تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: عَلَى تَنَقُّصٍ؛ أَيْ: يَبْتَلِيهِمْ بِالْجَهْدِ حَتَّى يَرْقَوْا وَيَقِلَّ عَدَدُهُمْ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: تَخَوَّفَتْهُ الدُّهُورُ؛ أَيْ: تَنَقَّصَتْهُ.
قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ - يَصِفُ نَاقَةً - وَأَنَّ السَّيْرَ نَقْصَ سَنَامَهَا بَعْدَ تَمَكُّنِهِ وَاكْتِنَازِهِ:
(تَخَوُّفَ السَّيْرُ مِنْهَا ثَامِكًا قَرِدًا كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ}
404
النَّبْعُ: الْعُودُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ السِّهَامُ وَالْقِسِيُّ.
قَوْلُهُ:
﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لرءوف رَحِيم﴾ أَي: إِن تَابُوا وَأَصْلحُوا.
405
﴿أَو لم يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ من شَيْء يتفيؤ﴾ أَي: يرجع ﴿ظلاله﴾ يَعْنِي: ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ ﴿عَنِ الْيَمين وَالشَّمَائِل﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: رُبَّمَا كَانَ الْفَيْءُ عَنِ الْيَمِينِ، وَرُبَّمَا كَانَ عَنِ الشِّمَالِ ﴿سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ صَاغِرُونَ.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: دَخِرَ لله؛ أَي: خضع، و (سجدا) منصوبٌ على الْحَال.
﴿وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَاوَات﴾ يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ ﴿وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ؛ يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ. قَالَ محمدٌ: قيل فِي قَوْله: (وَالْمَلَائِكَة) أَي: تسْجد مَلَائِكَة الأَرْض.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٥١) إِلَى الْآيَة (٥٦).
﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ أَيْ: لَا تَعْبُدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ ﴿إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فإياي فارهبون﴾ فخافون.
﴿وَله الدّين واصبا﴾ أَيْ: دَائِمًا ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾ تَعْبُدُونَ؛ يَقُولُ هَذَا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ، فَعَبَدْتُمُ الْأَوْثَان من دونه.
﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ الْمَرَض والشدائد ﴿فإليه تجأرون﴾ تَصْرُخُونَ؛ أَيْ: تَدْعُونَهُ وَلا تَدْعُوا الْأَوْثَان.
﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ليكفروا بِمَا آتَيْنَاهُم فتمتعوا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿فَسَوف تعلمُونَ﴾ هَذَا وعيدٌ.
﴿ ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا ﴾ ، في الدنيا. ﴿ فسوف تعلمون ﴾ : هذا وعيد.
﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا﴾ يَعْنِي: آلِهَتَهُمْ؛ أَيْ: يَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلَقَ مَعَ اللَّهِ شَيْئًا، وَلا أَمَاتَ وَلا أَحْيَا وَلا رَزَقَ مَعَهُ شَيْئًا ﴿نَصِيبا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ يَعْنِي: قَوْلَهُ: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لشركائنا﴾ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿تَاللَّهِ﴾ قسمٌ يقسم بِنَفسِهِ ﴿لتسئلن عَمَّا كُنْتُم تفترون﴾ .
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: تُسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ - سُؤَالَ تَوْبِيخٍ - حَتَّى تَعْتَرِفُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَتُلْزِمُوا أَنْفُسَكُمُ الْحجَّة.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٥٧) إِلَى الْآيَة (٦١).
﴿ويجعلون لله الْبَنَات﴾ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ
406
الله. قَالَ الله:
﴿سُبْحَانَهُ﴾ يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا
﴿وَلَهُمْ مَا يشتهون﴾ أَيْ: وَيَجْعَلُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَهُونَ؛ يَعْنِي: الغلمان
407
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجهه مسودا﴾ أَي: متغيراً ﴿وَهُوَ كظيم﴾ أَيْ: كظيمٌ عَلَى الْغَيْظِ وَالْحُزْنِ.
(ل ١٧٥) قَالَ محمدٌ: وَأَصْلُ الْكَظْمِ: الْحَبْسُ.
﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾ يَقُولُ: يَتَفَكَّرُ كَيْفَ يَصْنَعُ بِمَا بُشِّرَ بِهِ؛ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هوانٍ - يَعْنِي: الابْنَةَ - أَمْ يَدْفِنُهَا حَيَّةً حَتَّى تَمُوتَ مَخَافَةَ الْفَاقَةِ ﴿أَلا سَاءَ﴾ بئس ﴿مَا يحكمون﴾ وَهَذَا مثلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: الْمَلائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ يَقُولُ: وَلِلَّهِ الإِخْلاصُ وَالتَّوْحِيدُ؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة.
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ أَيْ: لَحَبَسَ الْمَطَرَ؛ فَأَهْلَكَ حَيَوَانَ الأَرْض ﴿وَلَكِن يؤخرهم﴾ يُؤَخِّرُ الْمُشْرِكِينَ ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إِلَى السَّاعَةِ؛ لأَنَّ كُفَّارَ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَخَّرَ عَذَابَهَا بِالاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجلهم﴾ بِعَذَاب الله ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عَنهُ عَن الْعَذَاب، الْآيَة
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٦٢) إِلَى الْآيَة (٦٧).
﴿ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ﴾ يَجْعَلُونَ لَهُ الْبَنَاتِ، وَيَكْرَهُونَهَا لأَنْفُسِهِمْ ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحسنى﴾ يَعْنِي: الْبَنِينَ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ ﴿لَا جرم﴾ كَلِمَةُ وَعِيدٍ؛ وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهَا ﴿أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ قَرَأَهَا الْحَسَنُ بِتَسْكِينِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ - وَكَأَنَّ تَفْسِيرَهَا: مُعْجَلُونَ إِلَى النَّارِ، وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ (مُفَرَّطُونَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ وَصَفَهُمْ بِالتَّفْرِيطِ.
قَالَ محمدٌ: وَقِرَاءَةُ نَافِعٍ ﴿مُفْرَطُونَ﴾ بِتَسْكِينِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ؛ وَهُوَ مِنَ الإِفْرَاطِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهدى وَرَحْمَة﴾ يَقُولُ: فِيهِ هُدًى وَرَحْمَةٌ ﴿لِقَوْمٍ يُؤمنُونَ﴾ .
قَالَ محمدٌ: مَنْ قَرَأَ (وَرَحْمَةً) بِالنَّصْبِ، فَالْمَعْنَى: مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ إِلَّا للْبَيَان وَالْهِدَايَة وَالرَّحْمَة.
﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يَعْنِي: الأَرْضَ
408
الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ؛ فَيُحْيِيهَا بِالْمَطَرِ؛ فَتَنْبُتَ بَعْدَ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نباتٌ
﴿إِنَّ فِي ذَلِك لآيَة لقوم يسمعُونَ﴾ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الأَرْضَ الْمَيْتَةَ حَتَّى أَنْبَتَتْ - قادرٌ على أَن يحيي الْمَوْتَى.
409
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سائغا للشاربين﴾ يَقُولُ: فِي هَذَا اللَّبَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنَ فَرْثٍ وَدَمٍ آيَةٌ لقومٍ يَعْقِلُونَ؛ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ قادرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَالَ محمدٌ: يُقَالُ: سَقَيْتُهُ وَأَسْقَيْتُهُ بِمَعْنَى واحدٍ. (وَالأَنْعَامُ) لَفْظُهُ لَفْظُ جَمِيعٍ، وَهُوَ اسْمُ الْجِنْسِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْفَرْثُ: مَا فِي الْكِرْشِ، وَالسَّائِغُ: السَّهْلُ فِي الشّرْب.
﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا﴾ أَيْ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: السَّكَرُ: الْخَمْرُ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَالرِّزْقُ الْحسن: الطَّعَام.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٦٨) إِلَى الْآيَة (٧٤).
﴿وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل﴾ أَيْ: أَلْهَمَهَا ﴿وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ أَي: يبنون
﴿فاسلكي سبل رَبك﴾ يَعْنِي: طُرُقَ رَبِّكِ الَّتِي جَعَلَ لَك ﴿ذللا﴾ قَالَ مجاهدٌ: يَعْنِي: ذَلَّلْتُ لَهَا السُّبُلَ لَا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ ﴿يخرج من بطونها شراب﴾ يَعْنِي: الْعَسَلَ ﴿مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء للنَّاس﴾ أَي: دواءٌ.
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمر لكيلا يعلم بعد علم شَيْئا﴾ يَقُولُ: يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الطِّفْلِ الَّذِي لَا يعقل شَيْئا.
﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ الآيَةَ، يَقُولُ: هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ هُوَ وَمَمْلُوكُهُ وَأَهْلُهُ وَمَالُهُ شُرَكَاءَ سَوَاءً؛ أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِمَمْلُوكِيكُمْ؛ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَلا يُشْرَكَ بِهِ أحدٌ مِنْ خَلْقِهِ.
﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلُوا ذَلِك.
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ يَعْنِي: نِسَاءً
﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أزواجكم بَنِينَ وحفدة﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الْحَفَدَةُ: الْخَدَمُ؛ يَعْنِي: بِذَلِكَ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ؛ يُقَالُ: إِنَّهُمْ بَنُونَ وَخَدَمٌ.
قَالَ محمدٌ: وَأَصْلُ الْحَفَدِ: الْخِدْمَةُ وَالْعَمَلُ، وَمِنْهُ يُقَال فِي الْقُنُوت: (ل ١٧٦) " وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ " أَيْ: نَعْمَلُ بطاعتك.
410
﴿أفبالباطل يُؤمنُونَ﴾ عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: قَدْ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ، وَالْبَاطُلُ: إِبْلِيسُ
﴿وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هم يكفرون﴾ هُوَ كَقَوْلِهِ:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا﴾ .
411
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض شَيْئا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ يَعْنِي: الأَوْثَانَ الَّتِي يَعْبُدُونَ؛ هُوَ كَقَوْلِه: ﴿وَلَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ﴾ يَعْنِي: الأَوْثَانَ ﴿ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلَا نشورا﴾ .
﴿فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال﴾ فَتُشَبِّهُوا هَذِهِ الأَوْثَانَ الْمَيْتَةَ الَّتِي لَا تُحْيِي وَلا تُمِيتُ وَلا تَرْزُقُ بِاللِّهِ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ويرزق، وَيفْعل مَا يُرِيد.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٧٥) إِلَى الْآيَة (٧٦).
﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يقدر على شَيْء﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: هَذَا مَثَلُ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ؛ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالا فَلَمْ يُقَدِّمْ مِنْهُ خَيْرًا، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِطَاعَةٍ ﴿وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ﴾ وَهَذَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ أَعْطَاهُ اللَّهُ رِزْقًا حَلالا طَيِّبًا، فَعَمِلَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ وَأَخَذَهُ بشكرٍ ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مثلا﴾ أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ وهم الْمُشْركُونَ.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أبكم﴾ أَيْ: لَا يَتَكَلَّمُ؛ يَعْنِي: الْوَثَنَ ﴿لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كلٍّ على مَوْلَاهُ﴾ عَلَى وَلِيِّهِ الَّذِي يَتَوَلاهُ وَيَعْبُدُهُ؛ أَيْ: أَنَّهُ عَمِلَهُ بِيَدِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ كَسبه ﴿أَيْنَمَا يوجهه﴾ هَذَا الْعَابِدُ لَهُ؛ يَعْنِي: دُعَاءَهُ إِيَّاهُ ﴿لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي﴾ هَذَا الْوَثَنُ ﴿وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ وَهُوَ اللَّهُ ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم﴾ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ .
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٧٧) إِلَى الْآيَة (٨٠).
﴿وَللَّه غيب السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ أَيْ: يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَغَيْبَ الأَرْضِ ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ بَلْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ، وَلَمْحُ الْبَصَرِ أَنَّهُ يَلْمَحُ السَّمَاء؛ وَهِي على مسيرَة خَمْسمِائَة عَامٍ.
قَالَ محمدٌ: قِيلَ:
إِنَّ السَّاعَةَ اسمٌ لإِمَاتَةِ الْخَلْقِ وَإِحْيَائِهِمْ؛ فَأَعْلَمَ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ الْبَعْثَ وَالإِحْيَاءَ فِي سُرْعَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الإِتْيَانِ بِهِمَا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ؛ لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّ السَّاعَةَ تَأْتِي فِي أَقْرَبِ مِنْ لمح الْبَصَر، وَالله أعلم.
﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جو السَّمَاء﴾ كَبَدِ السَّمَاءِ (مَا يُمْسِكُهُنَّ
412
إِلَّا الله} يُبَيِّنُ قُدْرَتَهُ لِلْمُشْرِكِينَ؛ يَقُولُ: هَلْ تصنع آلِهَتكُم شَيْئا؟!
413
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سكناً﴾ ﴿تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُود الْأَنْعَام} يَعْنِي: مِنَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ ﴿بُيُوتًا تستخفونها يَوْم ظعنكم﴾ يَعْنِي: فِي سَفَرِكُمْ ﴿وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ يَعْنِي: قَرَارَكُمْ فِي غَيْرِ سَفَرٍ ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا﴾ قَالَ الأَعْمَشُ: الأَثَاثُ: الْمَالُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ ﴿إِلَى حِين﴾ إِلَى الْمَوْتِ.
قَالَ محمدٌ: وَوَاحِدُ الأَثَاثِ: أثاثةٌ؛ يُقَالُ: قَدْ أَثَّ الرَّجُلُ يَئِثُّ أَثًّا؛ إِذَا صَارَ ذَا أثاثٍ، وَالأَثَاثُ: مَتَاعُ الْبَيْتِ؛ عِنْد أهل اللُّغَة.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٨١) إِلَى الْآيَة (٨٥).
﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظلالاً﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مِنَ الشَّجَرِ وَغَيْرِهَا
﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أكناناً﴾ يَعْنِي: الْغِيرَانَ الَّتِي تُكُونُ فِي الْجِبَالِ تُكِنُّ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ
﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ يَعْنِي: مِنَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ
413
وَالصُّوف
﴿وسرابيل تقيكم بأسكم﴾ يَعْنِي: دُرُوعَ الْحَدِيدِ تَقِي الْقِتَالَ.
﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تسلمون﴾ لِكَيْ تُسْلِمُوا؛ يَقُولُ: إِنْ أَسْلَمْتُمْ تَمَّتْ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ بِالْجَنَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمُوا لمْ تَتِمَّ عَلَيْكُمُ النِّعْمَة
414
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبين﴾ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تَهْدِيَهُمْ، وَكَانَ هَذَا قبل أَن يُؤمر بقتالهم.
﴿يعْرفُونَ نعْمَة الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا﴾ يَقُولُ: يَعْرِفُونَ وَيُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خلقهمْ، وَخلق السَّمَوَات وَالأَرْضَ، وَأَنَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ، ثُمَّ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ بِتَكْذِيبِهِمْ ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ يَعْنِي: جَمَاعَتهمْ.
﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدا﴾ يَعْنِي: نبياًّ يشْهد عَلَيْهِم (ل ١٧٧) أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ ﴿ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يستعتبون﴾ هِيَ مَوَاطِنٌ: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مَوْطِنٍ فِي الْكَلامِ، وَيُؤْذَنُ لَهُم فِي موطن.
﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ﴾ أَيْ: دَخَلُوا فِيهِ؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ﴾ الْعَذَابُ ﴿وَلا هم ينظرُونَ﴾ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ، فَيَرُدَّهُمْ إِلَى الدُّنْيَا حَتَّى يَتُوبُوا؛ فَلَمْ يؤخرهم.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٨٦) إِلَى الْآيَة (٨٩).
﴿وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ﴾ يَعْنِي: شَيَاطِينَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُضِلُّونَهُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونك﴾ قَالُوا هَذَا؛ لأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ ﴿فَأَلْقَوْا إِلَيْهِم القَوْل﴾ أَلْقَى بَنُو آدَمَ إِلَى شَيَاطِينِهِمُ الْقَوْلَ؛ أَيْ: حَدَّثُوهُمْ؛ فَقَالُوا لَهُمْ: ﴿إِنَّكُم لَكَاذِبُونَ﴾ أَي: أَنكُمْ كذبتمونا فِي الدُّنْيَا وغررتمونا
﴿وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ أَيْ: اسْتَسْلَمُوا وَآمَنُوا بِاللَّهِ، وَكَفَرُوا بِالشَّيَاطِينِ وَالأَوْثَانِ ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ .
﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ﴾ تَفْسِيرُ ابْنِ مَسْعُودٍ: حَيَّاتٍ وَعَقَارِبَ لَهَا أَنْيَابٌ مِثْلَ النَّخْلِ الطُّوَالِ.
﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدا عَلَيْهِم من أنفسهم﴾ يَعْنِي: نَبِيَّهُمْ؛ هُوَ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ ﴿وَجِئْنَا بك﴾ يَا مُحَمَّدُ ﴿شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ﴾ يَعْنِي: أُمَّتَهُ ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تبياناً لكل شيءٍ﴾ يَعْنِي: مَا بَيَّنَ فِيهِ مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، وَكُلِّ مَا أَنْزَلَ الله فِيهِ.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٩٠) إِلَى الْآيَة (٩٢).
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وإيتاء ذِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي: حَقَّ الْقَرَابَةِ.
415
قَالَ الْحَسَنُ: حَقُّ الرَّحِمِ أَلا تَحْرِمَهَا وَلا تَهْجُرَهَا
﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي﴾ أَيْ: يَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
يحيى: عَنْ خِدَاشٍ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ ذنبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِم ".
416
﴿وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ يَعْنِي: تشديدها وتغليظها
﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا من بعد قُوَّة أنكاثا﴾ يَنْهَاهُمْ عَنْ نَكْثِ الْعَهْدِ؛ يَقُولُ: فَيَكُونُ مَثْلُكُمْ إِنْ نَكَثْتُمُ الْعَهْدَ مَثْلَ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ مَا أَبْرَمَتْهُ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي ضُرِبَتْ مَثَلا كَانَتْ تَغْزِلُ الشَّعْرَ؛ فَإِذَا غَزَلَتْهُ نَقَضَتْهُ، ثُمَّ عَادَتْ فغزلته.
قَالَ محمدٌ: (أنكاثاً) منصوبٌ؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَوَاحِدُ الأَنْكَاثِ: نكثٌ.
416
﴿دخلا بَيْنكُم﴾ أَيْ: خِيَانَةً وَغَدْرًا
﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾ أَيْ: أَكْثَرُ؛ يَقُولُ: فَتَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ لقومٍ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ قومٍ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يُحَالِفُونَ قَوْمًا فَيَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ، فَيَنْقُضُوا حِلْفَ هَؤُلاءِ وَيُحَالِفُونَ الَّذِينَ هُمْ أَعَزُّ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
﴿إِنَّمَا يبلوكم الله بِهِ﴾ أَي: يختبركم
﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
﴿مَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون﴾ من الْكفْر وَالْإِيمَان.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (٩٣) إِلَى الْآيَة (١٠٠).
417
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَة﴾ يَعْنِي: على مِلَّة الْإِسْلَام.
﴿وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: لَا تَصْنَعُوا كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ، فَتُظْهِرُوا الإِيمَانَ وَتُسِرُّوا الشِّرْكَ ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتهَا﴾ تَزِلَّ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ مَا كَانَت على الْإِيمَان
﴿وَلَا تشتروا بِعَهْد الله﴾ يَعْنِي الْيَمِينَ
417
الكاذبة
﴿ثمنا قَلِيلا﴾ من الدُّنْيَا.
418
﴿فلنحيينه حَيَاة طيبَة﴾ تَفْسِيرُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: يَعْنِي: القناعة.
﴿فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن﴾ الآيَةَ قَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي الصَّلاةِ، ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً فِي غَيْرِ الصَّلاةِ؛ إِذَا أَرَادَ أَنْ يقْرَأ.
﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذين آمنُوا﴾ هُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ من مضل﴾ .
﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ أَيْ: يُطِيعُونَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يُكْرِهَهُمْ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مشركون﴾ أَيْ: بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ.
قَالَ مُحَمَّدٌ (ل ١٧٨) قِيلَ: الْمَعْنَى: الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَجله مشركون بِاللَّه.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (١٠١) إِلَى الْآيَة (١٠٥).
﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْت مفتر﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: كَانَتِ الآيَةُ إِذَا نَزَلَتْ؛ فَعُمِلَ بِهَا وَفِيهَا شِدَّةٌ، ثمَّ نزلت بَعْدَهَا آيَةٌ فِيهَا لِينٌ قَالُوا: إِنَّمَا يَأْمُرُ محمدٌ أَصْحَابَهُ بِالأَمْرِ؛ فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ صَرَفَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَلْو كَانَ هَذَا الأَمْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا، وَمَا اخْتَلَفَ وَلَكِنَّهُ مِنْ قبل
418
قَالَ الله: ﴿قل﴾ يَا مُحَمَّدُ: ﴿نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ من رَبك بِالْحَقِّ﴾ فَأَخْبِرْ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا لم يفتر مِنْهُ شَيْئا.
﴿وَلَقَد نعلم أَنهم يَقُولُونَ﴾ يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بشر﴾ يَعْنُونَ: عَبْدًا لابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ رُومِيًّا صَاحِبِ كِتَابٍ - فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ - اسْمُهُ: حبرٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَدَّاسُ غُلامُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ.
قَالَ اللَّهُ: ﴿لِسَانُ الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ﴾ أَيْ: يَمِيلُونَ إِلَيْهِ ﴿أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين﴾ فأكذبهم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله لَا يهْدِيهم الله﴾ هَؤُلاءِ الَّذِينَ لَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يهْدِيهم يلقونه بكفرهم.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (١٠٦) إِلَى الْآيَة (١١٠).
﴿مِنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَان﴾ أَيْ: راضٍ بِهِ؛ نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَصْحَابِهِ؛ أَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَوَقَفُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَخَافُوا مِنْهُمْ؛ فَأَعْطَوْهُمْ ذَلِكَ بأفواههم.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافرين﴾ يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِكُفْرِهِمْ.
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا من بعد مَا فتنُوا﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هُمْ قومٌ كَانُوا بِمَكَّةَ، فَعَرَضَتْ لَهُمْ فِتْنَةٌ؛ فَارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ وَشَكُّوا فِي نَبِيِّ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ جَاهَدُوا مَعَهُ وَصَبَرُوا.
﴿وَلَكِنْ مَنْ شرح بالْكفْر صَدرا﴾ قَالَ محمدٌ: يَعْنِي: فَتَحَ لَهُ بِالْقبُولِ صَدره.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (١١١) إِلَى الْآيَة (١١٥).
﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَفسهَا﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: إِنَّ كُلَّ نفسٍ تُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلْحِسَابِ، لَيْسَ يَسْأَلُهَا عَنْ عَمَلِهَا إِلا اللَّهِ ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عملت﴾ أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ فِي الآخِرَةِ شَيْءٌ قَدِ اسْتَوْفَاهَا فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا سَيِّئَاتُهُ فَيُوَفَّاهَا فِي الآخِرَةِ يُجَازَى بِهَا النَّارَ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ الَّذِي يُوَفَّى الْحَسَنَاتِ فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا سَيِّئَاتُهُ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى ذَهَبَتْ سَيِّئَاتُهُ بِالْبَلاءِ وَالْعُقُوبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، فَيْفَعَلُ الله فِيهِ مَا يَشَاء.
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَة مطمئنة﴾ إِلَى قَوْله: ﴿وهم ظَالِمُونَ﴾ الْقَرْيَةُ: مَكَّةُ، وَالرَّسُولُ: محمدٌ؛ كَفَرُوا بِأَنْعُمِ اللَّهِ؛ فَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَلَمْ يَشْكُرُوا. وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوع وَالْخَوْف﴾ يَعْنِي: الْجُوعَ الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ عَذَابِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا الْخَوْفُ: فَبَعْدَ مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم.
﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طيبا﴾ يَعْنِي: مَا أَحَلَّ مِنَ الرَّزْقِ.
﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ يَعْنِي: ذَبَائِحَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ أَحَلَّ ذَبَائِحَ أْهَلِ الْكِتَابِ ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غير بَاغ وَلَا عَاد﴾ قد مضى تَفْسِيره.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (١١٦) إِلَى الْآيَة (١١٨).
﴿ وما أهل لغير الله به ﴾ ، يعني : ذبائح المشركين، ثم أحل ذبائح أهل الكتاب. ﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد ﴾ ، قد مضى تفسيره.
﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ﴾ .
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: وَلا تَقُولُوا لَوَصْفِ أَلْسِنَتِكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ}.
يَعْنِي: مَا حَرَّمُوا مِنَ الأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ، وَمَا اسْتَحَلُّوا من أكل الْميتَة.
﴿مَتَاع قَلِيل﴾ أَيْ: أَنَّ الَّذِي هُمْ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا ذاهبٌ ﴿وَلَهُمْ عذابٌ أَلِيم﴾ {فِي الْآخِرَة
٢ - ! (وعَلى الَّذين هادوا حرمنا عَلَيْهِمْ)
﴿بِكُفْرِهِمْ﴾ (مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ من قبل} يَعْنِي: مَا قَصَّ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظفر﴾ الْآيَة.
421
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (١١٩) إِلَى الْآيَة (١٢٣).
422
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِن رَبك من بعْدهَا﴾ (ل ١٧٩) مِنْ بَعْدِ تِلْكَ الْجَهَالَةِ؛ إِذَا تَابُوا مِنْهَا ﴿لغَفُور رَحِيم﴾ فَكُلُّ ذنبٍ عَمِلَهُ الْعَبْدُ فَهُوَ مِنْهُ جهلٌ.
﴿إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة﴾ وَالأُمَّةُ: السَّيِّدُ فِي الْخَيْرِ الَّذِي يعلم الْخَيْر ﴿قَانِتًا﴾ مُطيعًا ﴿حَنِيفا﴾ أَي: مخلصاً.
﴿اجتباه﴾ اخْتَارَهُ ﴿وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ .
﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلا وهم يتولونه ويرضونه.
سُورَة النَّحْل من الْآيَة (١٢٤) إِلَى الْآيَة (١٢٨).
﴿إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتلفُوا فِيهِ﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: اسْتَحَلَّهُ بَعْضُهُمْ، وَحَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة﴾ وَحُكْمُهُ فِيهِمْ أَنْ يُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمُ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلَ الْكَافِرِينَ النَّارَ.
﴿ادْع إِلَى سَبِيل رَبك﴾ دِينِ رَبِّكَ ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أحسن﴾ يَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مَثَّلَ الْمُشْرِكُونَ بِحَمْزَةَ، وَقَطَعُوا مَذَاكِرَهُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَأَمَرَ بِهِ فَغُطِّيَ بِبُرْدَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، فَمَدَّهَا عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ إِذْخَرًا، ثُمَّ قَالَ: لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاثِينَ مِنْ قريشٍ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ:
﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّه﴾ فَصَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ ".
﴿وَلَا تحزن عَلَيْهِم﴾ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا؛ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ
﴿وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يمكرون﴾ أَيْ: لَا يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَكْرِهِمْ وَكَذِبِهِمْ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ وَ
﴿مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هم محسنون﴾ .
424
تَفْسِير سُورَة سُبْحَانَ، وَهِي مَكِّيَّة كلهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
سُورَة الْإِسْرَاء آيَة (١).
5
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢٧: ﴿ ولا تحزن عليهم ﴾ ، إن لم يؤمنوا ؛ يعني : المشركين، ﴿ ولا تك في ضيق مما يمكرون ﴾ ، أي : لا يضيق صدرك بمكرهم وكذبهم عليك ؛ فإن الله معك و﴿ مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ﴾ .
سورة النحل
×
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات
سورةُ (النَّحْلِ) مِن السُّوَر المكية التي بيَّنتْ عظمةَ الله عز وجل وقُدْرتَه في هذا الكون، وقد جاءت بأدلةٍ وإثباتات على وَحْدانية الله عز وجل، لا سيما بديع صُنْعِه في خَلْقِه؛ ومن ذلك: إيحاؤه للنَّحْلِ أن تصنعَ بيوتها بهذه الكيفية وهذه الطريقة، وكذا ما أودَعه اللهُ عز وجل في هذا المخلوقِ من أسرارٍ وعجائبَ تدلُّ على قدرته تعالى، وتفرُّدِه في الألوهية، وقد جاءت السورةُ على ذِكْرِ مشاهدِ يوم القيامة، وما يَتبَع ذلك اليومَ من أهوالٍ.
ترتيبها المصحفي
16
نوعها
مكية
ألفاظها
1845
ترتيب نزولها
70
العد المدني الأول
128
العد المدني الأخير
128
العد البصري
128
العد الكوفي
128
العد الشامي
128
* قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ} [النحل: 126] :
عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأنصارِ أربعةٌ وسِتُّون رجُلًا، ومِن المهاجِرِين سِتَّةٌ؛ منهم حَمْزةُ، فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصارُ: لَئِنْ أصَبْنا منهم يومًا مِثْلَ هذا، لَنُرْبِيَنَّ عليهم، قال: فلمَّا كان يومُ فَتْحِ مكَّةَ، فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ} [النحل: 126] ، فقال رجُلٌ: لا قُرَيشَ بعد اليومِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: كُفُّوا عن القومِ إلا أربعةً»». سنن الترمذي (٣١٢٩).
سورةُ (النَّحْلِ):
سُمِّيتْ سورةُ (النَّحْلِ) بذلك؛ لذِكْرِ النَّحْلِ فيها، ولم يُذكَرْ في سورةٍ أخرى غيرِها.
اشتمَلتِ السورةُ على عدَّة موضوعات؛ بيانها كالآتي:
1. إثبات وَحْدانية الله تعالى (١-٢).
2. أدلة على وحدانيته تعالى (٣-١٦).
3. اللهُ الخالق المنعم القادر، وعَجْزُ المعبودين غيرِه (١٧- ٢١).
4. ذمُّ المتكبِّرين، ومدحُ المتقين (٢٢-٣٥).
5. عاقبة المكذِّبين بالرُّسل واليوم الآخر، وجزاء المؤمنين (٣٦- ٥٠).
6. أدلةٌ أخرى على توحيد الألوهية (٥١- ٦٤).
7. تتمة نِعَم الله الدالة على التوحيد، يَتخلَّلها ضربُ الأمثلة (٦٦-٨٣).
8. من مشاهدِ يوم القيامة (٨٤- ٨٩).
9. توجيهات حول مكارمِ الأخلاق (٩٠- ٩٧).
10. التأدُّب بآداب القرآن، وردُّ الافتراءات (٩٨- ١١١).
11. ضربُ الأمثلة (١١٢- ١١٩).
12. أهمية الدعوة، وأساليبها (١٢٠- ١٢٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /131).
دلَّ اسمُ السورة على مقصودِها؛ وهو - كما ذكَره البقاعيُّ -: "الدَّلالة على أنَّه تعالى تامُّ القدرة والعلم، فاعلٌ بالاختيار، مُنزَّه عن شوائبِ النَّقص، وأدلُّ ما فيها على هذا المعنى: أمرُ النَّحْلِ؛ لِما ذُكِر من شأنها في دقةِ الفهم؛ في ترتيبِ بيوتها على شكل التَّسديسِ ترتيبًا لا يصل إليه أكابرُ المهندسين إلا بعد تكامُلٍ كبير، وقانونٍ يَقِيسون به ذلك التَّقدير، وذلك على وجهٍ هو أنفَعُ الوجوه لها، وفي رَعْيِها، وسائر أمرها؛ من اختلافِ ألوان ما يخرُجُ منها مِن أعسالها وشموعها، وجَعْلِ الشَّمْعِ نورًا وضياءً، والعسلِ بركةً وشفاءً، مع أَكْلِها من كلِّ الثمار، النافعِ منها والضارِّ، وغير ذلك من الأسرار". "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /213-214).