تفسير سورة النحل

المحرر في أسباب نزول القرآن

تفسير سورة سورة النحل من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن.
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة النحل
١٠٩ - قال الله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي والنَّسَائِي عن أبي بن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما كان يوم أحد أُصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنُربينَّ عليهم، قال: فلما كان يوم فتح مكة، فأنزل اللَّه تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) فقال رجل: لا قريش بعد اليوم فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كفوا عن القوم إلا أربعة).
653
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة، وقد أورد ابن العربي الحديث بنصه، وجمهور المفسرين بألفاظ مقاربة.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره للمؤمنين: وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته، واحتسبتم عند اللَّه ما نالكم به من الظلم ووكلتم أمره إليه حتى يكون هو المتولي عقوبته لهو خير للصابرين. وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية فقال بعضهم: نزلت من أجل أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أقسموا حين فعل المشركون يوم أُحد ما فعلوا بقتلى المسلمين من التمثيل بهم أن يجاوزوا فعلهم في المُثلة بهم إن رزقوا الظفر عليهم يومًا فنهاهم الله عن ذلك بهذه الآية، وأمرهم أن يقتصروا في التمثيل بهم إن هم ظفروا على مثل الذي كان منهم) اهـ بتصرف يسير.
وقال البغوي: (هذه الآيات نزلت بالمدينة في شهداء أحد) اهـ ثم ساق الحديث.
وقال ابن عطية: (أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أحد... ثم ذكر الحديث) اهـ.
وقال الشنقيطي: (نزلت هذه الآية الكريمة من سورة النحل بالمدينة في تمثيل المشركين بحمزة ومن قتل معه يوم أحد، فقال المسلمون: لئن أظفرنا الله بهم لنمثلن بهم فنزلت الآية الكريمة فصبروا لقوله تعالى: (لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) مع أن سورة النحل مكية إلا هذه الآيات الثلاث من آخرها) اهـ.
وقال ابن عاشور: (ويجوز أن تكون نزلت في قصة التمثيل بحمزة يوم أحد وهو مروي بحديث ضعيف للطبراني، ولعله اشتبه على الرواة تذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآية حين توعد المشركين بأن يمثل بسبعين منهم إن أظفره الله بهم) اهـ.
654
هذه أقوال المفسرين في سبب نزول الآية الكريمة وإن الناظر في سياق الآيات يجد المطابقة تامة بينه وبين الحديث، إلا أن المفسرين ذكروا أن الآية نزلت في المدينة، وحديث أُبي أنها نزلت في فتح مكة: ولا ريب أن هذا خطأٌ؛ إذ كيف تكون المثلة في أحد ويقول المسلمون مقالتهم. ولا تنزل الآية إلا في يوم فتح مكة.
والحق أني متردد فإذا نظرت إلى المطابقة بين سياق الآية ولفظ الحديث مع احتجاج كثير من المفسرين بالحديث على السببية أجد نفسي تميل إلى القول بالسببية.
وإذا نظرت إلى إسناد الحديث وما فيه من الكلام، مع ما في متنه من عدم الضبط أجد الكفة تميل بي عن القول بالسببية.
ولقائل أن يقول: إن وجود أحاديث في هذا الشأن مع عدد من الآثار عن السلف يدل على أن للحديث أصلاً، وإن كان الذي بين يديك فيه من الضعف ما فيه، والحديث إذا كان ضعيفًا واقترنت به بعض المرجحات يرقى إلى مرتبة القبول والاحتجاج وبهذا يجتمع القولان ويرتفع الإشكال.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور وإن كان فيه ضعف فإنه صالح للسببية بسبب الآثار التي تعضده، مع موافقة السياق القرآني، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم.
* * * * *
655
سورة الإسراء
657
سورة النحل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (النَّحْلِ) مِن السُّوَر المكية التي بيَّنتْ عظمةَ الله عز وجل وقُدْرتَه في هذا الكون، وقد جاءت بأدلةٍ وإثباتات على وَحْدانية الله عز وجل، لا سيما بديع صُنْعِه في خَلْقِه؛ ومن ذلك: إيحاؤه للنَّحْلِ أن تصنعَ بيوتها بهذه الكيفية وهذه الطريقة، وكذا ما أودَعه اللهُ عز وجل في هذا المخلوقِ من أسرارٍ وعجائبَ تدلُّ على قدرته تعالى، وتفرُّدِه في الألوهية، وقد جاءت السورةُ على ذِكْرِ مشاهدِ يوم القيامة، وما يَتبَع ذلك اليومَ من أهوالٍ.

ترتيبها المصحفي
16
نوعها
مكية
ألفاظها
1845
ترتيب نزولها
70
العد المدني الأول
128
العد المدني الأخير
128
العد البصري
128
العد الكوفي
128
العد الشامي
128

* قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ} [النحل: 126]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأنصارِ أربعةٌ وسِتُّون رجُلًا، ومِن المهاجِرِين سِتَّةٌ؛ منهم حَمْزةُ، فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصارُ: لَئِنْ أصَبْنا منهم يومًا مِثْلَ هذا، لَنُرْبِيَنَّ عليهم، قال: فلمَّا كان يومُ فَتْحِ مكَّةَ، فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ} [النحل: 126]، فقال رجُلٌ: لا قُرَيشَ بعد اليومِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: كُفُّوا عن القومِ إلا أربعةً»». سنن الترمذي (٣١٢٩).

سورةُ (النَّحْلِ):

سُمِّيتْ سورةُ (النَّحْلِ) بذلك؛ لذِكْرِ النَّحْلِ فيها، ولم يُذكَرْ في سورةٍ أخرى غيرِها.

اشتمَلتِ السورةُ على عدَّة موضوعات؛ بيانها كالآتي:

1. إثبات وَحْدانية الله تعالى (١-٢).

2. أدلة على وحدانيته تعالى (٣-١٦).

3. اللهُ الخالق المنعم القادر، وعَجْزُ المعبودين غيرِه (١٧- ٢١).

4. ذمُّ المتكبِّرين، ومدحُ المتقين (٢٢-٣٥).

5. عاقبة المكذِّبين بالرُّسل واليوم الآخر، وجزاء المؤمنين (٣٦- ٥٠).

6. أدلةٌ أخرى على توحيد الألوهية (٥١- ٦٤).

7. تتمة نِعَم الله الدالة على التوحيد، يَتخلَّلها ضربُ الأمثلة (٦٦-٨٣).

8. من مشاهدِ يوم القيامة (٨٤- ٨٩).

9. توجيهات حول مكارمِ الأخلاق (٩٠- ٩٧).

10. التأدُّب بآداب القرآن، وردُّ الافتراءات (٩٨- ١١١).

11. ضربُ الأمثلة (١١٢- ١١٩).

12. أهمية الدعوة، وأساليبها (١٢٠- ١٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /131).

دلَّ اسمُ السورة على مقصودِها؛ وهو - كما ذكَره البقاعيُّ -: "الدَّلالة على أنَّه تعالى تامُّ القدرة والعلم، فاعلٌ بالاختيار، مُنزَّه عن شوائبِ النَّقص، وأدلُّ ما فيها على هذا المعنى: أمرُ النَّحْلِ؛ لِما ذُكِر من شأنها في دقةِ الفهم؛ في ترتيبِ بيوتها على شكل التَّسديسِ ترتيبًا لا يصل إليه أكابرُ المهندسين إلا بعد تكامُلٍ كبير، وقانونٍ يَقِيسون به ذلك التَّقدير، وذلك على وجهٍ هو أنفَعُ الوجوه لها، وفي رَعْيِها، وسائر أمرها؛ من اختلافِ ألوان ما يخرُجُ منها مِن أعسالها وشموعها، وجَعْلِ الشَّمْعِ نورًا وضياءً، والعسلِ بركةً وشفاءً، مع أَكْلِها من كلِّ الثمار، النافعِ منها والضارِّ، وغير ذلك من الأسرار". "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /213-214).