تفسير سورة الفتح

التيسير في أحاديث التفسير

تفسير سورة سورة الفتح من كتاب التيسير في أحاديث التفسير
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
ومن هنا ننتقل إلى سورة " الفتح " المدنية أيضا، وهذه السورة نزلت في السنة السادسة من الهجرة عقب " صلح الحديبية " الشهير، " والفتح " الذي تشير إليه هو صلح الحديبية نفسه، باعتبار ما كان فيه من المصلحة في البداية، وما آل إليه أمره في النهاية، لا " فتح مكة " كما يتبادر إلى بعض الأذهان، قال عبد الله بن مسعود : " إنكم تعدون ( الفتح ) فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية "، وقال جابر : " ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية "، وروى البخاري بسنده عن البراء قال : " تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ". إلى آخر الحديث. ذلك أنه مضت خمسة أعوام منذ هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة والمشركون يمنعونه ويمنعون المومنين من دخول مكة ولو في الأشهر الحرم، حتى كان العام السادس للهجرة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيارة بيت الحرام في رفقة ألف وأربعمائة من المسلمين، وذلك في شهر ذي القعدة، وخرج " معتمرا " لا يريد حربا، وساق معه الهدي سبعين بدنة، إيذانا للمشركين بأنه فعلا غير عازم على حربهم ولا على فتح مكة، لكن قريشا لبسوا " جلود النمور " وخرجوا لملاقاته، إذ تعاهدوا فيما بينهم على أن لا يدخلها أبدا، وتبودلت الرسل بين الفريقين، وكان عثمان بن عفان رسول الله إلى قريش، وكان سهيل بن عمرو رسول قريش إلى رسول الله، وانتهى الأمر بكتابة صلح الحديبية الشهير، الذي كان من جملة ما تضمنه أن يرجع الرسول عامه ذاك، ثم يأتي إلى مكة من العام القابل، وكان علي رضي الله عنه كاتب الصحيفة المتضمنة لشروط الصلح، وعند منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وهو في طريقه إلى المدينة المنورة نزلت عليه سورة " الفتح " المدنية التي نحن بصدد تفسيرها الآن. وبمناسبة نزولها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن مالك بن أنس : " نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها :﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ١ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾

وبمناسبة نزولها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن مالك بن أنس : " نزل علي البارحة سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها :﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ١ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾، فقد كان هذا الخطاب الإلهي الكريم بشرى مضاعفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما يناله في الدنيا وما يناله في الآخرة، وذلك بالإضافة إلى ما تضمنه من تصديق لمعاهدة الصلح التي عقدها مع قريش، ومن إعلان الله رضاه عن الأهداف السامية الموفقة، التي رمت إليها تلك الخطة النبوية الكريمة.
وقوله تعالى :﴿ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ﴾، يتضمن إحدى الخصائص التي يختص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشاركه فيها غيره من الناس. قال ابن كثير : " وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهذا تشريف عظيم لرسول الله، هذا هو صلى الله عليه وسلم في جميع أموره على الطاعة والبر والاستقامة، التي لم ينلها بشر سواه، لا من الأولين ولا من الآخرين ".
وانتقلت الآيات إلى الحديث عن " السكينة " التي أنزلها الله في قلوب المومنين، وما ينتظرهم من الجزاء الحسن عند الله، وما ينتظر المنافقين والمشركين من العذاب الأليم، وبينت الآيات أن مبايعة المومنين لرسول الله تحت الشجرة في " بيعة الرضوان " بالحديبية إنما هي مبايعة لله :﴿ يد الله فوق أيديهم ﴾
ولم يهمل كتاب الله الحديث عن موقف المنافقين من الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله، وعن الأعذار التي ينتظر أن ينتحلوها ليبرروا بها تخلفهم عنه، ويفضح كتاب الله نواياهم الحقيقية، ومخاوفهم الوهمية :﴿ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمومنين إلى أهليهم أبدا ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:ولم يهمل كتاب الله الحديث عن موقف المنافقين من الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله، وعن الأعذار التي ينتظر أن ينتحلوها ليبرروا بها تخلفهم عنه، ويفضح كتاب الله نواياهم الحقيقية، ومخاوفهم الوهمية :﴿ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمومنين إلى أهليهم أبدا ﴾
ويحدد كتاب الله الموقف المناسب اتخاذه منهم، فيما يستقبل من معارك الجهاد الإسلامي، كما يتنبأ بما سيمتحنون به في مستقبل الأيام :﴿ قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون... ١٦ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:ويحدد كتاب الله الموقف المناسب اتخاذه منهم، فيما يستقبل من معارك الجهاد الإسلامي، كما يتنبأ بما سيمتحنون به في مستقبل الأيام :﴿ قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون... ١٦ ﴾.
ويعرج كتاب الله في نهاية هذا الربع على الأعذار المقبولة شرعا للتخلف عن الجهاد، والإعفاء من الواجبات العسكرية، وفي هذه الأعذار ما هو لازم ودائم، كالعمى والعرج المستمر، وما هو عارض ومؤقت، كالمرض الذي يطرأ ثم يزول، إذ يعتبر المريض ملحقا بذوي الأعذار العارضة حتى يبرأ من مرضه، وذلك قوله تعالى :﴿ ليس على الأعمى حرج، ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ﴾.
وتختم آيات هذا الربع بنفس المبدأ الذي كان فاتحة لها، ألا وهو مبدأ الطاعة لله والطاعة لرسوله، وما يناله المطيع من الجزاء بالحسنى، وما يناله العاصي من العذاب الأليم، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول نعذبه عذابا أليما١٧ ﴾.
الربع الأول من الحزب الثاني والخمسين
في المصحف الكريم
تتحدث الآيات الكريمة في مطلع هذا الربع عن " بيعة الرضوان " التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة للهجرة كل من رافقه من المسلمين عندما كانوا بالحديبية، وذلك في فترة انتظاره لجواب قريش، بعدما بلغهم عزمه على زيارة البيت الحرام محرما بالعمرة، وبصحبته ألف وأربعمائة من أصحابه، وكانت قريش قد احتبست عندها عثمان بن عفان الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها لإبلاغها ما عزم عليه، وراجت إشاعة قوية مؤداها أن قريشا قد قتلت عثمان بن عفان مبعوث رسول الله إليها في هذه المهمة، فنادى منادي رسول الله : " ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله تعالى " وكان المسلمون قد تفرقوا في ظلال الشجر، فما كادوا يسمعون المنادي حتى ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، وأحدقوا به من كل جانب، وتسابقوا إلى بيعته، فبايعوه على الاستماتة والثبات معه إلى النهاية، فأرعب ذلك المشركين من أهل مكة، وأرسلوا من احتبسوه عندهم من المسلمين، ودعوا رسول الله والمومنين إلى الموادعة والصلح، فكان من ذلك كله " صلح الحديبية ".
ومما يستحق الذكر في هذا المقام أن عثمان بن عفان رسولَ رسولِ الله إلى قريش بمكة كان غائبا حين ابتدأ عقد هذه البيعة، إذ لم يزل عثمان آنذاك محتبسا عندهم، فلما بايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى الرسول بنفسه النيابة عن عثمان في بيعته إياه، وقال صلى الله عليه وسلم : " اللهم إن عثمان في حاجة الله تعالى وحاجة رسوله "، ثم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى، إيذانا ببيعة عثمان له، فحلت يد رسول الله محل يد عثمان، وكانت بالنسبة إليه خيرا من أيدي بقية المسلمين لأنفسهم، كما روى ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه.
ومن لطائف " بيعة الرضوان " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه خبر البيعة كان قد وجه ابنه عبد الله بن عمر، للإتيان بفرس له عند أحد الأنصار المرافقين للرسول عليه الصلاة والسلام، إذ كان عمر يستلئم للقتال، واحتاج إلى فرسه ليقاتل عليه إذا دعت الضرورة، نظرا للإشاعات القوية التي بلغت المسلمين عن عزم قريش على مقاومتهم، والإشاعة التي راجت عن قتل قريش لعثمان بن عفان مبعوث الرسول إلى مشركي مكة، وبينما عبد الله بن عمر في طريقه للإتيان بفرس أبيه إذا به قد وجد المسلمين يبايعون رسول الله فبايعه أولا، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى أبيه عمر، وأخبره أن رسول الله يبايع تحت الشجرة، فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر. والحق أن الوالد أسلم قبل ولده، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : " كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة " الحديث. وروى مسلم أيضا عن معقل بن يسار قال : " لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها على رأسه، ونحن أربع عشرة مائة " الحديث. وحدث جابر بن عبد الله أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بيعة الرضوان : " أنتم خير أهل الأرض اليوم " وما قاله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ هو مصداق قوله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا١٨ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، ومن أجل رضى الله عن المومنين بسبب هذه البيعة سميت " بيعة الرضوان ". أما الشجرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى البيعة –وهو مستظل بظلها- فقد كانت شجرة سمرة كما سبق في حديث جابر الذي رواه مسلم، وأما ما انطوت عليه قلوب المومنين وهم يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فهو الوفاء والصدق، والثبات على الحق، وكظم غيظهم أمام حرب الأعصاب التي شنها المشركون عليهم، عن طريق الاستفزاز والتهديد، والتزام السمع والطاعة لله ورسوله في المنشط والمكره، وأما " السكينة " التي أنزلها الله على المومنين فهي ما ألقاه في قلوبهم من الطمأنينة على مصير الإسلام، ومن الثقة بوعد الله الذي لا يستطيع أحد أن يحول دون إنجازه مهما بلغ من القوة والعناد، وأما " الفتح القريب " الذي عوضهم به الحق سبحانه وتعالى عن زيارة بيت الله الحرام في ذلك العام، فهو صلح الحديبية نفسه، الذي أجراه الله على أيديهم بينهم وبين أعدائهم، إذ كان بداية لفتوح كثيرة متتالية، من بينها فتح " خيبر " وكان على رأسها فتح مكة الذي تم بعد سنتين من صلح الحديبية فقط، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم في دنيا الإسلام، قال الزهري : " ما فتح في الإسلام فتح قبل صلح الحديبية كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة – أي : صلح الحديبية، وأمن الناس بعضهم بعضا والتقوا لم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين، أي : بين صلح الحديبية وفتح مكة مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر "، قال بن هشام : " والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف ".
وقوله تعالى في التعقيب على ذلك :﴿ وكان الله عزيزا حكيما١٩ ﴾ فيه إشارة إلى ما أكرم الله به المومنين من " العزة " المنافية للذلة، فقد أمدهم من عزته بما أدى إلى حفظ كرامتهم وحفظ كرامة الإسلام، كما أن فيه إشارة إلى " الحكمة الإلهية " التي كانت تقود خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عزم على زيارة بيت الله الحرام، استعمالا لحق المسلمين الذي أنكره عليهم المشركون منذ الهجرة، ثم عندما قرر تأجيل هذه الزيارة إلى العام القابل، على أساس صلح الحديبية الذي فتح في وجه الدعوة الإسلامية آفاقا جديدة، وكسب لها حقوقا واسعة، هي بداية النهاية للشرك والمشركين.
وقوله تعالى :﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، قال مجاهد " هي جميع الغنائم إلى اليوم، يريد جميع المغانم التي تقع عليها أيدي المجاهدين أثناء جهادهم في سبيل الله إلى يوم الدين، وها هنا لابد من التنبيه إلى أن كتاب الله عندما يذكر " المغانم " في سياق الجهاد لا يذكرها باعتبار أنها هدف أساسي من الجهاد في سبيل الله، وإنما يذكرها عرضا في هذا السياق، إيحاء للمسلمين بضمان الفوز والغلبة لهم، والنصر على أعداءهم، إذ " الغنيمة لا تقع تحت يد الغالب إلا بعد هزيمة المغلوب، فالغنيمة إنما تكون بعد الهزيمة ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:الربع الأول من الحزب الثاني والخمسين
في المصحف الكريم
تتحدث الآيات الكريمة في مطلع هذا الربع عن " بيعة الرضوان " التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة للهجرة كل من رافقه من المسلمين عندما كانوا بالحديبية، وذلك في فترة انتظاره لجواب قريش، بعدما بلغهم عزمه على زيارة البيت الحرام محرما بالعمرة، وبصحبته ألف وأربعمائة من أصحابه، وكانت قريش قد احتبست عندها عثمان بن عفان الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها لإبلاغها ما عزم عليه، وراجت إشاعة قوية مؤداها أن قريشا قد قتلت عثمان بن عفان مبعوث رسول الله إليها في هذه المهمة، فنادى منادي رسول الله :" ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله تعالى " وكان المسلمون قد تفرقوا في ظلال الشجر، فما كادوا يسمعون المنادي حتى ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، وأحدقوا به من كل جانب، وتسابقوا إلى بيعته، فبايعوه على الاستماتة والثبات معه إلى النهاية، فأرعب ذلك المشركين من أهل مكة، وأرسلوا من احتبسوه عندهم من المسلمين، ودعوا رسول الله والمومنين إلى الموادعة والصلح، فكان من ذلك كله " صلح الحديبية ".
ومما يستحق الذكر في هذا المقام أن عثمان بن عفان رسولَ رسولِ الله إلى قريش بمكة كان غائبا حين ابتدأ عقد هذه البيعة، إذ لم يزل عثمان آنذاك محتبسا عندهم، فلما بايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى الرسول بنفسه النيابة عن عثمان في بيعته إياه، وقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم إن عثمان في حاجة الله تعالى وحاجة رسوله "، ثم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى، إيذانا ببيعة عثمان له، فحلت يد رسول الله محل يد عثمان، وكانت بالنسبة إليه خيرا من أيدي بقية المسلمين لأنفسهم، كما روى ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه.
ومن لطائف " بيعة الرضوان " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه خبر البيعة كان قد وجه ابنه عبد الله بن عمر، للإتيان بفرس له عند أحد الأنصار المرافقين للرسول عليه الصلاة والسلام، إذ كان عمر يستلئم للقتال، واحتاج إلى فرسه ليقاتل عليه إذا دعت الضرورة، نظرا للإشاعات القوية التي بلغت المسلمين عن عزم قريش على مقاومتهم، والإشاعة التي راجت عن قتل قريش لعثمان بن عفان مبعوث الرسول إلى مشركي مكة، وبينما عبد الله بن عمر في طريقه للإتيان بفرس أبيه إذا به قد وجد المسلمين يبايعون رسول الله فبايعه أولا، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى أبيه عمر، وأخبره أن رسول الله يبايع تحت الشجرة، فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر. والحق أن الوالد أسلم قبل ولده، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال :" كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة " الحديث. وروى مسلم أيضا عن معقل بن يسار قال :" لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها على رأسه، ونحن أربع عشرة مائة " الحديث. وحدث جابر بن عبد الله أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بيعة الرضوان :" أنتم خير أهل الأرض اليوم " وما قاله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ هو مصداق قوله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا١٨ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، ومن أجل رضى الله عن المومنين بسبب هذه البيعة سميت " بيعة الرضوان ". أما الشجرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى البيعة –وهو مستظل بظلها- فقد كانت شجرة سمرة كما سبق في حديث جابر الذي رواه مسلم، وأما ما انطوت عليه قلوب المومنين وهم يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فهو الوفاء والصدق، والثبات على الحق، وكظم غيظهم أمام حرب الأعصاب التي شنها المشركون عليهم، عن طريق الاستفزاز والتهديد، والتزام السمع والطاعة لله ورسوله في المنشط والمكره، وأما " السكينة " التي أنزلها الله على المومنين فهي ما ألقاه في قلوبهم من الطمأنينة على مصير الإسلام، ومن الثقة بوعد الله الذي لا يستطيع أحد أن يحول دون إنجازه مهما بلغ من القوة والعناد، وأما " الفتح القريب " الذي عوضهم به الحق سبحانه وتعالى عن زيارة بيت الله الحرام في ذلك العام، فهو صلح الحديبية نفسه، الذي أجراه الله على أيديهم بينهم وبين أعدائهم، إذ كان بداية لفتوح كثيرة متتالية، من بينها فتح " خيبر " وكان على رأسها فتح مكة الذي تم بعد سنتين من صلح الحديبية فقط، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم في دنيا الإسلام، قال الزهري :" ما فتح في الإسلام فتح قبل صلح الحديبية كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة – أي : صلح الحديبية، وأمن الناس بعضهم بعضا والتقوا لم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين، أي : بين صلح الحديبية وفتح مكة مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر "، قال بن هشام :" والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف ".
وقوله تعالى في التعقيب على ذلك :﴿ وكان الله عزيزا حكيما١٩ ﴾ فيه إشارة إلى ما أكرم الله به المومنين من " العزة " المنافية للذلة، فقد أمدهم من عزته بما أدى إلى حفظ كرامتهم وحفظ كرامة الإسلام، كما أن فيه إشارة إلى " الحكمة الإلهية " التي كانت تقود خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عزم على زيارة بيت الله الحرام، استعمالا لحق المسلمين الذي أنكره عليهم المشركون منذ الهجرة، ثم عندما قرر تأجيل هذه الزيارة إلى العام القابل، على أساس صلح الحديبية الذي فتح في وجه الدعوة الإسلامية آفاقا جديدة، وكسب لها حقوقا واسعة، هي بداية النهاية للشرك والمشركين.
وقوله تعالى :﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، قال مجاهد " هي جميع الغنائم إلى اليوم، يريد جميع المغانم التي تقع عليها أيدي المجاهدين أثناء جهادهم في سبيل الله إلى يوم الدين، وها هنا لابد من التنبيه إلى أن كتاب الله عندما يذكر " المغانم " في سياق الجهاد لا يذكرها باعتبار أنها هدف أساسي من الجهاد في سبيل الله، وإنما يذكرها عرضا في هذا السياق، إيحاء للمسلمين بضمان الفوز والغلبة لهم، والنصر على أعداءهم، إذ " الغنيمة لا تقع تحت يد الغالب إلا بعد هزيمة المغلوب، فالغنيمة إنما تكون بعد الهزيمة ".

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:الربع الأول من الحزب الثاني والخمسين
في المصحف الكريم
تتحدث الآيات الكريمة في مطلع هذا الربع عن " بيعة الرضوان " التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة للهجرة كل من رافقه من المسلمين عندما كانوا بالحديبية، وذلك في فترة انتظاره لجواب قريش، بعدما بلغهم عزمه على زيارة البيت الحرام محرما بالعمرة، وبصحبته ألف وأربعمائة من أصحابه، وكانت قريش قد احتبست عندها عثمان بن عفان الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها لإبلاغها ما عزم عليه، وراجت إشاعة قوية مؤداها أن قريشا قد قتلت عثمان بن عفان مبعوث رسول الله إليها في هذه المهمة، فنادى منادي رسول الله :" ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله تعالى " وكان المسلمون قد تفرقوا في ظلال الشجر، فما كادوا يسمعون المنادي حتى ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، وأحدقوا به من كل جانب، وتسابقوا إلى بيعته، فبايعوه على الاستماتة والثبات معه إلى النهاية، فأرعب ذلك المشركين من أهل مكة، وأرسلوا من احتبسوه عندهم من المسلمين، ودعوا رسول الله والمومنين إلى الموادعة والصلح، فكان من ذلك كله " صلح الحديبية ".
ومما يستحق الذكر في هذا المقام أن عثمان بن عفان رسولَ رسولِ الله إلى قريش بمكة كان غائبا حين ابتدأ عقد هذه البيعة، إذ لم يزل عثمان آنذاك محتبسا عندهم، فلما بايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى الرسول بنفسه النيابة عن عثمان في بيعته إياه، وقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم إن عثمان في حاجة الله تعالى وحاجة رسوله "، ثم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى، إيذانا ببيعة عثمان له، فحلت يد رسول الله محل يد عثمان، وكانت بالنسبة إليه خيرا من أيدي بقية المسلمين لأنفسهم، كما روى ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه.
ومن لطائف " بيعة الرضوان " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه خبر البيعة كان قد وجه ابنه عبد الله بن عمر، للإتيان بفرس له عند أحد الأنصار المرافقين للرسول عليه الصلاة والسلام، إذ كان عمر يستلئم للقتال، واحتاج إلى فرسه ليقاتل عليه إذا دعت الضرورة، نظرا للإشاعات القوية التي بلغت المسلمين عن عزم قريش على مقاومتهم، والإشاعة التي راجت عن قتل قريش لعثمان بن عفان مبعوث الرسول إلى مشركي مكة، وبينما عبد الله بن عمر في طريقه للإتيان بفرس أبيه إذا به قد وجد المسلمين يبايعون رسول الله فبايعه أولا، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى أبيه عمر، وأخبره أن رسول الله يبايع تحت الشجرة، فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر. والحق أن الوالد أسلم قبل ولده، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال :" كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة " الحديث. وروى مسلم أيضا عن معقل بن يسار قال :" لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها على رأسه، ونحن أربع عشرة مائة " الحديث. وحدث جابر بن عبد الله أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بيعة الرضوان :" أنتم خير أهل الأرض اليوم " وما قاله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ هو مصداق قوله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا١٨ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، ومن أجل رضى الله عن المومنين بسبب هذه البيعة سميت " بيعة الرضوان ". أما الشجرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى البيعة –وهو مستظل بظلها- فقد كانت شجرة سمرة كما سبق في حديث جابر الذي رواه مسلم، وأما ما انطوت عليه قلوب المومنين وهم يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فهو الوفاء والصدق، والثبات على الحق، وكظم غيظهم أمام حرب الأعصاب التي شنها المشركون عليهم، عن طريق الاستفزاز والتهديد، والتزام السمع والطاعة لله ورسوله في المنشط والمكره، وأما " السكينة " التي أنزلها الله على المومنين فهي ما ألقاه في قلوبهم من الطمأنينة على مصير الإسلام، ومن الثقة بوعد الله الذي لا يستطيع أحد أن يحول دون إنجازه مهما بلغ من القوة والعناد، وأما " الفتح القريب " الذي عوضهم به الحق سبحانه وتعالى عن زيارة بيت الله الحرام في ذلك العام، فهو صلح الحديبية نفسه، الذي أجراه الله على أيديهم بينهم وبين أعدائهم، إذ كان بداية لفتوح كثيرة متتالية، من بينها فتح " خيبر " وكان على رأسها فتح مكة الذي تم بعد سنتين من صلح الحديبية فقط، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم في دنيا الإسلام، قال الزهري :" ما فتح في الإسلام فتح قبل صلح الحديبية كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة – أي : صلح الحديبية، وأمن الناس بعضهم بعضا والتقوا لم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين، أي : بين صلح الحديبية وفتح مكة مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر "، قال بن هشام :" والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف ".
وقوله تعالى في التعقيب على ذلك :﴿ وكان الله عزيزا حكيما١٩ ﴾ فيه إشارة إلى ما أكرم الله به المومنين من " العزة " المنافية للذلة، فقد أمدهم من عزته بما أدى إلى حفظ كرامتهم وحفظ كرامة الإسلام، كما أن فيه إشارة إلى " الحكمة الإلهية " التي كانت تقود خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عزم على زيارة بيت الله الحرام، استعمالا لحق المسلمين الذي أنكره عليهم المشركون منذ الهجرة، ثم عندما قرر تأجيل هذه الزيارة إلى العام القابل، على أساس صلح الحديبية الذي فتح في وجه الدعوة الإسلامية آفاقا جديدة، وكسب لها حقوقا واسعة، هي بداية النهاية للشرك والمشركين.
وقوله تعالى :﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، قال مجاهد " هي جميع الغنائم إلى اليوم، يريد جميع المغانم التي تقع عليها أيدي المجاهدين أثناء جهادهم في سبيل الله إلى يوم الدين، وها هنا لابد من التنبيه إلى أن كتاب الله عندما يذكر " المغانم " في سياق الجهاد لا يذكرها باعتبار أنها هدف أساسي من الجهاد في سبيل الله، وإنما يذكرها عرضا في هذا السياق، إيحاء للمسلمين بضمان الفوز والغلبة لهم، والنصر على أعداءهم، إذ " الغنيمة لا تقع تحت يد الغالب إلا بعد هزيمة المغلوب، فالغنيمة إنما تكون بعد الهزيمة ".


وقوله تعالى :﴿ فعجل لكم هذه ﴾، إشارة إلى صلح الحديبية نفسه كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، وقوله تعالى :﴿ وكف أيدي الناس عنكم ﴾، إشارة إلى أن الله كفى المؤمنين القتال هذه المرة فلم ينلهم أعداؤهم بسوء رغما عما أضمروه واستعدوا له من الحرب والقتال.
وقوله تعالى :﴿ ولتكون آية للمومنين وليهديكم صراطا مستقيما ﴾ إشارة إلى نفس وقعة الحديبية وصلحها الشهير، فقد كان هذا الصلح مفاجأة كبرى لبعض المسلمين أول الأمر، حتى خيل إليهم أن فيه شيئا من التراجع إلى الوراء، لكن الله الذي يسدد خطوات نبيه بالوحي من عنده، هو الذي كان يعلم ما لهذا الصلح من عواقب محمودة الأثر، سريعة الظهور، وها هو الحق سبحانه وتعالى يثبت للمؤمنين أن هذا الصلح نفسه سيكون آية لهم، ومعجزة جديدة للإسلام، وكذلك كان الأمر، فصدق الله وعده، ونصر جنده.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:الربع الأول من الحزب الثاني والخمسين
في المصحف الكريم
تتحدث الآيات الكريمة في مطلع هذا الربع عن " بيعة الرضوان " التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة للهجرة كل من رافقه من المسلمين عندما كانوا بالحديبية، وذلك في فترة انتظاره لجواب قريش، بعدما بلغهم عزمه على زيارة البيت الحرام محرما بالعمرة، وبصحبته ألف وأربعمائة من أصحابه، وكانت قريش قد احتبست عندها عثمان بن عفان الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها لإبلاغها ما عزم عليه، وراجت إشاعة قوية مؤداها أن قريشا قد قتلت عثمان بن عفان مبعوث رسول الله إليها في هذه المهمة، فنادى منادي رسول الله :" ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله تعالى " وكان المسلمون قد تفرقوا في ظلال الشجر، فما كادوا يسمعون المنادي حتى ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، وأحدقوا به من كل جانب، وتسابقوا إلى بيعته، فبايعوه على الاستماتة والثبات معه إلى النهاية، فأرعب ذلك المشركين من أهل مكة، وأرسلوا من احتبسوه عندهم من المسلمين، ودعوا رسول الله والمومنين إلى الموادعة والصلح، فكان من ذلك كله " صلح الحديبية ".
ومما يستحق الذكر في هذا المقام أن عثمان بن عفان رسولَ رسولِ الله إلى قريش بمكة كان غائبا حين ابتدأ عقد هذه البيعة، إذ لم يزل عثمان آنذاك محتبسا عندهم، فلما بايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى الرسول بنفسه النيابة عن عثمان في بيعته إياه، وقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم إن عثمان في حاجة الله تعالى وحاجة رسوله "، ثم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى، إيذانا ببيعة عثمان له، فحلت يد رسول الله محل يد عثمان، وكانت بالنسبة إليه خيرا من أيدي بقية المسلمين لأنفسهم، كما روى ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه.
ومن لطائف " بيعة الرضوان " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه خبر البيعة كان قد وجه ابنه عبد الله بن عمر، للإتيان بفرس له عند أحد الأنصار المرافقين للرسول عليه الصلاة والسلام، إذ كان عمر يستلئم للقتال، واحتاج إلى فرسه ليقاتل عليه إذا دعت الضرورة، نظرا للإشاعات القوية التي بلغت المسلمين عن عزم قريش على مقاومتهم، والإشاعة التي راجت عن قتل قريش لعثمان بن عفان مبعوث الرسول إلى مشركي مكة، وبينما عبد الله بن عمر في طريقه للإتيان بفرس أبيه إذا به قد وجد المسلمين يبايعون رسول الله فبايعه أولا، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى أبيه عمر، وأخبره أن رسول الله يبايع تحت الشجرة، فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر. والحق أن الوالد أسلم قبل ولده، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال :" كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة " الحديث. وروى مسلم أيضا عن معقل بن يسار قال :" لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها على رأسه، ونحن أربع عشرة مائة " الحديث. وحدث جابر بن عبد الله أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بيعة الرضوان :" أنتم خير أهل الأرض اليوم " وما قاله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ هو مصداق قوله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا١٨ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، ومن أجل رضى الله عن المومنين بسبب هذه البيعة سميت " بيعة الرضوان ". أما الشجرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى البيعة –وهو مستظل بظلها- فقد كانت شجرة سمرة كما سبق في حديث جابر الذي رواه مسلم، وأما ما انطوت عليه قلوب المومنين وهم يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فهو الوفاء والصدق، والثبات على الحق، وكظم غيظهم أمام حرب الأعصاب التي شنها المشركون عليهم، عن طريق الاستفزاز والتهديد، والتزام السمع والطاعة لله ورسوله في المنشط والمكره، وأما " السكينة " التي أنزلها الله على المومنين فهي ما ألقاه في قلوبهم من الطمأنينة على مصير الإسلام، ومن الثقة بوعد الله الذي لا يستطيع أحد أن يحول دون إنجازه مهما بلغ من القوة والعناد، وأما " الفتح القريب " الذي عوضهم به الحق سبحانه وتعالى عن زيارة بيت الله الحرام في ذلك العام، فهو صلح الحديبية نفسه، الذي أجراه الله على أيديهم بينهم وبين أعدائهم، إذ كان بداية لفتوح كثيرة متتالية، من بينها فتح " خيبر " وكان على رأسها فتح مكة الذي تم بعد سنتين من صلح الحديبية فقط، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم في دنيا الإسلام، قال الزهري :" ما فتح في الإسلام فتح قبل صلح الحديبية كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة – أي : صلح الحديبية، وأمن الناس بعضهم بعضا والتقوا لم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين، أي : بين صلح الحديبية وفتح مكة مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر "، قال بن هشام :" والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف ".
وقوله تعالى في التعقيب على ذلك :﴿ وكان الله عزيزا حكيما١٩ ﴾ فيه إشارة إلى ما أكرم الله به المومنين من " العزة " المنافية للذلة، فقد أمدهم من عزته بما أدى إلى حفظ كرامتهم وحفظ كرامة الإسلام، كما أن فيه إشارة إلى " الحكمة الإلهية " التي كانت تقود خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عزم على زيارة بيت الله الحرام، استعمالا لحق المسلمين الذي أنكره عليهم المشركون منذ الهجرة، ثم عندما قرر تأجيل هذه الزيارة إلى العام القابل، على أساس صلح الحديبية الذي فتح في وجه الدعوة الإسلامية آفاقا جديدة، وكسب لها حقوقا واسعة، هي بداية النهاية للشرك والمشركين.
وقوله تعالى :﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، قال مجاهد " هي جميع الغنائم إلى اليوم، يريد جميع المغانم التي تقع عليها أيدي المجاهدين أثناء جهادهم في سبيل الله إلى يوم الدين، وها هنا لابد من التنبيه إلى أن كتاب الله عندما يذكر " المغانم " في سياق الجهاد لا يذكرها باعتبار أنها هدف أساسي من الجهاد في سبيل الله، وإنما يذكرها عرضا في هذا السياق، إيحاء للمسلمين بضمان الفوز والغلبة لهم، والنصر على أعداءهم، إذ " الغنيمة لا تقع تحت يد الغالب إلا بعد هزيمة المغلوب، فالغنيمة إنما تكون بعد الهزيمة ".

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:الربع الأول من الحزب الثاني والخمسين
في المصحف الكريم
تتحدث الآيات الكريمة في مطلع هذا الربع عن " بيعة الرضوان " التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة للهجرة كل من رافقه من المسلمين عندما كانوا بالحديبية، وذلك في فترة انتظاره لجواب قريش، بعدما بلغهم عزمه على زيارة البيت الحرام محرما بالعمرة، وبصحبته ألف وأربعمائة من أصحابه، وكانت قريش قد احتبست عندها عثمان بن عفان الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها لإبلاغها ما عزم عليه، وراجت إشاعة قوية مؤداها أن قريشا قد قتلت عثمان بن عفان مبعوث رسول الله إليها في هذه المهمة، فنادى منادي رسول الله :" ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله تعالى " وكان المسلمون قد تفرقوا في ظلال الشجر، فما كادوا يسمعون المنادي حتى ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، وأحدقوا به من كل جانب، وتسابقوا إلى بيعته، فبايعوه على الاستماتة والثبات معه إلى النهاية، فأرعب ذلك المشركين من أهل مكة، وأرسلوا من احتبسوه عندهم من المسلمين، ودعوا رسول الله والمومنين إلى الموادعة والصلح، فكان من ذلك كله " صلح الحديبية ".
ومما يستحق الذكر في هذا المقام أن عثمان بن عفان رسولَ رسولِ الله إلى قريش بمكة كان غائبا حين ابتدأ عقد هذه البيعة، إذ لم يزل عثمان آنذاك محتبسا عندهم، فلما بايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى الرسول بنفسه النيابة عن عثمان في بيعته إياه، وقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم إن عثمان في حاجة الله تعالى وحاجة رسوله "، ثم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى، إيذانا ببيعة عثمان له، فحلت يد رسول الله محل يد عثمان، وكانت بالنسبة إليه خيرا من أيدي بقية المسلمين لأنفسهم، كما روى ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه.
ومن لطائف " بيعة الرضوان " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه خبر البيعة كان قد وجه ابنه عبد الله بن عمر، للإتيان بفرس له عند أحد الأنصار المرافقين للرسول عليه الصلاة والسلام، إذ كان عمر يستلئم للقتال، واحتاج إلى فرسه ليقاتل عليه إذا دعت الضرورة، نظرا للإشاعات القوية التي بلغت المسلمين عن عزم قريش على مقاومتهم، والإشاعة التي راجت عن قتل قريش لعثمان بن عفان مبعوث الرسول إلى مشركي مكة، وبينما عبد الله بن عمر في طريقه للإتيان بفرس أبيه إذا به قد وجد المسلمين يبايعون رسول الله فبايعه أولا، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى أبيه عمر، وأخبره أن رسول الله يبايع تحت الشجرة، فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر. والحق أن الوالد أسلم قبل ولده، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال :" كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة " الحديث. وروى مسلم أيضا عن معقل بن يسار قال :" لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها على رأسه، ونحن أربع عشرة مائة " الحديث. وحدث جابر بن عبد الله أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بيعة الرضوان :" أنتم خير أهل الأرض اليوم " وما قاله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ هو مصداق قوله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا١٨ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، ومن أجل رضى الله عن المومنين بسبب هذه البيعة سميت " بيعة الرضوان ". أما الشجرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى البيعة –وهو مستظل بظلها- فقد كانت شجرة سمرة كما سبق في حديث جابر الذي رواه مسلم، وأما ما انطوت عليه قلوب المومنين وهم يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فهو الوفاء والصدق، والثبات على الحق، وكظم غيظهم أمام حرب الأعصاب التي شنها المشركون عليهم، عن طريق الاستفزاز والتهديد، والتزام السمع والطاعة لله ورسوله في المنشط والمكره، وأما " السكينة " التي أنزلها الله على المومنين فهي ما ألقاه في قلوبهم من الطمأنينة على مصير الإسلام، ومن الثقة بوعد الله الذي لا يستطيع أحد أن يحول دون إنجازه مهما بلغ من القوة والعناد، وأما " الفتح القريب " الذي عوضهم به الحق سبحانه وتعالى عن زيارة بيت الله الحرام في ذلك العام، فهو صلح الحديبية نفسه، الذي أجراه الله على أيديهم بينهم وبين أعدائهم، إذ كان بداية لفتوح كثيرة متتالية، من بينها فتح " خيبر " وكان على رأسها فتح مكة الذي تم بعد سنتين من صلح الحديبية فقط، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم في دنيا الإسلام، قال الزهري :" ما فتح في الإسلام فتح قبل صلح الحديبية كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة – أي : صلح الحديبية، وأمن الناس بعضهم بعضا والتقوا لم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين، أي : بين صلح الحديبية وفتح مكة مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر "، قال بن هشام :" والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف ".
وقوله تعالى في التعقيب على ذلك :﴿ وكان الله عزيزا حكيما١٩ ﴾ فيه إشارة إلى ما أكرم الله به المومنين من " العزة " المنافية للذلة، فقد أمدهم من عزته بما أدى إلى حفظ كرامتهم وحفظ كرامة الإسلام، كما أن فيه إشارة إلى " الحكمة الإلهية " التي كانت تقود خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عزم على زيارة بيت الله الحرام، استعمالا لحق المسلمين الذي أنكره عليهم المشركون منذ الهجرة، ثم عندما قرر تأجيل هذه الزيارة إلى العام القابل، على أساس صلح الحديبية الذي فتح في وجه الدعوة الإسلامية آفاقا جديدة، وكسب لها حقوقا واسعة، هي بداية النهاية للشرك والمشركين.
وقوله تعالى :﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، قال مجاهد " هي جميع الغنائم إلى اليوم، يريد جميع المغانم التي تقع عليها أيدي المجاهدين أثناء جهادهم في سبيل الله إلى يوم الدين، وها هنا لابد من التنبيه إلى أن كتاب الله عندما يذكر " المغانم " في سياق الجهاد لا يذكرها باعتبار أنها هدف أساسي من الجهاد في سبيل الله، وإنما يذكرها عرضا في هذا السياق، إيحاء للمسلمين بضمان الفوز والغلبة لهم، والنصر على أعداءهم، إذ " الغنيمة لا تقع تحت يد الغالب إلا بعد هزيمة المغلوب، فالغنيمة إنما تكون بعد الهزيمة ".

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٨:الربع الأول من الحزب الثاني والخمسين
في المصحف الكريم
تتحدث الآيات الكريمة في مطلع هذا الربع عن " بيعة الرضوان " التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة للهجرة كل من رافقه من المسلمين عندما كانوا بالحديبية، وذلك في فترة انتظاره لجواب قريش، بعدما بلغهم عزمه على زيارة البيت الحرام محرما بالعمرة، وبصحبته ألف وأربعمائة من أصحابه، وكانت قريش قد احتبست عندها عثمان بن عفان الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها لإبلاغها ما عزم عليه، وراجت إشاعة قوية مؤداها أن قريشا قد قتلت عثمان بن عفان مبعوث رسول الله إليها في هذه المهمة، فنادى منادي رسول الله :" ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله تعالى " وكان المسلمون قد تفرقوا في ظلال الشجر، فما كادوا يسمعون المنادي حتى ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، وأحدقوا به من كل جانب، وتسابقوا إلى بيعته، فبايعوه على الاستماتة والثبات معه إلى النهاية، فأرعب ذلك المشركين من أهل مكة، وأرسلوا من احتبسوه عندهم من المسلمين، ودعوا رسول الله والمومنين إلى الموادعة والصلح، فكان من ذلك كله " صلح الحديبية ".
ومما يستحق الذكر في هذا المقام أن عثمان بن عفان رسولَ رسولِ الله إلى قريش بمكة كان غائبا حين ابتدأ عقد هذه البيعة، إذ لم يزل عثمان آنذاك محتبسا عندهم، فلما بايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم تولى الرسول بنفسه النيابة عن عثمان في بيعته إياه، وقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم إن عثمان في حاجة الله تعالى وحاجة رسوله "، ثم ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى، إيذانا ببيعة عثمان له، فحلت يد رسول الله محل يد عثمان، وكانت بالنسبة إليه خيرا من أيدي بقية المسلمين لأنفسهم، كما روى ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه.
ومن لطائف " بيعة الرضوان " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يبلغه خبر البيعة كان قد وجه ابنه عبد الله بن عمر، للإتيان بفرس له عند أحد الأنصار المرافقين للرسول عليه الصلاة والسلام، إذ كان عمر يستلئم للقتال، واحتاج إلى فرسه ليقاتل عليه إذا دعت الضرورة، نظرا للإشاعات القوية التي بلغت المسلمين عن عزم قريش على مقاومتهم، والإشاعة التي راجت عن قتل قريش لعثمان بن عفان مبعوث الرسول إلى مشركي مكة، وبينما عبد الله بن عمر في طريقه للإتيان بفرس أبيه إذا به قد وجد المسلمين يبايعون رسول الله فبايعه أولا، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى أبيه عمر، وأخبره أن رسول الله يبايع تحت الشجرة، فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر. والحق أن الوالد أسلم قبل ولده، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال :" كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة " الحديث. وروى مسلم أيضا عن معقل بن يسار قال :" لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها على رأسه، ونحن أربع عشرة مائة " الحديث. وحدث جابر بن عبد الله أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بيعة الرضوان :" أنتم خير أهل الأرض اليوم " وما قاله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ هو مصداق قوله تعالى :﴿ لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا١٨ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، ومن أجل رضى الله عن المومنين بسبب هذه البيعة سميت " بيعة الرضوان ". أما الشجرة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى البيعة –وهو مستظل بظلها- فقد كانت شجرة سمرة كما سبق في حديث جابر الذي رواه مسلم، وأما ما انطوت عليه قلوب المومنين وهم يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، فهو الوفاء والصدق، والثبات على الحق، وكظم غيظهم أمام حرب الأعصاب التي شنها المشركون عليهم، عن طريق الاستفزاز والتهديد، والتزام السمع والطاعة لله ورسوله في المنشط والمكره، وأما " السكينة " التي أنزلها الله على المومنين فهي ما ألقاه في قلوبهم من الطمأنينة على مصير الإسلام، ومن الثقة بوعد الله الذي لا يستطيع أحد أن يحول دون إنجازه مهما بلغ من القوة والعناد، وأما " الفتح القريب " الذي عوضهم به الحق سبحانه وتعالى عن زيارة بيت الله الحرام في ذلك العام، فهو صلح الحديبية نفسه، الذي أجراه الله على أيديهم بينهم وبين أعدائهم، إذ كان بداية لفتوح كثيرة متتالية، من بينها فتح " خيبر " وكان على رأسها فتح مكة الذي تم بعد سنتين من صلح الحديبية فقط، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم في دنيا الإسلام، قال الزهري :" ما فتح في الإسلام فتح قبل صلح الحديبية كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة – أي : صلح الحديبية، وأمن الناس بعضهم بعضا والتقوا لم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين، أي : بين صلح الحديبية وفتح مكة مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر "، قال بن هشام :" والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف ".
وقوله تعالى في التعقيب على ذلك :﴿ وكان الله عزيزا حكيما١٩ ﴾ فيه إشارة إلى ما أكرم الله به المومنين من " العزة " المنافية للذلة، فقد أمدهم من عزته بما أدى إلى حفظ كرامتهم وحفظ كرامة الإسلام، كما أن فيه إشارة إلى " الحكمة الإلهية " التي كانت تقود خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم عندما عزم على زيارة بيت الله الحرام، استعمالا لحق المسلمين الذي أنكره عليهم المشركون منذ الهجرة، ثم عندما قرر تأجيل هذه الزيارة إلى العام القابل، على أساس صلح الحديبية الذي فتح في وجه الدعوة الإسلامية آفاقا جديدة، وكسب لها حقوقا واسعة، هي بداية النهاية للشرك والمشركين.
وقوله تعالى :﴿ ومغانم كثيرة يأخذونها ﴾، قال مجاهد " هي جميع الغنائم إلى اليوم، يريد جميع المغانم التي تقع عليها أيدي المجاهدين أثناء جهادهم في سبيل الله إلى يوم الدين، وها هنا لابد من التنبيه إلى أن كتاب الله عندما يذكر " المغانم " في سياق الجهاد لا يذكرها باعتبار أنها هدف أساسي من الجهاد في سبيل الله، وإنما يذكرها عرضا في هذا السياق، إيحاء للمسلمين بضمان الفوز والغلبة لهم، والنصر على أعداءهم، إذ " الغنيمة لا تقع تحت يد الغالب إلا بعد هزيمة المغلوب، فالغنيمة إنما تكون بعد الهزيمة ".

وقوله تعالى :﴿ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ﴾، إشارة إلى ما أقدم عليه فريق من مشركي مكة : حيث تسللوا وهم مسلحون إلى المكان الذي ينزل فيه رسول الله ومن معه بالحديبية، عسى أن ينالوا منه ومن المسلمين شيئا، فسيقوا أسارى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم عليه السلام : ّهل جئتم في عهد أحد ؟ أو هل جعل لكم أحد أمانا ؟ فقالوا : لا " فعفا عنهم وخلى سبيلهم، كما رواه النسائي في سننه.
وانتقل كتاب الله إلى وصف هذه الواقعة المؤثرة، والدور الذي لعبته قريش فيها، وإلى ذكر ما أنزله الله من السكينة على رسوله والمؤمنين، حتى أخذت الأحداث مجرى آخر لصالح الإسلام والمسلمين، فقال تعالى :﴿ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ﴾، وقال تعالى :﴿ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية، حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما٢٦ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:وانتقل كتاب الله إلى وصف هذه الواقعة المؤثرة، والدور الذي لعبته قريش فيها، وإلى ذكر ما أنزله الله من السكينة على رسوله والمؤمنين، حتى أخذت الأحداث مجرى آخر لصالح الإسلام والمسلمين، فقال تعالى :﴿ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ﴾، وقال تعالى :﴿ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية، حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما٢٦ ﴾.
ثم عرج كتاب الله على قصة الرؤيا التي رآها الرسول عليه الصلاة والسلام في منانه، وأخبر بها أصحابه وهو بالمدينة قبل عام الحديبية، وهو " أنه دخل مكة وطاف بالبيت "، فلما سار في طريقه إلى مكة ظن جماعة منهم أن تعبير تلك الرؤيا سيتم في نفس العام، ونبه كتاب الله إلى أن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم تتحقق في نفس هذا العام، أي : في السنة السادسة للهجرة، فإنها ستصدق في فرصة أخرى، لأنها رؤيا صالحة، " والرؤيا الصالحة جزء من النبوة "، وهي واقعة لا محالة بحول الله وقوته :﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون ﴾، فلما كان ذو القعدة من العام السابع للهجرة، وهو العام التالي لصلح الحديبية، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمرا هو ومن كان معه في الحديبية، فأحرم من ذي الحليفة، وساق معه الهدي إلى ذي طوى، ودخل مكة ومعه أصحابه يلبون، وهو على ناقته القصواء، وهي نفس الناقة التي كان يركبها عليه الصلاة والسلام في الحديبية من العام الماضي، وعبد الله بن رواحة الأنصاري يقود ناقته، وكل من في مكة من الرجال والنساء والولدان يتطلعون إلى طلعته البهية من مختلف المنازل والطرق، ما عدا رؤوس الشرك الذين لم يستطيعوا رؤية ذلك المشهد العظيم، ففارقوا مكة طيلة زيارة الرسول، وبذلك تحققت رؤيا رسول الله، وتم وعد الله وأكد كتاب الله أن الخطة التي اختطها رسوله لحل أزمة الحديبية عن طريق الصلح كانت بوحي الله وتوفيقه :﴿ فعلم ما لم تعلموا، فجعل من دون ذلك فتحا قريبا٢٧ ﴾.
وتنبأ كتاب الله بنصرة دينه وإظهاره على بقية الأديان، وذلك ما تم على يديه وعلى أيدي خلفائه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ٢٨ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ﴾، ﴿ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما٢٩ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:وتنبأ كتاب الله بنصرة دينه وإظهاره على بقية الأديان، وذلك ما تم على يديه وعلى أيدي خلفائه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين :﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ٢٨ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ﴾، ﴿ وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما٢٩ ﴾.
سورة الفتح
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفتح) من السُّوَر المدنية، نزلت في صلحِ (الحُدَيبيَة)، الذي كان بدايةً لفتحِ مكَّة الأعظم، وتحدَّثت عن جهاد المؤمنين، وعن (بَيْعة الرِّضوان)، وعن الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعراب والمنافقين، كما تحدثت عن صدقِ الرُّؤيا التي رآها الرسولُ صلى الله عليه وسلم؛ وهي دخوله والمسلمين مكَّةَ مطمئنين، وقد تحقَّقت تلك الرؤيا الصادقةُ، وخُتمت بالثناء على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأصحابِه الأخيار الأطهار.

ترتيبها المصحفي
48
نوعها
مدنية
ألفاظها
560
ترتيب نزولها
111
العد المدني الأول
29
العد المدني الأخير
29
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
29

* نزَلتْ سورةُ (الفتح) يوم (الحُدَيبيَة):

عن أبي وائلٍ شَقِيقِ بن سلَمةَ رحمه الله، قال: «كنَّا بصِفِّينَ، فقامَ سهلُ بنُ حُنَيفٍ، فقال: أيُّها الناسُ، اتَّهِموا أنفسَكم؛ فإنَّا كنَّا مع رسولِ اللهِ ﷺ يومَ الحُدَيبيَةِ، ولو نرى قتالًا لقاتَلْنا، فجاءَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ألَسْنا على الحقِّ وهم على الباطلِ؟ فقال: «بلى»، فقال: أليس قَتْلانا في الجنَّةِ وقَتْلاهم في النارِ؟ قال: «بلى»، قال: فعَلَامَ نُعطِي الدَّنيَّةَ في دِينِنا؟ أنَرجِعُ ولمَّا يحكُمِ اللهُ بَيْننا وبَيْنهم؟ فقال: «يا بنَ الخطَّابِ، إنِّي رسولُ اللهِ، ولن يُضيِّعَني اللهُ أبدًا»، فانطلَقَ عُمَرُ إلى أبي بكرٍ، فقال له مِثْلَ ما قال للنبيِّ ﷺ، فقال: إنَّه رسولُ اللهِ، ولن يُضيِّعَه اللهُ أبدًا؛ فنزَلتْ سورةُ الفتحِ، فقرَأَها رسولُ اللهِ ﷺ على عُمَرَ إلى آخِرِها، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، أوَفَتْحٌ هو؟ قال: «نعم»». صحيح البخاري (٣١٨٢).

* قوله تعالى: {لِّيُدْخِلَ اْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلْأَنْهَٰرُ} [الفتح: 5]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحٗا مُّبِينٗا} [الفتح: 1]، قال: الحُدَيبيَةُ، قال أصحابُه: هنيئًا مريئًا، فما لنا؟ فأنزَلَ اللهُ: {لِّيُدْخِلَ اْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلْأَنْهَٰرُ} [الفتح: 5]». قال شُعْبةُ: «فقَدِمْتُ الكوفةَ، فحدَّثْتُ بهذا كلِّه عن قتادةَ، ثم رجَعْتُ فذكَرْتُ له، فقال: أمَّا {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} [الفتح: ١]: فعن أنسٍ، وأمَّا «هنيئًا مريئًا»: فعن عِكْرمةَ». أخرجه البخاري (٤١٧٢).

* قوله تعالى: {وَهُوَ اْلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْۚ} [الفتح: 24]:

عن المِسْوَرِ بن مَخرَمةَ ومَرْوانَ بن الحَكَمِ، قالا: «خرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زمَنَ الحُدَيبيَةِ، حتى إذا كانوا ببعضِ الطريقِ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ خالدَ بنَ الوليدِ بالغَمِيمِ في خيلٍ لقُرَيشٍ طليعةً؛ فَخُذُوا ذاتَ اليمينِ، فواللهِ، ما شعَرَ بهم خالدٌ حتى إذا هُمْ بقَتَرةِ الجيشِ، فانطلَقَ يركُضُ نذيرًا لقُرَيشٍ، وسارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالثَّنيَّةِ التي يَهبِطُ عليهم منها، برَكتْ به راحِلتُه، فقال الناسُ: حَلْ حَلْ، فألحَّتْ، فقالوا: خلَأتِ القَصْواءُ، خلَأتِ القَصْواءُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما خلَأتِ القَصْواءُ، وما ذاكَ لها بخُلُقٍ، ولكنْ حبَسَها حابسُ الفيلِ»، ثم قال: «والذي نفسي بيدِه، لا يَسألوني خُطَّةً يُعظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطَيْتُهم إيَّاها»، ثم زجَرَها فوثَبتْ.

قال: فعدَلَ عنهم حتى نزَلَ بأقصى الحُدَيبيَةِ على ثَمَدٍ قليلِ الماءِ، يَتبرَّضُه الناسُ تبرُّضًا، فلَمْ يُلبِثْهُ الناسُ حتى نزَحوه، وشُكِيَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم العطَشُ، فانتزَعَ سهمًا مِن كِنانتِه، ثم أمَرَهم أن يَجعَلوه فيه، فواللهِ، ما زالَ يَجِيشُ لهم بالرِّيِّ حتى صدَرُوا عنه.

فبينما هم كذلك، إذ جاءَ بُدَيلُ بنُ وَرْقاءَ الخُزَاعيُّ في نَفَرٍ مِن قومِه مِن خُزَاعةَ، وكانوا عَيْبةَ نُصْحِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن أهلِ تِهامةَ، فقال: إنِّي ترَكْتُ كعبَ بنَ لُؤَيٍّ وعامرَ بنَ لُؤَيٍّ نزَلوا أعدادَ مياهِ الحُدَيبيَةِ، ومعهم العُوذُ المَطَافِيلُ، وهم مُقاتِلوك وصادُّوك عن البيتِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّا لم نَجِئْ لِقتالِ أحدٍ، ولكنَّا جِئْنا معتمِرِينَ، وإنَّ قُرَيشًا قد نَهِكَتْهم الحربُ، وأضَرَّتْ بهم، فإن شاؤوا مادَدتُّهم مُدَّةً، ويُخَلُّوا بَيْني وبَيْنَ الناسِ، فإنْ أظهَرْ: فإن شاؤوا أن يدخُلوا فيما دخَلَ فيه الناسُ فعَلوا، وإلا فقد جَمُّوا، وإنْ هم أبَوْا، فوالذي نفسي بيدِه، لَأُقاتِلَنَّهم على أمري هذا حتى تنفرِدَ سالفتي، وَلَيُنفِذَنَّ اللهُ أمرَه»، فقال بُدَيلٌ: سأُبلِّغُهم ما تقولُ.

قال: فانطلَقَ حتى أتى قُرَيشًا، قال: إنَّا قد جِئْناكم مِن هذا الرَّجُلِ، وسَمِعْناه يقولُ قولًا، فإن شِئْتم أن نَعرِضَه عليكم فعَلْنا، فقال سفهاؤُهم: لا حاجةَ لنا أن تُخبِرَنا عنه بشيءٍ، وقال ذَوُو الرأيِ منهم: هاتِ ما سَمِعْتَه يقولُ، قال: سَمِعْتُه يقولُ كذا وكذا، فحدَّثَهم بما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

فقام عُرْوةُ بنُ مسعودٍ، فقال: أيْ قومِ، ألَسْتم بالوالدِ؟ قالوا: بلى، قال: أوَلَسْتُ بالولدِ؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتَّهِموني؟ قالوا: لا، قال: ألَسْتم تَعلَمون أنِّي استنفَرْتُ أهلَ عُكَاظَ، فلمَّا بلَّحُوا عليَّ، جِئْتُكم بأهلي وولَدي ومَن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإنَّ هذا قد عرَضَ لكم خُطَّةَ رُشْدٍ، اقبَلوها ودَعُوني آتِيهِ، قالوا: ائتِهِ، فأتاه، فجعَلَ يُكلِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم نحوًا مِن قولِه لبُدَيلٍ، فقال عُرْوةُ عند ذلك: أيْ مُحمَّدُ، أرأَيْتَ إنِ استأصَلْتَ أمرَ قومِك، هل سَمِعْتَ بأحدٍ مِن العرَبِ اجتاحَ أهلَه قَبْلَك؟ وإن تكُنِ الأخرى، فإنِّي واللهِ لَأرى وجوهًا، وإنِّي لَأرى أوشابًا مِن الناسِ خليقًا أن يَفِرُّوا ويدَعُوك، فقال له أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ: امصَصْ ببَظْرِ اللَّاتِ، أنَحْنُ نَفِرُّ عنه وندَعُه؟! فقال: مَن ذا؟ قالوا: أبو بكرٍ، قال: أمَا والذي نفسي بيدِه، لولا يدٌ كانت لك عندي لم أَجْزِكَ بها، لَأجَبْتُك، قال: وجعَلَ يُكلِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكلَّما تكلَّمَ أخَذَ بلِحْيتِه، والمُغِيرةُ بنُ شُعْبةَ قائمٌ على رأسِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومعه السَّيْفُ، وعليه المِغفَرُ، فكلَّما أهوى عُرْوةُ بيدِه إلى لِحْيةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ضرَبَ يدَه بنَعْلِ السَّيْفِ، وقال له: أخِّرْ يدَكَ عن لِحْيةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فرفَعَ عُرْوةُ رأسَه، فقال: مَن هذا؟ قالوا: المُغِيرةُ بنُ شُعْبةَ، فقال: أيْ غُدَرُ، ألَسْتُ أسعى في غَدْرتِك؟ وكان المُغِيرةُ صَحِبَ قومًا في الجاهليَّةِ فقتَلَهم، وأخَذَ أموالَهم، ثم جاءَ فأسلَمَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا الإسلامَ فأقبَلُ، وأمَّا المالَ فلَسْتُ منه في شيءٍ»، ثم إنَّ عُرْوةَ جعَلَ يرمُقُ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعَيْنَيهِ، قال: فواللهِ، ما تنخَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامةً إلا وقَعتْ في كَفِّ رجُلٍ منهم، فدلَكَ بها وجهَه وجِلْدَه، وإذا أمَرَهم ابتدَرُوا أمرَه، وإذا توضَّأَ كادوا يقتتِلون على وَضوئِه، وإذا تكلَّمَ خفَضوا أصواتَهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النَّظَرَ تعظيمًا له ، فرجَعَ عُرْوةُ إلى أصحابِه، فقال: أيْ قومِ، واللهِ، لقد وفَدتُّ على الملوكِ، ووفَدتُّ على قَيصَرَ وكِسْرَى والنَّجاشيِّ، واللهِ، إنْ رأَيْتُ مَلِكًا قطُّ يُعظِّمُه أصحابُه ما يُعظِّمُ أصحابُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُحمَّدًا، واللهِ، إنْ تَنخَّمَ نُخَامةً إلا وقَعتْ في كَفِّ رجُلٍ منهم، فدلَكَ بها وجهَه وجِلْدَه، وإذا أمَرَهم ابتدَرُوا أمرَه، وإذا توضَّأَ كادُوا يقتتِلون على وَضوئِه، وإذا تكلَّمَ خفَضوا أصواتَهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النَّظَرَ تعظيمًا له، وإنَّه قد عرَضَ عليكم خُطَّةَ رُشْدٍ فاقبَلوها.

فقال رجُلٌ مِن بني كِنانةَ: دَعُوني آتِيهِ، فقالوا: ائتِهِ، فلمَّا أشرَفَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هذا فلانٌ، وهو مِن قومٍ يُعظِّمون البُدْنَ، فابعَثوها له»، فبُعِثتْ له، واستقبَلَه الناسُ يُلَبُّون، فلمَّا رأى ذلك، قال: سُبْحانَ اللهِ! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا عن البيتِ! فلمَّا رجَعَ إلى أصحابِه، قال: رأَيْتُ البُدْنَ قد قُلِّدتْ وأُشعِرتْ، فما أرى أن يُصَدُّوا عن البيتِ.

فقامَ رجُلٌ منهم يقالُ له: مِكْرَزُ بنُ حَفْصٍ، فقال: دعُوني آتِيهِ، فقالوا: ائتِهِ، فلمَّا أشرَفَ عليهم، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هذا مِكْرَزٌ، وهو رجُلٌ فاجرٌ»، فجعَلَ يُكلِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبَيْنما هو يُكلِّمُه، إذ جاءَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو، قال مَعمَرٌ: فأخبَرَني أيُّوبُ، عن عِكْرمةَ: أنَّه لمَّا جاءَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لقد سهُلَ لكم مِن أمرِكم».

قال مَعمَرٌ: قال الزُّهْريُّ في حديثِه: فجاء سُهَيلُ بنُ عمرٍو، فقال: هاتِ اكتُبْ بَيْننا وبَيْنكم كتابًا، فدعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكاتبَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ»، قال سُهَيلٌ: أمَّا الرَّحْمنُ، فواللهِ ما أدري ما هو، ولكنِ اكتُبْ باسمِك اللهمَّ كما كنتَ تكتُبُ، فقال المسلمون: واللهِ، لا نكتُبُها إلا بسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «اكتُبْ باسمِك اللهمَّ»، ثم قال: «هذا ما قاضَى عليه مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ»، فقال سُهَيلٌ: واللهِ، لو كنَّا نَعلَمُ أنَّك رسولُ اللهِ، ما صدَدْناك عن البيتِ، ولا قاتَلْناك، ولكنِ اكتُبْ: مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «واللهِ، إنِّي لَرسولُ اللهِ، وإن كذَّبْتموني، اكتُبْ: مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ»، قال الزُّهْريُّ: وذلك لقولِه: «لا يَسألوني خُطَّةً يُعظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطَيْتُهم إيَّاها»، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «على أن تُخَلُّوا بَيْننا وبَيْنَ البيتِ فنطُوفَ به»، فقال سُهَيلٌ: واللهِ، لا تَتحدَّثُ العرَبُ أنَّا أُخِذْنا ضُغْطةً، ولكنْ ذلك مِن العامِ المقبِلِ، فكتَبَ، فقال سُهَيلٌ: وعلى أنَّه لا يأتيك منَّا رجُلٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، قال المسلمون: سُبْحانَ اللهِ! كيف يُرَدُّ إلى المشركين وقد جاء مسلِمًا؟!

فبَيْنما هم كذلك، إذ دخَلَ أبو جَنْدلِ بنُ سُهَيلِ بنِ عمرٍو يرسُفُ في قيودِه، وقد خرَجَ مِن أسفَلِ مكَّةَ حتى رمَى بنفسِه بين أظهُرِ المسلمين، فقال سُهَيلٌ: هذا - يا مُحمَّدُ - أوَّلُ ما أُقاضيك عليه أن ترُدَّه إليَّ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّا لم نَقْضِ الكتابَ بعدُ»، قال: فواللهِ، إذًا لم أُصالِحْك على شيءٍ أبدًا، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فأجِزْهُ لي»، قال: ما أنا بمُجيزِهِ لك، قال: «بلى فافعَلْ»، قال: ما أنا بفاعلٍ، قال مِكْرَزٌ: بل قد أجَزْناه لك.

قال أبو جَنْدلٍ: أيْ معشرَ المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جِئْتُ مسلِمًا؟! ألَا ترَوْنَ ما قد لَقِيتُ؟! وكان قد عُذِّبَ عذابًا شديدًا في اللهِ.

قال: فقال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: فأتَيْتُ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: ألَسْتَ نبيَّ اللهِ حقًّا؟! قال: «بلى»، قلتُ: ألَسْنا على الحقِّ، وعدُوُّنا على الباطلِ؟! قال: «بلى»، قلتُ: فلِمَ نُعطِي الدَّنيَّةَ في دِينِنا إذًا؟ قال: «إنِّي رسولُ اللهِ، ولستُ أعصيه، وهو ناصري»، قلتُ: أوَليس كنتَ تُحدِّثُنا أنَّا سنأتي البيتَ فنطُوفُ به؟ قال: «بلى، فأخبَرْتُك أنَّا نأتيه العامَ؟!»، قال: قلتُ: لا، قال: «فإنَّك آتِيهِ، ومُطَّوِّفٌ به»، قال: فأتَيْتُ أبا بكرٍ، فقلتُ: يا أبا بكرٍ، أليس هذا نبيَّ اللهِ حقًّا؟ قال: بلى، قلتُ: ألَسْنا على الحقِّ وعدُوُّنا على الباطلِ؟ قال: بلى، قلتُ: فلِمَ نُعطِي الدَّنيَّةَ في دِينِنا إذًا؟ قال: أيُّها الرَّجُلُ، إنَّه لَرسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وليس يَعصِي ربَّه، وهو ناصِرُه؛ فاستمسِكْ بغَرْزِه؛ فواللهِ، إنَّه على الحقِّ، قلتُ: أليس كان يُحدِّثُنا أنَّا سنأتي البيتَ ونطُوفُ به؟ قال: بلى، أفأخبَرَك أنَّك تأتيه العامَ؟ قلتُ: لا، قال: فإنَّك آتِيهِ ومطَّوِّفٌ به.

قال الزُّهْريُّ: قال عُمَرُ: فعَمِلْتُ لذلك أعمالًا.

قال: فلمَّا فرَغَ مِن قضيَّةِ الكتابِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: «قُومُوا فانحَروا، ثم احلِقوا»، قال: فواللهِ، ما قامَ منهم رجُلٌ، حتى قال ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا لم يقُمْ منهم أحدٌ، دخَلَ على أمِّ سلَمةَ، فذكَرَ لها ما لَقِيَ مِن الناسِ، فقالت أمُّ سلَمةَ: يا نبيَّ اللهِ، أتُحِبُّ ذلك؟! اخرُجْ ثم لا تُكلِّمْ أحدًا منهم كلمةً حتى تَنحَرَ بُدْنَك، وتدعوَ حالِقَك فيَحلِقَك، فخرَجَ فلم يُكلِّمْ أحدًا منهم حتى فعَلَ ذلك؛ نحَرَ بُدْنَه، ودعَا حالِقَه فحلَقَه، فلمَّا رأَوْا ذلك قامُوا فنحَرُوا، وجعَلَ بعضُهم يَحلِقُ بعضًا، حتى كادَ بعضُهم يقتُلُ بعضًا غمًّا.

ثم جاءَه نِسْوةٌ مؤمِناتٌ؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] حتى بلَغَ {بِعِصَمِ اْلْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فطلَّقَ عُمَرُ يومَئذٍ امرأتَينِ كانتا له في الشِّرْكِ، فتزوَّجَ إحداهما مُعاويةُ بنُ أبي سُفْيانَ، والأخرى صَفْوانُ بنُ أُمَيَّةَ.

ثم رجَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، فجاءَه أبو بَصِيرٍ - رجُلٌ مِن قُرَيشٍ - وهو مسلِمٌ، فأرسَلوا في طلَبِه رجُلَينِ، فقالوا: العهدَ الذي جعَلْتَ لنا، فدفَعَه إلى الرَّجُلَينِ، فخرَجَا به حتى بلَغَا ذا الحُلَيفةِ، فنزَلوا يأكلون مِن تَمْرٍ لهم، فقال أبو بَصِيرٍ لأحدِ الرَّجُلَينِ: واللهِ، إنِّي لَأرى سَيْفَك هذا يا فلانُ جيِّدًا، فاستَلَّه الآخَرُ، فقال: أجَلْ، واللهِ، إنَّه لَجيِّدٌ، لقد جرَّبْتُ به، ثم جرَّبْتُ، فقال أبو بَصِيرٍ: أرِني أنظُرْ إليه، فأمكَنَه منه، فضرَبَه حتى برَدَ، وفَرَّ الآخَرُ حتى أتى المدينةَ، فدخَلَ المسجدَ يعدو، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ رآه: «لقد رأى هذا ذُعْرًا»، فلمَّا انتهى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: قُتِلَ - واللهِ - صاحبي، وإنِّي لَمقتولٌ، فجاءَ أبو بَصِيرٍ، فقال: يا نبيَّ اللهِ، قد - واللهِ - أوفى اللهُ ذِمَّتَك، قد ردَدتَّني إليهم، ثم أنجاني اللهُ منهم، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلُ أُمِّهِ! مِسْعَرَ حَرْبٍ لو كان له أحدٌ»، فلمَّا سَمِعَ ذلك، عرَفَ أنَّه سيرُدُّه إليهم، فخرَجَ حتى أتى سِيفَ البحرِ.

قال: وينفلِتُ منهم أبو جَنْدلِ بنُ سُهَيلٍ، فلَحِقَ بأبي بَصِيرٍ، فجعَلَ لا يخرُجُ مِن قُرَيشٍ رجُلٌ قد أسلَمَ إلا لَحِقَ بأبي بَصِيرٍ، حتى اجتمَعتْ منهم عِصابةٌ؛ فواللهِ، ما يَسمَعون بِعِيرٍ خرَجتْ لقُرَيشٍ إلى الشَّأمِ إلا اعترَضوا لها، فقتَلوهم وأخَذوا أموالَهم، فأرسَلتْ قُرَيشٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم تُناشِدُه باللهِ والرَّحِمِ، لَمَا أرسَلَ: فمَن أتاه فهو آمِنٌ، فأرسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليهم؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَهُوَ اْلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْۚ} [الفتح: 24] حتى بلَغَ {اْلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ اْلْجَٰهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]، وكانت حَمِيَّتُهم أنَّهم لم يُقِرُّوا أنَّه نبيُّ اللهِ، ولم يُقِرُّوا ببِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، وحالُوا بَيْنَهم وبَيْنَ البيتِ». أخرجه البخاري (٢٧٣١).

* سورة (الفتح):

سُمِّيت سورةُ (الفتح) بهذا الاسم؛ لأنها افتُتحت بذكرِ بشرى الفتح للمؤمنين؛ قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحٗا مُّبِينٗا} [الفتح: 1].

* وصَف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سورة (الفتح) يومَ نزلت بأنها أحَبُّ إليه مما طلَعتْ عليه الشمسُ:

عن أسلَمَ مولى عُمَرَ بن الخطابِ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَسِيرُ في بعضِ أسفارِه، وعُمَرُ بنُ الخطَّابِ يَسِيرُ معه ليلًا، فسألَه عُمَرُ عن شيءٍ، فلم يُجِبْهُ رسولُ اللهِ ﷺ، ثم سألَه فلم يُجِبْهُ، ثم سألَه فلم يُجِبْهُ، فقال عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أمُّك؛ نزَرْتَ رسولَ اللهِ ﷺ ثلاثَ مرَّاتٍ، كلَّ ذلك لا يُجِيبُك، قال عُمَرُ: فحرَّكْتُ بعيري حتى كنتُ أمامَ الناسِ، وخَشِيتُ أن يَنزِلَ فيَّ قرآنٌ، فما نَشِبْتُ أنْ سَمِعْتُ صارخًا يصرُخُ بي، قال: فقلتُ: لقد خَشِيتُ أن يكونَ نزَلَ فيَّ قرآنٌ، قال: فجِئْتُ رسولَ اللهِ ﷺ، فسلَّمْتُ عليه، فقال: «لقد أُنزِلتْ عليَّ الليلةَ سورةٌ لَهِيَ أحَبُّ إليَّ ممَّا طلَعتْ عليه الشمسُ»، ثم قرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحٗا مُّبِينٗا} [الفتح: 1]». أخرجه البخاري (٥٠١٢).

1. صلحُ (الحُدَيبيَة)، وآثارُه (١-٧).

2. مهامُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومغزى (بَيْعة الرِّضوان) (٨-١٠).

3. أحوال المتخلِّفين عن (الحُدَيبيَة) (١١-١٧).

4. (بَيْعة الرِّضوان)، وآثارها الخَيِّرة (١٨-٢٤).

5. أسباب وآثار الصلح (٢٥-٢٦).

6. تحقيق رؤيا النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأوصافُه، وأصحابه (٢٧-٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /288).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: اسمُها الذي يعُمُّ فَتْحَ مكَّةَ، وما تقدَّمَه من صلح الحُدَيبيَة، وفتحِ خَيْبَرَ، ونحوِهما، وما تفرَّعَ عنه من إسلامِ أهل جزيرة العرب، وقتالِ أهل الرِّدة، وفتوح جميع البلاد، الذي يجمعه كلَّه إظهارُ هذا الدِّين على الدِّين كله.

وهذا كلُّه في غاية الظهور؛ بما نطق به ابتداؤها وأثناؤها، في مواضعَ منها: {لَّقَدْ صَدَقَ اْللَّهُ رَسُولَهُ اْلرُّءْيَا بِاْلْحَقِّۖ}[الفتح:27].

وانتهاؤها: {لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى اْلدِّينِ كُلِّهِ}[الفتح:28]، {مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ اْللَّهِۚ} [الفتح: 29] إلى قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ اْلْكُفَّارَۗ} [الفتح:29]؛ أي: بالفتحِ الأعظم، وما دُونَه من الفتوحات». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /492).