تفسير سورة النحل

تفسير ابن خويز منداد

تفسير سورة سورة النحل من كتاب تفسير ابن خويز منداد
لمؤلفه ابن خويزمنداد . المتوفي سنة 390 هـ

٦٧- قوله تعالى :﴿ وَهُوَ اَلذِي سَخَّرَ اَلْبَحْرَ لِتَاكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى اَلفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ( ١٤ ).
٧٥- قوله تعالى :﴿ وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾ قال القرطبي :( من حلف ألا يلبس حليّا فلبس لؤلؤا لم يحنث ؛ وبه قال أبو حنيفة. قال ابن خويز منداد : لأن هذا وإن كان الاسم اللغوي يتناوله فلم يقصده باليمين، والأيمان تخص بالحرف ؛ ألا ترى أنه لو حلف ألا ينام على فراش فنام على الأرض لم يحنث، وكذلك لا يستضيء بسراج فجلس في الشمس لا يحنث، وإن كان الله تعالى قد سمّى الأرض فراشا والشمس سراجا )١.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ١٠/٨٩..
٦٨- قوله تعالى :﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ اِلاَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعَنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنَ اَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَثًا وَمَتَعًا اِلَى حِينٍ ﴾ ( ٨٠ ).
٧٦- قوله تعالى :﴿ مِّن جُلُودِ اِلاَنْعَمِ ﴾ : قال القرطبي :( اختلف العلماء في جلد الميتة إذا دُبغ هل يطهر أم لا، فذكر ابن عبد الحكم١ عن مالك ما يشبه مذهب ابن شهاب في ذلك. وذكره ابن خويز منداد في كتابه عن ابن عبد الحكم أيضا. قال ابن خويز منداد : وهو قول الزهري والليث٢. قال : والظاهر من مذهب مالك ما ذكره ابن عبد الحكم، وهو أن الدباغ لا يطهر جلد الميتة، ولكن يبيح الانتفاع به في الأشياء اليابسة، ولا يصلى عليه ولا يؤكل فيه )٣.
١ - هو أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين، فقيه مصري من أجلة أصحاب مالك كان ألم أصحاب مالك بمختلف قوله: إليه انتهت رياسة المذهب بمصر بعد أشهب، روى "الموطأ" عن مالك سماعا (ت ٢١٤هـ). انظر عنه: طبقات الفقهاء ص: ١٥٦، وفيات الأعيان: ٣/٤٣.
.

٢ - هو أبو الحارث ليث بن سعد بن عبد الرحمان، فقيه أهل مصر، سمع علماء المصريين والحجاز بيت، وأبي مليكة وابن شهاب الزهري، وعمرو بن الحارث وغيرهم، حدث عنه: عبد الله ابن المبارك، وعبد الله بن عبد الحكم، وعبد الله بن وهب وغيرهم. وكان الليث يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الشعر، والحديث، حسن المذاكرة. قال ابن وهب: لولا مالك والليث لضل الناس (ت ١٧٥هـ). انظر عنه وفيات الأعيان: ٤/١٢٧، ميزان الاعتدال: ٣/٤٢٣، شذرات الذهب: ١/٢٨٥..
٣ - المصدر السابق: ١٠/١٥٦. وفيه هذا الكلام: (وفي المدونة لابن القاسم (من اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ فأتلفه كان عليه قيمته) وحكى أن ذلك قول مالك. وذكر أبو الفرج أن مالكا قال: من اغتصب لرجل جلد ميتة غير مدبوغ فلا شيء عليه. قال إسماعيل: إلا أن يكون لمجوسي. وروى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك جواز بيعه، وهذا في جلد كل ميتة إلا الخنزير وحده، لأن الزكاة لا تعمل فيه، فالدباغ أولى). ولم أستطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام القرطبي..
٦٩- قوله تعالى :﴿ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ بَعْدَ إِيمَنِهِ إِلاَّ مَنُ اكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالاِيمَنِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اَللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ( ١٠٦ ).
٧٧- قوله تعالى :﴿ إِلاَّ مَنُ اكْرِهَ ﴾ :( قال ابن خويز منداد في أحكامه : اختلف أصحابنا متى أكره الرجل على الزنى، فقال بعضهم : عليه الحد ؛ لأنه إنما يفعل ذلك باختياره. وقال بعضهم : لا حد عليه. قال ابن خويز منداد : وهو الصحيح )١.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ١٠/١٨٣.
.

سورة النحل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (النَّحْلِ) مِن السُّوَر المكية التي بيَّنتْ عظمةَ الله عز وجل وقُدْرتَه في هذا الكون، وقد جاءت بأدلةٍ وإثباتات على وَحْدانية الله عز وجل، لا سيما بديع صُنْعِه في خَلْقِه؛ ومن ذلك: إيحاؤه للنَّحْلِ أن تصنعَ بيوتها بهذه الكيفية وهذه الطريقة، وكذا ما أودَعه اللهُ عز وجل في هذا المخلوقِ من أسرارٍ وعجائبَ تدلُّ على قدرته تعالى، وتفرُّدِه في الألوهية، وقد جاءت السورةُ على ذِكْرِ مشاهدِ يوم القيامة، وما يَتبَع ذلك اليومَ من أهوالٍ.

ترتيبها المصحفي
16
نوعها
مكية
ألفاظها
1845
ترتيب نزولها
70
العد المدني الأول
128
العد المدني الأخير
128
العد البصري
128
العد الكوفي
128
العد الشامي
128

* قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ} [النحل: 126]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأنصارِ أربعةٌ وسِتُّون رجُلًا، ومِن المهاجِرِين سِتَّةٌ؛ منهم حَمْزةُ، فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصارُ: لَئِنْ أصَبْنا منهم يومًا مِثْلَ هذا، لَنُرْبِيَنَّ عليهم، قال: فلمَّا كان يومُ فَتْحِ مكَّةَ، فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ} [النحل: 126]، فقال رجُلٌ: لا قُرَيشَ بعد اليومِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: كُفُّوا عن القومِ إلا أربعةً»». سنن الترمذي (٣١٢٩).

سورةُ (النَّحْلِ):

سُمِّيتْ سورةُ (النَّحْلِ) بذلك؛ لذِكْرِ النَّحْلِ فيها، ولم يُذكَرْ في سورةٍ أخرى غيرِها.

اشتمَلتِ السورةُ على عدَّة موضوعات؛ بيانها كالآتي:

1. إثبات وَحْدانية الله تعالى (١-٢).

2. أدلة على وحدانيته تعالى (٣-١٦).

3. اللهُ الخالق المنعم القادر، وعَجْزُ المعبودين غيرِه (١٧- ٢١).

4. ذمُّ المتكبِّرين، ومدحُ المتقين (٢٢-٣٥).

5. عاقبة المكذِّبين بالرُّسل واليوم الآخر، وجزاء المؤمنين (٣٦- ٥٠).

6. أدلةٌ أخرى على توحيد الألوهية (٥١- ٦٤).

7. تتمة نِعَم الله الدالة على التوحيد، يَتخلَّلها ضربُ الأمثلة (٦٦-٨٣).

8. من مشاهدِ يوم القيامة (٨٤- ٨٩).

9. توجيهات حول مكارمِ الأخلاق (٩٠- ٩٧).

10. التأدُّب بآداب القرآن، وردُّ الافتراءات (٩٨- ١١١).

11. ضربُ الأمثلة (١١٢- ١١٩).

12. أهمية الدعوة، وأساليبها (١٢٠- ١٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /131).

دلَّ اسمُ السورة على مقصودِها؛ وهو - كما ذكَره البقاعيُّ -: "الدَّلالة على أنَّه تعالى تامُّ القدرة والعلم، فاعلٌ بالاختيار، مُنزَّه عن شوائبِ النَّقص، وأدلُّ ما فيها على هذا المعنى: أمرُ النَّحْلِ؛ لِما ذُكِر من شأنها في دقةِ الفهم؛ في ترتيبِ بيوتها على شكل التَّسديسِ ترتيبًا لا يصل إليه أكابرُ المهندسين إلا بعد تكامُلٍ كبير، وقانونٍ يَقِيسون به ذلك التَّقدير، وذلك على وجهٍ هو أنفَعُ الوجوه لها، وفي رَعْيِها، وسائر أمرها؛ من اختلافِ ألوان ما يخرُجُ منها مِن أعسالها وشموعها، وجَعْلِ الشَّمْعِ نورًا وضياءً، والعسلِ بركةً وشفاءً، مع أَكْلِها من كلِّ الثمار، النافعِ منها والضارِّ، وغير ذلك من الأسرار". "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /213-214).