تفسير سورة النّاس

تفسير السمعاني

تفسير سورة سورة الناس من كتاب تفسير السمعاني المعروف بـتفسير السمعاني.
لمؤلفه أبو المظفر السمعاني . المتوفي سنة 489 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الناس، وهي مدنية.

قَوْله تَعَالَى: ﴿قل أعوذ بِرَبّ النَّاس ملك النَّاس إِلَه النَّاس من شَرّ الوسواس الخناس﴾ هُوَ الشَّيْطَان، وَالْمعْنَى من شَرّ الشَّيْطَان ذِي الوسواس، وَيُقَال: سمى وسواسا؛ لِأَنَّهُ يجثم، فَإِن ذكر العَبْد ربه خنس _ أَي تَأَخّر - وَإِن لم يذكر: وسوس.
وَفِي رِوَايَة: الْتَقم ووسوس أَي الْقلب.
وَفِيه خبر صَحِيح على هَذَا الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿الخناس﴾ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا يَعْنِي: إِذا ذكر العَبْد ربه وَسبح رَجَعَ أَي: تَأَخّر وخنس وَتَنَحَّى.
قوله تعالى :﴿ من شر الوسواس الخناس ﴾ هو الشيطان، والمعنى من شر الشيطان ذي الوسواس، ويقال : سمى وسواسا ؛ لأنه يجثم، فإن ذكر العبد ربه خنس - أي تأخر - وإن لم يذكر : وسوس. وفي رواية : التقم ووسوس، أي القلب. وفيه خبر صحيح على هذا المعنى.
وقوله :( الخناس ) معناه ما قلنا، يعني : إذا ذكر العبد ربه وسبح رجع، أي : تأخر وخنس وتنحى.
وَقَوله: ﴿الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس﴾ هُوَ الشَّيْطَان.
وَقَوله: ﴿من الْجنَّة﴾ أَي: من الْجِنّ.
وَقَوله: ﴿وَالنَّاس﴾ أَي: وَمن النَّاس.
وَالْمعْنَى: أَنه أمره بالاستعاذة من شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس، والشيطان كل متمرد سَوَاء كَانَ جنيا أَو إنسيا، وَقد ورد فِي الْأَخْبَار الْمَعْرُوفَة " أَن النَّبِي كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام قَرَأَ سُورَة الْإِخْلَاص والمعوذتين، وينفث فِي كفيه، ثمَّ يمسح بكفيه مَا اسْتَطَاعَ من جسده، وَيبدأ بِوَجْهِهِ وَرَأسه ".
وروى أَنه كَانَ يعوذ بهما الْحسن وَالْحُسَيْن - رَضِي الله عَنْهُمَا - وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ بِرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ: حَدثنِي قيس بن أبي حَازِم، عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ،
308
عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " قد أنزل الله تَعَالَى عليّ آيَات لم ير مِثْلهنَّ ﴿قل أعوذ بِرَبّ النَّاس﴾ إِلَى آخر السُّورَة، و ﴿قل أعوذ بِرَبّ الفلق﴾ إِلَى آخر السُّورَة " قَالَ: وَهُوَ حَدِيث حسن صَحِيح.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بذلك أَبُو عبد الله عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن سراج السبخي، أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس بن مَحْبُوب أخبرنَا أَبُو عِيسَى الْحَافِظ، أخبرنَا مُحَمَّد بن بشار، أخبرنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد.. الحَدِيث.
فَإِن قَالَ قَائِل: لمَ لمْ يكْتب ابْن مَسْعُود هَاتين السورتين فِي مصحفه؟ وَهل يجوز أَن يشْتَبه على أحد أَنَّهُمَا من الْقُرْآن أَو ليستا من الْقُرْآن؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن حَمَّاد بن سَلمَة روى عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة، عَن زر بن حُبَيْش قَالَ: قلت لأبي بن كَعْب: إِن ابْن مَسْعُود لم يكْتب فِي مصحفه المعوذتين! فَقَالَ أبي: قَالَ رَسُول الله: " قَالَ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - ﴿قل أعوذ بِرَبّ الفلق﴾ فقلتها، وَقَالَ ﴿قل أعوذ بِرَبّ النَّاس﴾ فقلتها " فَنحْن نقُول: يَقُول رَسُول الله.
كَأَن أَبَيَا وَافق ابْن مَسْعُود.
قَالَ رَضِي الله عَنهُ: أخبرنَا بِهَذَا الحَدِيث أَبُو الْحُسَيْن بن النقور، أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم بن حبابة، أخبرنَا الْبَغَوِيّ، أخبرنَا هدبة، عَن حَمَّاد بن سَلمَة.
الحَدِيث خرجه مُسلم فِي الصَّحِيح فَيجوز أَن ابْن مَسْعُود وأبيا من كَثْرَة مَا سمعا النَّبِي يقْرَأ هَاتين السورتين ويتعوذ بهما ظنا أَنَّهُمَا عوذة، فَلم يثبتاهما فِي الْمُصحف، وَقد قيل: إنَّهُمَا مكتوبتان فِي مصحف أبي.
309
وَذكر بَعضهم أَن عبد الله بن مَسْعُود لم يشْتَبه عَلَيْهِ أَنَّهُمَا من الْقُرْآن، وَلَكِن لم يكتبهما لشهرتهما، كَمَا ترك كتبة سُورَة الْفَاتِحَة لشهرتها، وَالله أعلم وَأحكم بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب.
وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا.
310
سورة الناس
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الناس) من السُّوَر المكية، وتسمى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ)، ومحورها يدور حول تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الالتجاءَ إلى الله عز وجل؛ ليَحمِيَهم ويُعِيذَهم من شرِّ الخلق الظاهر والباطن، وقد أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءتها في غير موضع: بعد كل صلاةٍ، وصباحًا ومساءً، وكان صلى الله عليه وسلم إذا تأذى أحدٌ من أهلِ بيته قرأ عليه (المُعوِّذتَينِ)، وفيها الاستعاذة من الشيطان الذي يوسوس ليُفسِدَ الأعمال.

ترتيبها المصحفي
114
نوعها
مكية
ألفاظها
20
ترتيب نزولها
21
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
7

* سورة (النَّاس):

سُمِّيت سورة (النَّاس) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقول الله عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ} [الناس: 1].

* وتُسمَّى مع سورة (الفَلَق) بـ(المُعوِّذتَينِ):

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَتعوَّذُ مِن عينِ الجانِّ، وعينِ الإنسِ، فلمَّا نزَلتِ المُعوِّذتانِ، أخَذَ بهما، وترَكَ ما سِوى ذلك». أخرجه النسائي (٥٥٠٩).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

* كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرقِي أهلَه بـ(المُعوِّذات):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا مَرِضَ أحدٌ مِن أهلِ بيتِه، نفَثَ عليه بالمُعوِّذاتِ...». أخرجه مسلم (٢١٩٢).

* وصفهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنْ لا مثيلَ لهن:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «ألَمْ ترَ آياتٍ أُنزِلتِ اللَّيلةَ لم يُرَ مِثْلُهنَّ قطُّ؟! {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}». أخرجه مسلم (٨١٤).

قرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (المُعوِّذتَينِ) في غير موضع:

* في صلاة الفجر:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ أَمَّهم بالمُعوِّذتَينِ في صلاةِ الصُّبْحِ». أخرجه ابن حبان (١٨١٨).

* في الوتر:

عن عبدِ العزيزِ بن جُرَيجٍ، قال: «سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان يُوتِرُ رسولُ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان يَقرأُ في الركعةِ الأُولى بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، والمُعوِّذتَينِ». أخرجه أحمد (25906).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) صباحًا ومساءً:

عن عبدِ اللهِ بن خُبَيبٍ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا في ليلةِ مطَرٍ وظُلْمةٍ شديدةٍ نطلُبُ رسولَ اللهِ ﷺ ليُصلِّيَ لنا، فأدرَكْناه، فقال: «أصلَّيْتم؟»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، فقال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فلَمْ أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قُلْ»، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} والمُعوِّذتَينِ حينَ تُمسِي وحينَ تُصبِحُ ثلاثَ مرَّاتٍ: تَكفِيك مِن كلِّ شيءٍ»». أخرجه أبو داود (٥٠٨٢).

* أمَر صلى الله عليه وسلم بقراءة (المُعوِّذتَينِ) بعد كل صلاة:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «أمَرَني النبيُّ ﷺ أن أقرَأَ المُعوِّذاتِ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ». أخرجه أبو داود (١٥٢٣).

الاستعاذة بالله من شرِّ الخلق الباطن (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /481).

إرشاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَتعوَّذَ من شرِّ الوسواس الذي يُفسِد الأعمالَ؛ فالله هو المُجِيرُ والحافظ من الشرور كلِّها.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /632)