، بالنصب، أي: وإنَّ من ثمراتِ النخيل. وإن شئت «شيء» بالرفعِ بالابتداء، و ﴿مِن ثَمَرَاتِ﴾ خبرُه «.
والسَّكَر: - بفتحتين - فيه أقوال، أحدها: أنه من أسماءِ الخمر، كقول الشاعر:
٢٩٩ - ٧-
بئس الصُّحاةُ وبئس الشَّرْبُ شَرْبُهُمُ | إذا جَرَى فيهم المُزَّاءُ والسَّكَرُ |
قال الشاعر:
٢٩٩ - ٨- وجاؤُوْنا بهم سَكَرٌ علينا | فَاَجْلَى اليومُ والسَّكْران صاحي |
٢٩٩ - ٩- جَعَلْتَ أعراضَ الكرامِ سَكَراً... أي: تتقلَّبُ بأعراضِهم. وقيل في البيت: إنه من الخمر، وإنه إذا انتهك أعراضَ الناسِ كأنه تَخَمَّر بها.
وقوله: ﴿وَرِزْقاً حَسَناً﴾ يجوز أن يكونَ مِنْ عطف المغايِرات،
٣٠٠ - ٠- إلى المَلِكِ القَرْمِ وابن الهُمامِ | ............................ |
والنَّحْلُ: يذكَّر ويؤنَّث على قاعدةِ أسماء الأجناس. والتأنيثُ فيه لغةُ الحجاز، وعليها جاء ﴿أَنِ اتخذي﴾. وقرأ ابن وثَّاب «النَحَل» فيُحتمل أن يكون لغةً مستقلةً، وأن يكونَ إتباعاً.
و ﴿مِنَ الجبال﴾ «مِنْ» فيه للتبعيض؛ إذ لا يتهيَّأُ لها ذلك في كلِّ جبلٍ ولا شجرٍ. وتقدَّم القول في «يَعْرِشُونَ»، ومَنْ قرأ بالكسر والفتحِ في الأعراف.
وانتصابُ «سُبُل» يجوز أن يكونَ على الظرفية، أي: فاسْلُكي ما أكلْتِ في سُبُلِ ربِّك، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النَّوْر ونحوه عَسَلاً، وأن يكونَ مفعولاً به، أي: اسْلكي الطرقَ التي أَفْهَمَكِ وعلَّمَكِ في عَمَلِ العسل. و «مِنْ» في ﴿مِن كُلِّ الثمرات﴾ يجوز ان تكونَ تبعيضيةً، وأن تكونَ للابتداء على معنى: أنها تأكُلُ شيئاً ينزل من السماء شِبْهَ التَّرَنْجَبِيْن على وَرَق الشجر وثمارِها، لا أنها تأكلُ نَفْسَ الثمرات، وهو بعيدٌ جداٌ.
قوله: ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا﴾ التفاتٌ وإخبارٌ بذلك، ولو جاءَ على الكلام الأوَّل لقيل: مِنْ بطونِك. والهاء في / «فيه» تعودُ على «شَراب»، وهو الظاهرُ، وقيل: تعودُ على القرآن.
قوله: «شيئاً» يجوز فيه التنازع؛ وذلك أنه تقدمه عامِلان: «يَعْلَمَ» و «عِلْمٍ». فعلى رأيِ البصريين - وهو المختار - يكون منصوباً ب «عِلْم»، وعلى رأيِ الكوفيين يكون منصوباً ب «يَعلم». وهو مردودٌ؛ إذ لو كان كذلك لأَضْمَرَ في الثاني، فكان يُقال: لكيلا يعلمَ بعد عِلْمٍ إياه شيئاً.
وقرأ أبو بكر «تَجْحَدون» بالخطابِ مراعاةً لقولِه «بعضَكم»، والباقونَ بالغَيْبَةِ مراعاةً لقولِه ﴿فَمَا الذين فُضِّلُواْ﴾.
والحَفَدَةُ: جمع حافِد كخادِم وخَدَم. وفيهم للمفسرين أقوالٌ كثيرةٌ، واشتقاقُهم مِنْ قولِهم: حَفَد يَحْفِد حَفْداً وحُفوداً وحَفَداناً، أي: أسرع في الطاعة. وفي الحديث: «وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ»، أي: نُسْرِعِ في طاعتِك. قال الأعشى:
٣٠٠ - ١- كَلَّفْتُ مجهولَها نُوْقاً يَمانيةً | إذا الحُداة على أَكْسائها حَفَدُوا |
٣٠٠ - ٢- حَفَدَ الولائدُ حولَهُنَّ وأَسْلَمَتْ | بأكفِّهنَّ أَزِمَّةَ الأجْمالِ |
٣٠٠ - ٣- يَحْفِدون الضيفَ في أبياتِهمْ | كَرَماً ذلك منهم غيرَ ذُلّْ |
٣٠٠ - ٤- فلو أنَّ نفسي طاوَعَتْني لأصبحَتْ | لها حَفَدٌ ممَّا يُعَدُّ كثيرُ |
ولكنها نَفسٌ عليَّ أَبِيَّةٌ | عَيُوفٌ لإِصهارِ اللِّئامِ قَذْوْرُ |
و» مِنْ «في ﴿مِّنَ الطيبات﴾ للتبعيض.
ونقل مكيٌّ أن اسمَ المصدرِ لا يعملُ عند البصريين إلا في شعرٍ. قلت: وقد اختلفتِ النقلةُ / عند البصريين: فمنهم مَنْ نَقَلَ المَنْعَ، ومنهم مَنْ
وقوله: ﴿مِّنَ السماوات﴾ فيه ثلاثةُ أوجهٍ: أحدُها: أنه متعلقٌ ب «يملك»، وذلك على الإِعرابين الأوَّلَيْنِ في نصبِ «شيئاً». الثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «رزقاً». الثالث: أن يتعلَّقَ بنفس «رِزْقاً» إن جعلناه مصدراً. وقال ابن عطية: - بعد أن ذكر إعمالَ المصدرِ منوَّناً - «والمصدرُ يعمل مضافاً باتفاق؛ لأنه في تقديرِ الانفصالِ، ولا يَعْمَل إذ دخله الألفُ واللام؛ لأنه قد تَوَغَّلَ في حالِ الأسماءِ، وبَعُد عن الفعليَّة، وتقدير الانفصالِ في الإِضافةِ حَسَّنَ عملَه، وقد جاء عاملاً مع الألف واللام في قول الشَّاعر:
٣٠٠ - ٥- ضعيفُ النكايةِ أعداءَه | ............................... |
٣٠٠ - ٦-......................... | فلم أَنْكِلْ عن الضَرْبِ مِسْمَعا |
٣٠٠ - ٧- أَكُولٌ لِمالِ الكَلِّ قبل شبابِه | إذا كان عَظْمُ الكَلِّ غيرَ شديدِ |
وقرأ علقمةُ أيضاً وطلحةُ كذلك، إلا أنه بضم الهاء، وفيها أوجهُ، أحدها: أنَّ «أينما» ليست هنا شرطيةً و «يُوَجِّهُ» خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: أينما هو يُوَجِّهُ، أي: الله تعالى، والمفعولُ محذوفٌ/ أيضاً، وحُذِفَتْ الياءُ مِنْ ﴿لاَ يَأْتِ﴾ تخفيفاً، كما حُذِفَتْ في قولِه ﴿يَوْمَ يَأْتِ﴾ [هود: ١٠٦] و ﴿إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: ٤]. ورُدَّ هذا بأن «أينما» إما شرط أو استفهام فقط، والاستفهام هنا غير لائق. والثاني أنَّ لامَ الكلمةِ حُذِفَتْ تخفيفاً لأجلِ التضعيفِ، وهذه الهاءُ هي هاءُ الضمير فلم يُحِلَّها جزم. ذكر هذين الوجهين أبو الفضل الرازي.
الثالث: أن «أينما» أُهْمِلَتْ حَمْلاً على «إذا» لما بينهما من الأُخُوَّة في الشرط، كما حُمِلَتْ «إذا» عليها في الجزم في نفسِ المواضع، وحُذِفت الياءُ مِنْ «يَأْتِ» تخفيفاً أو جزماً على التوهم، ويكون «يُوَجِّهُ» لازماً بمعنى يَتَوَجَّه كما تقدَّم.
[وقرأ عبدُ الله أيضاً]. وقال أبو حاتم - وقد حكى هذه القراءة - «هذه ضعيفةٌ؛ لأنَّ الجزمَ لازمٌ» وكأنه لم يعرف توجيههَا.
وقرأ ابن مسعود أيضاً «تُوَجِّهْه» كالعامَّةِ، إلا أنه بتاء الخطاب وفيه التفاتٌ.
وفي الكلام حَذْفٌ، وهو حَذْفُ المقابلِ لقوله ﴿أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ﴾ كأنه قيل: والآخرُ ناطِقٌ متصرفٌ في مالِه، وهو خفيفٌ على مولاه، أينما يُوَجِّهْهُ يأتِ بخيرٍ. ودَلَّ على ذلك قولُه: ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل﴾.
ونَقَلَ أبو البقاء أنه قُرِئ «أينما تَوَجَّهَ» فعلاً ماضياً، فاعلُه ضميرُ الأبكم.
وقوله: ﴿وَمَن يَأْمُرُ﴾ الراجحُ أَنْ يكونَ مرفوعاً عطفاً على الضميرِ المرفوعِ في «يَسْتوي»، وسَوَّغَه الفصلُ بالضمير. والنصبُ على المعيَّة مرجوحٌ. ﴿وَهُوَ على صِرَاطٍ﴾ الجملةُ: إمَّا إستئنافٌ أو حالٌ.
والأَفْئِدَةُ: جمعُ «فؤاد» وقد تقدَّم. وقال الرازي: «إنما جُمِعَ جَمْعَ قِلَّة؛ لأنَّ أكثرَ الناسِ مشغولون بأفعالٍ بهيمية فكأنهم لا فؤادَ لهم». وقال الزمخشري: «إنه من الجموع التي استُعْمِلت للقلة والكثرة، ولم يُسمع فيها غيرُ القلة، نحو:» شُسُوع «فإنها للكثرة، ويستعمل في القِلة، ولم يُسْمَع غيرُ شُسُوع». كذا قال، وفيه نظر. سُمِع منهم «أَشْسَاع» فكان ينبغي أن يقول: غَلَبَ شُسُوع.
٣٠٠ - ٨- جاء الشتاءُ ولَمَّا أتخِذْ سَكَناً | يا ويحَ نفسي مِنْ حَفْرِ القراميصِ |
قوله: ﴿أَثَاثاً﴾ فيه وجهان، أحدهما: أنه منصوبٌ عطفاً على «بُيوتاً»، أي «وَجَعَلَ لكم من أصوافِها أثاثاً، وعلى هذا فيكونُ قد عطف مجروراً على مجرور ومنصوباً على منصوبٍ، ولا فَصْلَ هنا بين حرفِ العطفِ والمعطوف حينئذٍ. وقال أبو البقاء:» وقد فُصِلَ بينه وبين حرفِ العطفِ بالجارِّ والمجرور وهو قولُه ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا﴾، وهو ليس بفصلٍ مستقبَحٍ كما زعم في «الإِيضاح» ؛ لأنَّ الجارَّ والمجرورَ مفعول، وتقديمُ / مفعولٍ على مفعولٍ قياسٌ «. وفيه نظرٌ؛ لِما عَرَفْتَ من أنه عَطْفُ مجرورٍ على مثلِه ومنصوبٍ على مثله.
والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ، ويكون قد عَطَفَ مجروراً على مثلِه، تقديرُه: وجَعَل لكم مِنْ جلودِ الأنعام ومِنْ أصوافِها وأوبارِها وأشعارِها بيوتاً
وقوله: ﴿كَلَمْحِ البصر﴾ [النحل: ٧٧] : اللَّمْحُ مصدرُ لَمَحَ يَلْمَح لَمْحاً ولَمَحاناً، أي: أَبْصَرَ بسرعة. وقيل: أصلُه من لَمْحِ البرق، وقولهم» لأُرِيَنَّك لَمْحاً باصراً «، أي: أمراً واضحاً.
وقوله: ﴿فِي جَوِّ السمآء﴾ [النحل: ٧٩] : الجَوُّ: الهواء، وهو ما بين السماءِ والأرض. قال:
٣٠٠ - ٩- فلستَ لإِنْسيٍّ ولكن لِمَلأَكٍ | تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السماء يَصُوبُ |
وقوله:» ظَعْنِكم «مصدرُ ظَعَن، أي: ارْتَحَلَ، والظَّعِيْنَةُ الهَوْدَجُ فيه المرأةُ، وإلا فهو مَحْمَلٌ، ثم كَثُر حتى قيل للمرأة، ظَعينة.
وقال أهل اللغة: الأصوافُ للضَّأْن، والأَوْبار للإِبِل، والشَّعْر للمَعِز. والأَثاث: مَتاعُ البيت إذا كان كثيراً. وأصلُه مِنْ أثَّ الشعرُ والنَّباتُ إذا كَثُفا وتكاثرا. قال امرؤ القيس:
٣٠١ - ٠-
وفَرْعٍ يُغْشَي المَتْنَ أسودَ فاحمٍ | أثيثٍِ كقِنْوِ النخلةِ المُتَعَثْكِلِ |
٣٠١ - ١- تقادَم العهدُ مِنْ أُمِّ الوليد بنا | دَهْراً وصار أثاثُ البيتِ خُرْثِيَّا |
٣٠١ - ٢-................................
[وقوله] :
٣٠١ - ٣-........................... | ..... أتى مِنْ دونِها النَّأْيُ والبُعْدُ |
٣٠١ - ٤- كأنَّ الحصى مِنْ خلفِها وأمامِها | إذا نَجَلَتْه رِجْلُها حَذْفُ أَعْسرا |
قوله: ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ﴾ أي: مِثْلَ ذلك الإِتمامِ السابقِ يُتِمُّ نعمتَه عليكم في المستقبل. وقرأ ابن عباس: «تَتِمُّ» بفتح التاءِ الأولى، «نِعْمَتُه» بالرفع على الفاعلية. وقرأ أيضاً «نِعَمه» جمع «نعمة» مضافةً لضميرِ الله تعالى. وعنه: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ بفتح التاءِ واللامِ مضارع «سَلِم» من
قوله: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ﴾ هو جوابُ الشرط، وفي الحقيقة جوابُ الشرطِ محذوفٌ، أي: فأنتَ معذورٌ، وإنما ذلك على إقامةِ السببِ مُقامَ المسبب؛ وذلك لأنَّ تبليغَه سببٌ في عُذْرِه، فَأُقيم السببُ مُقامَ المُسَبَّب.
قوله: ﴿ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ﴾ قال الزمخشري: «فإن قلتَ: ما معنى» ثم «
قوله: ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي: لا تُزال عُتْباهم، وهي ما يُعْتَبُون عليها ويُلامون. يقال: اسْتَعْتَبْتُ فلاناً بمعنى أَعْتَبْتُه، أي: أزلت عُتْباه، واستفعل بمعنى أَفْعل غيرُ مُسْتَنْكَرٍ. قالوا: اسْتَدْنَيْتُ فلاناً، وأَدْنَيْتُه، بمعنىً واحد. وقيل: السين على بابها من الطلب، ومعناه: أنهم لا يُسْأَلون أن يَرْجِعُوا عَمَّا كانوا عليه في الدنيا، فهذا استعتابٌ معناه طَلَبُ عُتْباهم. وقال الزمخشري: «ولا هم يُسْتَرْضَوْن أي: لا يُقال لهم: أَرْضُوا ربَّكم؛ لأن الآخرةَ ليست بدارِ عملٍ». وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ إن شاء الله في سورة حم السجدة؛ لأنه أَلْيَقُ به لاختلافِ القرَّاء فيه.
قوله: «للمُسْلمين» متعلقٌ ب «بُشْرَى» وهو متعلقٌ من حيث المعنى ب ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً﴾ أيضا. وفي جوازِ كونِ هذا من التنازعِ نظرٌ من حيث لزومُ الفصلِ بين المصدرِ معمولِه بالمعطوفِ حالَ إعمالِك غيرَ الثالِث فتأمَّله. وقياسُ مَنْ جَوَّز التنازعَ في فعلِ التعحبِ والتزم إعمال الثاني لئلا يَلْزَمَ الفصلُ أن يُجَوِّز هذا على هذه الحالةِ.
قوله: «يَعِظُكم» يجوز ان يكونَ مستأنفاً في قوة التعليل للأمرِ بما تقدَّم، أي: إنَّ الوعظَ سببٌ في أمره لكم بذلك. وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ حالاً من الضمير في «يَنْهَى»، وفي تخصيصِه الحالَ بهذا العاملِ فقط نظرٌ؛ إذ يظهرُ جَعْلُه حالاً مِنْ فاعل «يأمرُ» أيضاً، بل أَوْلى؛ فإن الوعظ يكونُ بالأوامر والنواهي، فلا خصوصيةَ له بالنهي.
وتبع مكيٌّ الزجاجَ في ذلك ثم قال: «ولا يَحْسُن أَنْ يقال: الواوُ بدلٌ من الهمزة، كما لا يَحْسُنُ أن يقالَ ذلك في» أَحَد «؛ إذ أصلُه» وَحَد «، فالهمزةُ بدل من الواو». يعني أنه لا قائلَ بالعكس، وكذلك تَبِعه في ذلك الزمخشري أيضاً. و «تَوْكِيدها» مصدرٌ/ مضافٌ لمفعوله.
قوله: ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمُ﴾ الجملةُ حالٌ: إمَّا مِنْ فاعلِ «تَنْقُضوا»، وأما من فاعلِ المصدرِ، وإن كان محذوفاً.
قوله: «تَتَّخذون» يجوز أن تكونَ الجملةُ حالاً من واو «تكونوا» أو من الضمير المستتر في الجارِّ، إذ المعنى: لا تكونوا مُشْبهين كذا حالَ كونِكم متَّخذين.
قوله: ﴿دَخَلاً بَيْنَكُمْ﴾ هو المفعولُ الثاني ل «تَتَّخذون». والدَّخَل: الفسادُ والدَّغَلُ. وقيل: «دَخَلاً» : مفعولٌ من أجله. وقيل: الدَّخَل: الداخلُ في الشيءِ ليس منه.
قوله: ﴿أَن تَكُونَ﴾، أي: بسبب أَنْ تكونَ، أو مخافةَ أَنْ تكونَ. و «تكون» يجوزُ أَنْ تكونَ تامةً، فتكون «أمَّةٌ» فاعلَها، وأن تكونَ ناقصةً، فتكون «أمَّةٌ» اسمَها، و «هي» مبتدأ، وأَرْبَى «خبرُه. والجملةُ في محلِّ
قوله:» به «يجوز أن يعودَ الضميرُ على المصدر المنسبك مِنْ ﴿أَن تَكُونَ﴾ تقديره: إنما يَبْلُوكم الله بكونِ أُمَّة، أي: يختبركم بذلك. وقيل: يعودُ على» الربا «المدلولِ عليه بقولِه ﴿هِيَ أَرْبَى﴾ وقيل: على الكثرة، لأنها في معنى الكثير. قال ابن الأنباري:» لَمَّا كان تأنيثُها غيرَ حقيقي حُمِلَتْ على معنى التذكير، كما حُمِلت الصيحةُ على الصِّياح «ولم يتقدمْ للكثرةِ لفظٌ، وإنما هي مدلولٌ عليها بالمعنى مِنْ قوله ﴿هِيَ أَرْبَى﴾.
قوله: ﴿بِمَا صَدَدتُّمْ﴾ :«ما» مصدريةٌ، و «صَدَدْتُمْ» يجوز أن يكونَ من الصُّدود، وأن يكونَ مِن الصَدِّ، ومفعولُه محذوفٌ. ونُكِّرت «قَدَمٌ» : قال الزمخشري: «فإن قلت: لِمَ وُحِّدَتِ القَدَمُ ونُكِّرَتْ؟ قلت: لاستعظامِ أن تَزِلَّ قدمٌ واحدةٌ عن طريقِ الحق بعد أن ثَبَتَتْ عليه فكيف بأقدامٍ كثيرة» ؟.
قال الشيخ: «الجمع تارةً يُلْحَظُ فيه المجموعُ من حيث هو مجموعٌ، وتارةً يُلحظ فيه كلُّ فردٍ فردٍ. فإذا لُوْحظ فيه المجموعُ كان
٣٠١ - ٥- فإني وَجَدْتُ الضَّامِرينَ متاعُهمْ | يَمُوْتُ ويَفْنَى فارْضِخِي مِنْ وعائيا |
قلت: وبهذا التقديرِ الذي ذكره الشيخ يفوتُ المعنى الجَزْلُ الذي اقتنصَه أبو القاسم مِنْ تنكير» قَدَم «وإفرادها. وأمَّا البيتُ المذكورُ فإنَّ النَّحْويين خَرَّجوه على أن المعنى: يموت مَنْ ثُمَّ، ومَنْ ذُكِرَ، فأفرد الضميرَ لذلك لما لا لِما ذكر.
وقوله «باقٍ» قد تقدَّم الكلامُ في الوقف عليه في الرعد.
قوله: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الذين﴾ قرأ ابن كثير وعاصم وابن ذكوان ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ﴾ بنونِ العظمة، التفاتاً من الغَيْبة إلى التكلم. وتقدَّم تقريرُ الالتفاتِ. والباقون بياء الغَيْبة رجوعاً إلى الهِ لتقدُّم ذكرِه العزيز في قولِه تعالى / ﴿وَمَا عِندَ الله بَاقٍ﴾.
وقوله: ﴿بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ﴾ يجوز أن تكونَ أَفْعَل على بابِها من التفضيل، وإذا جازاهم بالأحسنِ فَلأَنْ يُجازِيَهم بالحَسَن من باب الأَوْلَى. وقيل: ليسَتْ للتفضيلِ، وكأنهم فَرُّوا مِنْ مفهومِ أفْعل؛ إذ لا يلزم من المجازاةِ بالأحسنِ المجازاةُ بالحَسَن. وهو وَهْمٌ لما تقدَّم مِنْ أنه مِنْ مفهوم الموافقة بطريق الأَوْلى.
قوله: ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ جملةٌ حاليةٌ أيضاً.
ولا جائزٌ أن يكونَ مِنْ عطفِ جوابٍ على جواب لإِفضائِه إلى أخبارِ المتكلم عن نفسِه بإخبار الغائب، وهو لا يجوزُ. لو قلت: «زيد قال: واللهِ لأَضْرِبَنَّ هنداً ولَينفينَّها» تريد: ولَينفينَّها زيدٌ، لم يَجُزْ. فإن أَضْمَرْت قسماً آخرَ جاز، أي: وقال: واللهِ لينفينَّها؛ لأنَّ لك في مثلِ هذا التركيبِ أن تحكيَ لفظه، ومنه ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحسنى﴾ [التوبة: ١٠٧] وأن تحكيَ معناه، ومنه ﴿يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ﴾ [التوبة: ٧٤] ولو جاء على اللفظ لقيل: ما قلنا.
و «أعجميٌّ» خبرٌ على كلتا القراءتين. والأعجميُّ: مَنْ لم يتكلَّمْ بالعربية. وقال الراغب: «العَجَمُ خلافُ العرب، والعجميُّ منسوبٌ إليهم، والأَعْجَم مَنْ في لسانِه عُجْمَةٌ عربياً كان أو غيرَ عربي؛ اعتباراً بقلة فَهْمِه من العُجْمة. والأعجميُّ منسوبٌ إليه، ومنه قيل للبهيمة» عَجْماءُ «من حيث
واستضعف الشيخُ الأوجهَ الثلاثةَ فقال: «لأنَّ الأولَ يقتضي أنه لا يَفْتري الكذبَ إلا مَنْ كفر بالله من بعدِ إيمانِه، والوجودُ يَقْضي أنَّ المفتريَ مَنْ لا يؤمن، سواءً كفر بالله من بعدِ إيمانِه، أم لا، بل الأكثرُ الثاني وهو المفتري» قال: «وأمَّا الثاني فَيَؤُوْل المعنى إلى ذلك؛ إذ التقديرُ: وأولئك: أي: الذين لا يؤمنون هم مَنْ كفر بالله من بعدِ إيمانِه، والذين
الوجه الرابع: أن ينتصبَ على الذمِّ، قاله الزمخشري. الخامس: أن يرتفعَ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ على الذمِّ أيضاً. السادس: أن يرتفعَ على الابتداء، والخبرُ محذوفٌ، تقديره: فعليهم غضبٌ لدلالةِ ما بعد «مَنْ» الثانيةِ عليه.
السابع: أنها مبتدأٌ أيضاً، وخبرُها وخبرُ «مَنْ» الثانيةِ أيضاً قولُه ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾، قاله ابن عطية، قال: «إذ هو واحدٌ بالمعنى؛ لأنَّ الإِخبارَ في قولِه ﴿مَن كَفَرَ بالله﴾ إنما قَصَدَ به الصنفَ الشارحَ بالكفر». قال الشيخ: «وهذا وإنْ كان كما ذكر، إلا أنهما جملتان شرطيتان، وقد فُصِل بينهما بأداةِ الاستدراك، فلا بد لكلِّ واحدةٍ منهما على انفرادِها مِنْ جوابٍ لا يشتركان فيه، فتقديرُ الحَذْفِ أَجْرَى على صناعةِ الإِعرابِ، وقد ضَعَّفوا مذهبَ الأخفشِ في ادِّعائه أنَّ قولَه ﴿فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين﴾ [الواقعة: ٩١]، وقولُه ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ [الواقعة: ٨٩] جوابُ» أمَّا «، و» إنْ «هذا، وهما أداتا شرط وَلِيَتْ إحداهما الأخرى».
قولِه: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مستثنى مقدَّمٌ مِنْ قولِه ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله﴾، وهذا يكونُ فيه منقطعاً؛ لأنَّ المُكْرَه لم يَشْرَحْ بالكفرِ صدراً. وقال أبو البقاء: «وقيل: ليس بمقدَّمٍ فهو كقول لبيد:
٣٠١ - ٦- ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ | .............................. |
الثاني: أنه مستثنى مِنْ جوابِ الشرط، أو مِنْ خبر المبتدأ المقدر، تقديرُه: فعليهمْ غضبٌ من الله إلا مَنْ أُكْرِه، ولذلك قَدَّر الزمخشري جزاءَ الشرط قبل الاستثناء، وهو استثناءٌ متصلٌ؛ لأنَّ الكفرَ يكون بالقولِ مِنْ غير اعتقادٍ كالمُكْرَه، وقد يكون - والعياذُ بالله - باعتقادٍ، فاستثنى الصِّنفَ الأول.
قوله: ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ﴾ جملةٌ حاليةٌ، أي: إلا مَنْ أُكْرِهَ في هذه الحالةِ.
قوله: ﴿ولكن مَّن شَرَحَ﴾ الاستدراكُ واضحٌ؛ لأنَّ قوله: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾
٣٠١ - ٧-............................ | ولكن متى يَسْتَرْفِدِ القومُ أَرْفِدِ |
٣٠١ - ٨- كأنه في الجِلْدِ........................ وقد مَرَّ ذلك.
الثالث: أن خبرَ الأولى مستغنى عنه بخبر الثانية، / يعني أنه محذوفٌ لفظاً لدلالةِ ما بعده عليه، وهذا معنى قولِ أبي البقاء:» وقيل: لا خبرَ ل «إنَّ» الأولى في اللفظ؛ لأنَّ خبرَ الثانيةِ أغنى عنه «وحينئذٍ لا يَحْسُنُ رَدُّ الشيخِ عليه بقوله:» وهذا ليس بجيدٍ أنه أَلْغَى حكمَ الأولى، وجَعَلَ الحكمَ للثانيةِ، وهو عكسُ ما تقدَّمَ ولا يجوز «.
قولِه: ﴿مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ﴾ قرأ ابنُ عامر» فَتَنوا «مبنياً للفاعل، أي: فَتَنُوا أَنْفُسَهم، فإن عاد الضميرُ على المؤمنين فالمعنى: فَتَنُوا انفسَهم بما أَعْطَوا المشركين من القولِ ظاهراً، أو أنهم لَمَّا صبروا على عذابِ المشركين فكأنهم فَتَنُوا أنفسَهم، وإنْ عاد على المشركين فهو واضحٌ، أي: فتنُوا المؤمنين.
والباقون» فُتِنُوا «مبنياً للمفعول. والضميرُ في» بعدها «للمصادرِ المفهومةِ من الأفعالِ المتقدمةِ، أي: مِنْ بعد الفتنةِ والهجرةِ والجهادِ والصبرِ. وقال
٣٠١ - ٩- جادَتْ عليه كلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ | فتركْنَ كلَّ......................... |
ووجه الاستعارةِ ما قاله الزمخشري، فإنه قال: «فإن قُلْتَ، الإِذاقةُ واللباسُ استعارتان فما وجهُ صحتِهما؟ والإِذاقةُ المستعارةُ مُوَقَّعَةٌ على اللباس المستعار فما وجهُ صحةِ إيقاعِها عليه؟ قلت: الإِذاقَةُ جَرَتْ عندهم مَجْرَى الحقيقةِ لشيوعِها في البلايا والشدائد وما يَمَسُّ الناسَ منها، فيقولون، ذاقَ فلانٌ البؤْسَ والضُّرَّ، وإذاقة العذابُ، شَبَّه ما يُدْرِكُ مِنْ أثرِ الضررِ والألمِ بما يُدْرِكُ مِنْ طَعْمِ المُرِّ والبَشِع، وأمَّا اللباسُ فقد شبَّه به لاشتمالِه على اللابسِ ما غَشِيَ الإِنسانَ والتبس به من بعض الحوادث. وأمَّا إيقاعُ الإِذاقةِ على لباسِ الجوعِ والخوفِ فلأنه لمَّا وقع عبارةً عَمَّا يُغْشَى منهما ويُلابَسُ، فكأنه قيل: فأذاقهم ما غَشِيهم من الجوعِ والخوفِ. ولهم في هذا طريقان، أحدهما: أن ينظروا فيه إلى المستعار له كما نَظَرَ إليه ههنا، ونحوُه قول كثيِّر:
٣٠٢ - ٠- غَمْرُ الرِّداءِ إذا تَبَسَّم ضاحكاً | غَلِقَتْ لضَحْكَتِهِ رِقابُ المالِ |
٣٠٢ - ١-
يُنازعني رِدائي عَبْدُ عَمْرٍو | رُوَيْدَك يا أخا عمرِو بن بكر |
ليَ الشَّطْرُ الذي ملكَتْ يميني | ودونَك فاعْتَجِر منه بِشَطْرِ |
وقال ابن عطية:» لمَّا باشرهم ذلك صار كاللباس، وهذا كقول الأعشى:
٣٠٢ - ٢- إذا ما الضَّجِيْعُ ثنى جِيْدَها | تَثَنَّتْ عليه فكانَتْ لباسا |
٣٠٢ - ٢- وقد لَبِسَتْ بعد الزبيرِ مُجاشِعٌ | لباسَ التي حاضَتْ ولن تَغْسِل الدَّما |
وقوله:» فأذاقهم «نظيرُ قولِه تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز
٣٠٢ - ٣- دونَكَ ما جَنَيْتَه فاحْسُ وذُقْ... وفي قراءةِ عبد الله «فأذاقها اللهُ الخوفَ والجوعَ»، وفي مصحف أُبَيّ «لباسَ الخوفِ والجوعِ».
وقوله: ﴿بِأَنْعُمِ الله﴾ أتى بجمعِ القلَّةِ، ولم يَقُلْ «بِنِعَمِ الله» جمعَ كثرةٍ تنبيهاً بالأدْنى على الأَعْلى؛ لأنَّ العذابَ إذا كان على كُفْرانِ الشيءِ القليلِ فكونُه على النِّعَم الكثيرةِ أَوْلَى.
و «أنْعُم» فيها قولان، أحدُهما: أنها جمعُ «نِعْمةٍ» نحو: شِدَّة: أَشُدّ. قال الزمخشري: «جمعُ» نِعمة «على تَرْكِ الاعتداد بالتاء كَدِرْع وأَدْرُع». وقال قطرب: «هي جمع نُعْم، والنُّعْمُ: النَّعيم، يقال:» هذه أيامُ طُعْم ونُعْم «. وفي الحديث:» نادى مُنادي رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمَوْسِم بمنى: «إنها أيام طُعْمٍ ونُعْمٍ فلا تَصُوموا».
قوله: ﴿بِمَا كَانُواْ﴾ يجوز أَنْ تكونَ مصدريةً، أو بمعنى الذي، والعائدُ
الثاني: أن ينتصِب مفعولاً به للقولِ، ويكون قوله: ﴿هذا حَلاَلٌ﴾ بدلاً مِنَ «الكذب» لأنه عينُه، أو يكون مفعولاً بمضمرٍ، أي: فيقولوا: هذا حَلالٌ وهذا حَرامٌ، و ﴿لِمَا تَصِفُ﴾ علةٌ أيضاً، والتقديرُ: ولا تقولوا الكذب
الثالث: أن ينتصِبَ على البدلِ من العائدِ المحذوف على «ما» إذا قلنا: إنها بمعنى الذي؛ التقدير: لِما تصفُه، ذكر ذلك الحوفيُّ وأبو البقاء. الرابع: أن ينتصبَ بإضمار أعني، ذكره أبو البقاء، ولا حاجةَ إليه، ولا معنى عليه.
وقرأ الحسن وابن يعمر وطلحةُ «الكذبِ» بالخفضِ وفيه وجهان، أحدُهما: أنه بدلٌ من الموصولِ، أي: ولا تقولوا لوصفِ ألسنتِكم الكذبِ، أو للذي تصفه ألسنتكم الكذبِ، جعله نفسَ الكذبِ لأنه هو. والثاني: ذكره الزمخشري أن يكون نعتاً ل «ما» المصدرية. ورَدَّه الشيخُ: بأنَّ النحاةَ نصُّوا على أن المصدرَ المنسبكَ مِنْ أنْ والفعلِ لا يُنْعَتُ، لا يُقال «يعجبني أن تخرجَ السريعُ» ولا فرقَ بين هذا وبين باقي الحروفِ المصدرية.
وقرأ ابن أبي عبلة ومعاذ بن جبل بضمِّ الكاف والذال، ورفعِ الباءِ
وقرأ مَسْلَمَةُ بنُ محارِبٍ فيما نقله ابن عطية كذلك، إلا أنَّه نصب الباءَ، وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، ذكرها الزمخشري. أحدُها: أن تكونَ منصوبةً على الشتم، يعني وهي في الأصل نعتٌ للألسنة كما في القراءة قبلها. الثاني: أن تكون بمعنى الكَلِمِ الكواذب، يعني أنها مفعولٌ بها، والعامل فيها: إمَّا «تَصِفُ»، وإمَّ القولُ / على ما مرَّ، أي: لا تقولوا الكَلِمَ الكواذبَ، أو لِمَا تَصِفُ ألسنتُكم الكلمَ الكواذبَ. الثالث: أن يكونَ جمع الكِذاب مِنْ قولِك «كَذِب كِذاباً» يعني فيكون منصوباً على المصدر؛ لأنه مِنْ معنى وَصْفِ الألسنةِ فيكون نحو: كُتُب في جمع كِتاب، وقد قرأ الكسائيُّ: ﴿وَلاَ كِذَاباً﴾ بالتخفيف كما سيأتي في النبأ.
قوله: «لِتَفْتَرُوا» في اللامِ ثلاثةُ أوجه، أحدها: قال الواحدي: «إنه بدلٌ مِنْ ﴿لِمَا تَصِفُ﴾ لأنَّ وصفَهم الكذبَ هو افتراءٌ على الله». قال الشيخ: «فهو على تقدير جَعْلِ» ما «مصدريةً، أمَّا إذا كانت بمعنى الذي فاللامُ فيها ليست للتعليل فَيُبْدل منها ما يُفْهِمُ التعليلَ، وإنما اللامُ في» لِما «متعلقةٌ ب» لا تقولوا «على حَدِّ تَعَلُّقِها في قولك: لا تقولوا لِما أَحَلَّ اللهُ: هذا
الثاني: أنها للصيرورة إذ لم يَفْعلوه لذلك الغرضِ.
الثالث: أنها للتعليلِ الصريحِ، ولا يَبْعُدُ أن يَصْدُرَ مثلُ ذلك.
و «بجهالة» حالٌ مِنْ فاعل «عَمِلوا».
٣٠٢ - ٤- وليس الله بمُسْتَنْكَرٍ | أن يَجْمَعَ العالمَ في واحِدِ |