تفسير سورة الفتح

التفسير الميسر

تفسير سورة سورة الفتح من كتاب التفسير الميسر
لمؤلفه التفسير الميسر . المتوفي سنة 2007 هـ

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ( ١ ) ﴾
إنا فتحنا لك -يا محمد- فتحًا مبينًا، يظهر الله فيه دينك، وينصرك على عدوك، وهو هدنة " الحديبية " التي أمن الناس بسببها بعضهم بعضًا، فاتسعت دائرة الدعوة لدين الله، وتمكن من يريد الوقوف على حقيقة الإسلام مِن معرفته، فدخل الناس تلك المدة في دين الله أفواجًا ؛ ولذلك سمَّاه الله فتحًا مبينًا، أي ظاهرًا جليًّا.
﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً ( ٢ ) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً ( ٣ ) ﴾
فتحنا لك ذلك الفتح، ويسَّرناه لك ؛ ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؛ بسبب ما حصل من هذا الفتح من الطاعات الكثيرة وبما تحملته من المشقات، ويتم نعمته عليك بإظهار دينك ونصرك على أعدائك، ويرشدك طريقًا مستقيمًا من الدين لا عوج فيه،
وينصرك الله نصرًا قويًّا لا يَضْعُف فيه الإسلام.
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ( ٤ ) ﴾
هو الله الذي أنزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين بالله ورسوله يوم " الحديبية " فسكنت، ورسخ اليقين فيها ؛ ليزدادوا تصديقًا لله واتباعًا لرسوله مع تصديقهم واتباعهم. ولله سبحانه وتعالى جنود السموات والأرض ينصر بهم عباده المؤمنين. وكان الله عليمًا بمصالح خلقه، حكيمًا في تدبيره وصنعه.
﴿ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً ( ٥ ) ﴾
ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري مِن تحت أشجارها وقصورها الأنهار، ماكثين فيها أبدًا، ويمحو عنهم سيِّئ ما عملوا، فلا يعاقبهم عليه، وكان ذلك الجزاء عند الله نجاة من كل غم، وظَفَرًا بكل مطلوب.
﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ( ٦ ) ﴾
ويعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الذين يظنون ظنًا سيئًا بالله أنه لن ينصر نبيه والمؤمنين معه على أعدائهم، ولن يُظهر دينه، فعلى هؤلاء تدور دائرة العذاب وكل ما يسوءهم، وغضب الله عليهم، وطردهم من رحمته، وأعدَّ لهم نار جهنم، وساءت منزلا يصيرون إليه.
﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( ٧ ) ﴾
ولله سبحانه وتعالى جنود السموات والأرض يؤيد بهم عباده المؤمنين. وكان الله عزيزًا على خلقه، حكيمًا في تدبير أمورهم.
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ( ٨ ) ﴾
إنا أرسلناك -يا محمد- شاهدًا على أمتك بالبلاغ، مبينًا لهم ما أرسلناك به إليهم، ومبشرًا لمن أطاعك بالجنة، ونذيرًا لمن عصاك بالعقاب العاجل والآجل ؛
﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ( ٩ ) ﴾
لتؤمنوا بالله ورسوله، وتنصروا الله بنصر دينه، وتعظموه، وتسبحوه أول النهار وآخره.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ( ١٠ ) ﴾
إن الذين يبايعونك –يا محمد- ب " الحديبية " على القتال إنما يبايعون الله، ويعقدون العقد معه ابتغاء جنته ورضوانه، يد الله فوق أيديهم، فهو معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فمن نقض بيعته فإنما يعود وبال ذلك على نفسه، ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فسيعطيه الله ثوابًا جزيلا وهو الجنة. وفي الآية إثبات صفة اليد لله تعالى بما يليق به سبحانه، دون تشبيه ولا تكييف.
﴿ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ( ١١ ) ﴾
سيقول لك -يا محمد- الذين تخلَّفوا من الأعراب عن الخروج معك إلى " مكة " إذا عاتبتهم : شغلتنا أموالنا وأهلونا، فاسأل ربك أن يغفر لنا تخلُّفنا، يقولون ذلك بألسنتهم، ولا حقيقة له في قلوبهم، قل لهم : فمن يملك لكم من الله شيئًا إن أراد بكم شرًا أو خيرًا ؟ ليس الأمر كما ظن هؤلاء المنافقون أن الله لا يعلم ما انطوت عليه بواطنهم من النفاق، بل إنه سبحانه كان بما يعملون خبيرًا، لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه.
﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً ( ١٢ ) ﴾
وليس الأمر كما زعمتم من انشغالكم بالأموال والأهل، بل إنكم ظننتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه سيَهْلكون، ولا يَرْجعون إليكم أبدًا، وحسَّن الشيطان ذلك في قلوبكم، وظننتم ظنًا سيئًا أن الله لن ينصر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه على أعدائهم، وكنتم قومًا هَلْكى لا خير فيكم.
﴿ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً ( ١٣ ) ﴾
ومن لم يصدِّق بالله وبما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم ويعمل بشرعه، فإنه كافر مستحق للعقاب، فإنا أعددنا للكافرين عذاب السعير في النار.
﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ( ١٤ ) ﴾
ولله ملك السموات والأرض وما فيهما، يتجاوز برحمته عمن يشاء فيستر ذنبه، ويعذِّب بعدله من يشاء. وكان الله سبحانه وتعالى غفورًا لمن تاب إليه، رحيمًا به.
﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ( ١٥ ) ﴾
سيقول المخلَّفون، إذا انطلقت -يا محمد- أنت وأصحابك إلى غنائم " خيبر " التي وعدكم الله بها، اتركونا نذهب معكم إلى " خيبر "، يريدون أن يغيِّروا بذلك وعد الله لكم. قل لهم : لن تخرجوا معنا إلى " خيبر " ؛ لأن الله تعالى قال لنا من قبل رجوعنا إلى " المدينة " : إن غنائم " خيبر " هي لمن شهد " الحديبية " معنا، فسيقولون : ليس الأمر كما تقولون، إن الله لم يأمركم بهذا، إنكم تمنعوننا من الخروج معكم حسدًا منكم ؛ لئلا نصيب معكم الغنيمة، وليس الأمر كما زعموا، بل كانوا لا يفقهون عن الله ما لهم وما عليهم من أمر الدين إلا يسيرًا.
﴿ قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمْ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ( ١٦ ) ﴾
قل للذين تخلَّفوا من الأعراب ( وهم البدو ) عن القتال : ستُدْعون إلى قتال قوم أصحاب بأس شديد في القتال، تقاتلونهم أو يسلمون من غير قتال، فإن تطيعوا الله فيما دعاكم إليه مِن قتال هؤلاء القوم يؤتكم الجنة، وإن تعصوه كما فعلتم حين تخلفتم عن السير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى " مكة "، يعذبكم عذابًا موجعًا.
﴿ لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً ( ١٧ ) ﴾
ليس على الأعمى منكم- أيها الناس- إثم، ولا على الأعرج إثم، ولا على المريض إثم، في أن يتخلَّفوا عن الجهاد مع المؤمنين ؛ لعدم استطاعتهم. ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري مِن تحت أشجارها وقصورها الأنهار، ومن يعص الله ورسوله، فيتخلَّف عن الجهاد مع المؤمنين، يعذبه عذابًا مؤلمًا موجعًا.
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ( ١٨ ) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( ١٩ ) ﴾
لقد رضي الله عن المؤمنين حين بايعوك -يا محمد- تحت الشجرة ( وهذه هي بيعة الرضوان في " الحديبية " ) فعلم الله ما في قلوب هؤلاء المؤمنين من الإيمان والصدق والوفاء، فأنزل الله الطمأنينة عليهم وثبَّت قلوبهم، وعوَّضهم عمَّا فاتهم بصلح " الحديبية " فتحًا قريبًا، وهو فتح " خيبر "،
ومغانم كثيرة تأخذونها من أموال يهود " خيبر ". وكان الله عزيزًا في انتقامه من أعدائه، حكيمًا في تدبير أمور خلقه.
﴿ وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً ( ٢٠ ) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ( ٢١ ) وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً ( ٢٢ ) ﴾
وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها في أوقاتها التي قدَّرها الله لكم فعجَّل لكم غنائم " خيبر "، وكفَّ أيدي الناس عنكم، فلم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال، ومن أن ينالوا ممن تركتموهم وراءكم في " المدينة "، ولتكون هزيمتهم وسلامتكم وغنيمتكم علامة تعتبرون بها، وتستدلون على أن الله حافظكم وناصركم، ويرشدكم طريقا مستقيما لا اعوجاج فيه.
وقد وعدكم الله غنيمة أخرى لم تقدروا عليها، الله سبحانه وتعالى قادر عليها، وهي تحت تدبيره وملكه، وقد وعدكموها، ولا بد مِن وقوع ما وعد به. وكان الله على كل شيء قديرًا لا يعجزه شيء.
ولو قاتلكم كفار قريش ب " مكة " لانهزموا عنكم وولوكم ظهورهم، كما يفعل المنهزم في القتال، ثم لا يجدون لهم من دون الله وليًا يواليهم على حربكم، ولا نصيرًا يعينهم على قتالكم.
﴿ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ( ٢٣ ) ﴾
سنة الله التي سنَّها في خلقه من قبل بنصر جنده وهزيمة أعدائه، ولن تجد -يا محمد- لسنة الله تغييرًا.
﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ( ٢٤ ) ﴾
وهو الذي كفَّ أيدي المشركين عنكم، وأيديكم عنهم ببطن " مكة " من بعد ما قَدَرْتم عليهم، فصاروا تحت سلطانكم ( وهؤلاء المشركون هم الذين خرجوا على عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ب " الحديبية "، فأمسكهم المسلمون ثم تركوهم ولم يقتلوهم، وكانوا نحو ثمانين رجلا ) وكان الله بأعمالكم بصيرًا، لا تخفى عليه خافية.
﴿ هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ( ٢٥ ) ﴾
كفار قريش هم الذين جحدوا توحيد الله، وصدُّوكم يوم " الحديبية " عن دخول المسجد الحرام، ومنعوا الهدي، وحبسوه أن يبلغ محل نحره، وهو الحرم. ولولا رجال مؤمنون مستضعفون ونساء مؤمنات بين أظهر هؤلاء الكافرين ب " مكة "، يكتمون إيمانهم خيفة على أنفسهم لم تعرفوهم ؛ خشية أن تطؤوهم بجيشكم فتقتلوهم، فيصيبكم بذلك القتل إثم وعيب وغرامة بغير علم، لكنَّا سلَّطناكم عليهم ؛ ليدخل الله في رحمته من يشاء فيَمُنَّ عليهم بالإيمان بعد الكفر، لو تميَّز هؤلاء المؤمنون والمؤمنات عن مشركي " مكة " وخرجوا من بينهم، لعذَّبنا الذين كفروا وكذَّبوا منهم عذابًا مؤلمًا موجعًا.
﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ( ٢٦ ) ﴾
إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الأنَفَة أنَفَة الجاهلية ؛ لئلا يقروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك امتناعهم أن يكتبوا في صلح " الحديبية " " بسم الله الرحمن الرحيم " وأبوا أن يكتبوا " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله "، فأنزل الله الطمأنينة على رسوله وعلى المؤمنين معه، وألزمهم قول " لا إله إلا الله " التي هي رأس كل تقوى، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه أحق بكلمة التقوى من المشركين، وكانوا كذلك أهل هذه الكلمة دون المشركين. وكان الله بكل شيء عليمًا لا يخفى عليه شيء.
﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ( ٢٧ ) ﴾
لقد صدق الله رسوله محمدًا رؤياه التي أراها إياه بالحق أنه يدخل هو وأصحابه بيت الله الحرام آمنين، لا تخافون أهل الشرك، محلِّقين رؤوسكم ومقصِّرين، فعلم الله من الخير والمصلحة ( في صرفكم عن " مكة " عامكم ذلك ودخولكم إليها فيما بعد ) ما لم تعلموا أنتم، فجعل مِن دون دخولكم " مكة " الذي وعدتم به، فتحًا قريبًا، وهو هدنة " الحديبية " وفتح " خيبر ".
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ( ٢٨ ) ﴾
هو الذي أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، بالبيان الواضح ودين الإسلام ؛ ليُعْليه على الملل كلها، وحسبك -يا محمد- بالله شاهدًا على أنه ناصرك ومظهر دينك على كل دين.
﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ( ٢٩ ) ﴾
محمد رسول الله، والذين معه على دينه أشداء على الكفار، رحماء فيما بينهم، تراهم ركعًا سُجَّدًا لله في صلاتهم، يرجون ربهم أن يتفضل عليهم، فيدخلهم الجنة، ويرضى عنهم، علامة طاعتهم لله ظاهرة في وجههم من أثر السجود والعبادة، هذه صفتهم في التوراة. وصفتهم في الإنجيل كصفة زرع أخرج ساقه وفرعه، ثم تكاثرت فروعه بعد ذلك، وشدت الزرع، فقوي واستوى قائمًا على سيقانه جميلا منظره، يعجب الزُّرَّاع ؛ ليَغِيظ بهؤلاء المؤمنين في كثرتهم وجمال منظرهم الكفار. وفي هذا دليل على كفر من أبغض الصحابة -رضي الله عنهم- ؛ لأن من غاظه الله بالصحابة، فقد وُجد في حقه موجِب ذاك، وهو الكفر. وعد الله الذين آمنوا منهم بالله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم عنه، مغفرة لذنوبهم، وثوابًا جزيلا لا ينقطع، وهو الجنة. ( ووعد الله حق مصدَّق لا يُخْلَف، وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله عنهم فهو في حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، رضي الله عنهم وأرضاهم ).
سورة الفتح
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الفتح) من السُّوَر المدنية، نزلت في صلحِ (الحُدَيبيَة)، الذي كان بدايةً لفتحِ مكَّة الأعظم، وتحدَّثت عن جهاد المؤمنين، وعن (بَيْعة الرِّضوان)، وعن الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأعراب والمنافقين، كما تحدثت عن صدقِ الرُّؤيا التي رآها الرسولُ صلى الله عليه وسلم؛ وهي دخوله والمسلمين مكَّةَ مطمئنين، وقد تحقَّقت تلك الرؤيا الصادقةُ، وخُتمت بالثناء على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأصحابِه الأخيار الأطهار.

ترتيبها المصحفي
48
نوعها
مدنية
ألفاظها
560
ترتيب نزولها
111
العد المدني الأول
29
العد المدني الأخير
29
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
29

* نزَلتْ سورةُ (الفتح) يوم (الحُدَيبيَة):

عن أبي وائلٍ شَقِيقِ بن سلَمةَ رحمه الله، قال: «كنَّا بصِفِّينَ، فقامَ سهلُ بنُ حُنَيفٍ، فقال: أيُّها الناسُ، اتَّهِموا أنفسَكم؛ فإنَّا كنَّا مع رسولِ اللهِ ﷺ يومَ الحُدَيبيَةِ، ولو نرى قتالًا لقاتَلْنا، فجاءَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ألَسْنا على الحقِّ وهم على الباطلِ؟ فقال: «بلى»، فقال: أليس قَتْلانا في الجنَّةِ وقَتْلاهم في النارِ؟ قال: «بلى»، قال: فعَلَامَ نُعطِي الدَّنيَّةَ في دِينِنا؟ أنَرجِعُ ولمَّا يحكُمِ اللهُ بَيْننا وبَيْنهم؟ فقال: «يا بنَ الخطَّابِ، إنِّي رسولُ اللهِ، ولن يُضيِّعَني اللهُ أبدًا»، فانطلَقَ عُمَرُ إلى أبي بكرٍ، فقال له مِثْلَ ما قال للنبيِّ ﷺ، فقال: إنَّه رسولُ اللهِ، ولن يُضيِّعَه اللهُ أبدًا؛ فنزَلتْ سورةُ الفتحِ، فقرَأَها رسولُ اللهِ ﷺ على عُمَرَ إلى آخِرِها، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، أوَفَتْحٌ هو؟ قال: «نعم»». صحيح البخاري (٣١٨٢).

* قوله تعالى: {لِّيُدْخِلَ اْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلْأَنْهَٰرُ} [الفتح: 5]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحٗا مُّبِينٗا} [الفتح: 1]، قال: الحُدَيبيَةُ، قال أصحابُه: هنيئًا مريئًا، فما لنا؟ فأنزَلَ اللهُ: {لِّيُدْخِلَ اْلْمُؤْمِنِينَ وَاْلْمُؤْمِنَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلْأَنْهَٰرُ} [الفتح: 5]». قال شُعْبةُ: «فقَدِمْتُ الكوفةَ، فحدَّثْتُ بهذا كلِّه عن قتادةَ، ثم رجَعْتُ فذكَرْتُ له، فقال: أمَّا {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} [الفتح: ١]: فعن أنسٍ، وأمَّا «هنيئًا مريئًا»: فعن عِكْرمةَ». أخرجه البخاري (٤١٧٢).

* قوله تعالى: {وَهُوَ اْلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْۚ} [الفتح: 24]:

عن المِسْوَرِ بن مَخرَمةَ ومَرْوانَ بن الحَكَمِ، قالا: «خرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زمَنَ الحُدَيبيَةِ، حتى إذا كانوا ببعضِ الطريقِ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ خالدَ بنَ الوليدِ بالغَمِيمِ في خيلٍ لقُرَيشٍ طليعةً؛ فَخُذُوا ذاتَ اليمينِ، فواللهِ، ما شعَرَ بهم خالدٌ حتى إذا هُمْ بقَتَرةِ الجيشِ، فانطلَقَ يركُضُ نذيرًا لقُرَيشٍ، وسارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان بالثَّنيَّةِ التي يَهبِطُ عليهم منها، برَكتْ به راحِلتُه، فقال الناسُ: حَلْ حَلْ، فألحَّتْ، فقالوا: خلَأتِ القَصْواءُ، خلَأتِ القَصْواءُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ما خلَأتِ القَصْواءُ، وما ذاكَ لها بخُلُقٍ، ولكنْ حبَسَها حابسُ الفيلِ»، ثم قال: «والذي نفسي بيدِه، لا يَسألوني خُطَّةً يُعظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطَيْتُهم إيَّاها»، ثم زجَرَها فوثَبتْ.

قال: فعدَلَ عنهم حتى نزَلَ بأقصى الحُدَيبيَةِ على ثَمَدٍ قليلِ الماءِ، يَتبرَّضُه الناسُ تبرُّضًا، فلَمْ يُلبِثْهُ الناسُ حتى نزَحوه، وشُكِيَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم العطَشُ، فانتزَعَ سهمًا مِن كِنانتِه، ثم أمَرَهم أن يَجعَلوه فيه، فواللهِ، ما زالَ يَجِيشُ لهم بالرِّيِّ حتى صدَرُوا عنه.

فبينما هم كذلك، إذ جاءَ بُدَيلُ بنُ وَرْقاءَ الخُزَاعيُّ في نَفَرٍ مِن قومِه مِن خُزَاعةَ، وكانوا عَيْبةَ نُصْحِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن أهلِ تِهامةَ، فقال: إنِّي ترَكْتُ كعبَ بنَ لُؤَيٍّ وعامرَ بنَ لُؤَيٍّ نزَلوا أعدادَ مياهِ الحُدَيبيَةِ، ومعهم العُوذُ المَطَافِيلُ، وهم مُقاتِلوك وصادُّوك عن البيتِ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّا لم نَجِئْ لِقتالِ أحدٍ، ولكنَّا جِئْنا معتمِرِينَ، وإنَّ قُرَيشًا قد نَهِكَتْهم الحربُ، وأضَرَّتْ بهم، فإن شاؤوا مادَدتُّهم مُدَّةً، ويُخَلُّوا بَيْني وبَيْنَ الناسِ، فإنْ أظهَرْ: فإن شاؤوا أن يدخُلوا فيما دخَلَ فيه الناسُ فعَلوا، وإلا فقد جَمُّوا، وإنْ هم أبَوْا، فوالذي نفسي بيدِه، لَأُقاتِلَنَّهم على أمري هذا حتى تنفرِدَ سالفتي، وَلَيُنفِذَنَّ اللهُ أمرَه»، فقال بُدَيلٌ: سأُبلِّغُهم ما تقولُ.

قال: فانطلَقَ حتى أتى قُرَيشًا، قال: إنَّا قد جِئْناكم مِن هذا الرَّجُلِ، وسَمِعْناه يقولُ قولًا، فإن شِئْتم أن نَعرِضَه عليكم فعَلْنا، فقال سفهاؤُهم: لا حاجةَ لنا أن تُخبِرَنا عنه بشيءٍ، وقال ذَوُو الرأيِ منهم: هاتِ ما سَمِعْتَه يقولُ، قال: سَمِعْتُه يقولُ كذا وكذا، فحدَّثَهم بما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

فقام عُرْوةُ بنُ مسعودٍ، فقال: أيْ قومِ، ألَسْتم بالوالدِ؟ قالوا: بلى، قال: أوَلَسْتُ بالولدِ؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتَّهِموني؟ قالوا: لا، قال: ألَسْتم تَعلَمون أنِّي استنفَرْتُ أهلَ عُكَاظَ، فلمَّا بلَّحُوا عليَّ، جِئْتُكم بأهلي وولَدي ومَن أطاعني؟ قالوا: بلى، قال: فإنَّ هذا قد عرَضَ لكم خُطَّةَ رُشْدٍ، اقبَلوها ودَعُوني آتِيهِ، قالوا: ائتِهِ، فأتاه، فجعَلَ يُكلِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم نحوًا مِن قولِه لبُدَيلٍ، فقال عُرْوةُ عند ذلك: أيْ مُحمَّدُ، أرأَيْتَ إنِ استأصَلْتَ أمرَ قومِك، هل سَمِعْتَ بأحدٍ مِن العرَبِ اجتاحَ أهلَه قَبْلَك؟ وإن تكُنِ الأخرى، فإنِّي واللهِ لَأرى وجوهًا، وإنِّي لَأرى أوشابًا مِن الناسِ خليقًا أن يَفِرُّوا ويدَعُوك، فقال له أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ: امصَصْ ببَظْرِ اللَّاتِ، أنَحْنُ نَفِرُّ عنه وندَعُه؟! فقال: مَن ذا؟ قالوا: أبو بكرٍ، قال: أمَا والذي نفسي بيدِه، لولا يدٌ كانت لك عندي لم أَجْزِكَ بها، لَأجَبْتُك، قال: وجعَلَ يُكلِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكلَّما تكلَّمَ أخَذَ بلِحْيتِه، والمُغِيرةُ بنُ شُعْبةَ قائمٌ على رأسِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومعه السَّيْفُ، وعليه المِغفَرُ، فكلَّما أهوى عُرْوةُ بيدِه إلى لِحْيةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ضرَبَ يدَه بنَعْلِ السَّيْفِ، وقال له: أخِّرْ يدَكَ عن لِحْيةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فرفَعَ عُرْوةُ رأسَه، فقال: مَن هذا؟ قالوا: المُغِيرةُ بنُ شُعْبةَ، فقال: أيْ غُدَرُ، ألَسْتُ أسعى في غَدْرتِك؟ وكان المُغِيرةُ صَحِبَ قومًا في الجاهليَّةِ فقتَلَهم، وأخَذَ أموالَهم، ثم جاءَ فأسلَمَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا الإسلامَ فأقبَلُ، وأمَّا المالَ فلَسْتُ منه في شيءٍ»، ثم إنَّ عُرْوةَ جعَلَ يرمُقُ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعَيْنَيهِ، قال: فواللهِ، ما تنخَّمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نُخَامةً إلا وقَعتْ في كَفِّ رجُلٍ منهم، فدلَكَ بها وجهَه وجِلْدَه، وإذا أمَرَهم ابتدَرُوا أمرَه، وإذا توضَّأَ كادوا يقتتِلون على وَضوئِه، وإذا تكلَّمَ خفَضوا أصواتَهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النَّظَرَ تعظيمًا له ، فرجَعَ عُرْوةُ إلى أصحابِه، فقال: أيْ قومِ، واللهِ، لقد وفَدتُّ على الملوكِ، ووفَدتُّ على قَيصَرَ وكِسْرَى والنَّجاشيِّ، واللهِ، إنْ رأَيْتُ مَلِكًا قطُّ يُعظِّمُه أصحابُه ما يُعظِّمُ أصحابُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُحمَّدًا، واللهِ، إنْ تَنخَّمَ نُخَامةً إلا وقَعتْ في كَفِّ رجُلٍ منهم، فدلَكَ بها وجهَه وجِلْدَه، وإذا أمَرَهم ابتدَرُوا أمرَه، وإذا توضَّأَ كادُوا يقتتِلون على وَضوئِه، وإذا تكلَّمَ خفَضوا أصواتَهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النَّظَرَ تعظيمًا له، وإنَّه قد عرَضَ عليكم خُطَّةَ رُشْدٍ فاقبَلوها.

فقال رجُلٌ مِن بني كِنانةَ: دَعُوني آتِيهِ، فقالوا: ائتِهِ، فلمَّا أشرَفَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «هذا فلانٌ، وهو مِن قومٍ يُعظِّمون البُدْنَ، فابعَثوها له»، فبُعِثتْ له، واستقبَلَه الناسُ يُلَبُّون، فلمَّا رأى ذلك، قال: سُبْحانَ اللهِ! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا عن البيتِ! فلمَّا رجَعَ إلى أصحابِه، قال: رأَيْتُ البُدْنَ قد قُلِّدتْ وأُشعِرتْ، فما أرى أن يُصَدُّوا عن البيتِ.

فقامَ رجُلٌ منهم يقالُ له: مِكْرَزُ بنُ حَفْصٍ، فقال: دعُوني آتِيهِ، فقالوا: ائتِهِ، فلمَّا أشرَفَ عليهم، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هذا مِكْرَزٌ، وهو رجُلٌ فاجرٌ»، فجعَلَ يُكلِّمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبَيْنما هو يُكلِّمُه، إذ جاءَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو، قال مَعمَرٌ: فأخبَرَني أيُّوبُ، عن عِكْرمةَ: أنَّه لمَّا جاءَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لقد سهُلَ لكم مِن أمرِكم».

قال مَعمَرٌ: قال الزُّهْريُّ في حديثِه: فجاء سُهَيلُ بنُ عمرٍو، فقال: هاتِ اكتُبْ بَيْننا وبَيْنكم كتابًا، فدعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الكاتبَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ»، قال سُهَيلٌ: أمَّا الرَّحْمنُ، فواللهِ ما أدري ما هو، ولكنِ اكتُبْ باسمِك اللهمَّ كما كنتَ تكتُبُ، فقال المسلمون: واللهِ، لا نكتُبُها إلا بسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «اكتُبْ باسمِك اللهمَّ»، ثم قال: «هذا ما قاضَى عليه مُحمَّدٌ رسولُ اللهِ»، فقال سُهَيلٌ: واللهِ، لو كنَّا نَعلَمُ أنَّك رسولُ اللهِ، ما صدَدْناك عن البيتِ، ولا قاتَلْناك، ولكنِ اكتُبْ: مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «واللهِ، إنِّي لَرسولُ اللهِ، وإن كذَّبْتموني، اكتُبْ: مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ»، قال الزُّهْريُّ: وذلك لقولِه: «لا يَسألوني خُطَّةً يُعظِّمون فيها حُرُماتِ اللهِ إلا أعطَيْتُهم إيَّاها»، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «على أن تُخَلُّوا بَيْننا وبَيْنَ البيتِ فنطُوفَ به»، فقال سُهَيلٌ: واللهِ، لا تَتحدَّثُ العرَبُ أنَّا أُخِذْنا ضُغْطةً، ولكنْ ذلك مِن العامِ المقبِلِ، فكتَبَ، فقال سُهَيلٌ: وعلى أنَّه لا يأتيك منَّا رجُلٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، قال المسلمون: سُبْحانَ اللهِ! كيف يُرَدُّ إلى المشركين وقد جاء مسلِمًا؟!

فبَيْنما هم كذلك، إذ دخَلَ أبو جَنْدلِ بنُ سُهَيلِ بنِ عمرٍو يرسُفُ في قيودِه، وقد خرَجَ مِن أسفَلِ مكَّةَ حتى رمَى بنفسِه بين أظهُرِ المسلمين، فقال سُهَيلٌ: هذا - يا مُحمَّدُ - أوَّلُ ما أُقاضيك عليه أن ترُدَّه إليَّ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّا لم نَقْضِ الكتابَ بعدُ»، قال: فواللهِ، إذًا لم أُصالِحْك على شيءٍ أبدًا، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فأجِزْهُ لي»، قال: ما أنا بمُجيزِهِ لك، قال: «بلى فافعَلْ»، قال: ما أنا بفاعلٍ، قال مِكْرَزٌ: بل قد أجَزْناه لك.

قال أبو جَنْدلٍ: أيْ معشرَ المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جِئْتُ مسلِمًا؟! ألَا ترَوْنَ ما قد لَقِيتُ؟! وكان قد عُذِّبَ عذابًا شديدًا في اللهِ.

قال: فقال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: فأتَيْتُ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: ألَسْتَ نبيَّ اللهِ حقًّا؟! قال: «بلى»، قلتُ: ألَسْنا على الحقِّ، وعدُوُّنا على الباطلِ؟! قال: «بلى»، قلتُ: فلِمَ نُعطِي الدَّنيَّةَ في دِينِنا إذًا؟ قال: «إنِّي رسولُ اللهِ، ولستُ أعصيه، وهو ناصري»، قلتُ: أوَليس كنتَ تُحدِّثُنا أنَّا سنأتي البيتَ فنطُوفُ به؟ قال: «بلى، فأخبَرْتُك أنَّا نأتيه العامَ؟!»، قال: قلتُ: لا، قال: «فإنَّك آتِيهِ، ومُطَّوِّفٌ به»، قال: فأتَيْتُ أبا بكرٍ، فقلتُ: يا أبا بكرٍ، أليس هذا نبيَّ اللهِ حقًّا؟ قال: بلى، قلتُ: ألَسْنا على الحقِّ وعدُوُّنا على الباطلِ؟ قال: بلى، قلتُ: فلِمَ نُعطِي الدَّنيَّةَ في دِينِنا إذًا؟ قال: أيُّها الرَّجُلُ، إنَّه لَرسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وليس يَعصِي ربَّه، وهو ناصِرُه؛ فاستمسِكْ بغَرْزِه؛ فواللهِ، إنَّه على الحقِّ، قلتُ: أليس كان يُحدِّثُنا أنَّا سنأتي البيتَ ونطُوفُ به؟ قال: بلى، أفأخبَرَك أنَّك تأتيه العامَ؟ قلتُ: لا، قال: فإنَّك آتِيهِ ومطَّوِّفٌ به.

قال الزُّهْريُّ: قال عُمَرُ: فعَمِلْتُ لذلك أعمالًا.

قال: فلمَّا فرَغَ مِن قضيَّةِ الكتابِ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه: «قُومُوا فانحَروا، ثم احلِقوا»، قال: فواللهِ، ما قامَ منهم رجُلٌ، حتى قال ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا لم يقُمْ منهم أحدٌ، دخَلَ على أمِّ سلَمةَ، فذكَرَ لها ما لَقِيَ مِن الناسِ، فقالت أمُّ سلَمةَ: يا نبيَّ اللهِ، أتُحِبُّ ذلك؟! اخرُجْ ثم لا تُكلِّمْ أحدًا منهم كلمةً حتى تَنحَرَ بُدْنَك، وتدعوَ حالِقَك فيَحلِقَك، فخرَجَ فلم يُكلِّمْ أحدًا منهم حتى فعَلَ ذلك؛ نحَرَ بُدْنَه، ودعَا حالِقَه فحلَقَه، فلمَّا رأَوْا ذلك قامُوا فنحَرُوا، وجعَلَ بعضُهم يَحلِقُ بعضًا، حتى كادَ بعضُهم يقتُلُ بعضًا غمًّا.

ثم جاءَه نِسْوةٌ مؤمِناتٌ؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] حتى بلَغَ {بِعِصَمِ اْلْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فطلَّقَ عُمَرُ يومَئذٍ امرأتَينِ كانتا له في الشِّرْكِ، فتزوَّجَ إحداهما مُعاويةُ بنُ أبي سُفْيانَ، والأخرى صَفْوانُ بنُ أُمَيَّةَ.

ثم رجَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، فجاءَه أبو بَصِيرٍ - رجُلٌ مِن قُرَيشٍ - وهو مسلِمٌ، فأرسَلوا في طلَبِه رجُلَينِ، فقالوا: العهدَ الذي جعَلْتَ لنا، فدفَعَه إلى الرَّجُلَينِ، فخرَجَا به حتى بلَغَا ذا الحُلَيفةِ، فنزَلوا يأكلون مِن تَمْرٍ لهم، فقال أبو بَصِيرٍ لأحدِ الرَّجُلَينِ: واللهِ، إنِّي لَأرى سَيْفَك هذا يا فلانُ جيِّدًا، فاستَلَّه الآخَرُ، فقال: أجَلْ، واللهِ، إنَّه لَجيِّدٌ، لقد جرَّبْتُ به، ثم جرَّبْتُ، فقال أبو بَصِيرٍ: أرِني أنظُرْ إليه، فأمكَنَه منه، فضرَبَه حتى برَدَ، وفَرَّ الآخَرُ حتى أتى المدينةَ، فدخَلَ المسجدَ يعدو، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ رآه: «لقد رأى هذا ذُعْرًا»، فلمَّا انتهى إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: قُتِلَ - واللهِ - صاحبي، وإنِّي لَمقتولٌ، فجاءَ أبو بَصِيرٍ، فقال: يا نبيَّ اللهِ، قد - واللهِ - أوفى اللهُ ذِمَّتَك، قد ردَدتَّني إليهم، ثم أنجاني اللهُ منهم، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلُ أُمِّهِ! مِسْعَرَ حَرْبٍ لو كان له أحدٌ»، فلمَّا سَمِعَ ذلك، عرَفَ أنَّه سيرُدُّه إليهم، فخرَجَ حتى أتى سِيفَ البحرِ.

قال: وينفلِتُ منهم أبو جَنْدلِ بنُ سُهَيلٍ، فلَحِقَ بأبي بَصِيرٍ، فجعَلَ لا يخرُجُ مِن قُرَيشٍ رجُلٌ قد أسلَمَ إلا لَحِقَ بأبي بَصِيرٍ، حتى اجتمَعتْ منهم عِصابةٌ؛ فواللهِ، ما يَسمَعون بِعِيرٍ خرَجتْ لقُرَيشٍ إلى الشَّأمِ إلا اعترَضوا لها، فقتَلوهم وأخَذوا أموالَهم، فأرسَلتْ قُرَيشٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم تُناشِدُه باللهِ والرَّحِمِ، لَمَا أرسَلَ: فمَن أتاه فهو آمِنٌ، فأرسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليهم؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَهُوَ اْلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْۚ} [الفتح: 24] حتى بلَغَ {اْلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ اْلْجَٰهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]، وكانت حَمِيَّتُهم أنَّهم لم يُقِرُّوا أنَّه نبيُّ اللهِ، ولم يُقِرُّوا ببِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، وحالُوا بَيْنَهم وبَيْنَ البيتِ». أخرجه البخاري (٢٧٣١).

* سورة (الفتح):

سُمِّيت سورةُ (الفتح) بهذا الاسم؛ لأنها افتُتحت بذكرِ بشرى الفتح للمؤمنين؛ قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحٗا مُّبِينٗا} [الفتح: 1].

* وصَف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سورة (الفتح) يومَ نزلت بأنها أحَبُّ إليه مما طلَعتْ عليه الشمسُ:

عن أسلَمَ مولى عُمَرَ بن الخطابِ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَسِيرُ في بعضِ أسفارِه، وعُمَرُ بنُ الخطَّابِ يَسِيرُ معه ليلًا، فسألَه عُمَرُ عن شيءٍ، فلم يُجِبْهُ رسولُ اللهِ ﷺ، ثم سألَه فلم يُجِبْهُ، ثم سألَه فلم يُجِبْهُ، فقال عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أمُّك؛ نزَرْتَ رسولَ اللهِ ﷺ ثلاثَ مرَّاتٍ، كلَّ ذلك لا يُجِيبُك، قال عُمَرُ: فحرَّكْتُ بعيري حتى كنتُ أمامَ الناسِ، وخَشِيتُ أن يَنزِلَ فيَّ قرآنٌ، فما نَشِبْتُ أنْ سَمِعْتُ صارخًا يصرُخُ بي، قال: فقلتُ: لقد خَشِيتُ أن يكونَ نزَلَ فيَّ قرآنٌ، قال: فجِئْتُ رسولَ اللهِ ﷺ، فسلَّمْتُ عليه، فقال: «لقد أُنزِلتْ عليَّ الليلةَ سورةٌ لَهِيَ أحَبُّ إليَّ ممَّا طلَعتْ عليه الشمسُ»، ثم قرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحٗا مُّبِينٗا} [الفتح: 1]». أخرجه البخاري (٥٠١٢).

1. صلحُ (الحُدَيبيَة)، وآثارُه (١-٧).

2. مهامُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومغزى (بَيْعة الرِّضوان) (٨-١٠).

3. أحوال المتخلِّفين عن (الحُدَيبيَة) (١١-١٧).

4. (بَيْعة الرِّضوان)، وآثارها الخَيِّرة (١٨-٢٤).

5. أسباب وآثار الصلح (٢٥-٢٦).

6. تحقيق رؤيا النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأوصافُه، وأصحابه (٢٧-٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /288).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: اسمُها الذي يعُمُّ فَتْحَ مكَّةَ، وما تقدَّمَه من صلح الحُدَيبيَة، وفتحِ خَيْبَرَ، ونحوِهما، وما تفرَّعَ عنه من إسلامِ أهل جزيرة العرب، وقتالِ أهل الرِّدة، وفتوح جميع البلاد، الذي يجمعه كلَّه إظهارُ هذا الدِّين على الدِّين كله.

وهذا كلُّه في غاية الظهور؛ بما نطق به ابتداؤها وأثناؤها، في مواضعَ منها: {لَّقَدْ صَدَقَ اْللَّهُ رَسُولَهُ اْلرُّءْيَا بِاْلْحَقِّۖ}[الفتح:27].

وانتهاؤها: {لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى اْلدِّينِ كُلِّهِ}[الفتح:28]، {مُّحَمَّدٞ رَّسُولُ اْللَّهِۚ} [الفتح: 29] إلى قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ اْلْكُفَّارَۗ} [الفتح:29]؛ أي: بالفتحِ الأعظم، وما دُونَه من الفتوحات». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /492).