تفسير سورة النحل

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة النحل من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٢٧٧- قالت العلماء : إن أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق قوله –عز وجل :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ﴾. ( ت : ٢٤/٣٣٤ )
٢٧٨- أخبرنا عيسى بن سعيد، حدثنا مقسم، حدثنا أبو بكر محمد بن حمدان، حدثنا أبو محمد أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن عثمان بن نافع بن السائب، عن عبد يزيد بن هشام بن عبد المطلب بن عبد مناف، قال : سمعت سفيان بن عيينة، وقد سئل عن المروءة ما هي ؟ قال : الإنصاف من نفسك، والتفضل على غيرك، ألم تسمع قول الله تعالى :﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ﴾، لا تتم المروءة إلا بهما، العدل : هو الإنصاف، والإحسان : التفضل. ( بهجة المجالس : ٢/٦٤٥-٦٤٦ )
٢٧٩- قال الحسن وعكرمة في قول الله- عز وجل- :﴿ فلنحيينه حياة طيبة ﴾، قالا : الفاتحة١. ( المصدر السابق : ٣/٣٠٢ ).
١ انظر جامع البيان: ١٤/١٧١..
٢٨٠- أما قول الله- عز وجل- :﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ﴾، فذلك – عندي والله أعلم- الكذب على الله، أو على رسوله. ( ت : ١٦/٢٥٥ )
٢٨١- قال أبو عمر – رحمه الله- : كان عمار١ ما أرادوا بلسانه، واطمأن بالإيمان قلبه، فنزلت فيه :﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾، وهذا مما اجتمع أهل التفسير عليه٢. ( الاستيعاب : ٣/١١٣٦ )
٢٨٢- قال أبو عمر : اختلف العلماء في طلاق المكره، فذهب مالك، والشافعي، وأصحابهما، والحسن بن حي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود إلى أن طلاق المكره لا يلزم ولا يقع ولا يصح، والحجة لهم قول الله- عز وجل- :﴿ إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ﴾، فنفى الكفر باللسان إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان، فكذلك الطلاق إذا لم يرده بقلبه، ولم ينوه، ولم يقصده، لم يلزمه. ( س : ١٨/١٥٠-١٥٢ )
١ هو عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس بن حصين العنسي، ثم المذحجي، يكنى أبا اليقطان، حليف لبني مخزوم، هاجر إلى أرض الحبشة، وصلى القبلتين وهو من المهاجرين الأولين، ثم شهد بدرا والمشاهد كلها. قتل يوم صفين سنة ٣٧هـ ودفنه علي- رضي الله عنه- في ثيابه ولم يصل عليه. انظر الاستيعاب: ٣/١١٣٥-١١٤١..
٢ انظر جامع البيان: ١٢/١٨١-١٨٢..
٢٨٣- قال ابن مسعود في قول الله- عز وجل- :﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتا ﴾، قال : الأمة : المعلم للخير، والقانت : المطيع١. ( جامع بيان العلم وفضله : ١/١٥٠ )
١ أخرجه ابن جرير بسنده إلى ابن مسعود. انظر جامع البيان: ١٢/١٩١..
٢٨٤- قال قتادة : هو الاختتان.
قال أبو عمر : ذهب إلى هذا بعض أصحابنا المالكين، إلا أنه عندهم في الرجال، وقد يحتمل أن تكون ملة إبراهيم المأمور بإتباعها التوحيد، بدليل قوله :﴿ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ﴾١. ( ت : ٢١/٥٩ )
١ سورة المائدة: ٥٠..
٢٨٥- روى صالح المري١، عن سليمان التميمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم- على حمزة. وقد قتل ومثل به، فلم ير منظرا كان أوجع لقلبه منه، فقال :( رحمك الله أي عم، فلقد كنت وصولا للرحم، فعولا للخيرات، فو الله لئن أظفرني الله بالقوم لأمثلن بسبعين منهم ). قال : فما برح حتى نزلت :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :( بل نصبر )، وكفر عن يمينه٢. ( الاستيعاب : ١/٣٧٤ )
١ هو ابن بشر بن وادع بن أبي الأقعس أبو بشر البصري القاصر المعروف بالمري، روى عن الحسن، وابن سيرين، وقتادة، وهشام بن حسان... وعنه أبو النضر، ويونس بن محمد، والهيثم بن الربيع، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وآخرون، توفي سنة: ١٧٦هـ انظر صفة الصفوة: ٣/٣٥٢. والتهذيب: ٤/٣٨٢..
٢ ذكره السيوطي في الدر: ٥/١٧٩. ونسبه لابن سعد، والبزار، وابن المنذر، وابن مردويه، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، من حديث أبي هريرة..
سورة النحل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (النَّحْلِ) مِن السُّوَر المكية التي بيَّنتْ عظمةَ الله عز وجل وقُدْرتَه في هذا الكون، وقد جاءت بأدلةٍ وإثباتات على وَحْدانية الله عز وجل، لا سيما بديع صُنْعِه في خَلْقِه؛ ومن ذلك: إيحاؤه للنَّحْلِ أن تصنعَ بيوتها بهذه الكيفية وهذه الطريقة، وكذا ما أودَعه اللهُ عز وجل في هذا المخلوقِ من أسرارٍ وعجائبَ تدلُّ على قدرته تعالى، وتفرُّدِه في الألوهية، وقد جاءت السورةُ على ذِكْرِ مشاهدِ يوم القيامة، وما يَتبَع ذلك اليومَ من أهوالٍ.

ترتيبها المصحفي
16
نوعها
مكية
ألفاظها
1845
ترتيب نزولها
70
العد المدني الأول
128
العد المدني الأخير
128
العد البصري
128
العد الكوفي
128
العد الشامي
128

* قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ} [النحل: 126]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ أُحُدٍ، أُصِيبَ مِن الأنصارِ أربعةٌ وسِتُّون رجُلًا، ومِن المهاجِرِين سِتَّةٌ؛ منهم حَمْزةُ، فمثَّلوا بهم، فقالت الأنصارُ: لَئِنْ أصَبْنا منهم يومًا مِثْلَ هذا، لَنُرْبِيَنَّ عليهم، قال: فلمَّا كان يومُ فَتْحِ مكَّةَ، فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ} [النحل: 126]، فقال رجُلٌ: لا قُرَيشَ بعد اليومِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: كُفُّوا عن القومِ إلا أربعةً»». سنن الترمذي (٣١٢٩).

سورةُ (النَّحْلِ):

سُمِّيتْ سورةُ (النَّحْلِ) بذلك؛ لذِكْرِ النَّحْلِ فيها، ولم يُذكَرْ في سورةٍ أخرى غيرِها.

اشتمَلتِ السورةُ على عدَّة موضوعات؛ بيانها كالآتي:

1. إثبات وَحْدانية الله تعالى (١-٢).

2. أدلة على وحدانيته تعالى (٣-١٦).

3. اللهُ الخالق المنعم القادر، وعَجْزُ المعبودين غيرِه (١٧- ٢١).

4. ذمُّ المتكبِّرين، ومدحُ المتقين (٢٢-٣٥).

5. عاقبة المكذِّبين بالرُّسل واليوم الآخر، وجزاء المؤمنين (٣٦- ٥٠).

6. أدلةٌ أخرى على توحيد الألوهية (٥١- ٦٤).

7. تتمة نِعَم الله الدالة على التوحيد، يَتخلَّلها ضربُ الأمثلة (٦٦-٨٣).

8. من مشاهدِ يوم القيامة (٨٤- ٨٩).

9. توجيهات حول مكارمِ الأخلاق (٩٠- ٩٧).

10. التأدُّب بآداب القرآن، وردُّ الافتراءات (٩٨- ١١١).

11. ضربُ الأمثلة (١١٢- ١١٩).

12. أهمية الدعوة، وأساليبها (١٢٠- ١٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /131).

دلَّ اسمُ السورة على مقصودِها؛ وهو - كما ذكَره البقاعيُّ -: "الدَّلالة على أنَّه تعالى تامُّ القدرة والعلم، فاعلٌ بالاختيار، مُنزَّه عن شوائبِ النَّقص، وأدلُّ ما فيها على هذا المعنى: أمرُ النَّحْلِ؛ لِما ذُكِر من شأنها في دقةِ الفهم؛ في ترتيبِ بيوتها على شكل التَّسديسِ ترتيبًا لا يصل إليه أكابرُ المهندسين إلا بعد تكامُلٍ كبير، وقانونٍ يَقِيسون به ذلك التَّقدير، وذلك على وجهٍ هو أنفَعُ الوجوه لها، وفي رَعْيِها، وسائر أمرها؛ من اختلافِ ألوان ما يخرُجُ منها مِن أعسالها وشموعها، وجَعْلِ الشَّمْعِ نورًا وضياءً، والعسلِ بركةً وشفاءً، مع أَكْلِها من كلِّ الثمار، النافعِ منها والضارِّ، وغير ذلك من الأسرار". "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /213-214).